كانت حلب أكبر المدن السورية قبل ثورة 2011 وما تلاها من حرب أدت إلى نزوح كثير من أهلها ودمار مساحات واسعة منها. أصبح مجمع مشهد الحسين في حلب مركز نشاط إيران في المدينة، وهو يقع على أرض واسعة في سفح تلّ مرتفع بحيّ الزبديّة جنوب غرب المدينة، ويحوي مجمعاً دينيّاً فيه مسجد ومعهد للدراسات الإسلامية. ويضم المجمع مزاراً شيعياً يعرف باسم "مقام الرأس" نسبة إلى حجرٍ يُعتقد أن نقطة من دم رأس الحسين بن علي بن أبي طالب سالت عليه.
تستهدف الدورات التعليمية والتدريبية في المجمع الشبابَ من مختلف الأعمار. وتشمل دروساً لتقوية طلاب الإعدادية والثانوية ولتعليم مهارات الحاسوب، وفيها أيضاً دروسٌ لتعليم اللغات الفارسية والإنجليزية والفرنسية والألمانيّة والروسيّة. يقدّم المجمع تدريباتٍ بتخصّصات إعلاميّة مختلفة، منها التصوير والمونتاج والتعليق الصوتي والصحافة والتقديم التلفزيوني وفنون الرسم والتصميم الإعلاني، وتدريبات في مجالات أخرى كالتطريز والخياطة.
كانت حلب مسرحاً رئيساً للتدخل العسكري الإيراني في سوريا منذ عام 2012؛ إذ سعت إيران لإنقاذ نظام الرئيس بشار الأسد بعد توسع مناطق سيطرة فصائل المعارضة المسلحة وتهديدها النظامَ عسكرياً. استخدمت إيران في المدينة ميليشياتٍ مرتبطة بفيلق القدس الذي تأسس عام 1990 لإدارة العمليات العسكرية الخارجية للحرس الثوري الإيراني. كانت هذه الميليشيات مؤثرة في دعم جيش النظام السوري على جبهات عدة. وساهمت بقوة في معارك حلب بين عامي 2013 و 2015 وساعدت النظامَ على إيقاف تقدّم قوات المعارضة، التي سيطرت حينها على معظم مدينة حلب وريفها. استفادت إيران لاحقاً من دعمٍ عسكري روسي جوي وبري وشنت مليشياتها مع جيش النظام هجوماً مضاداً وسيطرت على مدينة حلب كاملة أواخر عام 2016 وعلى مناطق واسعة في ريف المدينة الشرقي والجنوبي.
تنوعت جنسيّات أفراد الميليشيات العسكرية الإيرانية ما بين عراقيين وأفغان ولبنانيين وفلسطينيين وكثير من السوريّين. لكن إيران تعتمد الآن على فاعلين محليّين لبسط نفوذها عبر نشاطات مجمع مشهد الحسين؛ لذلك كان جُلّ المدرّبين والخبراء والمدرّسين في المجمع من أبناء حلب وريفها، أو سوريين من مناطق أخرى.
يقول مدرّسٌ عمل فترة مع القسم التعليمي في المجمع: "إن إدارة المركز قد تستعين بغير السوريين حين يتطلب العمل توظيف عاملين بمستويات تخصصيّة متقدمة مثل بعض الأنشطة المسرحية والسينمائية".
وتُقدَّم كثيرٌ من الدورات التدريبية وورشات العمل بالمجان أو بمقابلٍ رمزي؛ إذ يكلف تسجيل الأطفال من عمر ثمانية إلى ثلاثة عشر عاماً مئةً وخمسين ألف ليرة سورية، أو ما يساوي عشرة دولارات أميركية بأسعار صرف ربيع 2024. يحصل الطالب في المقابل على دروس وأنشطة ترفيهية موزعة على ثماني ساعات أسبوعيّاً في نحو خمسة أشهر. تُعد رسوم التسجيل زهيدة قياساً بسعر صرف الدولار وبضَعف قيمة الليرة السورية، لكنّ سداد الرسوم وحده لا يضمن الحصول على مقعد بل يجب على الراغبين بالدورات تقديمُ طلب يعرف باسم "تسجيل الاهتمام"، على أن تتولى إدارة مجمع الحسين التواصل معهم عند اختيارهم.
لا تبالي سجى الشابة الحلبيّة بالجهة التي أشرفت على تدريبها، ولا ترى مشكلة إن كانت هناك "دوافع خفيّة" وراء أنشطتها، فهي مهتمة بإيجاد عمل في المجال الذي تحبه بعد أن تتخرج من الجامعة نهاية العام الدراسي. تتحدّث سجى بحبورٍ عن مشاركتها في دورة عن أساسيّات العمل الإعلامي في شهر أكتوبر الماضي، مضيفةً أنها تعلّمت كثيراً وتلقت وعوداً بالتوظيف في إحدى المنصّات الإعلاميّة.
يهتم الإيرانيون حالياً بالنشاطات الاجتماعية والخيرية والإغاثية، لا سيّما بعد الزلزال الكبير الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا في فبراير من العام الماضي وخلّف أضراراً فادحة في حلب. يعزو عمّار التغلغل الإيراني في النشاطات الاجتماعية بحلب إلى عاملين؛ الكارثة التي خلفها الزلزال والظروف المعيشية المترديّة في سوريا. يقيم عمّار منذ سنوات في مصر ويزور حلب كلّ بضعة أشهر، ويقول إنه يلاحظ تضاعف أعداد الفقراء كل زيارة وتدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي. يحتدم النقاش بين عمّار وثلاثة من أصدقائه عن أسباب التردّي المستمر، بعضهم يعزو الأمر إلى العقوبات الأمريكية على سوريا وفشل حكومة النظام السورية في إيجاد حلول فعّالة بينما يعتقد آخرون أن كل شيء ممنهج وأنهم لا يريدون لهذه المدينة أن نتنفّس.
ترك المهندس فائز العمل في مهنته منذ سنوات وعمل في تجارة البطاريّات وألواح الطاقة الشمسيّة، وهي تجارة يتزايد الطلب عليها مع غياب الكهرباء في البلاد ووصول فترات انقطاع التيار الكهربائي إلى عشرين ساعة يومياً. يسرد فائز عدداً من العقبات التي تواجهه في عمله يكمن معظمها في التضييق والابتزاز وضرورة دفع رشاوى وإتاوات مراراً مع أن عمله مشروع ومرخص.
سمعت في جلسة ضمّت مجموعةً من المثقّفين والمشتغلين في الأدب والمسرح رأياً يعزو الأوضاع المتردية في حلب إلى تهميشٍ اقتصادي وثقافي مقصود للمدينة لصالح دمشق. بدأ التنافس بين دمشق وحلب قبل الاستقلال ثم أخذ طابعاً سياسيّاً بين كُتل برلمانيّة وأحزاب. تغيّرت الأحوال تدريجياً بعد سيطرة حزب البعث على السلطة عام 1963، ثم بعد تولي حافظ الأسد الحكمَ عام 1970. فقد بدأ حينها العمل منهجياً على تقويض التعددية الحزبيّة في البلاد، ليأخذ التنافس بين دمشق وحلب طابعاً ثقافيّاً واقتصاديّاً. كانت كفة دمشق ترجح بسبب المركزيّة الشديدة التي اتّسمت بها السلطة في البلاد، مما تسبب بتهميش المحافظات السورية جميعها لا حلب وحدها.
تعتقد ممثلةٌ مسرحيةٌ حلبيةٌ أن زيادةَ النشاط الثقافي في حلب أمرٌ صحّي أيّاً كانت جنسيّة القائمين عليه. لكنها شرطت أن "يحصل في ظروف طبيعية وأن يكون متاحاً لمختلف الثقافات وألا يقتصر على دولة بعينها". وتضيف ضاحكة: "يا سيدي هناك نشاط ثقافي إيراني في حلب أكتر من النشاط الثقافي السوري نفسه! أنا مستعدة للرهان على ذلك بكل ما أملك، مع أنني لا أملك شيئاً".
يوافق أحد زملائها الممثلين مستشهداً: "حين دعوني إلى المشاركة في المسرحية الإيرانيّة وافقتُ دون أن أقرأ النص، كانت تلك أول مرة أُدعى إلى عمل مسرحي منذ سنوات". شارك الشاب في مسرحية "الشمس تشرق من حلب" التي أخرجها الإيراني كوروش زارعي قبل سنوات. تستعيد المسرحية سرديّة تاريخية دينيّة عن قصة إنشاء "مشهد الحسين" وربطها بالموكب الذي كان يحمل رأس الحسين بن علي بعد مقتله في كربلاء.
تقول الرواية الشيعية إن موكب جيش يزيد بن معاوية اختار المرور بمدن الكوفة والموصل وحلب وحماة وحمص وصولاً إلى عاصمة الأمويين دمشق بعد معركة كربلاء، ورفض أهل حلب استقبال جيش يزيد الذي كان يحمل رأس الحسين ورؤوس بعض مناصريه ويجرّ السبايا من نسائهم، فاضطر جيش يزيد حينها إلى التخييم في سفح جبل صغير يقال له جبل الجوشن على أطراف حلب، حيث نزلت نقطة دم من رأس الحسين المقطوع على صخرة في هذا الموقع. ثم بُني لاحقاً مقامٌ ومسجد سُمّي مسجد النقطة، وتوسّع البناء وأضيفت له أقسام أخرى في موقع ملاصق قيل إن زوجة الحسين قد أجهضت فيه طفلاً.
يتداول الحلبيون هذه الحكاية منذ عقود ولا يستهجنونها مع أن أغلبيتهم الساحقة من المسلمين السنة، لكن تجسيد المسرحية الإيرانية للحكاية خلّف استنكاراً وردوداً حانقة في المدينة بسبب دخول العوامل السياسية والثقافية. يتوجس كثير من الحلبيين من النشاطات الإيرانية ويرونها سعياً إلى ترسيخ وجودها واستقطاب أهل مدينة حلب التي تشهد حساسية طائفية كبيرة بعد الحرب الأخيرة بين قوات النظام المدعومة من إيران وروسيا وقوات المعارضة المدعومة من تركيا ودول عربية.
تحوّل موقع مشهد الحسين منذ عقود إلى محجّ يقصده الشيعة، ثم أُنشئ فيه معهد للدراسات الإسلامية وقسم تعليمي يحتضن الدورات التعليمية والتدريبيّة. أصبح مشهد الحسين واقعاً داخل مدينة حلب بسبب التمدد العمراني خلال القرن الماضي. ولذلك حين احتدمت المعارك في حلب بين عامي 2013 و2016؛ انقسمت المدينة إلى قسم شرقيّ تحت سيطرة المعارضة وآخر غربي تحت سيطرة النظام. ثم صار حي الزَبديّة المحيط بمشهد الحسين خطّ تماسٍ يُتاخم حي بستان القصر الذي سيطرت عليه المعارضة سنوات.
نُقلت الصخرة التي يُزعم أن نقطة من دم الحسين سقطت عليها خارج مجمع مشهد الحسين وأُغلق المجمع أمام العامّة فترة الحرب ثم أعيد افتتاحه بعد سيطرة النظام على حلب عام 2017، وثُبتت داخله صور الرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الإيراني علي خامنئي وزعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله. بعدها أعيدت صخرة دم الحسين إلى مكانها داخل المجمع عام 2020 في الاحتفال السنوي بمولد النبي.
اختارت إيران حي بستان القصر مقرّاً للقنصليّة الإيرانيّة بحلب في مايو عام 2021، لتصبح القنصلية الوحيدة في التاريخ المعاصر للمدينة التي أُقيمت في حي شعبي خلاف المعتاد. باستثناء السفارة في دمشق لم يكن لدى إيران مقارّ دبلوماسيّة رسميّة في سوريا قبل افتتاح هذه القنصلية رغم التحالف السياسي القديم بين دمشق وطهران.
أخذ الاهتمام الإيراني بحلب شكلاً جديداً عقب افتتاح القنصليّة مع التركيز على الأنشطة التعليمية والثقافية والفنّية؛ من ذلك رعاية أمسيات شعرية وتمويل طباعة كتبٍ أدبية ونشرها، فضلاً عن احتفالات مختلفة، مثل "ليلة يلدا" وهي مناسبة فارسيّة غير دينيّة تُقام في أطول ليلة في السنة.
لم يغب الطابع السياسي عن الاحتفالات الإيرانية في حلب؛ فقد شهدت المدينة حفلاً تأبينياً في ذكرى رحيل المرشد الأعلى السابق روح الله الخميني في السادس من يونيو الماضي. يعتقد وضاح، وهو محامٍ وناشط مدني، أنّ الحفاظ على هذا النوع من الاحتفالات له أسباب تتصل بالشأن الإيراني الداخلي وذلك لتذكير الإيرانيين أنّ الانغماس في معارك حلب لم يذهب سدى.
جميع من تحدثت إليهم أثناء العمل على هذا التقرير أكدوا – بلا استثناء – أنهم لم يسمعوا عن أي نشاط لـ"التشييع" إلا في بعض وسائل الإعلام، بينما على الأرض ينصب الاهتمام بالأنشطة التعليمية والثقافية لتكون أدوات تمدد غير مباشر لا تعتمد على القوة العسكرية أو الإجبار، بل على الاستقطاب والجذب الثقافي وتحسين صورتها بين سكان مدينة حلب من خلال نشاطات المركز التعليمي في مشهد الحسين. لم أنجح في مقابلة أحد من الإدارة أثناء محاولتي زيارة المقر في حلب، ولم يرد أحدٌ على الاستفسارات المتصلة بالمسائل التي طرحها الأهالي في حلب.
أما الريف فيشهد تركيزاً أكبر على أنشطة التشييع التقليدية كالدعوة المباشرة والجدالات الطائفية، وهو أمر يعزوه ناشط حقوقي من أبناء المدينة فضّل عدم الكشف عن اسمه إلى أن "أبناء المدينة لم يتجاوبوا مع مساعٍ سابقة لنشر المذهب الشيعي إلا تجاوباً محدوداً، لذا يبدو أنّ تغيير الأدوات أكثر جدوى".
يُشكل هذا التفصيل فارقاً جوهريّاً في التعامل الإيراني مع حلب، مقارنة بمدن أخرى يحضر فيها النفوذ الإيراني مثل دير الزور ودمشق. ففي دمشق يأخذ الحضور الإيراني طابعاً شعائريّاً طاغياً لا سيما في منطقة السيدة زينب التي يقصدها آلاف الزوّار الشيعة من إيران والعراق ولبنان وغيرها. بينما تحضر الرايات والأعلام والعبارات الطائفية في دير الزور وريفها أيضاً حتى في الأنشطة التعليمية والثقافية التي تحتضنها مدارس ومراكز ثقافيّة. ومردُّ ذلك عواملُ عدة من بينها تنظيماتٌ وشخصيات عراقيّة هناك، وشيوخٌ وشخصيّات عشائرية سوريّة تنتمي إلى المذهب الشيعيّ، أو تحوّلت إليه مع تزايد نشاط التّشييع في المنطقة بين عامي 2003 و 2008 إبّان الغزو الأميركي للعراق.
تحضر الطائفة الشيعية تاريخياً في نسيج المجتمع السوري من غير تحديد نسبة معينة؛ إذ تغيب تفاصيل الإحصاءات السكانية المتعلقة بالطوائف الإسلامية عن بيانات الإحصاءات الرسمية للسكان في سوريا. تعتمد المصادر الأخرى أرقاماً ونسباً تقديرية ومتباينة، فهناك من يضم العلويين والإسماعيليين إلى الشيعة. لكن أغلب التقديرات تشير إلى أن نسبة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في سوريا عام 2011 لم تزد عن 1 أو 2 بالمئة من السكان، وهو ما يقارب نسبة الإسماعيليين، بينما تصل نسبة العلويين إلى نحو 10 بالمئة. شكل المسلمون السنة حينها غالبية السكان بأكثر من 75 بالمئة بينما كان المسيحيون والدروز وغيرهم أقليات دينية تمثل معاً قرابة 10 بالمئة من السكان.
ينتشر أبناء الطائفة الشيعية الاثني عشرية في بعض أحياء مدينتي دمشق وحلب وفي بلدتي نبّل والزهراء بريف حلب الشمالي. وتوجد بعض العائلات الشيعية في محافظات الرقة ودير الزور، وبعض القرى التي تسكنها غالبية شيعية في ريف حمص. أما في ريف إدلب فقد انتهى الوجود الشيعي مع إخلاء أبناء بلدتي كفريا والفوعة في يوليو عام 2018 بعد سيطرة قوات تنظيمات جهادية على المناطق المحيطة.
لا يتبع جميع أبناء الطائفة الشيعية في سوريا المرجعيّةَ الدينية الإيرانيّة في قم، بل يتبع بعضهم مرجعيّة النجف، ويتبع آخرون التيار الصدري في العراق. لكنّ السائد في أذهان العامّة أن كل الشيعة يتبعون إيران رغم الاختلافات العقائديّة والسياسية بين تلك المرجعيّات.
يتركّز الثقل السكاني لأتباع المذهب الشيعي بحلب في بلدتي نبّل والزهراء في ريف المدينة الشمالي، وقد شكلت البلدتان سداً منع تمدد المعارضة المسلحة التي تعاظمت في ريف حلب. ينتشر الشيعة في بعض قرى الريف الجنوبي، إضافة إلى عائلات وأبناء عشائر شيعة يسكنون بعض الأحياء الشعبيّة شرق المدينة.
تتميز التركيبة الاجتماعيّة في حلب ببنية تعدديّة عريقة، فغالبية السكان مسلمون سنة مع حضور مختلف الطوائف المسيحية وأبناء قوميات عدة مثل السريان والأرمن والكرد. يتعاضد هذا التنوّع العرقي والديني مع عامل نقيض له هو التشدّد الديني لأبناء عائلات كبيرة محسوبة على تيار الإخوان المسلمين. كل هذا يجعل البنية الاجتماعية للمدينة عصيّة على الاختراق الإيراني، وفقاً لمُدرّس متقاعد لمادة التاريخ وعضو في "جمعيّة العاديات" إحدى أعرق الجمعيّات الثقافيّة في حلب. يرى هذا الأستاذ أن الأفراد المنفتحين يصعب إسقاطهم في فخ الأدلجة الدينية أو الطائفيّة وبالتالي يصعب إقناعهم بالتشيع، أما المتعصّبون من المسلمين السنّة فمحصّنون بفكرهم الديني المنقاض للفكر الشيعي.
يرى الحلبيون عادةً كل شيء بمنظار اقتصادي، إذ عُرفت المدينة تاريخيّاً بنشاطها التجاري والصناعي، فضلاً عن حضور موازٍ للنشاط الزراعي في ريفها على خريطة الناتج المحلي للبلاد.
بلغت نسبة مساهمة حلب 24 بالمئة من الناتج المحلي للبلاد عام 2012 حسب غرفة تجارة حلب. بينما تُقدر دراسات وإحصائيات اقتصاديّة متقاطعة أن نسبة خسائر حلب خلال الحرب بلغت 40 بالمئة من إجمالي خسائر سوريا.
كان معدّل العطالة في حلب بين عامَي 2002 و 2010 نحو 4.9 بالمئة، لكنه وصل العام الماضي إلى 26.2 بالمئة وذلك حتى قبل كارثة زلزال فبراير 2023.
أشار مسح أجرتْه الحكومة السورية بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي أواخر عام 2020 إلى أن نسبة الأُسر الآمنة غذائياً في المحافظة لا تتعدّى 4.9 بالمئة. بينما وُصفت 32.9 بالمئة من العائلات الحلبية أنها مهددة بفقدان الأمن الغذائي، و 62 بالمئة من الأُسر تعاني انعداماً شديداً أو متوسّطاً في أمنها الغذائي.
يتنامى شعور أبناء حلب بالإحباط أمام التحولات التاريخية في أحوال المدينة والنزيف السكاني، ويشعر الحلبيون بأن مدينتهم مُهملة حكوميّاً قصداً. وتنقسم آراؤهم بين من يربط الأمر بالفساد وزيادة الضرائب، وبين من يربطه بالمشروع الإيراني الذي يعتمد دائماً على الفقر واستغلال الفقراء. لكن يتفق كثير من أبناء حلب على أنّ استمرار الأوضاع المعيشية والاقتصادية في التردّي كفيلٌ بتغيير كل المعادلات مستقبلاً.