تسوِّقُ شركاتُ خدماتِ النظافةِ المنزليةِ في ليبيا لخَدَمَاتها بأسلوبٍ تجاريٍ يشبهُ الصفحات التجارية التي تعرضُ البضائع، إذ تعرضُ صُوَرَ العاملاتِ اللائي تُشغّلهنّ وسعرَ الخدمة، وتصوّرُ تلك الشركات أفلاماً إعلانية مموّلة بطلاتها العاملات أنفسهن دون النظرِ إلى خصوصيتهن وحقهن في اختيار قبول التصوير أو رفضه. وليس أوضح على ذلك ولا أفدح من جملة "التوصيل مجاني" كأنهن سلعة معروضة للبيع.
دخلتُ عالمِ هذه الشركات للتحقيقِ فيما تمرُّ به العاملاتُ. لم يكن الأمر سهلاً في بلدٍ يعجّ بالأزمات منذ الثورةِ الليبيةِ سنة 2011، ويُعدُّ بوابةً للهجرة غير القانونية إلى أوروبا من دولِ ما وراء الصحراء الكُبرى. تُجلبُ معظمُ العاملات في هذه الشركات من تلك الدولِ الإفريقية التي يحلم كثيرٌ من شبابها بالهجرة إلى أوروبا بحثاً عن حياةٍ أفضل، ويرى كثيرٌ منهم العملَ في ليبيا محطةً مؤقَّتةً لجمعِ المالِ وإكمالِ رحلةِ الحلمِ الأوروبي. لكنهم يصطدمون بالواقع، وتتلقفهم عصاباتٌ ومهربونُ يستغلّون ظروفهم ويكسبون من ورائهم الأموال في تجارة غير مشروعة عابرة للحدود، المحظوظُ فيها من يبقى على قيد الحياة ويصل لنهايةِ الرحلة.
وجدتُ نفسي في دوّامةٍ، إذ رفضَ أصحابُ الشركات الحديث إلي عندما عرفوا أنني صحفية تريدُ محاورة العاملاتِ عندهم أو محاورتهم. أدركت أنّ علي "استئجار" عاملة عبر إحدى الصفحاتِ الكثيرة على صفحات التواصل الاجتماعي، وبأسماء شركاتٍ مختلفة لا توضّح من يملكها أو يديرها. وجُلّ هذه الشركات تعملُ في منطقةٍ رماديةٍ من القانونِ الليبي، وتستغلُ العاملاتِ لتحقيقِ أرباحٍ سريعةٍ وتشغلهنَّ في ظروفِ عملٍ غير إنسانية، فلا توقعُ معهنَّ عقوداً ولا يملكنَ أي حقوقٍ تنصُّ عليها قوانين العمل في ليبيا مثل أيام العُطَل أو التغطية الصحية أو مرتبٍ ثابتٍ متعارف عليه. وجُلّ هؤلاء العاملات يقمن في البلد بطريقةٍ غير نظامية، فيبقين مرهونات بإنسانية أرباب العملِ وضمائرهم، وأصحاب العمل قد يكونوا ليبيين أو من أبناءِ البلدِ التي جاءت منها العاملة وهم أنفسهم مهاجرون غير قانونيين. وتحاولُ حكومة الوحدة الوطنية منذ إمساكها زمامَ السلطة التنفيذية في البلد سنة 2021 حلّ أزمةِ المهاجرين في البلدِ بتسجيلهم واستحداثِ نظامِ "الكفيل"، وشجّعت الحكومة أصحاب تلك الأعمال والشركات بالتسجيل في منظومةِ "وافد" التي استحدثتها لكنّ المنظومة تواجه عزوفاً لأنّها تتعارضُ مع الواقع الذي خلقته الحرب الأهلية الليبية منذ 2014، وجعلَ العملَ مع المهاجرين غير الشرعيين أسهلَ من المسجّلينَ في سجلاتِ الدولة.
اشتدّتْ قبضةُ النظامِ الجماهيري بدايةَ الثمانينيات وأصبحَ تنفيذُ الشعارات التي جاءَ بها الكتابُ الأخضرُ مهمةَ اللجانِ الثوريةِ التابعةِ للعقيد، كما بات يوصف معمر القذافي. وشهدَ ذلك العقد ذروةَ تطبيقِ الإجراءاتِ الاشتراكية، فقلّ "الخدمُ" في البيوتِ، واقتصر عملهم على بيوتِ عليةِ القوم الذين يخفونَ وجود العاملِ أو العاملة في أحيانٍ كثيرة خوفاً من المساءلةِ. في ذلك الزمن كانت جُلّ العاملاتِ من دولٍ عربيةٍ مجاورةٍ باستثناء الجنوبِ الليبي، إذ كان النّاس فيه يستخدمونَ العاملات الإفريقيات نظراً لعلاقة الجنوب التاريخية بطرقِ تجارةِ العبيد، واشتهرت عائلاتٌ باستخدامهم في سَبْها وبعضُ تلك العائلات كان من أقاربِ العقيد أنفسهم.
أدّت سياساتُ الجماهيرية الليبية الخارجية، وحادثةُ إسقاط طيّارة "بان آم 104" سنةَ 1988 إلى أزمةٍ بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية سُمِّيت "قضية لوكربي". فرضت الولاياتُ المتحدة وحلفاؤها حصاراً دولياً على ليبيا حتى بداية الألفية. لقضية لوكربي أثرٌ كبير في تخفيفِ السياسات الاشتراكية التي اعتمدتْها ليبيا، إذ وجدَ النظام نفسهُ محاصراً وغير قادرٍ على تطبيقِ ما كان يدعو إليه العقيد، ويظهرُ ذلكَ مثلاً بالسماحِ بالأنشطةِ التجاريةِ الخاصة في عقد التسعينياتِ بعد حظرها في الثمانينيات. ثمَّ بعدَ المصالحة الأمريكية الليبية سنة 2006 بدأ نمط الحياة يتغير في البلاد ودخلت أفكارٌ شجّعتْ على العيش برفاهية مع الرخاءِ الاقتصادي الذي تبعَ تلكَ المصالحة، ومن تلك الأفكار استخدام عاملات المنازل، وإن بقلة.
مع ذلكَ استمرّ القانون الليبي في تجريم استخدام "خدم المنازلِ" وعدَّه انتهاكاً لحقوق الإنسانِ. عَمِلَ المُشَرِّعُ الليبيُّ على تهذيب لفظ "الخدم" وحوّلهُ إلى "مُدَبِّرات"، وحَدَّدَ شروطَ التوظيفِ. فقد نصَّتْ المادةُ 85 من قانونِ العمل رقم 12 لسنة 2010 أنّ "البيتَ يخدمهُ أهله، ولا يجوز الإذنُ بممارسةِ تقديمِ الخدمةِ المَنزلية للأسرةِ إلا للضرورةِ القصوى وفي حالاتٍ ضيقةٍ كعجزِ الأبِ أو الأمِ أو وجودِ طفلٍ به إعاقة". وأن يكون تقديم الخدمة بموجب عقدٍ مبرمٍ بَيْنَ الطَرَفيْن مع ضمانِ كل الحقوقِ الخاصةِ بالعمّال بما فيها تمتعهم بالضمانِ الاجتماعيِ والإجازات والراحةِ الأسبوعيةِ مع تحديدِ الحدِّ الأدنى لسنِّ العمل والحدِّ الأدنى لمقابل العمل. ورهنَ المشرّعُ الليبيُّ تقديمَ الخدمة بوجوبِ أن تكون إقامة العاملة قانونية من مكتب تشغيلٍ مسجّل في سجّلاتِ الدولة يتعاقدُ معها، ففي القرار رقم 46 لسنة 2009 يذكرُ وجوب متابعة مقدّمي هذه الخدمات وتفتيشِهم من مكاتبِ التشغيل. ومع ذلك كانت ظاهرة الهجرة غير القانونية حاضرةً في ليبيا حتى قبلَ سقوطِ نظامِ العقيدِ، وإن تابعتها الدولة حينها وحاولتْ ضبطَها.
ازدادت أعدادُ مدبّري المنازل بعد الثورة الليبية سنة 2011، وذلكَ مع تنامي ظاهرة الهجرة غير القانونية إلى ليبيا وانهيارِ أجهزةِ الدولةِ الليبية وغيابِ تطبيقِ القانون. إذ يُقَدَّرُ عدد المهاجرين غير القانونيين في ليبيا نحوَ مليونيْ مهاجرٍ ومهاجرة، أي ربع سكّانِ البلاد تقريباً. استغلّ المهرّبونَ غيابَ القانونِ وضعفِ أجهزةِ الدولةِ الأمنية ليستقدموا العاملات من عدَّةِ دول مجاورة منها عربية وإفريقية، لكن الأعداد الأكبر تأتي من دول الساحلِ والصحراء مثل النيجر وتشاد ونيجيريا وغانا ومالي. وظهرتْ شركاتُ خدماتِ النظافة وتعددتْ تخصصاتها والجنسياتُ التي يتعاملون معها، فمن الشركاتِ من تقدم عاملات للإقامةِ في المنازلِ بدوامٍ شهريٍ تتراوح مرتباتهنَّ من تسعمئة إلى ألف ومئتي دينار ليبي، والدولار يساوي 4.8 دينار بالسعر الرسمي، مع مبلغٍ مقدّمٍ للشركة يساوي مرتّبَ شهريْن. وثمّةَ عاملات يشتغلنَ باليومية تتراوح أجورهنّ بين ستين إلى ثمانين ديناراً لعددِ ساعاتِ عملٍ بين أربع إلى ثمانِ ساعات. وهذه الأسعار تختلف من مدينةٍ لأخرى يتحكَّمُ فيها العرضُ والطلبُ، وبُعدِ المسافة عن مصدرِ توريد العاملات ومكانه.
وصلتْ العاملة عائشة الثامنةَ صباحاً رفقةَ موظفِ الشركة وكانت ترتدي "زي خادمات"، قميص وسروال بلون زهري موحد مضافاً إليه حجاب، وهذه عادة من عاداتِ شركاتِ الخدمات لتبدو مهنية. تبدو عائشة في العشرينات من عمرها وتعرف قليلاً من العربية. كنتُ قد شاهدتُ قبلَ ذلِك فيلماً ترويجياً لإحدى الشركات وهي تُدرّبُ العاملات على أسماءِ الأثاثِ والأواني في اللهجةِ الليبية، وأنواعِ الأوامرِ التي عادةً ما تصدرها ربّات البيوت، تدرّبهنَّ واحدةٌ منهنّ على التسميةِ الصحيحة. فكّرتُ في الفيلم عندما شاهدتُها، إذ كانت الفتيات فيه يرتدينَ مثل ملابسِها. نظرتْ عائشة إليّ بقلق بينما تنتظر تعليماتي للعمل في المنزل. حاولتُ ألّا أشعرها باهتمامي بها شخصياً، وتصرفتُ مثلَ أي ربّةِ منزلٍ تريدُ تنظيفَ بيتها. أخدتُها في جولةٍ في شقتّي وشرحتُ لها المطلوب منها، وتركتُها تبدأُ في العملِ. بعد مرورِ ساعةٍ طلبتُ منها الاستراحة لأكل وجبة بسيطة.
سألتها عن جنسيتها وبلدها ومتى جاءت إلى ليبيا وكيف جاءت. قالت لي إنّها نَيْجيِريّة عمرها أربعة وعشرون عاماً وبلا أوراق هُويِّة. دخلت إلى ليبيا سنة 2023 مع مهاجرين آخرين في رحلةٍ استغرقت أسبوعين من نيجيريا إلى معبرِ الثّومِ الحدودي بين ليبيا والنَّيْجِر، وبمجرد وصولها للمنفذ جاءَ رجلٌ ليبيٌ يُدْعَى مَيْمُون، وهو اسم مستعار ذكرناه حفاظاً على سلامةِ العاملات، سألها هي وأربع فتياتٍ كنَّ معها عن حاجتهنَّ الوصول إلى سَبها، أكبر مدن الجنوبِ الليبي، مقابل الموافقة على العملِ معه في شركتِه التي تقدّم خدماتِ النظافةِ المنزلية. وافقتْ الفتياتُ، إذ سيوفر هذا لهنَّ الوصول والحماية من عصاباتِ التهريب، فالفتيات الصغيرات المهاجرات خصوصاً النيجيريات يواجهن مخاطر الخطف والاحتجاز وإجبارهنَّ على العمل في الدعارةِ في كثير من الأحيان، وهذا ما تؤكدُه تقارير صحفيةٌ وتقارير منظماتٍ إنسانيةٍ، ومنها تقريرٌ لوكالةِ الأمم المتحدة للهجرةِ في ليبيا سنة 2017 يتحدّثُ فيه عن تجارةِ الرقيقِ في ليبيا ويذكرُ شراءَ نساءٍ وإجبارهنّ على العملِ في الدعارةِ.
ثمَّ أخبرتني عائشة أنّها صعدت السيارة ومعها أربع فتيات، واستغرقت الرحلة وصولها منطقةَ القطرون، التي تبعد ثلاثمئة كيلومتر من معبرِ الثّوم، حوالي ثلاث ساعات. توجه بهنّ ميمون بعد ذلك إلى سَبها التي تبعد عن القطرون خمسمئة كيلومتر، وقد كانَ يتحاشى المرورَ من البوابات الأمنيةِ، وحين يضطرُ إلى المرور من إحدى تلك البوابات، يدفعُ المالَ لمَن يقفُ فيها ليكملوا الرحلة.
وصلت عائشة ورفيقاتها مدينة سَبها بسلام بعد رحلةٍ شاقة استغرقت أكثر من أسبوعين ليستقرَّ بهنَّ الحالُ مقيمات صحبة مهاجرات أخريات في مبنى حكوميٍ مهجورٍ. سرعان ما أخبرهنّ ميمون أنهنَّ ممنوعاتٍ من الخروج من المبنى، وسيقفلُ عليهن البابَ من الخارج، ولا يوجد إلا هاتف نقال واحد مخصص لهنَّ جميعاً، وهو موجود مع أقدمهنَّ وتعملُ مع الرجلِ منذ زمن وتتحدث العربية بطلاقة. أخبرهنَّ ميمون أنّ الهاتفَ للتواصل معهُ هو فقط، ولم يسمح لهن بالتواصلِ مع أهاليهنَّ. تصف عائشة ما مرّت به تلك الأيام بأنّها أحسّت بخوف عظيم "كأنّي دخلتُ إلى السجن، ولم أستطع أن أحدد إذا ما كان قراري بالمجيءِ إلى ليبيا صائباً أم لا".
بدأتْ عائشة العملَ بعد ذلكَ بأيامٍ وفُوجئت بصعوبتِه وشحِّ المالِ، فقد كان ميمون يعطيها مستحقاتِها حسب مزاجِه، وبأرقامٍ غير ثابتة بحجّة أنّه يوفّرُ لها السكن والطعام والملابس. قالت لي بأنها طلبت من ميمون تركَ العمل، لكنّه أخبرها بأنّه سيعيدها إلى الحدود الصحراوية، وهو الأمر الذي خافت منه، فاضطرتْ للاستمرار في العمل حتى تجد مخرجاً أو فرصة للهرب. كما قالت لي إنّ "ميمون يجلب العديد من العاملات اللواتي لا يبقين معه فترة طويلة، إذ سرعان ما ينقلهنّ إلى طرابلس لشركاتٍ أخرى". وهي تتمنى أن تُتاح لها فرصة الذهاب إلى طرابلس لأنّها سمعت أنّ الشركات هناك أكثر التزاماً بدفعِ المستحقاتِ المجزية بانتظام، وتوجد فرصة للخلاص والهجرة إلى أوروبا. حكت لي أيضاً أنّها سُجِنتْ ذات مرة عندَ مداهمةِ قواتِ الأمنِ للمبنى الذي يقطنون فيه بسببِ شكوى الجيران منهنَّ، فاقتيدتْ هي وغيرها إلى السجن في غياب رئيسهنّ في العمل، ولكنّهُ وبسبب نفوذِه في المدينةِ استطاعَ إخراجهنّ منه بعد أن علم بما حصل.
تمرُّ جُلّ العاملات في ليبيا بمراحل استغلالٍ تبدأ من بلدانهنّ التي هجرنَها إلى أماكن عملهنّ في ليبيا. فمعظمهنّ يهاجرنَ من بلدانهنَّ بدفعِ نصفِ المبلغِ للمهرّبِ في بلدهنّ على أن يدفعنَ بقيةَ المبلغِ من عملهنَّ في المنازل، ويصلُ المبلغ المطلوب إلى ألفيْ يورو، وهو مبلغٌ باهظ، يتطلّب العملَ عاماً أو ربما أكثر لإيفائه. يقتطع ربّ العملِ معظمَ معاشهنّ اليومي أو الشهري حتى يتمكنَّ من استخلاصه. بعد ذلك قد تصبحُ العاملة حرةً في العملِ أو الخروجِ أين شاءت. فقد أفادت إحدى العاملات من غانا الوكالةَ الليبية للأنباء "وال" في تقريرٍ لها نُشِر ديسمبر 2023 أنّها عملت عند عائلة ليبية أشهراً طويلة من غير أن تكمل دفعَ تكاليف رحلةِ هجرتها سنة 2022 ومن غير أن يبيّن الشخص الذي جلبها إلى متى ستستمر بالدفع. وهذا أمرٌ تدركُه العاملات أنفسهنّ. ففي مقطعٍ مصورٍ لإحدى العاملاتِ النَيْجِيريّات على موقع "فيسبوك" تنصحُ فيه المرأة مواطناتِها بأنّ عليهنّ دفعِ "كفيلهنَّ" لشراءَ هاتفٍ نقّالٍ ودخول مجموعاتِ التواصل بين العاملات والبدءِ بتحقيقِ استقلاليتهنَّ عنّ مشغّليهنَّ والتفاوضِ معهم والتأكدُ من أنّهنَّ يملكنَ أمرَ أموالهنَّ بعد ذلك.
ومع انهيارِ أجهزةِ الدولةِ الليبيةِ وعدمِ احترامِ الشركاتِ للقانونِ الليبي والتزامه، تقعُ العاملات غير المسجّلاتِ تحتَ رحمةِ رب العمل. وتصبحُ العاملة معتمِدةً كلياً على نُبلِه وأخلاقِه، فإن شاءَ أعطاها أيامَ إجازة وإن شاءَ سمحَ لها باستخدامِ الهاتفِ النقّال أو الخروجِ من المنزل، أو منعها من ذلك كلّه. ويفتحُ هذا المجال لأفعالٍ محرّمةٍ في القانونِ الليبي كالاستغلالِ الجنسي، إذ تذكرُ مهاجرةٌ لمنصةِ "مهاجر نيوز" كيف كان ربّ البيتِ يغتصبها مراراً. وقد يستغلُّ أحدُهم العاملات ويعاملهنّ كالعبيدِ بإهدائهنَّ للعملِ في منازلِ الأقارب أو الأصدقاء، وهذا ما تدعمه مقالة للكاتبة الليبية خلود الفلّاح على منصّةِ "خط 30" تحكي فيها ألدا - مهاجرة إفريقية - كيف كانت تُهدَى وتتبادلها عائلات كأنّها آلة من آلاتِ البيت. تقول خلود الفلّاح: "في أثناء خدمتها في مدينة طرابلس قررتْ العائلة التي تعمل لديها ألدا السفر خارج البلاد. قبل موعد السفر المحدد تم إرسال ألدا إلى مدينة بنغازي كهدية من سيدة البيت إلى إحدى صديقاتها دون أن تُسأل ألدا عن رأيها".
يستخدمُ الليبيون لفظَ "شغَّالة" لتسميةِ مدبّراتِ المنازل وعاملات النظّافة. التقطتْ المهاجراتُ هذا اللفظَ وصرنَ يستخدمنَهُ في تعبيرهنّ على نمطِ الحياةِ المفروضِ عليهنّ، ويعرفنَه في بلدانِهنّ قبل الوصول إلى ليبيا، إذ تنتشرُ المقاطع المصوّرة في منصةِ "تِك توك" بعضها تمثيلي وبعضها توثيقي عن "شَقالا لايف" أو "حياةُ الشّغَالة". تظهرُ في إحدى تلك المقاطع سيّدة مهاجرة تبكي حرقةً لأنّ ربَّ عملِها رفضَ صرفَ مستحقّاتِها. بينما تصوّرُ أخرى في مقطعٍ آخرٍ "كرمَ" ربّةِ عملِها التي اصطبحتْها معها للغداءِ في مطعمٍ. هذا التناقضُ بين المقطعيْن وبين تجاربِ العاملاتِ أنفسهنَّ في المقاطعِ الأخرى يوضحُ أنّ التجربة، مع غيابِ تطبيقِ القانونِ، ليست واحدة.
لا يتوقّفُ الأمرُ على ذلك، إنّما تعتمدُ مكاتبُ تشغيلِ العاملات على الإعلاناتِ التي يُنتجها المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي. فقد نشرت هديل فهمي، الناشطة في نشر محتوى منوع بين الثقافي والدعائي، فيلماً دعائياً لإحدى الشركات تظهرُ فيه صورُ العاملات وتُروِّجُ فيها لعملِ الشركة على أنَّها شركةٌ تواصلت معها لتنظيفِ شقّة في بيتها. ونشرت السيدة نيروز القمودي، وهي مذيعة في قناةِ سلام، إعلاناً لإحدى شركاتِ النظافة مع نشرها صوراً للعاملات. وكذلك فعلت "دزوكيرو"، المشهورة عند الفتيات الليبيات على وسائل التواصل الاجتماعي، إعلاناً مشابهاً لإحدى شركات النظافة هذه، وتتشابه الإعلاناتُ جميعُها بادّعاء المؤثّرة أنّها زبونةٌ للشركة، وهو أسلوبٌ يتبعه المشاهيرُ في ليبيا في إعلاناتهم.
تثيرُ هذه الإعلاناتُ بين الفينة والأخرى الجدَلَ بينَ ناشطي حقوقِ الإنسان. فقد نشرت منصّة "دروج"، وهي منصّة حقوقية ليبية، منشوراتٍ عن استغلالِ صورِ العاملاتِ كتبتْ في أحدِها "تظهر العبودية الحديثة في ليبيا من خلال ممارسات الاستغلال والتشهير المرتكبة في حق بعض عاملات المنازل [خاصة المهاجرات]، سواء أثناء عملهن أو عبر انتهاك خصوصياتهن بنشر صورهن مرفقة بعبارات مليئة بالعنصرية والكراهية على منصات التواصل الاجتماعي".
تقول خديجة البوعيشي، الحقوقية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، لمجلةِ الفِراتْس إنّ هذه الشركات "حرفياً هي شركات تتاجر بالرقيق، وهؤلاء السيدات في مجملهن دخلن للبلاد بطرق غير شرعية ووفقاً لقانون العمل كل مايحدثُ مع هؤلاء الخادمات غير قانوني . . . ويتعدى عليهن عبر نشرِ صورهن وتصويرهن أثناء العمل دون إذن منهن، وحتى لو أخِذَ الإذن فهن فئات هشة قد لا يكون لديهن خيار في ذلك أصلاً"، تضيفُ خديجة إنّ هذا تعدٍ عليهن، وهو وفق القانون جنايةٌ يترتب على مرتكبها عقوبات تصل إلى السجن. وانتشارُ هذه الظاهرة حسب خديجة البوعيشي "يؤثر بشكلٍ سلبي على صورة البلاد دولياً من حيث حقوق الإنسان والمرأة والفئات الهشة، وهي ليست بأفضل حال على كل حال".
تؤكد سعاد سالم، الصحفية المهتمة بحقوق الإنسان، أنَّها اطَّلعت على صفحاتٍ تعرضُ إعلاناتٍ عن العاملات و"صُدمت من صورِ السيدات والفتيات المنشورة بالبدلة الخاصة بالعاملات، ودخلتُ على التعليقات وفاجأني مستوى اللغة المستخدمة، إذ يتم التعامل معهن على أنهنّ سلعة معروضة للبيع أو الإيجار. الأمر صادم حقاً"، وأضافت سعادُ قائلة: "للأسف، لا يوجد أي اهتمام من الحقوقيين لدينا بما يحدث، فهو في نهاية سلم اهتماماتهم أو ربما ليس في أجندتهم على الاطلاق".
أخبرتني رقية أنّها تستخرجُ شهادات صحية وعقود عمل محلية للعاملاتِ عندها. سألتُها عن كيفيةِ ذلك بلا أوراقٍ ثبوتية. فقالت: "هناك تسهيلات من وزارة الصحة في هذا الشأن، خاصة أنّ العاملين في الأفرانِ والمطاعم معظمهم من المهاجرين غير الشرعيين، والوزارة تتغاضى عن ذلك وتجري الفحوصات وتصدر شهادة صحية باسم المهاجر لتسهيل عملهم". يسهّلُ ما تفعله وزارة الصحة تزويرَ الأوراق، وعقودَ السيدة رقية لا يُعتدُّ بها قانونياً، فهي عقودٌ غيرُ مرخَّصة وغير مثبّتة بأوراقٍ ثبوتية، أيّ لا قيمةَ لها. وهذا ما تؤكده رقية بالقولِ إنّ "معظم المهرّبين يستخرجون شهائد صحية للعاملات بدون فحصهنَّ، فلا تعرفين إن كانت الشهائد مزوّرة أو سليمة، يستخرجونها بالواسطة".
تعملُ الطبيبة فاطمة، وهو اسم مستعار، في مكتب الرعاية الصحية التابعة للمركز الوطني لمكافحة الأمراض، وكانَ المكان المخوّل في وزارة الصحة الليبية بإصدارِ الشهادات الصحية للمواطنين والأجانب المقيمين قبلَ أن يُنقل إلى إدارةٍ ثانية هذا العام. سألتُ فاطمةَ عن الشهادات الصحية المشكوكِ فيها عندَ العمالة الأجنبية، قالت لي: "لا يمكن نكران وجود حالات تزوير، وأنا شخصياً شهدتُ على حالاتٍ فحصناها وخرجت النتيجة موجبة [أي حاملة لأحدِ الأمراض السارية] وبعد أيام وجدتُ أنّ هناك من أصدر شهادة صحية سالبة للحالة، بسبب تواطؤ أطراف داخل الكوادر العاملة في وزارة الصحة أو حتى تعاطف مع الحالات أو مع من يوظفها". سكتتْ الطبيبةُ قليلاً ثمَّ شرحت لي أنّ الأمر لا يتوقف هنا بل قد يصل إلى التزوير من غير إجراءِ فحص، فتقول: "هناك أشخاص من خارج الوزارة [الصحة] يصدرون البطاقات ودون أي فحص أو تحليل وبتواطؤ من داخل الوزارة بإلغاء الختم وإصدار جديد بنفس الختم القديم يستخدمونه في ختم الشهادات خارج وزارة الصحة وبعيدا عن الأعين. تتكرر هذه العملية عدة مرات ولا احد يستطيع الاعتراض".
وأضافَ لي مصدرٌ مسؤول، رفضَ الإفصاحِ عن اسمه، من أحد مكاتب الرعاية الصحية أنّه "في حال صدرت بطاقة صحيّة بنتيجةٍ موجبة وتأكد حمل الشخص لمرضٍ معدٍ أو وبائي، يستلم شهادته ويذهب في حالِ سبيله وليس هناك جهة لمتابعتِه أو ترحيله حتى الآن".
أضافت رقية معلومةً مهمّةٍ عن طريقةِ عملِها، بالقولِ إنّها تضطّرُ للتعاملِ مع مهربٍ يأتيها بالعاملات من الحدودِ الليبيةِ مع النيجر. تدفعُ رقيّة ألفَ دينارٍ على العاملة الواحدة. وهذه طريقة جُلِّ مكاتبِ النظافة في ليبيا، إذ يتواصل صاحبِ المكتبِ أو الشركة مع أحدِ المهرّبين جنوبَ ليبيا ويتفقونَ معه على تسعيرةِ نقل العاملاتِ من الجنوبِ إلى أي مكانٍ في البلد. يتفقُ هؤلاء جميعاً في كونِهم أصحابَ أعمالٍ غير مرخصّةٍ ولا يشتغلون تحت الغطاءِ القانوني. وقد صرّحت وزارةُ العمل أكثر من مرّة أنّها لم تمنح هذه المكاتب تراخيصَ بمزاولةِ العمل، وأنّ معظم العاملين في القطاعِ يتحججون بأنّهم "مكاتب خدمات عامة" ومن بين الخدمات التي يقدمونها هي "استجلاب العمالة". ولكن يظلُّ عملهم خارج القانون. وزيادةً على ذلك، يذهبُ بعضُ المواطنين الليبيين إلى مراكز احتجازِ المهاجرين غير القانونيين للحصولِ على عاملاتٍ، وهناك تواطؤ لبعضِ المسؤولين عن تلك المراكز الذين يسلّمون العاملات لهم، ويستمر أحياناً استغلالهنّ بلا رواتب أو عقودٍ.
يُصَعّبُ القانونُ الليبي آليةَ عملِ هذه الشركات، ولهذا تتجنّبُ التعاملَ به مستفيدةً من الفراغِ الأمني وحالة عدم الاستقرارِ السياسيِ في البلاد. فقانونياً على كلّ من يرغبُ مزاولةَ هذا العمل أن يمرّ بإجراءات طويلة معقدة تبدأ بالبحثِ في سجلِِّ العائلةِ التي تودُّ توظيفَ مدبّرة منزلية، والنظر فيما إذا كان أحد أفرادِ الأسرةِ مقعداً أو غير قادرٍ على أداءِ المهامِ اليومية، وهذا يتطلبُ أحياناً فحوصاتٍ طبية تؤكدُ الحالة الصحية. وبعد التأكد تصدرُ الموافقة من مكتبِ العملِ في مكانِ السكن، فتأخذُ مصلحة الجوازات الموافقة من مكتبِ العملِ. ثم تثبت هُويةِ العاملةِ المطلوبة ويُبحثُ عنها في منظومة خاصة بالسفارات والقنصليات الليبية في دولِ العالم، وتقاس أهلية العاملة لتأشيرةِ عمل، ثم يُسلَّمُ المواطن الراغب في استقدامِ العاملةِ ملفَها حتى يستطيع استقدامها إلى البلد وتمنح تأشيرةً مدّةَ تسعين يوماً لتتمكن من إتمام إجراءات الإقامةِ والكشف الطبي والتعاقد. وهذه إجراءات قانونية طويلة قد تستغرق أسابيع أو أشهراً لإتمامها، مع الأخذِ في الاعتبارِ تعقّدِ الإجراءاتِ الإدارية وبطئها. ولهذا تعدُّ خدماتُ الشركات الخاصة أو كما تسمي نفسها "مكاتب الخدمات العامة"، أسهلَ وأسرع.
يتضّحُ هذا التفاوتُ في إحصائيات وزارة العمل والتأهيل. سجّلت الوزارة سنةَ 2021 ما يقارب 963 إذناً للعمالة المنزلية في البلد، وسجّلت في 2022 نحوَ 797 إذناً. ووصلَ عدد العاملات المسجلات في وزارة العمل منذ 2022 حتى أغسطس 2024 قرابة 464، أمّا جنسياتهنَّ فالأكثر عدداً الجنسية المغربية ثمَّ الإندونيسية فالإثيوبية وأخيراً التونسية. وهذا الرقم لا يطابقُ الواقعَ الليبي الذي يبلغُ فيه عدد المهاجرين مليونيْ مهاجرٍ. ولا يمكنُ للمرءِ فيه إحصاء عدد المكاتب المشتغلة في المجال نفسه خارج نطاقِ القانون. وهذا ما يؤكده تصريحُ طارق عبّود، رئيس قسم الاستخدامِ بوزارة العمل والتأهيل، لمنصة "بكم" في تقريرٍ لها سنة 2023، حين يقول "رغم صدور الموافقات على الاستجلاب [للعمالة] إلا أنّ القليل [من المواطنين] من يقوم بتصديق عقدِ العمل، وبالتالي لا نعلم العدد الحقيقي الموجود في ليبيا".
تتفقُ جلُّ هذه الشركاتِ وأرباب البيوت على أسلوبِ العمل نفسه. تُحاصرُ العاملات حصاراً كاملاً فيُمنعنَ من الهاتف النقّال خشيةَ التواصل مع العالمِ الخارجي، وقد سألتُ السيدة آمنة، وعمرها خمسة وأربعون عاماً، وهي ربة منزل لديها عاملة نيجيرية عن سببِ ذلك، فقالت لي إنّ هذا الأمر "أكثر أماناً بالنسبة لي، فلا أريدها التواصل مع أناسٍ في حالةِ سرقة أو أن تسببَ لي مشكلة. أنا لا أسمح لها حتى بالخروجِ لوحدها من البيت لنفس الأسباب". وللأمرِ أيضاً علاقة بخوفِ المهرّبين من تواصلِ المهاجرات مع المنظمات الدولية أو جهاتٍ تساعدهنَّ على الهرب.
يرى طارق لملوم، الباحث في قضايا المهاجرين واللاجئين، أنّ ثمة إشكال قانوني في شركات استجلاب العاملات، ويصرّح للفِراتْس قائلاً: "لا يتعاقد صاحب العمل مع العاملات عن طريق وزارة العمل في ليبيا أو وزارة العمل التابعة للدولة القادمة منها العاملة. ولا توجد ضمانات قانونية لمستحقاتهن المالية سواء عن طريق حسابات بنكية في ليبيا أو خارجها". لأنّ العاملة تتعامل مع المكتب أو الوسيط المحلي رجلاً كان أو امرأة، وفي معظم الأحيان يستلم هو راتبها بلا ضوابطَ أو إلزام قانوني بدفعه لها حسب اتفاقٍ أو عقد. "فالوضع القانوني غير واضح. وفي حالة حدوث خلاف مع أصحاب المنزل تضيع حقوق العاملة لعدم وجود ما ينظم العلاقة بينها ومالك المنزل"، كما يضيفُ السيّد طارق.
يعتمدُ نسقُ عملِ شبكةِ العملِ في هذا المجالِ على هرميةٍ معيّنة، وتكونُ فيه المهاجرات أنفسهنّ "الضحيّة والجلاّد". فعادة من يسهلُّ دخولَ المهاجرات بطريقة غير قانونية إلى ليبيا هم أبناءِ بلدهن، وفي العادةِ نساء من جنسيّاتِهن يعملنَ وسيطات بين مكتبِ الخدمة والعائلة الليبية. وتسمّي العاملات هذه الشخصية "ماما"، وهي من تستلمُ المالَ وغالباً لا تعطيه للعاملة التي تعدّها مدينةً لها مقابلَ وصولها إلى البلاد، وقد يستمرُّ هذا الدَّينُ سنةً أو أكثر تكون فيها العاملة أسيرةً عند الوسيطة في استغلالٍ مهين. وقد حاورتْ وكالةُ الأنباء الليبية في تقريرها سابق الذكر وسيطةً نيجيريةً اسمها نفيسة، وشرحتْ نفيسة للوكالة كيفية عملها فتقول: "أقوم بجلب الفتيات من نيجيريا إلى ليبيا عبر النيجر عن طريق مهربين، نيجيريين وليبيين، أتفق معهم على سداد نصف قيمة الرحلة لكل واحدة بالعملة النيجرية والنصف الآخر لدى وصول الفتاة إلى طرابلس. وبعد ذلك أقوم بتسليمها إلى عائلة ليبية تكون تواصلت معي للحصول على عاملة مقابل مرتب شهري، ما بين تسعمئة وألف ومئتي دينار، أستلمه بالكامل إلى غاية أن أستوفي ثمن الرحلة التي دفعتها وأتعابي ثم يعود المرتب إلى العاملة".
يعارضُ طارق لملوم توجه حكومةَ الوحدةِ الوطنية الجديدِ هذا. يقول إنّه "سيزيد الطين بلة، لأنه سيسمح لأي شخص أن يكون كفيلاً ويجلب العاملات، مما سيتيح المجال للاتجار بهنَّ واستغلالهنّ جنسياً. فليبيا غير جاهزة لهذا الإجراء لأن من الصعب فرض رقابة على الكفيل خاصة في المدن البعيدة وفي الصحراء والمناطق الحدودية، وستحدث انتهاكات دون شك".
يقول عبد القادر بوشناف، الناطق الرسمي في وزارة العمل والتأهيل، لمجلةِ الفِراتْس "لا يوجد قانون جديد ينظم عمل شركات استجلاب العاملات". ويشيرُ السيد عبد القادر إلى أنَّ استجلابَ العمالة المنزلية محكومٌ بقرار وزير العمل والتأهيل ذي الرقم 392 لسنة 2021، وهو قرار من المفترض أن ينظّم العلاقة بين الشركة المشغِّلة والوزارة وبين الشركة والعاملة. وتجيزُ الوزارة إنشاء شركات الخدمات العمّالية وفق قرار مجلس الوزراء رقم 148 لسنة 2024. وبلغ عدد الشركات المسجّلة في منصة وافد 455 شركة حتى منتصف شهر سبتمبر 2024.
أُنشئت وافد في ديسمبر 2021، ويشترك في إدارتِها مع وزارة العمل والتأهيل الأجهزةُ الأمنية ومصلحة الجوازات والهجرة، وتهدفُ إلى حصر العمالة الوافدة والشركات التي تجلبهم إلى البلد وتسجيلها بموقع المنصة. وتأملُ الحكومة أنّ تُسهِم المنصّة في ضبط سوق العمل وضمان تحصيل رسومِ الضرائب، ومعرفة عدد العمالة الأجنبية العاملة في البلد، وضمانِ حقوقهِم العُمّالية التي كفلها لهم القانون في جهاتِ عملهم. يختمُ عبد القادر بوشناف قائلاً: "إنَّ منصة وافد ما زالت في بداية تأسيسها ونحنُ نتطلعُ أن يكون هناك إقبالٌ أكبر على التسجيل من الشركات والعمالة الأجنبية الوافدة، للحصول على شرعية العمل وفق إجراءات سليمة. وحتى تتمكن الوزارة من حماية العمالة والمواطن والبلاد من أي انتهاكاتٍ أو تجاوزاتٍ أو حوادثَ محتملة".
تتعدد شروطُ منصّة وافد للتسجيل فيها حتى لا يمكن لكثيرٍ من المهاجرين استكمالها. فمثلاً تطلبُ المنصّة استكمالَ الملفِ القانوني الذي يتضمنُ جوازَ سفرٍ صالحٍ وشهادةً صحيةً حديثةً وتأميناً صحّياً صالحاً ثلاثة أشهر، والتأكدَ أنّ خبرة العامل تتطابقُ مع الغرضِ المستقدمِ لأجلِه. وهي شروط مهمة ولكنّها قد تسبب عزوفَ عددٍ من الشركات عن التسجيل، خصوصاً أنّهم يعتمدون على العمالة غير القانونية. وهذا ممَّا يعقّد من حياةِ العاملات، ويصعّب إيجاد حلول قريبةٍ لملفّهن، لأنّه يرتبط بملفات أخرى لا تقلّ تعقيداً عنها مثل تأمينِ الحدود، وسنِّ القوانين المنظِّمة لعملها وتنفيذها ومتابعتها ومراقبةِ الشركات التي يتعاملنَ معها بدقة. وكلُّ هذه الملفات وغيرها ترتبطُ ارتباطاً وثيقاً بإنهاءِ الأزمة السياسية في البلاد والسعي إلى الاستقرارِ السياسي والاقتصادي والأمني، وترتبطُ أيضاً بالتعاملِ الدولي الجادّ مع الأزمات التي تدفعُ هؤلاءِ المهاجرين إلى تركِ بلدانهم ومعالجتها. وحتى ذلك الحين سنسمعُ قصصاً عدَّةً تشبه قصة العاملة عائشة وربما قصصاً أسوأ منها.