في هذه الثنايا الغائبة من فلسطين عاشَ أبو وجدي قاسم القاسم. تقاطعت قصتُه مع فتراتٍ محوريةٍ وتحوّلاتٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ مهمّةٍ من تاريخ المنطقة المعاصر. وُلِدَ قاسم زمنَ انتدابِ عصبةِ الأُممِ لبريطانيا على فلسطين، وعاصرَ ثورةَ 1936 طفلاً، ونكبةَ 1948 موظّفاً، ونكسةَ 1967 وهو على أعتابِ الخمسين. هذا التاريخُ الشخصيُّ يضفي فيضاً من المشاعر والتوجّهات والخواطر الشخصية على السرد التاريخي الجامد، ويُعيدُ تقديمَ هذا التاريخ وتفسيرَه وتحليلَه من غير أن نكون خاضعين لهيمنةِ روايةِ مَن يكسبُ الحربَ أو مَن يخسرُها. تعكسُ سيرةُ أبو وجدي التحدّياتِ والصراعاتِ اليوميةَ التي واجهَها الفلسطينيون، وتُحْيِي جوانبَ مَنسيَّةً من تاريخِهم، مما يُسهِم في بناءِ سرديةٍ أشملَ وأعدل. توثيقُ حياةِ أبو وجدي ليس استذكاراً للماضي، بل تأكيدٌ لأهميةِ الحفاظِ على الذاكرةِ الجماعيةِ وفهمِ التحوّلاتِ الاجتماعيةِ والسياسيةِ من منظورٍ إنسانيٍّ وشخصيّ. ما دُوِّنَ في هذا النصِّ هو نتاجُ لقاءاتٍ معَ أبو وجدي قبلَ وفاتِه بمدّةٍ قصيرةٍ، وكان حينئذٍ يتمتَّعُ بذاكرةٍ صلبة. وساعدَنا ابنُه جهاد في هذه المُهِمَّة. سألتُ بطلَ قصّتِنا عن انتمائِه السياسيِّ فأجابَ بأنّه لَم يتَّبِعْ أيَّ تيارٍ، لذا لم أُخصِّص لذلك مساحةً في السرد.
بعدَ عودةِ الأُسرةِ من كوبا، بدأَ قاسم مسيرتَه في التحصيلِ العلميّ. فانتقلَ إلى مدينة البيرة، ليدرسَ في مدرسةِ الذكور التي سُمِّيَت لاحقاً الهاشمية. وانتقلَ سنةَ 1938 إلى مدرسة بيرزيت العُليا لإكمالِ تعليمِه الثانويّ. كانت المدرسةُ حينَها بإشرافِ المربّي المعروفِ وديع ترزي، ابنِ غزّة وخرّيجِ جامعةِ هارفارد. دَرَسَ ترزي ودَرَّسَ في مدرسة الفرندز برام الله والبيرة، والتي أسّسَتها طائفةُ الكويكرز مدرسةً للبنات بمدينة رام الله سنةَ 1869. بعدَ عملِه مديراً لمدرسة بيرزيت العُليا، قرّرَ ترزي العودةَ إلى غزّةَ وتأسيسَ كلّيةِ غزّةَ لتوفيرِ تعليمٍ ثانويٍّ لأهلِ غزّةَ واللواءِ والبدوِ، وليُجنِّبَهم عناءَ السفرِ إلى الضفّةِ الغربيّةِ والقدس.
كان قاسم من الطلّاب القلائلِ من أبناءِ جيلِه الذين أكمَلوا تعليمَهم الثانويَّ في زمنِ الانتدابِ البريطانيّ، إذْ لَم يتجاوز عددُ المدارسِ الثانويةِ أربعاً، ثم أصبحَت اثنتَي عشرةَ مدرسةً قبلَ النكبةِ بعامٍ. يَذكرُ حين نظَّمَت مدرستُه فعاليةَ سوقِ عكاظٍ الشعريّة. طُلِبَ حينها من الطلّابِ إلقاءُ قصيدةٍ عن الحربِ العالميةِ الثانيةِ المستعرةِ آنذاك. نظمَ قاسم قصيدةً وأنشدَها وحصلَ على الجائزةِ الأولى. كان الحَكَمُ وقتَها شاعرٌ معروفٌ من طولكرم لَم يَستطِعْ قاسم تذكّرَ اسمِه، مع السيدِ عبد المنعم الرفاعي، والذي أصبحَ رئيساً للحكومةِ الأردنيةِ فيما بعد. وتقديراً لجهودِه أهدَته اللجنةُ التحكيميةُ كتابَ "قادة الفكر" للمفكّرِ والأديبِ المصريِّ طه حسين. لَم يعلَمْ قاسم أنّ هذا التميُّزَ سيكونُ مدخلاً إلى عالَمِ الوظيفةِ الحكوميةِ الإنجليزيةِ تحت مظلّةِ الانتدابِ البريطانيِّ في فلسطين.
سنةَ 1942 تزوَّجَ قاسمُ ابنةَ عمِّه سارة عبد الرازق قاسم، وكانت فتاةً مغتربةً في مقتبلِ العمرِ عادت من كوبا إلى فلسطين. كان قاسم أكبرَ من سارة بعشرِ سنينَ، وعمرُه آنذاك اثنان وعشرون ربيعاً. شكّلَ هذا الفارقُ بالعمرِ معضلةً للمأذونِ عندَ عقدِ القِرانِ، فاقترحَ التغاضيَ عن شهادةِ الميلادِ الكوبيّةِ واعتمادَ سنِّ أربعةَ عشرَ عاماً عُمراً لسارةَ، وعُقِدَ القِرانُ.
كان لقُرى رام الله والبيرةِ نصيبٌ من الاشتباكاتِ بين الثوّارِ والقوّاتِ البريطانيةِ لأسبابٍ منها الموقعُ المميَّزُ ووجودُ امتداداتٍ لمجموعاتِ القسّامِ هناكَ من أهالي المنطقةِ. فمنهم مَن سَكَنَ حيفا وعَمِلَ بها في العشرينيات والثلاثينيات، وكانوا قريبِين من عزّ الدين القسّامِ ونشاطِه. كان قاسم صغيراً حينئذٍ ولَم يشارِكْ في المعاركِ والقتال. يقول إنّه تفاعلَ مع الثورةِ فتىً مناصِراً، وأَمضَى أسبوعين في مرافقةِ القائدِ الشيخِ عبد الفتاح المزرعاوي وفصيلتِه. والمزرعاوي (أو أبو سواد) ابنُ قريةِ المزرعةِ الشرقيةِ في قضاءِ رام الله. وكان من قادةِ مفارزِ حركةِ "الكفّ الأسود" الثوريةِ التي كوَّنَها عزُّ الدين القسّام. نشطَت هذه المفرزةُ في منطقةِ حيفا ضدَّ الإنجليزِ والحركةِ الصهيونيةِ في ثورة 1936. موهبةُ قاسمٍ في الكتابة، كما يقولُ عن نفسِه، كانت المدخلَ للعلاقةِ مع الشيخِ المزرعاوي. فشاركَ في كتابةِ رسائلَ داخليةٍ أو مناشيرَ، وبقيَ بجوارِ الشيخِ. وفي هذا السياقِ، يقصُّ قاسم قائلاً: "ذهبْنا من المزرعةِ الشرقيةِ إلى بلدةِ سلوادَ فعيونِ الحراميّةِ (وهو وادٍ يتوسّطُ الضفّةَ الغربيّةَ) ثمّ وصلْنا طريقَ سنجل. في أثناءِ وجودِنا هناك، مرّت دوريةٌ إنجليزيةٌ كان فيها، كما اتّضحَ لاحقاً، المفتّشُ العامُّ في فلسطين، الجنرالُ كينيث أندرسون. ضربَ الثوّارُ الدوريّةَ وقُتِلَ ضابطُها". ويضيفُ: "في ذلك الوقتِ، انضمَّ إلى فصيلةِ الشيخِ شابٌّ اسمُه توفيق، وهو مسيحيٌّ من الناصرةِ، وكان قد تركَ الشرطةَ الإنجليزيَّةَ والتحقَ بالثورةِ. جاء على جوادِه ومعه سلاحه واحتضنَه الشيخُ عبد الفتاح والثوّارُ جميعاً".
طُلبَ من قاسم الذهابُ إلى مدينةِ معان، جنوبَ الأردن، في دورةٍ تدريبيةٍ لمدّةِ واحدٍ وعشرين يوماً يتعلّمُ فيها التحيّةَ العسكريةَ واستخدامَ القنابلِ اليدويّةِ والبندقيّةِ، وكانت تُسمّى شعبيّاً البارودةَ. كانت المُهمّةُ كفيلةً ببثِّ الجزعِ في قلبِ قاسم، فطَلَبَ الانسحابَ والعودةَ إلى فلسطين. هدَّدهُ الضابطُ أنّ الانسحابَ الآن يقتضي السجنَ ثلاثَ سنواتٍ. حاولَ الضابطُ حثَّ قاسم على خوضِ التدريبِ، وقال له إنه سيرى نتائجَ جيّدةً بعد انقضاء الدورة التدريبية. أتمَّ قاسم واجبَ التدريبِ، ووصلَته بعدَها برقيةٌ تشيرُ عليهِ التوجّهَ إلى المقرِّ الرئيسِ في الزرقاءِ. وَصَلَ قاسم إلى المكانِ في أكتوبر 1941 وهناك أُسكِنَ في مكتبِ المَعاشِ والتسجيلِ، وأصبحَ مسؤولاً عن إدارةِ ملفِّ تجنيدِ الجنودِ وتسريحِهم ومسائلِ تسويةِ نهايةِ الخدمة.
يصفُ قاسم عملَه بالإداريِّ لأنه لَم يكُن مطّلِعاً على الشؤونِ الأمنيّةِ والعسكريّةِ للفرقة. ولكنه كان يَسمعُ بين فترةٍ وأُخرى عن إرسالِ القوّةِ إلى بعضِ الأماكنِ لحفظِ النظامِ والسِلْمِ الأَهليّ. يذكرُ أيضاً أحدَ المواقفِ التي كدَّرَت صفوَ الحياةِ المكتبيّةِ في قوّةِ حرسِ الحدودِ، والتي تُظهِرُ تبايناتٍ حادّةً في المزاجِ السياسيِّ لموظفي القوّةِ من العربِ الفلسطينيِّين. بطلُ هذه القصّةِ ضابطٌ من الناصرةِ من عائلةِ الفاهومِ الثريّةِ تمرّدَ على شاحنةٍ للجيشِ الإنجليزيِّ محمَّلةً بالأسلحةِ واستولَى عليها ثمّ نقلَها إلى المقاومةِ في فلسطين منتصفَ الأربعينيات. تَرَكَ الفاهومُ رسالةً لقائدِ الوحدةِ الإنجليزيِّ شَرَحَ فيها سببَ فعلتَه موضِحاً أنّ الدافعَ وطنيٌّ وليس بغرضِ السرقةِ. وذكرَ أيضاً أنّ هذا المجهودَ لمساعدةِ أُمَّتِه الضعيفةِ التي يسحقُها الإنجليزُ دعماً للحركةِ الصهيونيةِ. كان الوضعُ السياسيُّ والأَمنيُّ في فلسطين متردّياً حينَها. فمع القضاءِ على ثورةِ عربِ فلسطين لَم تتوقّف المناوشاتُ، ولا سيّما مع استمرارِ الهجرةِ اليهوديةِ، بلْ تصاعُدِها.
سألَ الرائدُ "دي دبليو روي" قاسماً مَرّةً عن مدى رضاه عن أوضاعِ الخدمةِ، فأجابَه: "أنتم قدّ حالكم وكبار، أكلكم نظيف، والكلّ له بَدَلات وحْرامات وكلّ شيء مرتّب". من نبرةِ قاسم، استشعرتُ أنّ العملَ الإداريَّ في هذه الوحدة كان أقلَّ إرهاقاً من العملِ العسكري، ويبدو أنّ أوضاعَ العملِ كانت على قدرِ الهوانِ نفسِه للموظفين من قوميّاتٍ مختلفةٍ. كان معاشُ قاسم في أثناءِ خدمتِه أحدَ عشرَ جنيهاً فلسطينياً ومئتَين وخمسين ملّيماً، أي أضعافَ ما كانت تتقاضاه فئاتٌ أُخرى مثل العمّالِ والمزارعين.
غادَرَ قاسم الخدمةَ في أكتوبر 1946 وعَقَدَ له مسؤولوه حفلةَ وداعٍ، ومنحوه ثلاثَ ميدالياتٍ وشهادةَ تميّزٍ نظيرَ عملِه في مجالاتِ المحاسبةِ بدرجةِ جيّدٍ جدّاً، والأخلاقِ بدرجةِ مثاليّ. وهنا يتذكّرُ قاسم أنّه عَمِلَ في وحدةٍ مختلطةٍ من العربِ واليهودِ والإنجليزِ تحت سقفِ مركزٍ رئيسٍ واحد. من الزملاءِ اليهودِ يستذكرُ اسمَيْن، هُما باروخ صرفاتي وميشيل زقاقي في قسمِ اللاسلكيّ والإحصائيات، ويصفُ العلاقةَ معهم بالجيّدة. ولكنَّه كان يشعرُ بأنّ الموظفين اليهودَ يَهابون الموظفين العربَ لأنَّ اليهودَ برأيِه لَم يكونوا في موقعِ قوّةٍ آنذاك. أمَّا مِن العربِ، فيستذكرُ يوسف ثلجي، ورجا عيسى قسيس، والدِ رئيسِ بلديةِ رام الله الحاليِّ الذي جَمَعَته بقاسم علاقةُ صداقةٍ.
ينفي قاسم انخراطَه بأيِّ عملٍ حزبيٍّ سياسيٍّ في أثناءِ خدمتِه في قوَّةِ حَرَسِ الحدودِ، وإنْ كان ذا اطِّلاعٍ على نشاطِ الأحزابِ السياسيةِ في فلسطين، لا سيّما الحزبِ الشيوعيِّ الذي نَشَطَ في البيرةِ ورام الله. يقولُ ممازِحاً إنّ ذلك لَم يَمنعْه من التفاعلِ وشربِ القهوةِ مع جارِه الشيوعيِّ في البيرةِ أحمد معروف.
غادَرَ الإنجليزُ فلسطينَ في الخامسَ عشرَ من مايو 1948، وقد كانت العصاباتُ الصهيونيةُ قد سيطرَت على جُلِّ مساحةِ البلادِ ما عدا الضفّةِ الغربيّةِ والقدسِ وقطاعِ غزّة. حلَّ الجيشُ الأردنيُّ محلَّ الإنجليزيِّ في الضفّةِ والقدسِ بعد ثلاثةِ أَشهُر. يصفُ قاسم هذه الفترةَ بالانتقاليةِ التي شابَها كثيرٌ من الغموضِ والضبابيةِ. عندها اقترحَ عارف العارف، المعروفُ بمؤرّخِ النكبةِ ومساعدِ حاكمِ لواءِ القدسِ آنذاك، على قاسم وزملائِه البقاءَ في مواقعِهم حتّى تتّضحَ الأمورُ وأَوصَى الحاكمَ العسكريَّ الأردنيَّ بهِم. تعقيباً على حالةِ الحربِ وعدمِ الاستقرارِ، يَستذكرُ قاسم مجيءَ بعضِ قُطّاعِ الطُرُقِ من الأقطارِ العربيةِ المجاورةِ باحثين عن الغنائمِ من عتادِ المقاتلين العربِ واليهودِ. كان لهذه الجماعاتِ شيخٌ زعيمٌ، نفضِّلُ أن لا نفصحَ عن اسمِ عائلتِه مخافةَ إثارةِ بعضِ النعراتِ العائليةِ والعشائريةِ في المنطقة.
بسببِ استمرارِ قاسمٍ في موقعِه حتّى تقاعدِه، أصبحَ مِن قدامى الموظفين الفلسطينيين في السلكِ الحكوميِّ الأردنيّ. بعدَها أصبحَ رئيسَ ديوانٍ في نابلس خمسَ سنواتٍ، وانتُدِبَ إلى قلقيلية سنةً للتعاملِ مع بعضِ المشاكلِ المحلّيةِ والحفاظِ على الأمنِ الاجتماعيّ. ثمَّ أصبحَ المسؤولَ عن المنطقةِ الفرعيةِ لقُرى قضاءِ الرملةِ التسعِ، والتي تُسمّى باليتيمةِ بسببِ ضمِّها إلى ناحيةِ رام الله بعدَ سقوطِ الرملةِ واللّدِّ في يدِ العصاباتِ الصهيونيةِ في يوليو 1948. كانت وظيفتُه متابعةَ الشؤونِ الإداريةِ والحياتيةِ لهذه القُرى الأماميةِ المحاذيةِ للخطِّ الأخضرِ، وهو خطُّ الهدنةِ الذي اتُّفِقَ عليه بين الدولةِ اليهوديةِ الناشئةِ وحكوماتِ الأردنِ ومصرَ وسوريا والعراقِ في 1949. ولكن لَم تَشتمِلْ وظيفةُ قاسم على التدخّلِ في الأمورِ الأمنيّةِ التي كانت محلَّ اختصاصِ جهاتٍ أَمنيّةٍ متخصّصةٍ لدى الأردن. من موقعِه ذاك عادَ قاسمٌ بالذاكرةِ إلى بعضِ القصصِ التي رَسَمَت ملامحَ حياةِ القُرى الأَمامية. فتَذكَّرَ إدخالَ أبقارٍ من المناطقِ التي احتلّتها إسرائيلُ سنةَ 1948 داخلَ خطِّ الهدنةِ أو ما عُرِفَ لاحقاً بالخطِّ الأخضرِ، إلى القُرى الأماميةِ وما لَحِقَ ذلك من عملياتِ كرٍّ وفرٍّ، ولكنّه يعتقدُ أنّ وتيرةَ العملِ بالحدودِ لَم تكُن شديدة.
اقتحمَ الجيشُ باحةَ المنزلِ ومعهم بنادقُ "برين". وكانت العائلاتُ النازحةُ جالسةً تحت شجرةِ برقوقٍ. التمسَ قاسم من الجنودِ ألّا يطلِقوا النار على العائلةِ فرَدَّ الضابطُ بأنَّه لن يطلقَ النارَ عليهم لأنهم مدنيّون. عند الاقتحامِ، ظنَّت العائلةُ أنّ القوّةَ المدرّعةَ المكوّنةَ من دبّاباتٍ ومدرّعاتٍ "سكنية"، أي رماديةِ اللّونِ، تابعةٌ للجيشِ العراقيِّ لأنها كانت ترفعُ العَلَمَ العراقيّ. اتَّضحَ لاحقاً أنَّ الأمرَ كان تمويهاً إسرائيلياً. استَجوَبَ الضابطُ قاسماً فسألَه عن عملِه، فأجابَه بأنه فلّاحٌ يعملُ في الأرضِ. فنظرَ الضابطُ إلى يدي قاسم مكذّباً إيّاه بسببِ الملمسِ الناعمِ لهما.
تُوفِّيَ العمُّ أبو وجدي عن عمرٍ ناهزَ المئةَ والخمسةَ أعوامٍ، ورَثاهُ صديقُ ابنِه الدكتورُ هشام مصيطف قائلاً: "الحاجُّ أبو وجدي كان نِعمَ الجارُ ونِعمَ المربّي، ولن ننسى دورَه في تربيتِنا فقد كان كلُّ أطفالِ حارتِنا بمثابةِ أولادٍ له، وكان نِعمَ الإنسانُ المثقّفُ البشوشُ الواقفُ دوماً لإرشادِنا وإصلاحِنا".