نزاع في البرلمان العراقي.. قانون العفو مقابل الأحوال الشخصية

يحتدم النقاش اليوم في مجلس النواب العراقي، إذ تسعى بعض القوى الشيعية إلى تمرير تعديلات على قانون الأحوال الشخصية، بينما تعمل قوى سنية على عرقلة هذه التعديلات وتمرير تعديلات أخرى على قانون العفو العام.

Share
نزاع في البرلمان العراقي.. قانون العفو مقابل الأحوال الشخصية
نساء عراقيات يتظاهرن ضد زواج القاصرات في ساحة التحرير بوسط بغداد في 8 أغسطس 2024. (تصوير أحمد الربيعي / وكالة الصحافة الفرنسية عبر صور غيتي).

ضجّت جلسة مجلس النواب العراقي المنعقدة في يوليو 2024 بتهديد بعض الأعضاء الشيعة بعدم تمرير قانون العفو العام، إذا عُطّل مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية. وكانت رئاسة المجلس قررت تأجيل قراءة قانون الأحوال الشخصية إثر رفض شعبيٍّ للتعديلات المقترحة واعتراضات ناشطين ومنظمات نسوية عليها، فعُلّق القانونان بعدَ عرقلةِ النواب الشيعة تمريرَ قانون العفو، وتعطيل أقرانهم السنّة تعديل قانون الأحوال الشخصية.

عزفَ العراقيون زمناً عن متابعة ما يجري في مجلس النواب العراقي ولم يعتادوا تتبعَ أخباره، إذ رأوه عاجزاً عن التّماشي مع تطلّعاتهم فضلاً عن تحقيقها. غيرَ أنّ أنظارهم تعلقت هذه الأيام بالنواب وبمجلسهم بعدَ اقتراح النواب الشيعة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقية رقم 188 المقرّ سنةَ 1959، واقتراح النواب السنة تعديل قانون العفو العام رقم 27 المقر سنة 2016. إذ تحاول القوى الشيعية في المجلس تغيير مواد قانون الأحوال الشخصية تغييراً جوهرياً مؤثراً في حقوق الأسرة والمرأة والطفل، بينما تسعى القوى السنية إلى تعديل قانون العفو العام ليشملَ عدداً من المعتقلين المُعتَقَدِ سجنهم ظلماً بتهمة الإرهاب. أحدثت نقاشات المجلسِ انقساماتٍ شعبيةً خارجَ المجلس ما بين أسرٍ تخشى تفكّكَها من تعديلات قانون الأحوال الشخصية، وأخرى تترقّب بأملٍ خروجَ أبنائها من السجن. 

يقوم مجلس النواب العراقي على المحاصصة الطائفية والعِرقية التي ترسّخت بعد 2003. إذ لم تتحد مكوّناته المختلفة عِرقياً وطائفياً بموجب عقد اجتماعي شامل للجميع، مما همّش مصالح الفرد أمام مصالح الطائفة أو العِرق، عند الوجهاء السياسيين، وجعل أيَّ تحالف، إن وُجد، بين المختلفين عرقياً وطائفياً من كردٍ وسنة وشيعة، تحالفاً لأغراضٍ مصلحيةٍ ومرحليةٍ فقط، في أغلبه. تجلّى ذلك بالخلافات الأخيرة تحت قبة البرلمان على تمرير تعديلات تعزز الشرخ الطائفي اجتماعياً ودينياً، وتساوم بحقوق الأفراد في الطائفة خدمةً للطائفة نفسها، بجعلهم غير متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون، بشرعيّة دينية طائفية. شملت التعديلاتُ، التي اقترحها النواب الشيعة في المجلس على قانون الأحوال الشخصية، منحَ الزوجين إمكانية اختيار عقد قرانهما وفقاً لأحكام المذهب الشيعي أو وفقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية الحالي وشملت التعديلات أيضاً إضفاء الشرعية على عقود الزواج التي تُبرم خارج المحكمة. واقترح النواب السنّة تعديل قانون العفو العام بإعادة تعريف الجريمة الإرهابية ليُستثنى منها مَن اعتُقلوا بتهمة الإرهاب من غير أسباب تستدعي ذلك أو تثبته.


أُقِرَّ قانونُ الأحوال الشخصية العراقي ذي الرقم 188 سنةَ 1959، وقد طرأت عليه  تعديلات عدّة مراعاةً للتغيرات الاجتماعية والسياسية والدينية التي شهدها العراق. أبرز هذه التعديلات كان التعديل ذو الرقم 11 سنةَ 1981 الذي زاد من سلطة الولي في الزواج القانوني، إذ سُمِحَ له بالاعتراض رسمياً على زواج القاصر لأسباب متعددة، ممَّا أسهم بقوننة زواج القاصرات خارج إطار المحكمة حينها. 

وفي سنة 1978، عُدِّلت المادة 57 لتحديد سن حضانة الأم أطفالَها حتى سن السابعة، مع إمكانية تمديدها حتى يبلغ الطفل الخامسة عشرة بناءً على مصلحته، ثم وُسِّع نطاق هذه المادة فمُنحتْ الأم المطلقة أو الأرملة حق الحضانة، وأصبحت "مصلحة المحضون" معياراً أساسياً في قضايا الحضانة، مع السماح للأم بالحضانة حتى سن العاشرة للأولاد والبنات، مع احتمالية التمديد. وبعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين سنةَ 2003، ألغى التعديلُ ذو الرقم 21 بعضَ المواد التي كانت قد فرضتها السلطات السابقة، مع محاولة مجلس النواب تأكيدَ الحقوقِ الدستورية للعراقيين في مسائل الأحوال الشخصية.

أما التعديل المقترح على القانون الآن فيشمل ثلاث مواد أساسية، أولها إضافة فقرة إلى المادة الثانية تتيح للعراقيين اختيار تطبيق أحكام المذهب الشيعي أو القانون الحالي في مسائل الأحوال الشخصية، مما سيؤثر على سنّ التزويج والحقوق الأسرية وأحكام الطلاق والنفقة للاختلافات الكبيرة بين المذهبين الشيعي والسُنّي في تلك الأحكام. وثانيها إلغاء الفقرة الخامسة من المادة العاشرة التي تجرّم عقد الزواج خارج المحكمة، وأمّا الثالث فتعديلٌ يسمح بتوثيق المحكمة عقودَ الزواج لمن عُقد زواجهما دون السن القانونية خارج المحكمة. 

شكلت مَجموعة من المنظمات غير الحكومية والناشطين والشخصيات المؤثرة والأحزاب المدنية وأعضاء مجلس النواب تحالف 188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية الحالي ومعارضة التعديلات الجديدة. ويرى تحالف 188 أنَّ مؤيدي التعديلات يضللون الرأي العام ويروجون أنَّ مشروع تعديل القانون يمنح الزوجين حرية اختيار مصدر الأحكام التي تنظم زواجهما، سواء كان ذلك بناءً على قانون الأحوال الشخصية الحالي، أم وفقاً للفقه الشيعي. لكن المادة الأولى من التعديل وإن أوحت في ظاهرها أنها تتيح حرية الاختيار إلا أن السطر الأخير من المادة نفسها يلغي هذه الحرية، إذ تنصّ الفقرة الأخيرة على أنه "في حال اختلاف أفراد الأسرة الواحدة بشأن مصدر الأحكام الواجب تطبيقها، يتم اللجوء إلى الرأي الشرعي سواء سني أو شيعي"، مما يعني أن الفقرة تُبطل حرية الاختيار التي يدعي التعديل تقديمها لا سيما حرية المرأة عند خلافها مع الزوج، إذ سيؤخذ حينها برأي مذهب الزوج. 

ومن مسائل الأحوال الشخصية الخلافية في مشروع التعديل هي "النفقة مقابل الاستمتاع"، وهذا يعني أنه إذا عنّف الرجل زوجته وأرادت الذهاب إلى بيت أهلها من غير إذنه أو امتنعت عن العلاقة الزوجية لمرض أو إرهاق أو نحوه فإنها، وفقاً للتعديل المقترح، لا تستحق النفقة، لأن شرطَ الحصول على النفقة استمرارُ العلاقة الزوجية والاستمتاع. بينما تنص المادة 23 من قانون الأحوال الشخصية الحالي على أن "نفقة الزوجة غير الناشز دينٌ في ذمة زوجها عن مدة لا تزيد على سنة واحدة من وقت امتناعه عن الإنفاق عليها. وتشمل النفقة الطعام والكسوة والسكن ولوازمها وأجرة التطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها معين". وتنص المادة 25 من قانون الأحوال الشخصية على أنّه لا نفقة للزوجة إذا تركت بيت زوجها بلا إذن وبغير وجه شرعي وإذا حبست عن جريمة أو دين وإذا امتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر شرعي، لا تلزم الزوجة بمطاوعة زوجها ولا تعتبر ناشزاً إذا كان الزوج متعسفاً في طلب المطاوعة قاصداً الإضرار بها أو التضييق عليها. 

وفي القانون الحالي لو رفضت الزوجة العودة إلى بيت الزوجية فيمكن للرجل أن يدّعي بأنها "ناشز" ثم يفرّق القاضي بينهما. لكنَّ التعديل يقترح عدمَ السماح للقاضي بالتفريق بين الزوجين في حال النشوز. ففي الفقه الشيعي لا يملك القاضي حق التفريق بين الزوجين، وإنما يملكها رجل الدين "المرجع الأعلى"، ممّا يعني "سلب سلطة القاضي وإعطاءها لرجل الدين"، كما قالت المحامية مروة عبد المحسن للفِراتس.

يمكن أن يعقد الزوجين قرانهما في العراق بموافقتهما المباشرة بتفويضٍ قانونيٍّ أو دينيٍّ إن كانا قد بلغا السنّ القانونية، أي ثمانية عشر عاماً. وإصدار الإذن الديني لعقد الزواج لا يتبع أياً من الوقفين الشيعي أو السني، بل هو مسؤولية المأذون الشرعي أو رجل الدين المتخصص.  ومع أن قانون الأحوال الشخصية الحالي يحدد سن الزواج بسن البلوغ، أي ثمانية عشر سنة، إلا أن المحاكم تتيح إمكانية عقد زواج من هم دون سن البلوغ، بشرط إذن من ولي الأمر، ولمن هم في سن خمسة عشر عاماً فأكثر. وفي حالات استثنائية جداً، قد تسمح المحاكم بعقد زواج لمن هم دون خمسة عشر سنة، بشرط وجود موافقة طبية تثبت جاهزية الأطراف، ورغبة الزوجين وولي الأمر.

وقد ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر في مارس سنةَ 2024، أنَّ المحاكم العراقية صادقت بين يناير وأكتوبر من سنة 2023 على أكثر من سبعة وثلاثين ألف عقد زواجٍ أُبرمَت خارج المحاكم مقابلَ مئتين وأحد عشر ألف عقد زواجٍ في المحكمة. 

وقالت الناشطة النسوية ضحى سلمان للفِراتْس إنَّ "معظم العقود خارج المحكمة التي أشار إليها تقرير المنظمة كانت لفتيات لم يبلغن السن القانوني، أي ثمانية عشرَ عاماً، إذ يعقد الأهل الزواج خارج المحكمة خشية المحاسبة القانونية، وعندما تبلغ الفتاة السن القانوني يُصدَّق العقد في المحكمة". وأكّدت أنَّ "إقرار تعديلات القانون سيشجع هذا النوع من الزيجات، مما يعني فتح الباب لزواج القاصرات"، مبيِّنة أنَّ "الخوف من مثل هذه زيجات يكمن في القرى والأرياف، حيث تسود القوانين العشائرية التي تفرض نفوذها بشكل أكبر من القوانين الرسمية. وفي حالة إقرار تعديل القانون، سيؤدي ذلك إلى زيادة في عدد الضحايا من الفتيات القاصرات، مما يعرضهنّ لمشاكل اجتماعية ونفسية كبيرة قد تؤثر سلباً على المجتمع ككل". وينصُّ قانون الأحوال الشخصية الحالي على "الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة أو بغرامة لا تقل عن ثلاثمئة دينار ولا تزيد على ألف دينار على كل رجل عقد زواج خارج المحكمة"، وتحدد السنَّ القانونية للزواج بإتمام الزوجين ثمانيةَ عشرَ عاماً ليكونا مؤهلين لعقد الزواج في المحكمة، مع الاستثناءات التي ذكرناها. 

شاع الحديث أيضاً عن أنَّ المؤيدين للقانون قد رفعوا السنَّ القانونية للزواج بعد الاعتراضات والانتقادات من تسع سنوات إلى خمسة عشر عاماً، مع شرط حضور ولي أمر الفتاة. بذلك سيُسمح للأولياء بتزويج بناتهم تحت السن القانوني وتصديقه في المحكمة، بدعوى الحفاظ على حقوقهنَّ. 

وعُدّلت فترة حضانة الأم للأطفال من سنتين إلى سبع سنوات، بعد ردود الفعل الشعبية والحقوقية، لكن أشار الناشطون المعترضون على القانون الذين تحدثت معهم الفِراتس إلى أنهم لم يطلعوا على هذه التعديلات رسمياً، وغير متأكدين من إدراجها فعلاً في مسودة القانون بعد الاعتراضات الواسعة التي واجهتها. 

وقد رفضَ النوابُ السنة في المجلس التعديلات المقترحة ورأوا أنها قد تعزز الانقسام الطائفي في المجتمع العراقي، وتعمّق الفجوة بين الطوائف المختلفة بدلاً من تحقيق العدالة والمساواة. وأكَّدوا أنَّ قانونَ الأحوال الشخصية يجب أن يبقى موحِّداً للعراقيين من غير تمييزٍ على أساس مذهبيّ، وأن أي تعديلات يجب أن تراعي الحفاظ على التماسك الاجتماعي.


وأمّا تعديل قانون العفو العام ذي الرقم 27 المقر سنة 2016 فهو من أهم مطالب النواب السنة في المجلس منذ سنوات. يعارض النوابُ الشيعةُ التعديلاتِ المقترحة على قانون العفو العام مخافةَ أن يشمل العفوُ مدانين بالإرهاب، بينما يؤكّد النواب السنّة ضرورة أن يتضمن قانون العفو العام الإفراج عن الأبرياء المحتجزين في السجون. ويسعى النواب الشيعة إلى إعادة صياغة مفهوم الإرهاب مما قد يؤدي إلى حرمان عدد كبير من أبناء المناطق والمحافظات السنية من الاستفادة من القانون، مع أن كثيراً منهم ربما كانوا ضحايا بلاغات كيدية أو تقارير من مخبرين سريين، كما ذكر محامون سُنّة تواصلت معهم الفِراتس.

وهذا الخلاف الجوهري ينصبُّ على القسم الثاني من المادة الرابعة في القانون، التي تُعنى بتعريف "الجريمة الارهابية التي نشأ عنها قتل أو عاهة مستديمة وجريمة تخريب مؤسسات الدولة وجريمة محاربة القوات المسلحة العراقية وكل جريمة إرهابية أسهم بارتكابها بالمساعدة أو التحريض او الاتفاق". وقد مرَّ العراق بمرحلتين من "الإرهاب" الأولى بدأت بعد سنة 2003 وظهور تنظيم القاعدة، والثانية بعد سنة 2014 أي ظهور ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش". 

ويقول قانونيون سنّة للفراتس إنَّ النقطة الخلافية في قانون العفو العام التي أُثيرت في أروقة المجلس يمكن تجاوزها ومناقشتها بين النواب السنة والشيعة، فالمسألة تناقش أن بعض السجناء صدرت بحقهم أحكامٌ وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب لأسباب من بينها وجود أسمائهم في قوائم التنظيمات الإرهابية، أو اعتقالهم بسبب معلومات المخبر السري من غير دليل قانوني يثبت ارتكابهم أعمالاً إرهابية. إذ يقول مؤيدو قانون العفو أنَّ تنظيم الدولة عندما سيطر على مناطق في العراق أجبر الناس على مبايعته فدوّنت أسماؤهم في قوائم التنظيم، وفرض على المنتسبين إلى الشرطة والجيش على الاستتابة والتبرّؤ من الحكومة، وفيما بعد عُدّ أي شخص وُجد اسمه في القوائم إرهابياً. 

وقد أراد النواب الشيعة مقايضة تمرير أحد القانونين بالآخر. وتداولت وسائل إعلام عراقية محلية تصريحات لرعد الدهلكي، النائب السني في مجلس النواب العراقي، يتحدث فيها عن ضغوط سياسية شيعية على النواب السنة لتمرير قانون الأحوال الشخصية مقابل تمرير قانون العفو العام، لا سيما قوله: "لن نصوّت على قانون الأحوال الشخصية لأنه يعطي صلاحيتنا للأوقاف، ولن نقبل بقانون العفو أن يكون مهراً للقاصرات". 

وشاع أنّ القوى الشيعية تضغط على القوى السنية في المجلس لتمرير قانون الأحوال الشخصية بالإعدامات الحاصلة مؤخرّاً. إذ يعاقِب القانون العراقي على جرائم الإرهاب والقتل بالإعدام. وقد أصدرت وكالة الأنباء الفرنسية في 26 سبتمبر 2024 تقريراً عن إعدام السلطات العراقية واحداً وعشرين سجيناً بينهم امرأة بتهمة الإرهاب. نُفِّذت الإعدامات في سجن الحوت بمدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، بعد أن أُدينوا بجرائم متصلة بأنشطة إرهابية وتهم مرتبطة بتنظيم "داعش"، وذلك في إطار سلسلة من الإعدامات السابقة مثل إعدام أحد عشر سجيناً يوم 22 أبريل 2024 بعد إدانتهم بتهم الإرهاب مما أثارَ حفيظة منظمات حقوق الإنسان.

كثر الحديث عن إعدامات في سجن الحوت مطلع أكتوبر 2024 لكنَّ رئاسة جمهورية العراق كذَّبت ذلك في العاشر من أكتوبر. وذكر مرصد "أفاد" المتخصص بحقوق الإنسان في تقرير بتاريخ العاشر من أكتوبر أن السلطات العراقية نفّذت أوسع عمليات إعدامٍ في البلاد منذ سنة 2003، إذ سُلمت جثامين ما لا يقل عن خمسين معتقلاًً لذويهم في شهر سبتمبر بعد إعدامهم شنقاً في سجن الناصرية المركزي جنوب البلاد. وأظهرت التحقيقات التي أجراها مرصد "أفاد" تنفيذ إدارة سجن الناصرية أربع عمليات إعدام جماعية في شهر سبتمبر، كان أبرزها في الرابع والعشرين من الشهر، وبيَّن التحقيق أنَّ إدارة السجن نفذت الإعدام بالمعتقلين فجأةً وهم بملابس النوم. وورد في تقرير مرصد "أفاد" أنّ رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد وقّع على إعدام المعتقلين بناءً على توصيات وضغوطات سياسية من جهات طائفية في بغداد ومن فصائل مسلحة، رغم وجود أدلة وعرائض قدمها المعتقلون تؤكد تعرضهم للتعذيب وانتزاع المعلومات تحت الإكراه، وتوقيعهم على أوراق مكتوبة سابقاً.


ليست هذه المرة الأولى التي يحاول فيها النواب الشيعة تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقية بعد سنةِ 2003. ففي سنة 2014 قدم حسن الشمري وزير العدل الأسبق والقيادي في حزب الفضيلة 254 مادة، عُرفت باسم "القانون الجعفري" بدعوى "إنقاذ الطائفة الشيعية من ارتكاب الذنوب لأن بعض بنود القانون الحالي لسنة 1959 يعارض الفقه الشيعي". وكانت أبرز بنوده حينها متصلة "بالزواج والتفريق والميراث والنفقة". إلا أن المشروع جوبِهَ باعتراضات كبيرة حالت دون إقراره في مجلس النواب العراقي. ثم قُدِّمَ مقترحٌ لتعديل المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية عن حضانة الأم طفلَها بعد الطلاق سنةَ 2021، ونصَّ المقترح على أن "تكون الأم المطلقة أحق بحضانة الولد حتى يبلغ السابعة، بشرط ألا تكون متزوجة، بينما لا يشترط على الأب عدم الزواج لنيل حضانة الأبناء". ومع أن المجلس أتم القراءة الأولى له، إلا أن القانون لم يرَ النور بسبب الرفض الشعبي والحقوقي للتعديل.

تحاول بعض القوى الشيعية في العراق تعديل قانون الأحوال الشخصية لأسباب متصلة بالهوية الثقافية والدينية. فهذا التعديل المقترح يعطي المؤسسات الدينية دوراً أكبر في تنظيم شؤون الزواج والطلاق والميراث، ما يعزز من تأثيرها على المجتمع ويكرس الهوية الدينية، فالسياسيون الشيعة يرون أنَّ تعديل القانون فرصة لجعل القوانين أكثر توافقاً مع رؤيتهم الدينية لزيادة نفوذ المؤسسات الدينية في تنظيم شؤون الأسرة. وتتيح التعديلات لهذه القوى مرونة أكبر في التعامل مع المجتمعات الريفية والعشائرية التي غالباً ما تميل إلى تطبيق أعرافها الاجتماعية، وهي خطوة قد تكسبها مؤيّدين كُثر في هذه المناطق وتزيد من ترسيخ القيم التقليدية. وهذا يعني زيادة الولاء السياسي وترسيخ ولاء بعض القواعد الشعبية الأكثر تمسكاً بالتقاليد الدينية وتقوية نفوذها في وجه المعارضة المدنية التي تدعو للفصل بين الدين والدولة في القوانين الاجتماعية، مما يكرّس الطائفية اجتماعياً لا برلمانياً فقط، ويطيل أمد البحث عن صيغة العقد الاجتماعي في العراق، التي لم يُتّفق عليها منذ 2003. 

اشترك في نشرتنا البريدية