"خيراتنا لغيرنا": هل تركَ التصديرُ للمغربيين خَضْراواتٍ وفواكهَ في سِلالهم الغذائية؟

يتصدّر المغرب المراتب الأولى في تصدير الخَضْراوات والفواكه من شمال إفريقيا إلى العالم، بينما يعاني موجات غلاءٍ يصعب على المواطن المغربي مواجهتها

Share
"خيراتنا لغيرنا": هل تركَ التصديرُ للمغربيين خَضْراواتٍ وفواكهَ في سِلالهم الغذائية؟
بائع خضراوات وفواكه في مدينة فاس بالمغرب (خدمة غيتي للصور)

استمع لهذه القصة

00:00:0000:00:00

"رجاءً، كم ثمنُ هذهِ؟ وكم ثمنُ هذا؟" أَسألُ هَذهِ الأسئلةَ مِراراً، فيردُّ عليَّ الفاكهانيُّ بإجابةٍ جَاهزةٍ وسريعةٍ لا أكادُ أَسمعُها. فأُعيدُ سؤاليَ لأتأكدَ من الثمن، فيردُّ عليَّ مرَّةً أُخرى: "هذه الطماطم يا سيدي بعشرةِ دراهم، لا خمسةٍ كما كانت في الأسبوع الماضي".

اعتدتُ منذُ سنةِ 2022 الاستفسارَ عن ثمن الخَضْراواتِ والفواكهِ كلَّ مرَّةٍ ترتفعُ فيها الأسعار، ممَّا جعلني أحرِصُ على شراءِ الأساسياتِ والاستغناءِ عن الكماليات. فعددٌ قليلٌ من الفواكهِ والخَضْراواتِ كالبصلِ والبطاطا والطماطم والبرتقالِ والموزِ صار ثمنُها ما بينَ خمسينَ وستينَ درهماً، وهو أقلُّ سعرٍ للشراء، مع أنَّها أسعارٌ غاليةٌ مقارَنةً بالسنين الماضية، وسعرُ صرف الدولار يساوي عشرةَ دراهم.

أمَّا قبلَ 2022 فنادراً ما استفسرتُ عنِ الثمنِ، وكثيراً ما اعتدتُ شراءَ أنواعٍ من الخَضْراوات والفواكهِ تَكفيني أسبوعاً، حتى الكماليُّ منها كالأفوكادو أو الكاكي أو المانغو، ولم يتجاوز ثمنُها كلُّها آنذاك ستينَ دِرهماً، وربّما كان سعرُها أربعينَ درهماً إذا استغنيتُ عن الكمالية. انخفضَتْ أسعارُ هذه المواد مطلعَ هذا العام، لترتفعَ نسبياً في شهر مايو.

دفعني هذا التحوُّلُ في عاداتي الغذائيةِ إلى البحثِ عن تَمتُّعِ المغربيِّينَ بسلَّةٍ غذائيةٍ متكاملة، وخصوصاً مع سياساتِ تصدير المنتجاتِ الفلاحيَّةِ المفرطِ في السنين الأخيرة، ممَّا أثّرَ في عاداتِ المغربيينَ الغذائيَّةِ وألجأهم إلى بدائلَ لم تحل هذه المشكلة جذرياً، إنَّما دفعتهُم إِلَى الاحتجاجِ والتذمُّرِ بسببِ تبعات هذه المخططات.


صرخَ إبراهيم المزارعُ القاطنُ وسْط غربِ المغرب غاضباً: "انظر إلى كل هذه الخيرات المغربية، انظر كيف يرمونها على الأرض؟ أَلَسنا نحن أَوْلى بها؟ أليس كذلك؟ خيراتنا يأخذها غيرُنا ونحن في أَمَسّ الحاجة إليها"، مشيراً بيده اليمنى مراراً إلى التلفاز القديم بحركةٍ لا إراديةٍ وعفويةٍ حتى كادَ يكسر شاشتَه بيده الخشنةِ وكأنه يدافع عن ظُلمٍ ويأمل ردّاً عنيفاً أو انتقاماً من هذه "الإهانة" لكرامةٍ مغربيةٍ مرميَّةٍ على الإسفلت.

كان هذا المشهد في طفولتي أواخرَ التسعينيات بمنزل إبراهيم. تصاعدَت آنذاك احتجاجاتُ الإسبان في مدنٍ إسبانيةٍ عدّة؛ إذ أتلَفوا كمياتٍ هائلةً من الطماطم المغربية لأنها في نظرهم سبّبَت خسائرَ شملت بعضَ المزارعين المحليين نتيجةَ سياسةِ إغراقِ السوق الإسبانية بالمنتج المغربي الأرخص من نظيره الإسباني. تبنّت المملكةُ المغربيةُ في الثمانينيات سياسةَ التصدير تلك، ممّا أضرَّ السلّةَ الغذائيةَ للمغربيين أحياناً، وكانت عواقبُ هذه السياسة وخيمةً مسَّت سلالَ المغربيين الغذائية في محطاتٍ تاريخيةٍ مع أهميتها في تحسين مستوى الدخل الوطني للبلد وإيراداته من العملة الأجنبية.

لم تكن هذه المرّةَ الأولى التي تُهدِّدُ فيها سياساتُ التصديرِ أمنَ المواطنين الغذائيِّ في المغرب. حدث ذلك في القرن الثامن عشر، حينَ صارت البلادُ تسجِّلُ مواسمَ فِلاحيةً جيدةً لغزارةِ الأمطار التي ساعدت على الإنتاج الزراعي المثمِر، وسيادة الأمن والاستقرار بعدَ توقّف الحروب الداخلية والأهلية. شجّع هذا السلطانَ المغربيَّ المولى محمد على إصدار فتوىً تبيحُ تصديرَ القمح الذي سجّل فائضاً في الإنتاج ليتسنّى للدولة شراءُ الأسلحة وذخيرتها. واستناداً إلى هذا المُعطى أُنشِئ "مرسى فضالة"، وهو الاسم القديم لمدينة المحمدية الآن، لتصبحَ ميناءً يُصدّرُ الحبوبَ إلى بلدانٍ أوروبيةٍ كالبرتغال وإسبانيا وفرنسا بين سنتي 1770 و1774. وظلَّ التصديرُ سياسةً للدولة حتى سنة 1780. 

باتت هذه السياسةُ التصديريّةُ محنةً للمزارعين ولأمن البلد الغذائي. فقد احتُفِظَ بهذا الفائض من المحصول الزراعي قديماً للاستفادةِ منه أيام القحط والجفاف. فالمغرب لا يُشبه دولَ الضفة الأخرى من البحر المتوسط، فأمطارُه غيرُ منتظمةِ الهطولِ مما أوقعَ البلدَ في مجاعةٍ لم يسبق لها مثيلٌ للتصدير المفرط وشحِّ الأمطار، وبلغ الجوعُ أشُدَّهُ على القاصي والداني.

ويخصِّصُ الباحثُ محمد الأمين البزّاز في كتابِ "تاريخ الأوبئة والمجاعات بالمغرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" فصلاً كلاماً عن القنصلِ الفرنسي لويس دو شيني الذي كتبَ في مراسَلةٍ إلى الدولةِ الفرنسيةِ: "بلغَ الجوعُ بالقرويين [يقصد الأهالي المغربيين] مَبلغَه وهم يجوبون الحقولَ بحثاً عن الجذور ويَهلكُ كثيرٌ منهم جوعا". ونقل محمد البزّاز شهاداتٍ مروّعةً تُفيد بأنّ أُسَراً كاملةً عُثِر عليها ميتةً في الطريق. هذه الأحداثُ الكارثيَّةُ ولَّدَتها عواملُ متداخلةٌ، على رأسها شحُّ الأمطار وتنامي التصدير إلى أوروبا، كما يذكر الباحث.

تكرّر هذا الأمر مع حقبة الاستعمار الفرنسي في النصف الأوّل من القرن العشرين. إذ شهدَت البلادُ في سنوات الحرب العالمية الثانية شُحّاً في الأمطار وسنواتَ جفافٍ قاسيةً، وذلك يومَ اتِّخاذ الفرنسيين سياسةَ التصدير وسيلةً لاستنزاف موارد البلاد الزراعية والغذائية في "عام البون" سنة 1944 حين ابتغَت فرنسا تزويدَ جبهاتها الداخلية والعسكرية بالخيرات المغربية لمواجَهة الهزيمة التي مُنِيَت بها أمام النازية سنةَ 1940.


في طفولتي في التسعينيات رأيتُ مشاهدَ الأراضي المسقيّةِ الغَنَّاء التي يحتفي بها البلدُ كلَّ مناسبةٍ رسميةٍ كعيد العرش الذي يُخلِّد يومَ مبايَعةِ الملكِ حاكماً للبلاد. وتضمّنَت تلك المشاهدُ مساحاتٍ زراعيةً خضراءَ وعصريةً ومنسقَّةً لا مجالَ فيها للخطأ. وكنتُ أرى ما يشبهُها في مقاطع الأخبار الدولية وفي البرامج الوثائقية التي تُظهِر أشكالاً دائريةً وأُخرى مربّعةً غايةً في التنظيم والاخضرار لمزروعاتٍ متنوعةٍ في الولايات المتحدة الأمريكية.

ثم بعدَ حينٍ أدركتُ أنَّ فرنسا حاولَت استنساخَ التجربة الأمريكية في الزراعة المَسقيةِ أيامَ استعمارها المغربَ. أخفقَت حكومةُ الاستعمار في جعل البلد خزانَ حبوبٍ لتغذية جيوشها، وكان لزاماً عليها أن ترسل بعثةً من المهندسين والخبراء الزراعيين في الثلاثينيات إلى ولاية كاليفورنيا للاستفادة من تجربتها الزراعية. تُعَدُّ هذه الخطوةُ إرساءً للخطوات الأولى لتأسيس خطّةٍ لم يَسبق لها مثيلٌ في تاريخ الزراعة المغربية ترمي إلى تنويع المزروعات من الحوامض والخُضَر المطلوبة كالطماطم، وعدم الاكتفاء بالحبوب.

كانت ملامحُ هذه الخطّة في تقريرٍ أعدَّه الخبراءُ والمهندسون الزراعيون الفرنسيون الذين ابتُعِثوا إلى الولايات المتحدة بعنوان: "من لوس أنجلوس إلى الرباط"، وبدأَت تتحقّقُ أهدافُ هذه السياسة الاستعمارية رويداً رويداً بإنشاء عشراتِ السدود وتحقيق أرقامٍ مشجِّعةٍ في الإنتاج الزراعي، وانتقلَت الأراضي المَسقيةُ والمستصلحةُ من ملیون هكتار سنة 1911 إلى خمسة ملايين هكتار سنة 1955 بعد أن استفادت من أساليب السقي العصرية. 

تبدو هذه الأرقامُ كبيرةً في مدًى زمنيٍّ قياسيٍ نوعاً ما. لكن هذه المنجزات الرقمية لم تكن لتنجحَ لولا مساهمةُ سواعدِ المغربيين الذين وظَّفهم المستعمِرُ الفرنسيُ لتحقيق هذا "النجاح". ذكرَ هذا عالِمُ الاجتماع الفرنسي جاك بيرك في تقريرٍ أعدّه وأرسلَه إلى المقيم العامّ شارل نوغيس أواخرَ الثلاثينيات محذِّراً من خطرِ استعباد المغربيين واستغلالهم في تحقيق هذه الإنجازات الزراعية العصرية من غير أن يستفيدوا من خيراتِ أراضيهم التي سلبَها المستوطنون الفرنسيون، وهي خطوةٌ سبّبَت استقطابَ الحركة الوطنية لإخوانهم المغربيين ودَعَت إلى التمرّد والثورة على المحتل. 

مرَّت حقبةُ الاستعمارِ الفرنسيِّ الذي يسمّيه الفرنسيون "الحماية"، ثم أَعقبَتها مرحلةُ الاستقلال بما شابَها من تحولاتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ ألقت بظلالها على قطاع الفِلاحة في البلد، والذي قرَّر المسؤولون أن يَمضوا فيه على خُطى الاستعمار الفرنسي في تشجيع الزراعة المَسقيّة التصديرية على حساب نظيرتها المعيشية.


"الطماطمُ غاليةٌ، بسبب سياسة المخطّط الأخضر كي يصدِّروها إلى الدول الأجنبية"، مرّ هذا التعليقُ وغيرُه على مسامعي بين الناس وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وهي تعليقاتٌ تتّهم الخطةَ الزراعيةَ الحكوميةَ المسماة "المغرب الأخضر". شُرِعَ في تنفيذ هذه الخطّةِ سنةَ 2008 وانتهى أجلُها سنةَ 2020. ويبدو هذا المخطَّطُ الزراعيُ امتداداً ومحاكاةً شبهَ ظاهريّةٍ للتجربة الكاليفورنية التي تبنّاها الفرنسيون إبّان استعمارِهم البلدَ. يُحتفَى بالزراعة للتصدير لأنها وسيلةٌ للحصول على العملة الأجنبية التي يسدُّ جزءٌ منها الديونَ الخارجيةَ، إذ بلغَت أعلى مستوياتِها هذه السنة 2.1 مليار دولار.

لَم تكُن هذه القصةُ وليدةَ اللحظة، بل نِتاجَ ما أُطلِقَ عليه "السكتة القلبية" في عقد الثمانينيات، وهو تعبيرٌ يَصِفُ هَوْلَ ما تركَته الديونُ التاريخيَّةُ آنذاكَ البالغةُ اثني عشر مليار دولار. وصار البابُ مفتوحاً أمامَ البلد للاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي فرض "التقويم الهيكلي"، الذي يشملُ تقليلَ نفقاتِ الدولة على الخدماتِ الاجتماعية والسلعِ الأساسية وتشجيعَها على سياسات اقتصاد السوق، أي حريةِ النشاط الاقتصادي في بيئةٍ يَقِلُّ فيها تدخلُ الدولة، والتصديرُ جزءٌ أساسيٌّ منه. وطالت هذه الإصلاحاتُ قطاعَ الزراعةِ المهمّ، إذ بلغَت مساهمتُه 14 بالمئة من القيمة الإجمالية للاقتصاد الوطني. وأَوصَى صندوقُ النقدِ الحكومةَ بالحدِّ من تدخّلِها في القطاع الزراعي.

بعد أن انتهى مخططُ "المغرب الأخضر"، شرعَت الحكومةُ بالإعلان عمّا وصفَته بالإنجازات. وشملَ المخططُ الرفعَ من إجمالي الناتج المحلي الفِلاحي بنسبة 5.25 بالمئة. وارتفعت صادراتُ المنتجات الفِلاحية بنسبة 117 بالمئة، إذ انتقلَت من خمسةَ عشر مليار درهمٍ إلى ثلاثة وثلاثينَ مليار درهم. 

هذا المشروعُ الحكوميُ استمرارٌ لسياسةِ إعفاءِ كبارِ الفلاحين من الضرائب، ولَم يحملْ رؤيةً تمسّ الجانبَ الاجتماعي. لكنّ الحكومةَ تنفي ذلك وتستعين كعادتها بالإحصائيات الكمّية من غير أن تكشفَ عن تفاصيلِ ما جرى للمَعنيِّين بالأمرِ من عمّالٍ ومزارعين بسطاء. وقالت الحكومةُ إنها بفضلِ هذا المخطّط وفّرَت 342 ألف وظيفةٍ إضافية، وشجّعَت الفِلاحةَ التضامنيةَ بإطلاق 989 مشروعاً لتُفيدَ سبعمئة وثلاثين ألف مغربي. زَرعت هذه المشاريعُ ما يزيدُ عن 438 ألف هكتار، وحسّنَت المراعيَ على أكثر من تسعة وثلاثين ألف هكتار. وأكّدت الحكومةُ للرأي العام المحلي أنها شجّعَت المنتجاتِ الزراعيةَ المحليةَ بمواكبة مزروعاتِ سبعمئة وعشرين مؤسسةٍ تعاونيةٍ وتثمينِها، والاعترافِ بمنتجاتها، وتسجيلِ ثلاثة آلاف منها لعرضها وتسويقها في الأسواق التجارية الكبرى. 


رأت جهاتٌ حكوميةٌ وغيرُ حكوميةٍ أن المخطّط لم ينجح. وقالت المندوبيّةُ الساميةُ للتخطيط في المغرب، وهي مؤسسةُ بحوثٍ حكوميةٌ، في تقريرٍ لها: "مخطَّطُ المغرب الأخضر فشلَ في تحقيق أهدافه المسطَّرةِ سواءً بحجم الإنتاج أم بفرصِ العمل التي وعدَ بتوفيرها".

وأكّد الخبيرُ الاقتصادي نجيب أقصبي للمنصة الإخبارية المغربية "اليوم 24" بأن هذا المخطّط الفِلاحيَّ اعترَتْهُ تخبّطاتٌ لخَّصَها في أربعِ عقباتٍ، أّوَّلُها فشلُ المخطَّط في خلقِ استقلاليةِ الإنتاج لارتباطه بالأمطار. وأما العقبةُ الثانيةُ فعدمُ تحقيق المغرب الاكتفاءَ الذاتيَّ من الأمن الغذائيّ المرتبط بالموادّ الحيوية كالحبوب والسكّر. وتجلّت الثالثةُ في مضاعَفة البلد "إنتاجيّتَه من الخُضَرِ والفواكه بهدف تصديرها، لكنه لم يتمكن من خلقِ أسواقٍ جديدة". بينما تكمنُ العقبةُ الأخيرةُ في عدم تحقيق 1.5 مليون منصب شغلٍ ما بين 2008 و 2020؛ إذ تؤكّد الأرقامُ الرسميةُ فقدَ مئةٍ وخمسين ألف منصب عملٍ ما بين 2008 و2017.

إذن، واجهَ المخطَّطُ الفِلاحيُّ مشكلةً ما زالت عالقةً منذ عقودٍ، وهي تحقيق الأمن والاكتفاء الغذائي من الحبوب والسكر والزيوت النباتية، مع مساهمته في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي ونجاحه النسبي في زيادة الإنتاج الزراعي. كلُّ ذلك في وقتٍ يسعى فيه البلدُ إلى إنتاجِ كمياتٍ هائلة من البطيخ والأفوكادو والمزروعات المستهلِكة الماءَ، وهي منتجاتٌ ليست من أولويات سلّة المغربيين الغذائية.

هذا السعي إلى الإنتاج المفرط لمنتجاتٍ زراعيةٍ بعينِها كالبطيخ يراهُ المزارعُ مسعود، المقيم في نواحي مدينة زاكورة جنوبَ شرقِ البلاد، ضرباً من إسراف المواردِ المائيةِ لمنطقتِه المعروفةِ بشحِّ المياه لطبيعتها شبه الصحراوية والجافّة، وبتسجيلِها أعلى محصولٍ من الفاكهة الصيفية في البلد. زرتُ الرجلَ في منزله الطيني. رحّبَ بي وضيّفَني الشايَ والتمرَ، وقال: "التمرُ أم البطيخُ؟ طبعاً التمرُ هو المهمّ لنا". استرسَل الرجلُ في الكلام ويدُه اليمنى الخشنةُ لا تتوانى عن مطارَدة جحافل الذباب الحائم حول صحن التمر.

تَرَبَّعْتُ جالساً على الأرض كالتلميذ المُصغي لشرحِ أستاذه، مستمِعاً بقليلٍ من التعقيب وكثيرٍ من الأسئلة الفضولية المقتضبة. لَم يكدِّر الذبابُ صفوَ المزارعِ وتركيزَه، إذ بدا متحمّساً تارةً وغاضباً تارةً أُخرى، كما وَشَتْ نبرةُ صوته المرتفعةُ التي هزّت سكونَ منزلِه. قال لي: "هل يستوي التمرُ مع البطيخ؟ التمرُ صبورٌ مثلَنا، يشبهُ أجسادَنا ومزاجَنا ومناخَنا، عكسَ البطيخ المليءِ بالمياه. أَلَسنا أَوْلَى بهذه النعمة نحن وبهائمُنا وأراضينا الجافةُ؟" واصلَ مسعود حديثَه معي حانقاً وصارخاً، ثم قاطعتُه بسؤالٍ لا يبدأُ بأداةِ استفهامٍ: "ولكن . . . البطيخ أسهمَ في تحسّنِ الوضع المعيشيّ لبعض المزارِعين، وزادَ ربحُهم من تجارة البطيخ أكثرَ بكثيرٍ من التمور". انتظرتُ ردَّه هنيهةً. سكبَ كأسَ شايٍ مَحلّيٍ غارقاً في السواد، ثمّ ردَّ بحسمٍ: " لا نريد هذه الثمرةَ الدخيلةَ على أراضينا. نحن في غِنىً عنها. التمرُ بركةُ الله يا أستاذ. انتهى الكلام".

ما حكاه المزارعُ مسعود يدخل ضمنياً فيما يصفُه نجيب أقصبي في حواره مع شبكة "سيادة"، وهي مجلةٌ عُمّاليةٌ اجتماعيةٌ، بأنّه نوع من "الانفصال بين النموذج الإنتاجي والنموذج الاستهلاكي . . . أي أننا أصبحنا ننتجُ ما نُصدِّر، لا ما نَستهلك، وبدأنا نستورد بكميةٍ كبيرةٍ ما نسـتهلكه".

انتهى أَجَلُ مخطط المغرب الأخضر. له ما له وعليه ما عليه، وتركَ ابناً امتداداً له في رؤيته التصديرية مع بعض الاختلافات النوعية، وهو مخطّطٌ جديدٌ سمَّته الحكومةُ "الجيل الأخضر" يرتكز على دعامتين. الأولى تشمل تطويرَ زراعةٍ عصريةٍ ذاتِ قيمةٍ مضافةٍ عاليةٍ على مستوى الأراضي المَسقيّةِ بمياه السدود والأراضي البورِ لكن الملائمةِ للاستصلاح الزراعي. أما الثانيةُ فترمي إلى تأهيل الفلّاحين في المناطق الجافّة والمتصحّرة. لكن يصعُب الآن تقييمُه موضوعياً، فهو ما زال فتيّاً، ويحتاج فرصةً محدودةً بمَداه الزمني لنرى ما سيُثمِر.


السؤال الأهمّ هو هل يستفيد المغربيون من ثمار هذه المخطّطات، وهل يستفيدون من وفرة المنتجات الزراعية المحلية وبأسعارٍ مناسبة. كنتُ عند الفاكهاني أَبْتاعُ خَضْراواتٍ للمنزل فاستوقفَني حديثٌ بين رجلٍ أعرفُه يدعى الحسين والفاكهاني، قال الحسين: "آش هاد الصهد يا خويا"، عبارةٌ يُرادُ بها حرارةُ الجوّ وإن استعملَها الحسين مجازاً هنا. تحدّث الرجلُ بنبرةٍ حانقةٍ إلى الفاكهاني في ظلّ "صهدٍ شتوي" وأسعارٍ مشتعلةٍ على غير عادتهما في يناير من العام الماضي. وَجّهَ الحسين جملتَه للبائع كالرصاصة كأنَّه المتهمُ الأوَّلُ في جريمة الغلاء المفتَرَضة، فرَدَّ الفاكهاني باقتضابٍ على زبونه: "كُل شي غالي. حتى أنا شريتها غالية". 

تَشَتَّتَتْ حواسّي بين الانشغال باختيارِ خضارٍ وفواكهَ ومراقبةِ نقاش الفاكهاني والحسين بعينٍ ثالثةٍ لا مرئيةٍ، بعدَ أن أنهى الحسينُ شكواهُ إلى البائع وقف بجواري ليختار بيده المتحركة غضباً يميناً وشمالاً بطاطا جيدةً إلى رديئةٍ مُغَطّاةٍ بالتراب البنّي. وصرخ فيه قائلاً:"شوف يا أخي على بطاطا كِي عامرة بالتراب؟ وما زال بعشرة دراهم. ما شي منكر هذا؟"

غضبُ الحسين ليس بِدعاً؛ إذ يشاركُه عددٌ من المغربيين الحنقَ نفسَه، فمنذ بداية سنة 2022 سجَّل البلدُ أشدَّ موجةِ تضخمٍ لمعظم أسعار السلع والخدمات، بما في ذلك أسعار المنتجات الفلاحية والبحرية التي ينتجها البلد ويتصدّرُ محصولُها المراتبَ الأولى في دول منطقتنا، وفي العالم كالطماطم والبرتقال والبصل والأسماك.

أظهرت المقاطعُ المصورة المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي مستوياتٍ عاليةً من الاحتجاجات للمستهلِكين المغربيين وشكواهم، وشاركوا فيها الحسينَ رأيه بين سَنَتَي 2022 و2023. يقول أحد المستهلِكين على منصّة تيك توك إن ثلاثَ حبّاتٍ أو أربعاً كبيرةً من البطاطا لا تكفي لتَزِنَ كيلاً. والبطاطا عنصرٌ نباتيٌّ لا يُستغنى عنه في وجبات المغربيين، كوجبتَي "الطاجين" و"الكاميلة" الشعبيتين.

تزامنَ التضخّمُ مع تداعياتِ جائحةِ كورونا والأزمة الأوكرانية. فقد أضرَّت الأولى بسلاسل إمداد الغذاء عالمياً مسببةً غلاءَه، ورَفَعَت الأُخرى أسعارَ النفط والغاز ومعهما تكلفةَ الموادّ الغذائية. وسجَّلَ تضخّمُ الأسعارِ أعلى مستوياتِه سنةَ 2022؛ إذ بلغ 6.6 في المئة قبل أن يتراجع سنةَ 2023 إلى نحو 6.1 في المئة. 

وربما يشيرُ ارتفاعُ التضخّم في أسعار الغذاء إلى أن التصدير أدّى إلى نُدرة الخَضْراوات والفواكه في السوق المحلية. تَستبعد الحكومةُ أن يكون التصديرُ المفرط سبباً رئيساً في غلاء أسعار هذه المنتجات، وتَعزو ذلكَ إلى كثرةِ الوسطاء والمضارِبين، مما يشي بضرورة "تنظيم الأسواق". ودافعَ وزيرُ الفِلاحة محمد صدّيقي عن هذا السبب، إذ قال للمنصّة المغربية "لو360": "من غير المنطقيّ أن يصلَ سعرُ الطماطم إلى عشرةِ دراهم، بينما يبيعُها الفلّاحُ بثلاثة دراهم أو أربعة أو خمسة دراهم أقصى سعر، فمن غير المعقول أن يربحَ التاجرُ أكثرَ من الفلّاح".

لكن حقّقتْ إحصاءاتُ التصدير نموّاً ملموساً. ففي سنة 2022 سجَّلت صادراتُ الفواكه والخُضَر الطازجة 2.3 مليون طن بمعدل نموٍّ سنوي بلغ 10 بالمئة. وبلغت صادراتُ الفواكه الحمراء نموّاً بنسبة 20 بالمئة؛ إذ قُدِّرَ حجمُها بـ 132 ألف طن، مع انخفاضِ التصديرِ العامَ الماضيَ، إذ بلغ سبعينَ ألفَ طنٍّ بينَ يناير وأكتوبر 2023، لكن هذا لا ينفي أن البلد أفرط في سياساته التصديرية السنينَ الأخيرة.

يؤكِّدُ الباحثُ الاقتصاديُّ رشيد أوراز، أحدُ مؤسسي المعهد المغربي لتحليل السياسات، لمجلة الفِراتْس، أنَّ التصديرَ "قد يؤدِّي إلى رفع الأسعار، لكن إيقافَه ليس حلّاً. فالمشكلةُ الحقيقيةُ هي أن دخلَ المواطنِ المغربي متدنٍّ جداً، لذلك يؤثِّرُ ارتفاع أسعار المواد الفلاحية تأثيراً سيئاً عليه". ويرى أوراز أن وجودَ علاقةٍ بين التصديرِ وارتفاعِ الأسعار لا ينبغي أن يُعالَج بإيقافِ التجارة الحرّة "التي هي المبدأ الاقتصادي السليم، بل بإصلاحِ المؤسسات الاقتصادية وتشجيع الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة المرتفعة من أجل تحسين دخل المواطنين وجاذبية السوق الوطنية للمصدِّرين". يبدو أن هذه السياسات أثَّرَت في السلّة الغذائية للمواطن المغربي في السنتين الأخيرتين.

صادفتُ الحسين بعد أربعة أشهرٍ من محادثة "الصهد". يحملُ بصمتٍ وبلا نبرةٍ احتجاجيةٍ هذه المرّةَ إناءً واحداً ليملأ ما تيسّرَ من الخُضَر والفواكه، لكن أقلّ من المرّة السابقة. قال الحسين للبائع: "راه تقهرنا يا خويا" بعد أن سأله عن سبب تقليله الخُضَر. باتت "التخليطة" حلّاً لمواجهة نيران الغلاء المتنامي. والتخليطةُ جمعُ تشكيلةٍ من الخُضَر والفواكه القليلة، أي واحدة أو اثنتين من كلّ نوعٍ فلا تتعدى كلّها كيلاً أو كيلَيْن. وهي وسيلةُ الأُسَر محدودةِ الدخل وتتبعُها أحياناً الأُسَرُ ذاتُ الدخل المتوسط، إذ باتت تتعامل مع سلّةِ الغذاء بمزيدٍ من الحسابات بما في ذلك الوجبات الأساسية كوجبتَي الطاجين والكسكس. لذا أَضحى بعضُ المغربيين يكتفونَ بتناول هذه الموادّ النباتية مرّةً في الأسبوع أو ثلاثاً على أقصى تقدير.

أثَّر تكرارُ غلاء أسعار الغذاء المحلّي في تغيّر عاداتِ المغربيين الغذائية. فهو أمرٌ يمسُّ أساليبَ عيشِهم. قالت لي ليلى، وهي موظفةٌ حكوميةٌ تسكنُ في مدينة أغادير جنوبَ غرب البلاد، إنها لَم تعُد تشتري الخَضْراوات بأشكالها وأحجامها المتنوعة منذ زيادةِ أسعارِها كالملفوف والفول والحمّص. وصارت تكتفي بمكوناتٍ قليلةٍ وأساسيةٍ من غيرِ اللجوءِ، وأضافت قائلةً: "أحيانا يكون الكسكس مناسبةً أسبوعيةً لأكلِ الخُضَر".

أما هدى التي تعيش بين مدينتَي تطوان والحسيمة، فلاحظَت أن بعضَ الأُسَرِ بدأَت تستغني عن بعض الخُضَر الغالية كالفلفل الذي يرتفع سعرُه بين الفينةِ والأُخرى. وشهدَت الطماطم أيضاً غلاءً فاحشاً إما بسببٍ مناخيٍّ كانخفاض درجة الحرارة وشحِّ المياه لشحِّ المطر، وإما بسبب تدخّلِ كثيرٍ من الوسطاء في التوزيع والبيع، وإمّا بسبب سياسة التصدير المتصاعد؛ إذ وصلَ مستوى تصديرِها إلى سبعمئة ألف طن سنةَ 2022.

امتدَّ تأثيرُ الغلاء إلى أساليب إعداد الطعام. فمثلاً بات عددٌ من المغربيين يستعملون معجونَ الطماطم المعلّب بدلَ الطماطم الطريّة في إعداد شُوربة "الحريرة" الموجودةِ على موائد المغربيين كلّها في رمضان. أمّا في المدن، فصارت الوجباتُ السريعةُ ضرورةً لا تَرَفاً، وليست حكراً على الموظفين والموظفات والعاملين والعاملات. ومِن مستهلِكي هذه الوجبات ربّاتُ البيوت والعاطلون عن العمل. فلَم يعُد تحضيرُ وجبةِ "الكاميلة" الشعبية رخيصاً كما كان قبل سنين؛ إذ أنّ شراءَ قليلٍ من اللحم ونزرٍ من الخَضْراوات يَعْدِلُ ثمنَ شطيرةٍ مليئةٍ بلحمِ الديك الرومي أو محشوّةٍ بكفتةِ لحمِ البقر. تحوي الكاميلةُ القليلَ من اللحم وخُضَراً متنوعة، أبرزُها: البصل والطماطم والبطاطا والجزر والزيتون والكوسة. وتُضاف إليها خضارٌ أُخرى كالفلفل والفاصوليا الخضراء والبازلاء والقرنبيط. وتُطهى هذه الوجبةُ على آنيةٍ مصنوعةٍ من الألومنيوم مُنَسَّمةً بتوابلَ عدّةٍ كالكركم والفلفل المجفف الأحمر والفلفل الأسود وغيرها من المكونات.

ومع ذلك ما زال مغربيون كُثُرٌ يحافظون على عاداتهم الغذائية الأصيلة والشعبية مع موجات الغلاء. فوجبةُ الكاميلة مثلاً لها عشّاقٌ. وهي وجبةُ غذاءٍ صحيةٌ، لا يُغنِي عن لذّتِها شطيرةٌ أو بيتزا رخيصةٌ، لن تُشْعِرَ بالشبعِ الغذائيّ، بَلْهَ أنها بدائلُ غيرُ صحّيةٌ. فالمغربيون الأوفياءُ لهذه الوجبةِ ونظيرِها الطاجين يلجَؤون إلى حلولٍ عمليةٍ كالاستغناء عن الخُضَر الغالية أو المرتفعة أسعارُها بين الفينةِ والأُخرى، كالطماطم والفلفل والبصل الأحمر، ويستبدلون بها مثلاً البصلَ الأخضرَ الرخيصَ نوعاً ما، وكلّما ارتفعَ سعرُ البطاطا والكوسة والفلفل قلّلوا منها.


توقفَت هذه الحالةُ مؤقتاً، فبعد سنتَيْ 2022 و2023 المثقلتَيْن بالجفاف والتضخّم والغلاء الفاحش دخلَ شهرُ يناير من العام الحالي مبشِّراً. فقد انخفضَت أسعارُ الخُضَرِ والفواكهِ إلى أدنى حدٍّ لها بين آخِر يناير وفبراير الماضيَيْن. صارَ ثمنُ كِيلِ البطاطا ثلاثةَ دراهم بعد أن كان بين الستة والعشرة. أما الطماطمُ فبعدَ أن بلغَ الكِيلُ منها خمسة عشر درهماً، صار ثمنُه بين ثلاثة وأربعة. 

تزامَن هذا الانخفاضُ المؤقَّتُ مع تراجُعِ كمّياتِ التصدير إلى دولٍ أوروبيةٍ ودولِ جنوب الصحراء الكبرى. لَم يَتَأَتَّ هذا الأمرُ إلا لتصاعُد احتجاجات المزارعين الفرنسيين والإسبان والألمان الرافضين إغراقَ أسواقِهم المحلية بالمنتجات الزراعية المغربية. وتسبّبَ القرارُ الموريتانيُ الذي اعْتُمِدَ مطلعَ هذا العام والقاضي برفع الرسوم الجمركية على المنتجات المغربية المكوّنة أساساً من الخُضَر والفواكه في انخفاضِ التَّصدير إلى هذا البلد، مع قرارِ الحكومة المغربية الذي يحظرُ تصديرَ بعض المنتجات الزراعية إلى دولٍ إفريقيةٍ مطلعَ هذا العام. 

ولفهمِ هذا الواقع المتغيّر وتفسيره سألتُ الخبيرَ الاقتصاديَ نجيب أقصبي عن أسبابِ غلاءِ أسعارِ الخُضَر والفواكه في المغرب. لَم يُنكِر أقصبي التأثيرَ الملموسَ لتصدير هذه الموادّ المفرط، ولم ينفِ عواملَ أُخرى متداخلةً، إذ يقول لمجلة الفِراتْس : "سابقاً، لمّا كانت الظروفُ المناخيّةُ مناسبةً، كان الإنتاج الوطني للخضار والفواكه كافياً لتلبية حاجات السوق الداخلية، ووُجِّهَ جزءٌ متنامٍ لهذه المواد إلى الأسواق الخارجية. وقد أَثّرَ عامِلَا نُدرةِ المياه وتوالي سنوات الجفاف في الإنتاج في رغبةِ المصدِّرين بالاستمرار في التصدير، ممّا أدّى إلى انخفاضٍ نسبيٍّ للعرض في السوق الداخلية، ثم ارتفاع الأسعار والضغط على السلّة الغذائية للمغاربة".

تنفّس المغربيون الصعداءَ بعد هذه الأحداث، وبمَن فيهم أحمد الموظف الحكومي. شارَكَني أحمد في لحظةِ تسوّقٍ عابرةٍ في سوقٍ شعبيٍ مَقاطعَ لأوربيين غاضبين. بخلافِ المُزارِع إبراهيم، لَم تَبْدُ على أحمد ملامحُ الغضب، بل الارتياح والفرح والحبور. ففي كلِّ لحظةٍ يُريني مقطعاً مصوراً على وسائل التواصل الاجتماعي تتّسعُ ابتسامتُه، وتنفرجُ أساريرُه. قاطعَ الفاكهاني انهماكَنا في مشاهدةِ المقاطع المصورة ليعلّقَ بصوتٍ جهوريٍ خشنٍ أمام الملأ: "سْمْعُو مْزْيَان … المهمّ هو خِيرْنَا مَا يْدِيهْ غِيرْنَا إِلَا كْنَا مْحْتَاجِينُو".

بَيْدَ أنّ الغلاءَ قد يعود مجدّداً بعد أن عادَ تصديرُ الموادِّ الزراعيةِ إلى موريتانيا التي أَقرَّت مراجعةً جمركيَّةً للمنتجات المغربية، بينما وَعدَت حكومةُ المغرب مصدِّرين مغربيين برفع الحظر عن تصدير البصل والبطاطا إلى دولٍ إفريقيةٍ، مما تسبّب بعودةِ ارتفاعِ أسعارِ هذه الموادّ نسبيّاً في شهر مايو مِن هذه السَنَة. كلُّ هذه المعطَيات تخيفُني أنا والحسين وأحمد وليلى وهدى والمزارعَيْنِ إبراهيم ومسعود من استمرار الغلاء، ثم الحرمان أحياناً من سلَّةٍ غذائيَّةٍ كاملةٍ ومتنوعةٍ بأسعارٍ مناسبة. لذا يظلُّ لسانُ حالِنا ينادي سرّاً "خيراتنا لنا أَوّلاً ولغيرِنا عاشراً"، فهل سنتمتّع بسلّتِنا الغذائيةِ كاملةً في السنين القادمة؟

اشترك في نشرتنا البريدية