بدأَت الثلاثينات وبدأَت معها التغيّراتُ التي تتعدّى التجاعيدَ الدقيقةَ والكيلوغراماتِ العنيدة. فالأنشطةُ البدنيةُ التي خِلتُها سهلةً أصبحَت أصعبَ قليلاً. قبلَ خمسِ سنواتٍ، تَرَكَ لي عاملُ التوصيلِ طرداً ثقيلاً قبالةَ البناءِ حملتُه بلا عناء. ولكن عندما تَرَكَ لي الأسبوعَ الماضي طرداً يَزِنُ عشرةَ كيلوغراماتٍ استغرقتُ في حملِ الطردِ لطابقَيْن وقتاً وفترةَ راحةٍ طويلتَين. لاحظتُ هذا التغيّرَ أيضاً في عملي بالمختبرِ الطبِّيّ. فسابقاً كان حملُ صناديقِ العيّناتِ الطبّيةِ الثقيلةِ يسيراً، أمّا هذه السَنة، وبعد أن أدركتُ حدودَ قوّتي، صرتُ أبحثُ عن عربةِ نقلٍ عِوضَ حملِ الصناديق. باختصارٍ أشعرُ أنني أَضعفُ ممّا كنتُ قَبلاً. ولستُ الوحيدةَ، ففقدانُ الكتلةِ العضليةِ مع التقدّمِ بالعُمرِ أمرٌ طبيعيٌّ، لأنّ الجسمَ بعدَ أن يُتِمَّ عملَه البنائيَّ يبدأُ مرحلةً جديدةً دأبُها الهدم.
ليست العضلاتُ والكتلةُ العضليةُ مجرّدَ رفاهيةٍ ومقياسٍ للقوّةِ البدنيةِ. إنها المحرّكُ الأساسيُّ لجسمِ الإنسان. ما بين العضلاتِ الإراديةِ والعضلاتِ اللاإراديةِ نستطيعُ البقاءَ أحياء. فعضلةُ الحجابِ الحاجزِ تسمحُ لنا بالتنفّسِ، وعضلةُ القلبِ تمدُّ خلايانا بالأكسجينِ، وعضلاتُ المعدةِ والأمعاءِ تسهّلُ لنا الاستفادةَ من غذائِنا، وعضلاتُنا الهيكليةُ تُمكِّنُنا من الوقوفِ والحركة. كلُّ ما أفعلُه من لحظةِ استيقاظي حتى موعدِ نومي أفعلُه بفضلِ عضلاتي. فتحُ جفوني، والنهوضُ من سريري، وتنظيفُ منزلي، وشراءُ حاجيّاتي، والعملُ على حاسوبي والتقاطُ كتابٍ من الرفِّ السفلي لمكتبتي، وإمساكُ القلمِ وكتابةُ عبارةٍ أو روايةٍ، وطيُّ ملابسي أو حياكةُ قبّعةٍ، وتعابيرُ وجهي وكلامي، وكلُّ ما أفعلُه أَدينُ به لعضلاتي، ومع ذلك لا أُعيرُها الانتباهَ الكافي.
تبدأُ عملياتُ البناءِ والهدمِ داخلَ أجسادِنا مُذْ كانت بويضةً ملقّحةً، ولكن لا تبدأُ كفّةُ الهدمِ بالرجحانِ إلّا بعد بلوغِ سنِّ الثلاثين. فقبل هذه اللحظةِ يكون النموُّ الذي يَنتجُ عن انقسامِ خلايانا وتضاعفِها هو التجربةُ الرئيسةُ التي نعيشُها، والتي بفضلِها كنّا نحتفلُ عاماً بعد عامٍ وندوِّنُ العلاماتِ على بابِ الغرفةِ لنراقبَ تطوُّرَنا وزيادةَ قوّتِنا وسرعتنا. تَبلغُ هذه العمليةُ ذروتَها عند سنِّ الثلاثين، وذلك بحسبِ ما جاءَ في دراسةِ بالتيمور المطوّلةِ للشيخوخةِ التي أجرَتها المؤسسةُ الوطنيةُ الأمريكيةُ للشيخوخة. فعند هذه السنِّ تبدأُ كفّةُ الاستقلابِ، وهو مجموعُ عملياتِ البناءِ والهدمِ، تميلُ إلى الهدمِ، ومِن نتائجِ هذه التغيّراتِ الجليّةِ خسارةُ الكتلةِ العضلية. نتيجةٌ نشعرُ بها ولا نستطيعُ إنكارَها. ونستوعبُ حينئذٍ مزحةً يصعبُ على مَن هُم بالعشرينات إدراكُها: "عندما تتخطَّيْن الثلاثين، عليكِ التفكيرُ جدّياً بتبديلِ مرهمِ الجسمِ بمرهمِ الفولتارين لتخفيفِ آلامِ المفاصلِ والعضلات".
لِضمورِ العضلاتِ الطبيعيِّ اسمٌ مخيفٌ: ساركوبينيا. يتسلّلُ ليبدأَ عملَه منذ سنِّ الثلاثين، وعندما نصلُ إلى الستّين فإنّه يتخلّى عن حيائِه ويصبحُ أوضحَ وأنشط. وهنا تُسهِمُ العواملُ الداخليةُ والخارجيةُ في تسريعِه أو إبطائِه والحدِّ من تأثيراتِه. تشيرُ الأبحاثُ إلى أن النساءَ قد يَفقِدْنَ كتلةَ العضلاتِ بمعدّلٍ يقاربُ 5 إلى 3 بالمئةِ في كلِّ عقدٍ بعد سنِّ الثلاثين، وهو ما ذُكرَ في موقعِ صحّةِ المرأةِ التابعِ لوزارةِ الصحّةِ الأمريكية، مع زيادةِ هذا المعدّلِ إلى 5.3 بالمئةِ سنويّاً بعد سنِّ الخمسين وفقاً لدراسةٍ نُشِرَت في مجلّةِ التغذية (جورنال أوف نيوتريشن).
لا يوجدُ سببٌ وحيدٌ لفقدانِ الكتلةِ العضليةِ، فهناك عدّةُ عواملَ أحيائيةٍ تجعلُ المرأةَ أكثرَ عرضةً من الرجلِ لفقدانِ الكتلةِ العضليةِ. أَوّلُها أنّ هرمونَ التستسترون موجودٌ عند الرجالِ أكثرَ من وجودِه عند النساء. يساعدُ هذا الهرمونُ في بناءِ العضلاتِ ويُسهِمُ تناقصُ تركيزِه مع تقدّمِ العمرِ في تناقصِ الكتلةِ العضلية. وإذا أَضَفْنا إلى تناقصِ التستسترون عند النساءِ تناقصَ مستوياتِ هرموناتِ الإستروجين، وهي مجموعةٌ من الهرموناتِ الجنسيةِ الأنثويةِ التي تُطوِّرُ وتُنظِّمُ الجهازَ التناسليَّ الأنثويَّ والخصائصَ الجنسيةَ الثانويةَ، أي السماتِ الجسديةَ التي تَظهرُ عند البلوغِ وتتمايزُ بين الجنسَيْن، فإننا سنحصلُ على بيئةٍ هرمونيةٍ مثاليةٍ تُصعِّبُ الحفاظَ على الكتلةِ العضليةِ ممّا يزيدُ من خطرِ الضمورِ عند النساء.
ولكن حتى قبلَ بدايةِ عملياتِ الهدمِ بعد سنّ الثلاثين، تسهِمُ التغيّراتُ المنتظمةُ في الهرموناتِ، بما فيها المرافقةُ للدورةِ الشهريةِ كالإستروجين، في قوّةِ العضلاتِ وعملياتِ التعافي بعد التمارين. قد يسبِّبُ هذا الأمرُ تبايناتٍ في الطاقةِ والأداءِ البدنيِّ في أثناءِ الدورةِ الشهريةِ، ويتجلّى في استطاعتِنا الحفاظَ على تمرينٍ منتظمٍ وصولاً إلى كتلةِ عضلاتٍ مستقرّةٍ بمرورِ الأيام. لا نستطيعُ أن نُغفِلَ هنا أن الدورةَ الشهريةَ مؤلمةٌ للعديدِ من النساءِ، وأنّ منظمةَ الصحّةِ العالمية أفادت بأن 10 بالمئةِ من نساءِ العالمِ يعانين من الانتباذِ الباطنيِّ الرَحِميِّ والذي تصلُ حدّةُ الألمِ فيه إلى درجاتٍ عاليةٍ تمنعُ النساءَ من الحركة. ما يزالُ وعيُ الرجالِ بهذه الفترةِ محدوداً، بينما تستمرُّ النساءُ بالذهابِ إلى العملِ والقيامِ بالأعمالِ المنزليةِ مع الألمِ، لأنّ نصفَ المجتمعِ قائمٌ عليهنّ ولأنّ عتبةَ الألمِ لديهنّ تطوّرَت لعدمِ حصولِهن على الراحةِ عند الحاجة. تبديدُ الطاقةِ في هذا النوعِ من الجهودِ لا يخدمُ زيادةَ القوّةِ البدنيةِ والكتلة العضلية.
يزدادُ الموضوعُ تعقيداً في أشهُرِ الحملِ، إذ يخضعُ جسمُ المرأةِ في هذه المدّةِ لتغيّراتٍ هرمونيةٍ وعضويةٍ كبيرة. فكلٌّ من المستوياتِ المتزايدةِ من الإستروجين والبروجستيرون المرتبطِ بالدورةِ الشهريةِ وتحضيرِ الرحمِ للحملِ من جهةٍ، والمطالبِ الجسديةِ لدعمِ نموِّ الجنينِ من جهةٍ أُخرى، تؤدِّي معاً إلى تغييراتٍ في تكوينِ العضلاتِ وقوّتِها. وكذلك قد تؤدّي زيادةُ الوزنِ وتغيّرُ مرونةِ الجسمِ المرتبطةِ بالحملِ إلى إجهادِ الجهازِ العضليِّ الهيكليِّ، ممّا قدْ يؤدِّي إلى اختلالاتٍ وضعفٍ في العضلاتِ، فيحتاجُ الجسمُ لفترةِ تعافٍ تتباينُ بشكلٍ كبيرٍ بين النساء.
ويأتي انقطاعُ الطمثِ لينقصَ من حجمِ الكتلةِ العضليةِ ويزيدَ الحالةَ تعقيداً. فمستوياتُ الإستروجين المنخفضةُ تزيدُ الكتلةَ الشحميةَ وتنقصُ الكتلةَ العضليةَ. ولكلا الوجهَين تأثيرٌ على الصحّةِ، فالكتلةُ الشحميةُ المرتفعةُ تزيدُ من خطرِ الإصابةِ بالأمراضِ القلبيةِ الوعائيةِ والسكريِّ، وتناقصُ الكتلةِ العضليةِ يؤثّرُ على المفاصلِ ويزيدُ التعبَ وخطرَ السقوطِ والكسور وحتى مشاكلَ النوم.
كان الاعتقادُ السائدُ حتى وقتٍ قريبٍ أنّ الرجلَ في عصورِ ما قبلَ التاريخِ كان مسؤولاً عن الصيدِ وأنّ النساءَ كُنَّ مسؤولاتٍ عن الجمعِ والالتقاط. يخرجُ الرجلُ من كهفِه صباحاً ويبدأُ يومَه الشاقَّ بالركضِ خلفَ الحيواناتِ ليصطادَها، يتباهَى أمامَ أصدقائِه الرجالِ بحجمِ طريدتِه قبل أن يعودَ إلى كهفِه منتصراً، يرمي بها أمامَ شريكتِه التي أمضَت نهارَها بالتنزّهِ حولَ الأشجارِ والتقاطِ ما هو صالحٌ للأكلِ، ثمّ كنسَت الكهفَ بانتظارِ عودةِ رجلِها المنتصرِ لتُعِدَّ الطعام. يجلسان حول المائدةِ، والنارُ المشتعلةُ أمام الكهفِ تضيءُ المكانَ وتُبعِدُ الحيواناتِ المفترسةَ. يأخذُ هو الحصّةَ الأكبرَ، فبالنهايةِ هو مَن قامَ بالعملِ، بالمجهودِ الجسديِّ، وهو مَن "يستحقّ" الطعامَ أكثرَ، وتكتفي هي بالقليلِ، فالنزهةُ والكنسِ لا تحتاجُ الكثيرَ من الجهد.
تليقُ هذه القصّةُ ببرنامجِ أطفالٍ على نمطِ "فلينستون". فهذا المسلسلُ الكرتونيُّ الأمريكيُّ الذي عُرِضَ على شبكةِ هيئةِ الإذاعةِ الأمريكيةِ في الستينياتِ يَروي قصّةَ فْريد فلينستون وزوجتِه وِيلما وصديقِه بارني وزوجتِه بِيتي وحياتِهم في العصرِ الحجريّ. حَظِيَ المسلسلُ بشهرةٍ عالميةٍ واسعةٍ، وعُرِضَ على العديدِ من قنواتِ التلفزةِ حول العالمِ، وبُثَّ مدبلَجاً باللغةِ العربيةِ على قناةِ سبيس تون. فْريد ووِيلما يكرِّسان الصورةَ النمطيّةَ عن الرجالِ والنساءِ ويقدِّمان نسخةً مغلوطةً وسطحيةً عن التاريخ.
تبحثُ دراسةٌ نُشرَت في مجلةِ "بلس ون"، مِن تحريرِ رافين غارفي من جامعةِ ميتشيغان، في تقسيمِ العملِ بين الجنسَين في مجتمعاتِ الصيدِ والجمعِ البشريةِ، التي طالما عَدَّت الرجالَ صيّادين والنساءَ ملتقِطات. إلّا أنّ الأبحاثَ الأثريةَ الحديثةَ أظهرَت أن النساءَ شارَكن أيضاً في الصيدِ والحروبِ في تاريخِ جنسِ الإنسانِ العاقل. تَعتمِدُ هذه الدراسةُ على الأدبياتِ الإثنوغرافيةِ، أي دراساتِ الثقافاتِ، من القرنِ الماضي لمعاينةِ انتشارِ النساءِ الصيّاداتِ في المجتمعاتِ الصيّادةِ الحديثةِ. وتُظهِرُ النتائجُ أن النساءَ من ثقافاتٍ متنوعةٍ قد مارَسْن الصيدَ للحصولِ على الغذاءِ، ممّا يدعمُ الأدلّةَ الأثرية.
إذن، لَم تكُن المرأةُ في عصورِ ما قبلَ التاريخِ ملتقِطةً فحسبُ، بل كانت صيّادةً نشيطةً وماهرةً ومسؤولةً عن تدريبِ الرجالِ على الصيد. تشيرُ هذه الأدلّةُ إلى أنّ بنيةَ النساءِ تسمحُ لهنّ بممارسةِ الصيدِ بشكلٍ أفضلَ وأنّهنّ أَقدَرُ على التحمّلِ وأنّ هذه المجتمعاتِ لَم تُقسِّم المهامَّ بناءً على الجنسِ بل بناءً على القدراتِ الجسديةِ والفردية.
تختلفُ حياتي اليومَ عن حياةِ كثيرٍ من النساءِ اللاتي عِشْنَ قبلَ العصرِ الحديثِ والثورةِ الصناعية، إذْ كان العيشُ يتطلّبُ مجهوداً بدنياً كبيراً. فكان على امرأةٍ ريفيةٍ من مجتمعٍ ريفيٍّ في القرنِ الثامنَ عشرَ الاستيقاظُ قبلَ شروقِ الشمسِ، ومداجَنةُ الحيواناتِ الزراعيةِ، ومَتْحُ دلاءِ ماءٍ ثقيلةٍ من البئرِ، وطحنُ الحبوبِ وعجنُها، ومخضُ الزبدةِ، ثمّ الذهابُ للنهرِ لغسلِ الملابسِ يدوياً، فَالعملِ في الحقلِ إلى جانبِ الرجلِ والعديدِ من الأعمالِ المنزليةِ المرهِقةِ التي تتطلّبُ جهداً بدنياً كبيراً.
أسهمَت الثورةُ الصناعيةُ بتغييرِ نمطِ حياةِ النساء. انتقلَت العديدُ من العائلاتِ من المناطقِ الريفيةِ إلى المدنِ الناشئةِ بحثاً عن العملِ وانتقلَت النساءُ من الحقولِ إلى المصانعِ لشَغلِ أدوارٍ متكرّرةٍ غالباً وتتطلّبُ جهداً أقلَّ من العملِ الزراعيِّ. فمثلاً قضاءُ ساعاتٍ طويلةٍ في الحياكةِ على النَولِ يتطلّبُ جهداً لكنه جهدٌ لا يَعُمُّ الجسمَ بأكملِه. وقد اختلفَت الحياةُ المنزليةُ أيضاً، فالمياهُ الجاريةُ، والكهرباءُ لاحقاً، خفّفَت من عبءِ الأعمالِ المنزليةِ الأشدِّ. ومع تراجعِ الأنشطةِ اليوميةِ بدأَت كتلةُ النساءِ العضليةُ بالتراجع.
استمرّ تراجعُ كتلةِ النساءِ العضليةِ لتغيّرِ طبيعةِ الأعمالِ خارجَ المنزلِ وداخلَه بسببِ الرأسماليةِ والتقنيةِ. وأخذَ المنحنى يتسارعُ بشدّةٍ خصوصاً بعد الحربِ العالميةِ الثانية. بدأَت الأجهزةُ الكهربائيةُ تدخلُ إلى المنازلِ بكثرةٍ، كالغسّالاتِ والمكانسِ والأفرانِ التي ساعدَت النساءَ على التحرّرِ من أعباءِ الأعمالِ المنزليّةِ ووفّرَت لهنّ وقتاً أكثرَ للعملِ خارجَ المنزل. اتّجهَت كثيرٌ من النساءِ العصرياتِ للعملِ المكتبيِّ بالإضافةِ إلى الأعمالِ الأُخرى، ويتميزُ العملُ المكتبيُّ عن غيرِه باعتمادِه الأكبرِ على الجهدِ العقليِّ والجلوسِ ساعاتٍ طويلةً. إلّا أنّ كلَّ هذا التقدّمَ الذي أحرزَته المرأةُ كان على حسابِ الكتلةِ العضلية.
بدأَت صناعةُ اللياقةِ البدنيةِ وصالات التدريبِ بالازدهارِ في الثمانينياتِ، وهي بعضُ استجابةٍ لتلك التغيّراتِ التي طرأَت على نمطِ حياتِنا جرّاءَ الثورةِ الصناعية. يمكن تقسيمُ التمارينِ التي تمارَسُ في هذه الصالاتِ إلى نوعَين رئيسَين. الأوّلُ تمارينُ قلبيةٌ، أو تمارينُ "الكارديو"، وهي الأنشطةُ التي تزيدُ من معدّلِ خفقاتِ القلبِ وتساعدُ على تحسينِ كفاءةِ الجهازِ القلبيِّ الوعائيِّ. والثاني تمارينُ القوّةِ، أو المقاومةِ، التي تركّزُ على تقويةِ العضلاتِ وزيادةِ كتلتِها. حتى اليوم، مع الوعيِ المتزايدِ بفوائدِ تدريبِ القوّةِ، إلّا أنّ العديدَ من النساءِ تركّزُ على التمارينِ القلبيةِ بهدفِ إنقاصِ الوزنِ على حسابِ بناءِ العضلاتِ، فهي تَحرقُ سعراتٍ حراريةً أكثرَ فحسب. وهو تفكيرٌ محدودٌ وفيه إسرافٌ في تبسيطِ مفهومِ اللياقةِ، إذْ أنّ تمارينَ بناءِ الكتلةِ العضليةِ تَحرِقُ سعراتٍ أقلَّ في أثناءِ التمرينِ، لكن المحافظةَ على الكتلةِ العضليةِ السليمةِ يَستهلِكُ سعراتٍ خارجَ أوقاتِ التمرينِ بزيادةِ معدّلِ الأيضِ الأساسيِّ. فالعضلاتُ تحتاجُ إلى طاقةٍ مستمرّةٍ لصيانتِها وإصلاحِها، وتُسهِمُ في تحسينِ حساسيةِ الأنسولين وتوليدِ حرارةِ الجسمِ، ممّا يزيدُ من حرقِ السعراتِ الحراريةِ عموماً.
لِتلك الصورةِ النمطيةِ جذورٌ عميقة. بدايتُها تأويلاتٌ لبعضِ النصوصِ الدينيةِ التي ترسّخُ ذلك الربطَ بين النعومةِ والنساء. ففي المسيحيةِ، يؤوَّلُ نصٌّ في إنجيلِ بطرس يشيرُ إلى الزوجاتِ على أنهنّ وعاءٌ ضعيف. وفي الإسلامِ، يؤوَّلُ حديثُ "ويحَك يا أنجشةَ، رويداً بالقواريرِ" بأن تشبيهَ النساءِ بالقواريرِ إنما هو لضعفِهنّ وهشاشتِهنّ. بل إنّ أشهرَ برنامجٍ حواريٍّ عربيٍّ مخصّصٍ لمناقشةِ القضايا العائليةِ والاجتماعيةِ وعمرُه أكثرُ من عشرينَ سنةً واستضافَ الكثيرَ من الشخصياتِ المهمّةِ وقدّمَته خرّيجاتُ مسرحٍ وإعلامياتٌ وشاعراتٌ وسياسياتٌ وسفيرةُ نواياً حسنةٍ ومخرِجاتٌ ومصمِّمةُ أزياءٍ من قائمةِ أرابيان بيزنس لأكثرِ مئةِ امرأةٍ عربيةٍ تأثيراً في العالم. أقولُ، لَم يَجِدْ هذا البرنامجُ اسماً أفضلَ من "كلام نواعم".
ومع أهمّيةِ القوّةِ والفوائدِ المثْبَتةِ للحفاظِ على كتلةِ العضلاتِ للرجالِ والنساءِ، تواجِهُ النساءُ تحدّياتٍ متعدّدةً إزاءَ بناءِ العضلاتِ وممارسةِ التمارينِ الرياضية. ففي الرياضاتِ الاحترافيةِ مثلاً تعامَلُ النساءُ كأنّهنّ صورٌ جذّابةٌ ولَسْنَ لاعباتٍ محترفات. والأدلّةُ على ذلك كثيرةٌ، منها الغرامةُ التي فُرِضَت على لاعباتِ الفريقِ النرويجيِّ للكرةِ الطائرةِ سنة 2021 لرفضِهنّ ارتداءَ "بيكيني" وَصَفْنَه بغيرِ المريحِ والمقيّدِ للحركةِ وأنّه أَضفَى عليهنّ طابعاً جنسيّاً، فاختَرْن ارتداءَ سراويلٍ مشابهةٍ لما يرتديه فريقُ الكرةِ الطائرةِ للرجال. وبالمقابلِ، واجَهَت اللاعبةُ البريطانيةُ أوليفيا برين، بطلةُ العالمِ مرّتَين تمييزاً من نوعٍ معاكسٍ في الألعابِ الأولمبيةِ الموازيةِ، ثاني أكبرِ حدثٍ دوليٍّ متعدّدِ الرياضاتِ يشارِك فيه رياضيّون ورياضيّاتٌ بدرجاتِ إعاقةٍ متفاوتةٍ، حيث وُصِفَ سروالُها بأنه "قصير وفاضح" وطُلِبَ منها ارتداءُ سراويلَ "أكثر ملاءمة". وتعاني الرياضياتُ المحجّباتُ أيضاً من التركيزِ على ملابسِهن بدلَ قدراتِهن الرياضيةِ. وطُلِب من بطلةِ التنسِ سيرينا ويليامز "احترام اللعبة والمكان" عندما ارتدَت بدلةً رياضيةً سوداءَ بعد إجازةِ الأمومةِ لمساعدتِها على التغلّبِ على جلطاتِ الدمِ التي كادت تكلّفُها حياتَها أثناءَ الولادة. كيف سنستطيع التركيزَ على الرياضةِ والأداءِ والعضلاتِ إذا كانت المحادثةُ المتعلّقةُ بالرياضةِ الاحترافيةِ لا تجاوزُ دائرةَ "ارتدَت ولَم تَرتدِ اللاعبةُ".
وتأتي معاييرُ الجَمالِ لتزيدَ الطينَ بلّة. فعلى الرجلِ أن يتمتّعَ بمنكبَين عريضَين وذراعَين قويّتَين وعضلاتٍ مفتولة. أمّا النساءُ فعليهنّ الحفاظُ على ذراعَين نحيلتَيْن وبطنٍ ضامرةٍ وأردافٍ متموّجةٍ جذّابةٍ وساقَيْن رشيقتَيْن. ومع الضغطِ الذي قد تشكّلُه هذه المعاييرُ على الرجالِ، إلّا أنها تدفعُهم للحفاظِ على كتلتِهم العضليةِ، بينما تُجرَّدُ النساءُ من كتلتِهنّ عاماً بعد عام. إنّما يَصعبُ قياسُ تأثيرِ تلك المعاييرِ في الإقبالِ على الصالاتِ الرياضيةِ، لأنّها أماكنُ عملٍ ربحيةٍ، ولا تتأتَّى معرفةُ عددِ الزوّارِ ولو بغرضِ الأبحاثِ، لكن هذا لا يمنعُ وجودَ احصائياتٍ مفيدة. ففي المملكةِ المتحدةِ مثلاً، وجدَت دراسةٌ أُجرِيَت سنة 2021 أن 54 بالمئةِ من روّادِ الصالاتِ الرياضيةِ نساءٌ وأنّ 76 بالمئةِ من روّادِ الحصصِ الجماعيةِ مثل "الأيروبيك" و"اليوغا" والدراجاتِ الثابتةِ نساءٌ، ولا تَذكرُ الدراسةُ إحصائياتٍ عن تمارينِ بناءِ الكتلةِ العضلية.
استطلَعتُ رأيَ هندة الشناوي، وهي ناشطةٌ نِسويةٌ تونسيةٌ، فذكرَت أنها بعد سنواتٍ من الالتزامِ بنظامِ تمرينِ الركضِ واليوغا بدأَت بعد تجربةِ الحملِ والولادةِ تشعرُ أن هذا النظامَ لَم يَعُد يكفي لتلبيةِ احتياجاتِها اليوميةِ، مثلَ حملِ ابنِها دونَ أن يَتعبَ ذراعاها، كما يفعلُ زوجُها بسهولة. أَدركَت هندة أنّ الحلَّ في تغييرِ نظامِ تمرينِها، فقرّرَت أن تبدأَ برفعِ الأثقالِ لبناءِ كتلتِها العضلية. توجّهَت إلى النادي الرياضيِّ بحماسٍ جديدٍ مستعدّةً لمواجهةِ التحدّياتِ وتحقيقِ أهدافِها، ولكنّها سرعانَ ما اكتشفَت أنّ الصورةَ النمطيةَ لمعاييرِ الجَمالِ لا تزالُ تلاحقُها حتى في صالةِ التمرينِ التي تصفُها بأنها "مودرن كثير". لاحظَتْ أن المدربَ يميّزُ بين المتدرّبين والمتدرّبات؛ فيركّزُ مع الرجالِ على بناءِ القسمِ العُلويِّ للجسمِ ويُهمِلُ القسمَ السفليَّ، بينما العكسُ يطبَّقُ مع النساء. كان التركيزُ على إبقاءِ الذراعَين نحيلتَين بغضِّ النظرِ عن تأثيرِ ذلك على الكتلةِ العضليةِ والقوّةِ البدنيةِ للنساءِ. ويَنصبُّ التركيزُ أيضاً على الساقين والأرداف. في هذه الصالةِ لم يكن هناك سوى امرأةٍ واحدةٍ تهتمُّ ببناءِ القسمِ العُلويِّ بشكلٍ احترافيّ.
بمرورِ الوقتِ، بدأَت نتائجُ تدريبِ هندة تَظهرُ بوضوح. لَم تكُن النتائجُ مجرّدَ عضلاتٍ أقوى وجسمٍ أكثرَ توازناً، بل شعوراً متزايداً بالثقةِ والتمكين. بدأَت تشعرُ بتحسّنٍ كبيرٍ في قوّتِها وقدرتِها على التعاملِ مع الأنشطةِ اليوميةِ بسهولة. أصبحَت قادرةً على حملِ ابنِها فتراتٍ أطولَ دونَ الشعورِ بالتعبِ مع زيادةِ وزنِه. ولا تُهمِلُ هندة أهمّيةَ الجانبِ الجماليِّ، فوسائلُ التواصلِ الاجتماعيِّ مكتظّةٌ بصورِ نساءٍ وتجارِبِهنّ بأجسامٍ متناسقةٍ وقويّةٍ تجعلُها تتساءلُ: "ليش مش أنا؟"
عالمياً، تَجني النساءُ 80 سنتاً مقابلَ كلِّ دولارٍ يَجنيه الرجالُ، على ما جاءَ في إحصائياتِ الأممِ المتحدةِ للنساءِ سنةَ 2024. وفي حالِ استمرَرْنا بالتطوّرِ وحلِّ المشكلةِ بالسرعةِ نفسِها سنصلُ إلى سدِّ الفجوةِ بحلولِ سنةِ 2069 تقديرياً.
يُنتِجُ هذا التفاوتُ الاقتصاديُّ تفاوتاً في القدرةِ على بلوغِ مواردِ اللياقةِ البدنيةِ ممّا يضرُّ بالكتلةِ العضليةِ للنساء. فامرأةٌ تعيشُ في حيٍّ منخفضِ الدخلِ، قد لا تتمكّنُ من ارتيادِ صالةٍ رياضيةٍ أو مركزٍ ترفيهيٍّ قريب. وحتى إذا كانت هذه المرافقُ متوفّرةً، فقد تكونُ رسومُ الاشتراكِ باهظةً وقد تصلُ التكلفةُ أحياناً 11 بالمئة من دخلِها الشهريّ. من غيرِ مكانٍ مخصّصٍ لممارسةِ الرياضةِ، فإنّ فرصَ تلك المرأةِ في تدريبِ القوّةِ والحفاظِ على كتلةِ العضلاتِ ستبقى محدودةً جدّاً.
سَعَت بعضُ الحكوماتِ لرَأْبِ هذا الصدعِ بسياساتٍ تدخليةٍ تحاولُ تقليلَ كلفةِ استخدامِ الصالاتِ الرياضيةِ والنشاطاتِ البدنية. فالسويدُ مثلاً تقدِّمُ لساكنِيها مخصّصاتٍ شهريةً لتُصرَفَ على النشاطاتِ البدنية، فتَدفعُ الشركاتُ المبلغَ للموظّفين ويُقتَطَعُ من الضرائبِ التي تدفعُها الشركات. ولكن هناك مناطقَ كثيرةً من العالمِ تقلُّ فيها المواردُ المجتمعيةُ التي تقدّمُ أنشطةً بدنيةً مجانيةً أو منخفضةَ التكلفةِ في المناطقِ المهمَّشةِ اقتصادياً، أو تكونُ البرامجُ الترفيهيةُ والحدائقُ غيرَ مموَّلةٍ بما يكفي، أو تكونُ الأماكنُ العامةُ لممارسةِ الرياضةِ نادرةً أو غيرَ آمِنة. وفي هذه الحالاتِ تَصعبُ على النساءِ المشاركةُ في الأنشطةِ البدنيةِ بانتظامٍ، وهي أنشطةٌ حاسمةٌ لبناءِ كتلةِ العضلاتِ وصيانتِها.
ويَنتجُ أيضاً عن ذلك التفاوتِ الاقتصاديِّ تفاوتٌ في مستوياتِ التغذيةِ بين الجنسَيْن. فلِلتغذيةِ دَورٌ مهمٌّ في صحّةِ العضلاتِ، وتؤثّرُ الفوارقُ الاقتصاديةُ كثيراً على العاداتِ الغذائية. تواجِهُ النساءُ في الأُسَرِ ذاتِ الدخلِ المنخفضِ خطرَ انعدامِ الأمنِ الغذائيِّ غالباً، ممّا يؤدّي إلى أنظمةٍ غذائيةٍ غيرِ صحّيةٍ ومنخفضةِ العناصرِ الغذائيةِ الأساسية. تُعَدُّ مصادرُ البروتينِ عاليةُ الجودةِ والفواكهُ والخضراواتُ الطازجةُ أكثرَ تكلفةٍ وأقلَّ توفّراً من الخياراتِ ذاتِ السعراتِ الحراريةِ العاليةِ وفقيرةِ العناصرِ الغذائية. ومِن غيرِ البروتينِ الكافي والعناصرِ الغذائيةِ الأُخرى، ستتأثّرُ صيانةُ العضلاتِ ونموُّها.
في مواجهةِ هذا الواقعِ وتعذّرِ الوصولِ للصالاتِ الرياضيةِ، تَلجأُ كثيرٌ من النساءِ إلى قنواتِ الدروسِ الرياضيةِ وصفحاتِها على الإنترنت. فالدروسُ الافتراضيةُ وتطبيقاتُ التمارينِ الرياضيةِ ومقاطعُ الفيديو الخاصّةِ باللياقةِ حسبَ الطلبِ؛ كلُّها تتيحُ للنساءِ ممارسةَ التمارينِ في المنزلِ وفي الوقتِ المناسبِ لهنّ ممّا يقلِّلُ الحاجةَ إلى قصدِ صالةِ الألعابِ الرياضية. وتَخلقُ هذه المنصّاتُ مجتمعاتٍ افتراضيةً تقدِّمُ الدعمَ والتحفيزَ والمتابعةَ بالتواصلِ مع نساءٍ أُخرَياتٍ يشارِكْنَ أهدافَ اللياقةِ البدنيةِ نفسَها ويَتبادَلْنَ النصائحَ والتجارب.
لكن بالنظرِ إلى الإنترنت وكثيرٍ من فيديوهاتِ اليوتيوب نلاحظُ اختلافاً واضحاً في اللغةِ المستخدمةِ حتى عند تشابهِ المحتوى. فالفيديوهاتُ الموجَّهةُ للرجالِ تتحدّثُ عن بناءِ العضلاتِ، وعددٌ كبيرٌ منها يشرحُ بتفصيلٍ تأثيرَ كلِّ تمرينٍ على العضلات. النتيجةُ أنّ أصدقائي الذين لا يملكون أيَّ خبرةٍ طبّيةٍ أو تدريبٍ مهنيٍّ عن الصحّةِ أو العضلاتِ قادرون على تسميةِ عددٍ كبيرٍ من عضلاتِهم الهيكليةِ وشرحِ التمارينِ المناسبةِ لتقويةِ كلِّ عضلة. ولكن، الفيديوهاتُ الموجَّهةُ للنساءِ تستخدمُ مصطلحاتٍ تشملُ حرقَ الدهونِ والشدَّ والنحتَ والرشاقةَ والمرونةَ، ويُعرِضُ معظمُها عن ذكرِ بناءِ العضلات. والنتيجةُ أنّ معظمَ صديقاتي يَعرِفْن عددَ السعراتِ التي يحرقُها كلُّ تمرين.
لا تنحصرُ العوائقُ أمامَ بناءِ المرأةِ كتلتَها العضليةَ بالصورِ النمطيةِ الاستهلاكيةِ والذكوريةِ أو التفاوتِ الاقتصاديِّ، بل قد تأتي أيضاً بحسنِ نيّةٍ من الحركاتِ التي تولّت الدفاعَ عن المرأةِ، مثلَ حركةِ النظرةِ الإيجابيةِ للجسد. بدأَت هذه الحركةُ في أواخرِ الستينياتِ من القرنِ العشرينَ مع تزايدِ الوعيِ بالحقوقِ المدنيةِ وحركاتِ تحريرِ المرأة. تَستهدِفُ هذه الحركةُ تعزيزَ القَبولِ والاحترامِ للجسدِ بأشكالِه وأحجامِه وألوانِه كافّةً والتصدّيَ للمعاييرِ الجماليةِ الضيّقةِ التي يَفرِضُها المجتمع. انطلقَت الحركةُ في الولاياتِ المتحدةِ عندما أَسّسَ بيل فابري وكوني سوبتشاك منظمةً وطنيةً تدعمُ تقبُّلَ الأشخاصِ البدناءِ في سنةِ 1969. وهي واحدةٌ من أوائلِ الحركاتِ التي دَعَت إلى تقبُّلِ الجسدِ بجميعِ أشكالِه. ضَمَّ كتابُ "شادو أون أ تايت روب" للمؤلّفتَين ليزا شونفيلدر وبارب وِيسر مجموعةً مهمّةً من الكتاباتِ التي تستكشفُ قضايا الاضطهادِ بسببِ السُمنةِ وتجاربَ النساءِ اللاتي يواجِهْن التمييزَ المجتمعيَّ بناءً على حجمِ أجسادِهن. ويُعَدُّ هذا الكتابُ عملاً مهمّاً في حركاتِ الإيجابيةِ الجسديةِ وتقبّلِ السُمنة. نُشِرَ الكتابُ سنةَ 1983 ومهَّدَ للموجةِ الثانيةِ من الحركةِ في التسعينيات، والتي نشأَت بعد فهمٍ أعمقَ لأخطارِ الحِمياتِ الجسديةِ والنفسية. ومنذ سنةِ 2012 تحدَّت الحركةُ الأفكارَ المثاليةَ مثل البشرةِ الخاليةِ من العيوبِ والأجسامِ النحيلةِ "لشاطئ البحر" على شبكاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ بفضلِ العارضةِ والنِسويةِ تِيس هوليداي، والتي أصبحَت أوّلَ عارضةِ أزياءٍ قياسُها فوق العشرين تمثِّلُ وكالةَ الأزياءِ الأوروبيةِ الشهيرةَ "ميلك ماناجمانت".
نظريّاً، تبدو الحركةُ خاليةً من المشاكلِ وخطوةً باتّجاهِ جسمٍ صحّيٍّ وقويٍّ، فما المشكلةُ في تشجيعِ النساءِ على الابتعادِ عن الحِمياتِ الخطرةِ وخسارةِ الوزنِ مهما كانت التكلفةُ لإرضاءِ معاييرِ المجتمعِ والوصولِ لجسدٍ يشبهُ أجسادَ العارضاتِ على أغلفةِ المجلّاتِ، الصورُ المعدَّلةُ إلى حدٍّ كبيرٍ والتي شوَّهَت صورتَنا الذاتية. الابتعادُ عن مشكلةٍ ما شيءٌ إيجابيٌّ، لكنّ المشكلةَ تكمنُ في الطريقِ الذي نأخذُه للابتعادِ عنها. قَبولُ الذاتِ لا يعني وصولَنا لحالةٍ صحّيةٍ، فالوزنُ ليس معياراً للصحّةِ لكنّه من المؤشّراتِ المهمّةِ. وتشجيعُ فكرةِ تقبُّلِ الجسمِ بلا توعيةٍ مرافقةٍ بأهميةِ الحفاظِ على الوزنِ ضمنَ حدودٍ معيّنةٍ ودُون التشجيعِ على التمارينِ الرياضيةِ التي تساعدُ على بناءِ العضلاتِ قد يكونُ له عواقبُ سيّئة. الحِميةُ الصحّيةُ والنشاطُ العضليُّ يَرتبِطان بنمطِ حياةٍ صحّيٍّ يَسمحُ لنا بالحفاظِ على صحّتِنا ونوعيةِ الحياةِ وليسا مجرّدَ أداةٍ للوصولِ إلى جسمٍ ووزنٍ "مثاليَّيْن". فمثلاً أَظهرَت دراسةٌ بعنوانِ "تطبيع الحجم الزائد وخطر السُمنة والوزن الزائد الخفيّ في إنجلترا" أُجرِيَت بين سَنَتَي 1997 و 2015 زيادةً في نسبةِ الأفرادِ الذين يعانون من زيادةِ الوزنِ أو السُمنةِ ويُخطِئون في تقديرِ حالتِهم الوزنية. ارتفعَت النسبةُ من 37 بالمئةِ إلى 40 بالمئةِ بين الرجالِ، ومِن 17 بالمئةِ إلى 19 بالمئةِ بين النساءِ وتَفترِضُ الدراسةُ أن أحدَ الأسبابِ هو حركةُ إيجابيةِ الجسد.
على الجانبِ الآخَرِ، لَم يكن التطوّرُ بالقدرِ نفسِه من الفائدةِ للنساءِ في الأنشطةِ البدنية. فمع دخولِ النساءِ إلى سوقِ العملِ وانخراطِهن في وظائفَ مختلفةٍ إلّا أنّ الأدوارَ الاجتماعيةَ التقليديةَ والأعباءَ المنزليةَ بقيَت على عاتقِهنّ. هذه الأعباءُ المزدوجةُ قلّلَت من فرصِهنّ للانخراطِ في الأنشطةِ الرياضيةِ والحفاظِ على الكتلةِ العضلية. بالتالي، نرى أنّ الفجوةَ بين الجنسَين في هذا الجانبِ تُعزى إلى الطبيعةِ الجسديةِ مع التغيّراتِ الاجتماعيةِ والتقنيةِ التي لَم تَخدم النساءَ بالطريقةِ نفسِها التي خدمَت الرجال.
كلمةُ "عضلة" مؤنّثةٌ، لكن مِن المفارقاتِ أنّ الثقافةَ السائدةَ تربطُها بالذكورة. مِن المفترَضِ أن تكونَ العضلاتُ جزءاً من هُويّةِ المرأةِ بالقدرِ نفسِه للرجلِ، فهي ليست مجرّدَ أداةٍ للقوّةِ بل رمزاً للصحّةِ والقدرةِ على مواجهةِ تحدّياتِ الحياةِ اليومية. وكأنّ اللغةَ العربيةَ نفسَها تلمِّحُ لنا أنّ العضلاتِ ليست حكراً على جنسٍ دون آخَر. وفي المرّةِ القادمةِ التي تَذهبِين فيها إلى الصالةِ الرياضيةِ أو تمسكين بالأثقالِ، تذكَّري أنّ اللغةَ في صفِّك.