المسلمون في بلجيكا.. صراع الاعتراف والتمييز

خاض مسلمو إقليم فلاندرن في بلجيكا رحلةً طويلةً لنيل الاعتراف ورفض التمييز، ولكن صعود اليمين المتطرف وَضَعهم في أزمةٍ وقلقٍ من المستقبل.

Share
المسلمون في بلجيكا.. صراع الاعتراف والتمييز
تزايدت التحديات أمام المسلمين في بلجيكا | تصميم خاص بالفِراتْس

بداية الستينيات، انتبهت دول غرب أوروبا إلى تناقص مواليدها واحتياجها لأيدٍ عاملةٍ تمكّنها من مواصلة تعافيها الاقتصادي عقب الحرب العالمية الثانية. وسعياً إلى سدّ احتياجها من الأيدي العاملة الرخيصة، وقّعت بلجيكا سنة 1964 اتفاقيات هجرةٍ مع تركيا والمغرب. فتزاحَم طالبو الهجرة على مكاتب الاستقدام. ركّزت عروض العمل على طلب الرجال في المِهن الحرفية، والنساء في أعمال النظافة.

اجتاز جيل المهاجرين الأول مقابلات التوظيف التي كانت تجريها الشركات مع ممثلٍ من وزارة الخارجية. وتَشكَّل مجتمعهم بعد الهجرة في معظمه من الطبقة الدنيا اقتصادياً. إذ احتاج سوق العمل البلجيكي آنذاك مهناً حرفيةً وعمالاً بلا شرط تعليمٍ عالٍ. قدِم معظم المهاجرين من مناطق ريفيةٍ محافظة. ومنذ هجرتهم إلى الشمال البارد، تعلّقوا بمظاهر الهوية والعادات الإسلامية.

نجحت تجربة الجيل الأول في التوطن وكسب الرزق في بلجيكا. وانبنى نجاحها على تجارب فرديةٍ لمهاجرين مسلمين سبقوا موجة الهجرة المنظمة تلك بسنين عدّة. ثمّ تتالت الهجرات وزادت أعداد المهاجرين، فتحوّل المهاجرون الأفراد إلى جاليةٍ مسلمة. وبدأ المهاجر يُرى تحدّياً سياسياً في البلد الذي ودَّ أن يكون جزءاً منه، وأُثيرت عنه نقاشاتٌ سياسيةٌ محتدمةٌ لكونه مهاجراً ومسلماً.

تغيّر العالم مع صعود اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا. وتزايدت التحديات أمام المسلمين في بلجيكا، لاسيما في إقليم فلاندرن الذي ينقسم بين بلجيكا وهولندا. إذ أصبح المسلمون، خاصةً ذوو الأصول العربية منهم، هدفاً لحملات التحريض والدعاوى القضائية المطالبة بتقييد نشاطاتهم وإغلاق جمعياتهم. فباتوا أزمةً في عين الخطابات السياسية والحملات الانتخابية. يعيش الآن الجيلان الثاني والثالث من المهاجرين هذه الأزمة. وبينما انقطعت صِلاتهم ببلدان آبائهم الأولى، فإن البلد الوحيد الذي عرفوه ما يزال رافضاً عدّهم مواطنين كاملي المواطنة. ويحاصر سعيهم إلى التنظيم دفاعاً عن مصالحهم.


لم ترتبط نشأة الخطاب القومي المتطرف في أوروبا بالمسلمين والمهاجرين، إنما بتاريخٍ أكثر تعقيداً يسبق الحرب العالمية الثانية. جلّ الأحزاب القومية الآن هي إعادة إنتاج عُصبٍ نخبويةٍ نشطت قبل الحرب وإبّانها. أو كان لها دورٌ فيها استدعى التبرّؤ منها بعد الحرب وإعادة تشكيلها بمسمياتٍ جديدة. وألمانيا وهولندا من أبرز الأمثلة على ذلك.

بعد ثمانين سنةً من تلك الحرب، يقود حكومات عدّةِ دولٍ أوروبيةٍ اليومَ أحزابٌ يمينيةٌ قومية. وتركّز هذه الأحزاب برامجها على نشر الخوف من المهاجرين واللاجئين، خاصةً المسلمين منهم. في هولندا مثلاً، فاز حزب "من أجل الحرية" بزعامة خيرت فيلدرز بأعلى تمثيلٍ نيابيٍ في انتخابات سنة 2023. جاء الفوز بعد حملةٍ ضد المهاجرين ذوي الجذور المسلمة، وقد شكّل الحزب بعدها حكومةً ائتلافيةً مع أحزابٍ يمينيةٍ ومحافظة.

وفي إيطاليا حقّق حزب "إخوة إيطاليا" بزعامة جورجيا ميلوني فوزاً ساحقاً أهّلها لرئاسة الحكومة سنة 2022 بعد حملةٍ مشابهة. كذلك يرأس زعيم حزب فيديس اليميني فيكتور أوربان الحكومة المجرية منذ سنة 2010. وشاركت أحزابٌ يمينيةٌ في حكومتَيْ سلوفاكيا وفنلندا. وفي البرلمان الأوروبي حقّق تحالف "الهوية والديمقراطية"، الذي يتشكل من أحزابٍ يمينيةٍ متطرفةٍ من عدّة بلدانٍ أوروبيةٍ، صعوداً في انتخابات سنة 2024.

لم يختلف صعود اليمين في بلجيكا عنه في دول غرب أوروبا. لكن بلجيكا نفسها تختلف في بنية الحكم السياسية. إذ تُحكم بأربع حكوماتٍ هي الحكومة الفيدرالية وثلاث حكومات أقاليم، فيختلف حضور الأحزاب والخطابات القومية بين الأقاليم.

يتمتع إقليم فلاندرن الشمالي بخصوصيةٍ ثقافيةٍ ولغوية. يتحدث سكّانه الفلمنكية، ويعدّ الإقليم الأعلى في الكثافة السكانية. كذلك يعدّ موطئ قدمٍ جاذبٍ للمهاجرين، إذ رحّب بهم المجتمع "الفلماني" الذي اكتسب هذا الوصف نسبة للّهجة الفلمنكية المشتقة من الهولندية.

لا تزال ذكرى ذلك الترحيب حيّةً في أذهان قدامى سكان فلاندرن. فحين كنتُ أجلس في مقهىً في بلدة ديندرموندا حيث أسكن، قال لي رجلٌ مسنٌّ إن سكان القرى التي قدم إليها جيل المهاجرين الأول كانوا يجولون صباحاً ليضعوا الحليب والخبز أمام أبوابهم، وأن ذلك الزمن الطيّب قد ولّى. في المقهى نفسه، اجتمع رئيس حزب "المصلحة الفلمانية" اليميني المتطرف، توم فان خريكن، مع مناصريه في مايو 2024. كان ذلك قبل شهرٍ من الانتخابات، وألقى عليهم خطابَ حملتِه المناهضة للمهاجرين.

عاش جيل المهاجرين الأول سنواتٍ بلا أزماتٍ كبيرةٍ، ولم يضطرّ إلى خوض صراعات بقاءٍ وإثبات هوية. وأسّس المهاجرون لأنفسهم وضعاً مستقراً، فتزوّج منهم كثيرون أو استقدموا أسرهم من بلدانهم وألحقوا أبناءهم بالمدارس. وأصبحت اللغة الفلمنكية الجديدة على جيلهم هي اللغة الأمّ لأبنائهم.

ولكن مع صعود أحزاب اليمين في الإقليم آخرَ التسعينيات، بات يُنظر للمواطنين ذوي الأصول المهاجرة كأنهم جماعة أخرى غير المواطنين الأصليين. وصاروا محوراً لمقالات الرأي ومرافعات البرلمان وجلسات الحوار المتلفزة والمسموعة. وسريعاً ما وجدت أحزاب اليمين في التخويف من وجودهم سبيلاً للعودة إلى مقاعد السلطة، بعد أن خسرتها وفازت أحزاب اليسار والأحزاب المسيحية الديمقراطية.


على نقيض الفكرة السائدة أن الأحزاب اليمينية يصعد نجمها بسبب الأزمات الاقتصادية، فإن الأمر في إقليم فلاندرن لم يَسِرْ على هذا النحو. كانت الخمسينيات في بلجيكا فترةً هادئةً. وقتئذٍ بدأت البلد تستعيد رفاهاً اقتصادياً فقدته في سنوات الحرب العالمية. وبدأ اليمين القومي يعيد تشكيل نفسه منطلقاً من "اتحاد الشعب" سنة 1954. تبنّى الحزب خطاباً "يدافع عن مصالح المجتمع الفلماني" على حدّ تعبير سياسيّيه. فدعا برنامجه إلى الدفع باللغة الفلمنكية داخل المجتمع والمؤسسات التعليمية، وزيادة حضورها في مؤسسات الدولة الفيدرالية.

كان صعود اتحاد الشعب والحركة الفلمانية القومية من نتائج الرفاه. فبعد الحرب شهدت بلجيكا كغالبية أوروبا نمواً وإعادة بناءٍ اقتصادي مستفيدةً من خطّة مارشال الأمريكية. واستفادت أيضاً من إنشاء الرابطة الأوروبية للفحم والصلب سنة 1951، والرابطة الاقتصادية الأوروبية سنة 1957. ثم عرفت بلجيكا حقبة رخاءٍ اشتهرت باسم الستينيات الذهبية. ولكن استمرت الفوارق الإقليمية. فمنطقة فلاندرن، التي كانت تاريخياً منطقةً زراعيةً، تحولت إلى التصنيع.

مع ذلك شعر عديدٌ من الفلمان بأن السلطة لا تزال في أيدي النخبة الناطقة بالفرنسية في إقليمَيْ والونيا وبروكسل، فغذّت خطابات الحرمان الاقتصادي والثقافي ومشاعره صعودَ الحركة الفلمانية القومية. تزامن صعود اتحاد الشعب مع تزايد أعداد العمال المهاجرين، إذ رفض اليمين منذ البداية طريقة استقدامهم الجماعية. وتبنّى هذا الرأيَ أيضاً حزب "الكتلة الفلمانية" المتطرف. 

في تلك الأثناء كان المسلمون يحاولون نيل الاعتراف الرسمي بالإسلام معتقَداً معتبَراً في بلجيكا. فقد حضر الإسلام في بلجيكا قبل قدوم الجيل الأول من مهاجري العمل منتصف الستينيات. إذ بدأت مجموعاتٌ من المغرب العربي تفد إلى بلجيكا منذ سنة 1910 نتيجة الاستعمار الفرنسي في بلدانهم. ولكن هذه المجموعات كانت أقلّ تأثيراً من تثبيت حضور الإسلام والاعتراف به رسمياً. ولم ينشأ صراع الاعتراف بالإسلام إلّا بعد توسّع بلجيكا في استحضار العمال المهاجرين المغاربة والأتراك في الستينيات والسبعينيات من القرن الفائت، إذ مارس هؤلاء شعائرهم وأظهروا تديّنهم في المجتمع. فقد بَنَت مجموعات المهاجرين الأتراك الأوائل مصلَّياتٍ ومساجدَ صغيرةً فور وصولها. مثل مسجد الفتح الذي بناه عمال المناجم الأتراك في بلدة بيرنغن، وكرّر المهاجرون المغاربة الأمر، ما استدعى ترتيباً رسمياً لأوضاع المسلمين.


ليس ثمّة إحصاءٌ رسمي للسكان في بلجيكا مبنيّ على الأصل أو الدِين. ولكن كانت الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا تصدر تعداداً غير رسميٍ قبيل انتخاب مجلسها أو بعده. ففي سنة 1999، قالت إن أعداد المسلمين بلغت أربعمئة ألف مسلمٍ يشكّلون نحو 4 بالمئة من السكان. تلك النسبة تسمح للمسلمين وذوي الأصول المهاجرة بالتأثير في العملية السياسية. سواءً في نجاح أفرادٍ من أصولٍ مهاجرةٍ في البلديات والنقابات والبرلمانات، أو في صعود أسهم الأحزاب التقليدية وهبوطها متأثرةً بخطابها عن المهاجرين.

سعى المسلمون في بلجيكا إلى الحصول على اعترافٍ بكتلتهم العقائدية. ويعتمد النظام العامّ في بلجيكا الفصل بين الكنيسة والدولة. ومع ذلك فإن اعتراف الدولة بديانةٍ ما ييسّر لأتباعها ممارسة طقوسهم الدينية أو المجتمعية في نشاطاتٍ عامةٍ أو داخل مؤسسات.

وتعترف بلجيكا بعدّة أديانٍ، أو كما تسمّيها اصطلاحات الدولة القانونية "معتقدات حياتية معترف بها". ومنها كنيسة الروم الكاثوليك التي اعتُرِفَ بها مع نشأة الدولة، والكنائس الأنجليكانية والبروتستانية والأرثوذكسية، وهي آخر الكنائس التي حظيت باعترافٍ سنة 1985. إضافةً إلى اليهودية المعترف بها منذ 1808، والإسلام الذي حظي باعترافٍ رسمي بعد دراسةٍ ومناقشاتٍ طويلة سنة 1974.

ولكن الاعتراف بالإسلام لم يضمن على الفور الاعتراف بمعابده (المساجد)، بل احتاج الاعتراف بها وقتاً. فالنظام الدستوري في بلجيكا يضمن دعماً ماليّاً للمؤسسات والمراكز الدينية التي تنال اعترافاً. ويشمل ذلك الدعم رواتب الأساقفة والحاخامات والأئمة المسجلين في أنظمة الحكومة.

في مدينة أنتويرب التي تسكنها أقليةٌ مسلمةٌ كبيرة العدد نسبياً، ثمّة أكثر من خمسين مسجداً. ولكن المعترف به حكومياً أقلّ من عشرة. واحتاج الاعتراف بأوّل مسجدٍ سنة 2007 ثلاثاً وثلاثين سنةً بعد الاعتراف بالإسلام.

منح التعديل الدستوري سنة 2002 حقّ الاعتراف بالمؤسسات الدينية والأهلية إلى الحكومات المحلية، فاختلف الاعتراف بالمساجد حسب الأقاليم. فقد اعترفت حكومة إقليم وانوليا المتحدث بالفرنسية سنة 2007 بثلاثةٍ وأربعين مسجداً ومؤسسةً دينيةً دفعةً واحدةً. فيما اعترفت حكومة إقليم بروكسل بخمسة مساجد. أمّا الحكومة الفلمانية، فاكتفت بالاعتراف بستّة مساجد، أربعةٌ منها تركية وواحدٌ باكستاني والأخير مغربي.


بلغت النقاشات عن الإسلام ذروتها في التسعينيات. وبرز فيها حزب "الكتلة الفلمانية" (فلامس بلوك) الذي نادى بمجتمعٍ نقيٍّ عرقياً، واشتهر بجولات أعضائه في الأحياء التي يسكنها ذوو الأصول المهاجرة لينادوا بتدابير تستهدف الحدّ من الوجود الأجنبي في أحيائهم. تزامن ذلك مع مناظراتٍ عامةٍ ومتلفزةٍ أجراها الحزب في مواجهة مجموعاتٍ مهاجرةٍ كانت تبدأ نشاطها السياسي، وكذلك في مواجهة أحزاب اليسار واليمين المحافظ.

لم تكن مسألة المهاجرين المسلمين قضيةً محتدمةً في النقاش الرسمي حتى مارس 1989. وذلك عند مقتل مدير المركز الثقافي الإسلامي عبد الله الأهدل وأمين مكتبه سالم البحري في بروكسل. وقتئذٍ أعلنت جماعة "جند الله" الموالية لإيران مسؤوليتها عن الحدث. وربطت السلطات البلجيكية الحدث بالفتاوى التكفيرية الصادرة ضدّ الكاتب البريطاني سلمان رشدي بعد نشر روايته "آيات شيطانية". بعد الاغتيال أَحْيَت الممثلية الملكية للمهاجرين نقاشَ تمثيل المسلمين في الدولة، واقترحت مجلساً أعلى للمسلمين في بلجيكا. وشكّلت الحكومة لجنةً لدراسة التوصية، ولكنها توقفت بعد عام.

لكن، وإنْ تعطّلت لجنة التوصيات تلك، فقد استمرّ النقاش داخل أروقة الدولة. وبين سنتَيْ 1993 و1996 جرت محادثاتٌ بين ممثلي المجتمعات المسلمة، وآخرين من الهيئة التنفيذية المؤقتة لمسلمي بلجيكا ومركز تكافؤ الفرص ومكافحة العنصرية وممثلين عن وزارة العدل. وتكللت المحادثات بتكليف الهيئة التنفيذية المؤقتة بتنظيم انتخابات مجلسٍ أعلى يضمّ الجاليات المسلمة كافة.

جرت الانتخابات الأولى سنة 1998، ودعا ملك بلجيكا المسلمين إلى المشاركة. انتُخب 51 نائباً، شكّلوا الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا (إي إم بي). فأصبحت الهيئة هي الممثل الرسمي عن مسلمي بلجيكا بمرسومٍ ملكيٍّ سنة 1999. لكن الهيئة لم تلقَ ترحيباً من الأحزاب البلجيكية. واتهمها بعض ممثلي الأحزاب في البرلمانات المختلفة بارتباط أعضائها بحكومات دولٍ إسلاميةٍ، كالسعودية وتركيا والمغرب. وكان ذلك التحريض نابعاً عن عدم الرضا عن دورها الذي رأته الحكومات غير مثمرٍ في دعم سياسات الإدماج المجتمعي.

في السنة نفسها التي تشكلت فيها الهيئة، سُجِّلت وقائع عنصرية ضدّ مسلمي بلجيكا. ففي سبتمبر 1998، رفعت عضوة مجلس بلدية أنتويرب فاطمة بالي دعوى قضائيةً على أعضاء من حزب "الكتلة الفلمانية" في المجلس البلدي. وصرّحت: "علينا ألّا ندع التعليقات العنصرية والتمييزية تمرّ هكذا بنا". قالت بالي آنذاك لوسائل الإعلام إنها تواجه دوماً تعليقاتٍ مهينةً داخل المجلس البلدي مرتبطةً بأصولها المغربية الأمازيغية. كان ذلك الحدث مثيراً للصدامات في أنتويرب، العاصمة الاقتصادية لبلجيكا، بشأن الانتخابات العامة والبلدية.

تكاثرت وقائع الكراهية ضد المسلمين في بلجيكا حتى تحولت إلى هجومٍ صريحٍ على الهيئة نفسها. إذ اتهمت خطاباتٌ يمينةٌ الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا بغياب الشفافية وتغذية التطرف والتجسس لصالح حكوماتٍ أجنبية. تصاعد الهجوم حتى صدر قرار وزير العدل البلجيكي سنة 2022 بسحب اعتراف الدولة بالهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا وعدم تمثيلها المسلمين. ما يمنع عنها المعونات الحكومية ويحرمها المشاركة في اجتماعات الحكومة لتمثيل المسلمين.

لاحقاً، أعلن الوزير تشكيل "المجلس الإسلامي البلجيكي" (سي إم بي) من أربعة ممثلين اختارهم هو من غير انتخابٍ، ليَحلّ مجلسهم محلَّ الهيئة في تمثيل المسلمين. رفضت الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا القرار ورفعت دعوىً قضائيةً على الوزير. وقد عدّت قرارَه خطراً على حرية العبادة التي نصّ عليها الدستور البلجيكي. ولكن الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا بقيت منذ حينها خارج الاعتراف الحكومي، وما زالت تخوض صراعاً قانونياً لاستعادة الاعتراف.


في مايو سنة 2000 انسحبت القوات الإسرائيلية المحتلة من جنوب لبنان. ثمّ في سبتمبر من العام نفسه بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي عُرفت بِاسم انتفاضة الأقصى. وكان للحدثين أثرٌ بالغٌ على الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا. فمؤسس الرابطة العربية الأوروبية، البلجيكي اللبناني دياب أبو جهجه يذكر أن الانتفاضة كانت الدافع الأكبر لتأسيسه الرابطة في السنة نفسها. ثمّ تغيّر اسمها لاحقاً من "الرابطة" إلى "الرابطة العربية الأوروبية". وزاد حضورها في بلجيكا عقب ردّة الفعل في الغرب تجاه المسلمين والعرب في أعقاب تفجيرات 11 سبتمبر. إذ مثّلت واحداً من التنظيمات البارزة في العمل السياسي والحركي للجاليات العربية والمسلمة في بلجيكا وهولندا. وعُنيَت منذ تأسيسها بالدفاع عن القضية الفلسطينية وعن المواطنين الأوروبيين –لاسيما البلجيكيين– من أصولٍ مهاجرةٍ، طامحةً أن تصبح مؤسسةً أوروبية.

كان دياب أبو جهجه رئيس قسم المهاجرين في نقابة العمال. وأوكِل إليه العمل على محاربة العنصرية ومساعدة المواطنين من أصولٍ مهاجرةٍ على مواجهة التمييز. ولكنه يؤكد للفِراتْس أن موقعه لم يكن إلا واجهةً دعائيةً للنقابة التي لم تحقق شيئاً من تلك الأهداف المعلنة. فلم يتيسّر لقسم المهاجرين متابعة العمّال المنسيين في الورش والمصانع، كما ينصّ المنطق في العمل النقابي. ويفسر ذلك بأن النقابات لم تَرَ في الدفاع عن حقوق منتسبيها من المهاجرين دافعاً للمخاطرة بفقد منتسبين آخَرين يصوتون لحزب الكتلة الفلمانية اليميني. واقتصر عمل قسم المهاجرين، كما يقول دياب، على إقامة أمسياتٍ شعريةٍ وثقافيةٍ وأنشطةٍ رمزيةٍ أخرى. 

إحباط دياب من إهمال النقابات ومؤسسات المجتمع المدني للمهاجرين دفعه إلى تأسيس الرابطة مع أحمد عزوز وكمال عوالي وعبد اللطيف آيت أحمد وخالد عبود. وبدؤوا جميعاً بكتابة مقالاتٍ نشروها في الصحف البلجيكية، ينتقدون فيها سياسات الإدماج الاجتماعي التي اتبعتها السلطات، والتي رأت فيها الرابطة تذويباً لا إدماجاً. قوبلت تلك المقالات بالهجوم من اليمينيين، واتهمها أحدهم بحربٍ على المجتمع وترويجٍ للفصل العنصري. لكن الرابطة رأت أنها ترفض التذويب، وأن من حقّ كلّ مواطنٍ حفظ هويته وإنشاء مؤسساتٍ بناءً عليها.

في نوفمبر 2002 قُتل مدرس التربية الإسلامية محمد أشرق في بورخرهاوت في أنتويرب. أعلنت السلطات في البداية أن القاتل يعاني مشاكل عقلية. ولكن بعد تصاعد المواجهات بين الشرطة والمشاركين في الاحتجاجات التي دعت إليها الرابطة، غيّرت السلطات وصف الجريمة إلى "قتل على أساس عرقي". على تغيّر موقف جهات التحقيق من الجريمة نفسها، إلا أنّ موقفها من الاحتجاجات التالية عليها لم يتغير. فصدرت بحقّ عضوَي الرابطة دياب أبو جهجه وأحمد عزوز مذكرات توقيفٍ بعد دعاوى قضائيةٍ تتهمهما بالتحريض على العنف. تطوّر الهجوم على دياب ورفاقه في الرابطة مع هجمات 11 سبتمبر في أمريكا، إذ تبنّت منظمتهم رأياً مغايراً للسائد: "لم نكن ممّن ركضوا معتذرين. كنّا من المُدينين [لهذا] الهجوم على المدنيين، ولكننا نفهم دوافعه".

بعد خمسة أيامٍ من هجمات سبتمبر نظمت الرابطة مظاهرةً في بروكسل لإحياء ذكرى ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا، واستصدرت ترخيص المظاهرة قبل أحداث سبتمبر. طلبت السلطات من الرابطة إلغاء المظاهرة بعد الهجمات، فكان الردّ: "نحن نتظاهر لإحياء ذكرى شهداء هم ضحايا إرهاب. وضحايا 11 سبتمبر هم أيضاً ضحايا إرهاب. والإرهاب إرهابٌ إن كان إسرائيلياً أو من جهةٍ أخرى". عقدت الرابطة وقفتها رغم اعتراض السلطات، وردَّت السلطات البلجيكية بفضّها عنفياً. وأوقفت الشرطة ما يزيد عن مئةٍ من المشاركين، يقول دياب إنهم تعرضوا للإهانة.

في أعقاب فضّ المظاهرة تصاعد الخلاف بين الرابطة وشرطة أنتويرب. وقد وصلت حدّ اتهام الرابطة لشرطة أنتويرب بالعنصرية وتنفيذ انتهاكاتٍ متعمدةٍ بحقّ المواطنين من أصولٍ مهاجرةٍ، وخاصّةً من المغرب العربي. وقالت الرابطة، في تصريحاتٍ اهتمّت بنقلها الصحف البلجيكية والفرنسية، إن الشرطة ضمّت عناصر ينتمون إلى اليمين المتطرف. ولذلك شكّلت دورياتٍ مدنيةً من منتسبي الرابطة هدفها توثيق أيّ اعتداءٍ شرطيٍ غير مبرّرٍ، وتوزيع منشوراتٍ توعويةٍ تشرح حقوق الأفراد على الشرطة.

ولكن مبادرة الرابطة لحماية المهاجرين في مواجهة الشرطة عبر مجموعاتٍ ترتدي لباساً موحداً منتشرةٍ في الشوارع، أثارت ردود فعلٍ غاضبة. ويعدّ دياب ردودَ الفعل في مواجهة تحرّك الرابطة "هستيرية". وفي فرنسا نشرت صحيفة لو موند في نوفمبر 2002، مقالاً عنوانه "الميليشيا الإسلامية التي تزيد التوترات". حمل التقرير اتهاماتٍ شخصيةً ضدّ أبو جهجه، مثل اتهامه بالانتساب سابقاً إلى حزب الله اللبناني. لم تدنه المحكمة بهذه الاتهامات الشخصية في حكمها الصادر سنة 2007، ولكنها أعلنت حلّ الرابطة.


صعدت الأحزاب الفلمانية اليمينية منذ انتخابات سنة 2004، في توقيتٍ تزامن مع انتظام الجيل الثالث من المهاجرين في الأحزاب وانضمامه للمجالس البلدية والنقابات وقوائم الانتخابات العامة.

مع نهاية 2002 أعلنت الرابطة العربية الأوروبية قائمةً انتخابيةً، واندمجت مع الحملة المناهضة للحرب الأمريكية على العراق. كما دعت إلى مظاهراتٍ دوريةٍ بلغ عدد المشاركين فيها نحو تسعة آلاف متظاهر.

لم تفز الرابطة بأيّ مقاعد في البرلمان الفلماني، ولم يكن ذلك هدفها وإنما تطلّعت إلى دخول الحياة السياسية. جمع حزب الكتلة الفلمانية (فلامس بلوك) نحو مليون صوتٍ مثّلوا ربع ناخبي البرلمان الفلماني سنة 2004. وأعلنت محكمة النقض البلجيكية في العام نفسه، بقرارٍ نهائيٍ لا استئناف فيه، أن الحزب عنصريّ. ما يحظر عليه التمويل الحكومي والنفاذ إلى التلفزيون، وهو ما عنى إغلاق الحزب. لكن الحزب اليميني واصل وجوده السياسي الرسمي بعدها باسمٍ جديدٍ هو حزب المصلحة الفلمانية (فلامس بيلانج)، وعاد في الانتخابات اللاحقة بنتائج تقلّ عن 10 بالمئة. ولكنه بقي حاضراً في جميع النقاشات السياسية ممثلاً لليمين المتطرف.

تشكّل في المقابل تجمّع "كارتيل فالنتاين" الذي يضمّ الحزب المسيحي الديمقراطي والفلماني (سي دي أن في) والاتحاد الفلماني الجديد (إن في آ). أعلن الاتحاد الجديد مبادئه في أكتوبر 2001، وقدّم نفسه حزباً قومياً وطنياً يؤمن بالشراكة في المواطنة وليس العرق واللون. وهو ما بدا رسالةً إيجابيةً للمسلمين والمهاجرين. حقّق كارتيل فالنتاين 26 بالمئة من مقاعد البرلمان الفلماني سنة 2004، ودخل في أول ائتلافٍ حكومي له.

إلّا أن البداية المبشّرة لم تدُم طويلاً. وسرعان ما تغيرت علاقة حزب الاتحاد الفلماني الجديد مع مسلمي بلجيكا والمهاجرين سلباً. فبدأ التصعيد ضدّهم وضدّ الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا. ولأن الحزب أعلن بداية تأسيسه عن أهدافٍ قوميةٍ جامعةٍ، استمرّت الأحزاب الأخرى في التعاون معه، وإنْ تَغيَّر موقفه من المهاجرين. لأن البديل اليميني المتاح هو حزب المصلحة الفلمانية، الذي يُرى ممثلاً لليمين المتطرف الذي يهدّد الديمقراطية والسلم المجتمعي.


لم يكن الصراع مع الرابطة والهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا لأدائهم السياسي وتصريحاتهم. وإنما كان صراعاً اجتماعياً سياسياً عن وجود المسلمين والمواطنين من أصولٍ مهاجرة. إذ عاد مصطلح الإحلال السكاني "أومفولكُنغ" للظهور في خطاب الأحزاب في هولندا وفرنسا بدايات العشرية الثانية من القرن الحالي. يعود المفهوم إلى خطة أوست الألمانية بعد اجتياح بولندا سنة 1939. فقد اقترحت الخطة التغيير الثقافي للبلدان المحتلة في شرق أوروبا، بقتل السكان أو طردهم أو ترقيتهم إلى معايير الجرمان، ونقل مجموعاتٍ سكانيةٍ ألمانيةٍ إليها. حملت الخطة وجهين. أحدهما تحريضيٌّ على الأقليات والشعوب الأخرى، وثانيهما تحفيزي لهجرة الألمان إلى تلك البلدان. واستعملت الأحزاب اليمينية المتطرفة في فرنسا وهولندا والإقليم الفلماني مصطلحاً شبيهاً "أومفولكِنغ"، لوصف ما تراه مؤامرة على الشعب الأبيض الذي تغزوه مجموعات المهاجرين الملوّنين والمسلمين.

ترجع نظرية المؤامرة هذه إلى الكاتب الفرنسي رينو كامو في كتابه "لو غران رامبلاسمان" (الاستبدال العظيم) المنشور سنة 2010. يرى كامو أن الهجرات الجماعية وارتفاع نسب المواليد بين المهاجرين يؤديان إلى إحلالهم تدريجياً محلّ "السكان الأصليين".

تبنّت أحزابٌ يمينيةٌ هذه النظرية وأصبحت من ركائز خطابها السياسي، مثل حزب "كتلة الهوية" في فرنسا. واستعملها السياسي الفرنسي إيريك زامور في حملته الانتخابية التي خسر فيها. وأصبحت مؤثرةً في خطاب جلّ الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا. وقد تبنّاها في هولندا حزب "من أجل الحرية" (بي في في) بزعامة خيرت فيلدرز، الفائز بأعلى تمثيلٍ نيابي. كذلك تبنّتها شخصياتٌ سياسيةٌ أخرى، مثل تيري بوديه من حزب "منتدى الديموقراطية" (إف في دي). ويتبناها في إقليم فلاندرن حزب المصلحة الفلمانية (فلامس بيلانغ)، الذي كتب عضوه فيليب ديونيتر سنة 2022 كتاب "أومفولكِنغ، دي خروته فيرفانغينغ" (الإحلال السكاني، الاستبدال العظيم)، وحاور فيه واضع النظرية رينو كامو.

أدان سياسيون وأكاديميون هذه النظرية، وعدّوها تحايلاً على البيانات الإحصائية بهدف "مضاعفة الخوف من المسلمين والمهاجرين". وممّن رفضوها كان الأكاديمي الهولندي ليو لوكَسِن. فقد قال في تصريحاتٍ إعلاميةٍ إن أصحاب النظرية يزعمون أرقاماً غير حقيقيةٍ تضاعف زوراً من أعداد المسلمين بين السكان. لم يكن رفض النظرية لهفواتها العلمية فقط، وإنما لأنها باتت تلهم هجماتٍ إرهابيةً. كما فعل برينتون تارانت في نيوزيلندا عندما فتح النار على المصلّين داخل مسجدَي النور ولينوود في كرايستشيرش، فقتل واحداً وخمسين مسلماً. وسبق هجومَه ببيانٍ طويلٍ لدوافعه استند إلى نظرية الاستبدال العظيم.

وفي بلدية بورخرهاوت في أنتويرب، تأججت المواجهة السياسية بين الكتلة الفلمانية والمواطنين من أصولٍ مهاجرة. فقد رأوا أن عشرة آلاف مهاجرٍ سيحصلون على حقّ الانتخاب بحلول سنة 2006، فارتكز برنامجهم الانتخابي على وقف الهجرة ومواجهة ازدياد أعداد المهاجرين في المنطقة تحت شعار "أعيدوا لنا بورخرهاوتنا"، وطافوا في حملتهم على البيوت محرّضين على المهاجرين.

لا يتبنى حزب الاتحاد الفلماني الجديد (إن في آ) النظرية نفسها، ولا يوصف أيضاً بالحزب اليميني المتطرف. فرئيسه بارت دي ويفر، رئيس وزراء بلجيكا الحالي والذي كان يشغل منصب عمدة أنتويرب، يكرّر إعلان تبنّي حزبه مبدأ الشراكة في المواطنة مع المسلمين. بَيد أن هذا لم يحُل دون وجود أعضاء في الحزب يروّجون لنظرية الاستبدال السكاني. لكن هذا لا يعني تسامحه التامّ مع الوجود "الإسلامي" في بلجيكا. فقد تحدّث مراراً عن قلقه من "الأسلمة" بمعناها الثقافي داخل المجتمع. وهو يرى أن الحدّ من مظاهر الإسلام اجتماعياً يقتضي محاربته أو السيطرة عليه مؤسساتياً، ولذلك تبنّى موقفاً معادياً للهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا.


المفارقة في صراع حزب "الاتحاد الفلماني الجديد" (إن في آ) مع "الأسلمة"، أن خطابه ضدّ ذوي الأصول المهاجرة من المسلمين خُطّ بأقلام أعضائه ذوي الخلفية المسلمة. ومنهم ثلاث سياسياتٍ مسلمات الأصل يمثّلنه في البرلمان الفلماني والفدرالي البلجيكي والأوروبي.

تمثّل نادية سميناته الحزب في البرلمان الفلماني. وهي مولودةٌ لأبٍ مهاجرٍ من المغرب وأمٍّ بلجيكية. اشتهرت نادية بتمثيل موقف الحزب المعادي للهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا. وهو الموقف المستمر إعلانه حتى بعد نجاح الحملات المعادية للهيئة في إسقاط الاعتراف الحكومي بها. إذ أعلنت نادية عدم رضا الحزب عن الهيئة البديلة التي منحتها الدولة اعترافاً مؤقتاً. وطالبت بأن تكون إدارة المؤسسات المعنية بمصالح المسلمين الدينية بيد الحكومة الفلمانية، وأن تخضع سياسة الخدمات الدينية للمسلمين لسلطة الحكومة بالكامل.

وتمثّل أسيتا كانكو الحزب في البرلمان الأوروبي منذ سنة 2008. ولدت أسيتا في بوركينا فاسو وتعرّضت صغيرةً للختان، ثمّ هاجرت إلى أوروبا وأقامت في بلجيكا منذ سنة 2004. ولاتزال لهجتها تفصح بجلاءٍ عن أصولها الإفريقية، وهو ما يعرّضها لتعليقاتٍ عنصرية. لكنها بهذه اللهجة كانت صوت الحزب ضدّ موجات اللاجئين واتفاقيات الاتحاد الأوروبي "الضعيفة" مع الشمال الأفريقي.

أمّا أشهر أصوات الحزب ضدّ مسلمي بلجيكا، فهي ممثّلته في البرلمان الفدرالي داريا صفائي. ولدت داريا في طهران وهاجرت إلى بلجيكا بعد مشاركتها في المظاهرات الطلابية في إيران ضدّ السلطة، مما أدّى إلى سجنها ثمّ إطلاق سراحٍ مشروطٍ عنها. فهربت إلى الخارج ولجأت إلى بلجيكا سنة 2000، حيث درست وعملت طبيبة أسنان. منذ سنة 2018 اشتهرت داريا ناشطةً في حقوق المرأة، ولكنها تبنّت آراء متطرفةً عن النساء اللاتي يرتدين حجاباً. فقالت إن الحجاب لا يتوافق مع الحرية. وبعد وأد موجة الاحتجاجات التي أعقبت مقتل مهسا أميني على يد رجال الشرطة في طهران بسبب عدم ارتدائها الحجاب سنة 2022، أصبح صوت داريا أشهر. وقاد الحزب حملته ضد مظاهر "الأسلمة" من خلالها.


لم تكن نتائج انتخابات يونيو 2024 بعيدةً عن الاستطلاعات. خسر حزب "الاتحاد الفلماني الجديد" (إن في آ) مقاعد برلمانيةً كسبها في الانتخابات السابقة. ولكن حزب "المصلحة الفلمانية" حقق 22.6 بالمئة. فشكّل الحزبان نسبة 46.54 بالمئة، مما حال دون دخول جميع الأحزاب الأخرى في ائتلافٍ حكومي يستثني أحد الحزبين اللذين يمثلان هاجساً مؤرقاً للمسلمين والمواطنين من أصولٍ مهاجرة.

يعيش هؤلاء قلقاً من أن ثلاثينيات القرن الماضي، التي شهدت صعود النازية والفاشية، قد تعود مع ثلاثينيات القرن الحالي. ومع أن أقليات اليوم غير أقليات الأمس، إلا أن خطاب التحريض من الأحزاب وقلق المستهدفين منها متشابه.

اشترك في نشرتنا البريدية