ما حدث إبّان غزو الكويت بعيون عراقية

شهادات ومشاهدات من عراقيين عايشوا الغزو العراقي للكويت في 1990

Share
ما حدث إبّان غزو الكويت بعيون عراقية
(فجرت القوات العراقية مئات من آبار النفط عند انسحابها من الكويت في 1991 / خدمة غيتي للصور)

في أكتوبر سنة 1990 انتقلَتْ إلى منطقتنا في حيّ التجّار شمال العاصمة بغداد عائلةٌ جديدةٌ عُرفَت بعائلة "أبو أحمد" تميّزَت بزِيّها الخليجيّ، وعليه أسميناهم "بيت الكويتيين". وفي مدرسة الوطن العربي الابتدائية، التحقَتْ بفصلي الدراسيّ في الصفّ الرابع فتاةٌ من تلك العائلة اسمُها "زمن"، أسميناها "زمن الكويتية". جلسَتْ في المقعد الذي أمامي، وكانت مرحةً واجتماعيةً تفضّل اللَّعب مع الذكور أكثر من الإناث، ربما لأنها تربّت مع خمسة إخوةٍ يَكبُرونها سنّاً. كان الإخوة الخمسة يختلفون عنها ويرفضون الاختلاط بنا، بل رفضوا حتى الالتحاق بالمدرسة نفسها. عرفنا أنهم عائلةٌ عراقيةٌ سكنَت الكويتَ في سبعينيّات القرن الماضي، ولم نعرف تفاصيل كثيرةً عن حياتهم هناك. وعرفنا أنهم تركوا الكويت هرباً من الاضطرابات الأَمنية التي شهدَتها الدولةُ الخليجية عقب الغزو العراقيّ في أغسطس سنة 1990. لكن إقامة العائلة العراقية الكويتية لم تدُم، فسرعان ما تركوا العراق مجدّداً إلى جهةٍ مجهولةٍ بعد أشهرٍ قليلةٍ من حرب الخليج في يناير سنة 1991 التي تلاها انسحابُ القوّات العراقية من الكويت. تفاجأنا في صباح أحد أيّام مارس من ذلك العام بقدوم عناصر من حزب البعث الحاكم. كسروا باب المنزل الفارغ وفتّشوه رفقةَ قوّةٍ أَمنيّةٍ ثمّ أقفلوا المنزل مجدّداً واستمرّ الإغلاق عدّة أشهُر.

كانت عائلة أبي أحمد واحدةً من العوائل العراقية التي اضطُرّت إلى تَرك الكويت طوعاً أو كرهاً إثرَ الغزو العراقي. إبّان الاحتلال، قُتل الآلاف وفُقدوا وشُتّتوا، من مدنيين وعسكريين عراقيين وكويتيين على حدٍّ سواءٍ، فأضحت حربُ الخليج الثانيةُ ذكرى مؤلمةً في ذاكرة الشعبَيْن. وبعد الحرب وخفوت دَوِيّ المَدافع وضجيج السياسة، بقيَت ذكرياتٌ لعراقيّين ألقى بهم القَدَر في أَتونِ هذه الحرب بين بلدهم الأصليّ وبين ما اتّخذوه بلداً للإقامة والعمل. تحوّلت هذه الذكريات إلى قصصٍ نسعى لمعاينة بعضها من منظور عراقيِّين عايَشوا زمنَ غزو العراق الكويتَ وعاشوه.


في الثاني من أغسطس سنة 1990 أفاق سكّانُ الكويت على آليّات الجيش العراقيّ عابرةً حدودَ بلادهم غازية. تلا الغزوَ بأيّامٍ قليلةٍ إعلانُ الرئيس العراقيّ صدّام حسين ضمَّ الكويت رسمياً لتصبح ضمن حدود العراق، على رغم معارضة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أدان احتلالَ الكويت وعَدَّه عملاً باطلاً وطالَبَ العراقَ بالانسحاب. ولَم تنجح الجهودُ العربيةُ والدوليةُ بإعادة الأمور إلى نصابها. جاء الغزوُ على ظهر تراكماتٍ من العلاقات المضطربة تزداد أحياناً وتَخفِت أحياناً أُخرى في العقود التي سَبَقَت استقلالَ الكويت سنة 1961. ومع الاستقلال عادت مطالَباتُ بغداد بضمّ الكويت جزءاً تاريخياً من أراضي محافظة البصرة العراقية. لكن هذا لم يمنع إقامةَ علاقاتٍ دبلوماسيةٍ وتبادلَ السفراء بين البلدَيْن سنة 1963. ثمّ وصلت العلاقات العراقية الكويتية لحالةٍ من الاستقرار الحذِر في الثمانينيات. ولكن الأزمة ظهرت ثانيةً في يونيو 1990 بعد اتّهام صدّام حسين الكويتَ بقضمِ أراضٍ عراقيةٍ وسرقة النفط من حقل "رمَيْلة" المشترَك بينهما، وآلَ التوتّر بين البلدين إلى غزوِ العراقِ الكويتَ.

سَبَقَ الغزوَ انتشارُ قطعاتٍ من الحرس الجمهوريّ العراقيّ وتدريبها على حدود الكويت، مع حملةٍ إعلاميةٍ عراقيةٍ تشير إلى عراقيّةِ الكويت. ومع كلّ هذه المؤشّرات، لَم يكُن الهجومُ مفاجئاً للكويتيين فقط، بل حتّى لبعض وحدات الجيش العراقي وضبّاطه. فقد أخبرني العميدُ المتقاعدُ علاء الباوي، وكان برتبةِ ملازمٍ أوّل في سَريّة مغاوير الفيلق الثاني المسؤول عن مناطق دَيالَى على الحدود العراقية الإيرانية، أن وحدتَه عَلِمَت بالهجوم العراقيّ على الكويت من المذياع. يقول: "كنّا على جبهة الحدود مع إيران، بالقرب من منطقة الكوت، وكنّا استمررنا بالانتشار هناك بعد توقف الحرب العراقية الإيرانية. سُرّح المكلّفون من مواليد الخمسينيات وحتى 1964 من الجيش، لكن بشكلٍ مفاجئٍ استُدعُوا مجدّداً مع الغزو". شاركتْ وحداتُ العميد الباوي في غزو الكويت بعد يومين من بدء الاحتلال. ويعلّق بأن "أفراد الجيش من ضبّاطٍ وجنودٍ كانوا في حالٍ يُرثَى لها"، مضيفاً "كان هناك استياءٌ كبيرٌ في صفوف ضبّاط الجيش عموماً، لكننا كنّا نخاف عدمَ تنفيذ الأوامر". يرى الباوي أن قرار احتلال الكويت كان قراراً شخصياً من صدّام وبدعمِ المحيطين به، "بل وكان قرارَ استعراضِ قوّة". ويرى أن إيران أعلنت دعمَها العراقَ ضدّ الأمريكان وأعطَت ضماناتٍ بسلامة جبهة العراق الشرقية. فانسحب، على حدّ تعبير الباوي، معظمُ الجيش العراقي من الحدود الإيرانية ووصلَ الكويتَ في الرابع من أغسطس، و"بقيَت نقاطٌ أَمنيّةٌ بسيطةٌ على الحدود… حتى قوّاتُ العُصاةِ [بتعبيرِ النظامِ الحاكم] الكرديّةُ المعارِضةُ لصدّام أعطت ضماناتٍ للأخير بإيقاف هجماتها".

مع أنّ الجيشَ الكويتيّ الذي كان يَقرُب من عشرين ألف مقاتلٍ قاوَمَ القوّات العراقيةَ ساعاتٍ طويلةً، إلّا أنّ الاستيلاء العراقيّ على الكويت اكتمل دون صعوبةٍ كبيرة. ووفقاً لمنظمة العفو الدولية في مارس 1993، فإنّ آلاف الكويتيّين اعتُقِلوا ونُقِلوا إلى العراق إبّان الاحتلال، وشَرّدت الحربُ ما يقارب ثلاثةَ ملايين لاجئٍ هرباً من بطش الحرب وتدهور الأوضاع الاقتصادية، أو بسبب التضييق عليهم نتيجةَ مواقف حكوماتهم وممثّليهم من الغزو، ومنهم عشرات الآلاف من الفلسطينيين والأردنيين. أما العراقيون المقيمون في الكويت قبل الغزو فكانوا بعشرات الآلاف، وقد استغل النظامُ العراقيُّ هذه الحقيقةَ واستَنَد على بعض الوقائع التاريخية لزعمِ نسبةِ أغلب الكويتيّين إلى أصولٍ عراقية. واستَشهَد ببعض الحالات الفردية التي حصلت على شهادات ميلادٍ أو جنسيةٍ عراقيةٍ بعد نشأة العراق الحديث أو في الفترة بين الحربين العالميتين. غادَر أغلبُ العراقيّين مع القوّات العراقيّة بعد انسحابها بدءاً من فبراير 1991، وبقيَت أقلّيةٌ.


أخبرَتْني "السيّدة سميّة"، وهي معلّمةُ مادّة التربية الفنّية في مدرسة الحيّ الابتدائية، التي سَكَنَت مجاورةً لعائلة أبي أحمد في بغداد، بأن العائلة جاءت إلى بغداد "هرباً من الأحداث التي رافقت الغزوَ العراقيَّ للكويت"، وأنّ القوّات العراقية سَلَبَتهم عند دخولها الكويت. تضيف نقلاً عن أمّ أحمد بأنهم "لم تسعفهم جذورُهم العراقية في النجاة من ظاهرة الاستيلاء على الممتلكات المدنية في الكويت".

تقول سُميّة إنّ تجربة العائلة مع أحداث الغزو "جعلَتْهم يَنأَوْن بأنفسهم عن الاختلاط بالعراقيّين، وهو ما دَفَعَهم لمغادرةِ العراق سِرّاً وتركِهم كلَّ ممتلكاتِهم بمنزلِهم في بغداد". وتعتقد سميّة أن عائلة أبي أحمد استثمرَت أَشْهُرَ إقامتها لوضع خطّةٍ تمكّنهم من مغادرة العراق إلى إحدى دول الخليج وقد نَجَحَت في ذلك، مرجّحةً أنهم ذهبوا إلى معسكر رفحاء في السعودية. ضَمّ معسكرُ رفحاء الذي بَنَتْه السلطاتُ السعودية عدداً من المعارِضين الهاربين من العراق، وأغلبُهم من الكُرد والشيعة، بعد البطش الذي لَحِق بهم إثر "الانتفاضة الشعبانية" في مارس 1991 ضدّ نظام البعث في شمال العراق وجنوبه. 

قال لي سعدون الغانم، رئيسُ الجمعية العراقية لحقوق المقيمين والمبعَدين من الكويت، إنّ عدد العراقيين الذين كانوا يعيشون في الكويت قبل الغزو تجاوَز مئتَيْ ألف شخص. غادَرَ نحوُ 70 بالمئة منهم الكويتَ مع الجيش العراقيّ أثناء الانسحاب نهايةَ حرب الخليج الثانية في فبراير ومارس 1991. وبَقِيَ 30 بالمئة، وأغلبُهم من الأحزاب المعارِضة لنظام صدّام حسين، وفي مقدّمتهم حزب الدعوة الشيعيّ. يضيف الغانم إن "حكومة الكويت بعد التحرير رعتهم ودعمتهم، هُم وجماعة معسكر رفحاء، وكوّنوا بهِم خليّةً أو نواةً للمعارضة العراقية".

وُلد الغانم في الكويت سنةَ 1972، وتعود أصولُ عائلته إلى محافظة النجف العراقية. وَصَل والدُه الكويتَ سنةَ 1952 ودَرَس في مدرسة شملان بن علي. ثمّ عَملَ شرطيّاً في العاصمة الكويتية. استقرّت عائلتُه في حيّ الفردوس في العاصمة الكويتية. شَهِدَ الغانمُ الغزوَ ويتذكّر ساعاته الأُولى بوضوحٍ، فيقول: "استيقظنا يوم الخميس، وكان يومَ عطلة نهاية الأسبوع، على أصوات إطلاق رصاصٍ كثيفٍ وتصاعدٍ لأعمدة الدخان. في ذلك الوقت لم تكن هناك هواتف نقّالة. استغربْنا لأنّ هذه الأجواء لم تكن معتادةً في الكويت. خرجنا إلى الشارع فرأَيْنا دبّاباتٍ ومعدّاتٍ عسكريّةً وقوّاتٍ من الحرس الجمهوري العراقي. اقتربنا منهم وسألناهم 'ماذا حصل؟'. قالوا 'نحن أَتَيْنا لمساعدتكم في قيام الثورة'. سألناهم 'أيّ ثورة؟' أجابوا 'ثورة ضدّ حكومة آل صباح. لقد سَقَطَت وستكون هناك حكومةٌ بديلةٌ تدير الكويت'".

يضيف الغانم أنها كانت صدمةً للجميع لأن "الكويت كانت دولةً مسالمةً وحكومة آل صباح لم تقُم بشيءٍ يؤذينا". أمّا عن المقاومة الكويتية للغزو، فيوضح: "في مناطقنا بالعاصمة كانت هناك جيوبُ مقاومةٍ بسيطةٌ ضدّ الجيش العراقيّ، وكان الجيش يتعامل مع المواطنين بشكلٍ إيجابيٍّ بعضَ الشيءِ لأن تلك القوّات كانت تحتاج إلى ظهيرٍ مجتمعيٍّ لها في الكويت". ويشير إلى أنّ القوّات العراقية أَطلَقَت يدَ أفرادها للسرقة، وخصوصاً القوّات التابعة لحسين كامل، وزير التصنيع العسكري العراقي وصِهْر صدّام حسين.

غادر الغانمُ وعائلتُه الكويتَ مع الكثير من العراقيين عقب التحرير بسيارةٍ صغيرةٍ حاملِين حقائبَ الملابس فقط، بعد تلقّيهم على المذياع تهديداتٍ بالقتل من مجموعات المقاومة والحكومة الكويتية التي كانت تقيم بالسعودية. قال لي: "صُودِرَت كلّ أموالنا وبيوتنا وسَكَنَ فيها من غير الكويتيين مصريّون وأجانب. كنّا نعيش أخوةً مع الكويتيين، وليست لدينا أيّ مشاكل، سواءً مع الحكومة أو الشعب. لكن بعد السادس والعشرين من فبراير 1991، تشكّلت مجاميعُ مسلّحةٌ بقيادة الشيخ عذبي فهد الصباح وشقيقِه ضاري، وكانوا آنذاك قادةَ المقاومة الكويتية. ونظراً لأن الحُكمَ بُعَيْد التحرير كان عُرفيّاً بقيادة العقيد محمد العفاسي، عضو مجلس الدفاع الكويتي، صار عذبي وضاري هما قادة المجاميع المسلّحة". يتذكّر الغانمُ أنه عقب تحرير الكويت "صار الاستهداف للمقيمين والبدون" أيْ غير الكويتيين من الأجانب ومواليد الكويت الذين لا يحملون أيّ جنسيّة. وصدر قرارٌ بإعدام كلّ من تعاون مع الحكومة العراقية. وكان هذا القرارُ على حدِّ وصفِه "فضفاضاً، بدون ضوابط وبدون قراراتٍ قضائية. أيّ عراقي أو بدون يمسكوه في الشارع تكون تهمته جاهزة".

يؤيّد هذا تقرير منظّمة العفو الدولية سنةَ 1993، الذي ذكر أنه عقب حرب الخليج الثانية انتشرت تقاريرُ في الكويت عن اختفاء المعتقَلين أثناء الاحتجاز، خاصّةً إبّان سَرَيان الأحكام العُرفية بين السادس والعشرين من فبراير إلى السادس والعشرين من يونيو سنةَ 1991. وقد نفّذت قوّات الحكومة الكويتية والمدنيّون المسلّحون حملةَ اعتقالاتٍ تعسّفيةٍ وتعذيبٍ وقتلٍ خارج نطاق القانون لمئات الأشخاص المشتبَه في تعاونهم مع القوّات العراقية إبّان الاحتلال. يؤكّد الغانمُ أن العشرات من المعتقلين اختفوا فيما بعدُ، ولا يزال مصيرُهم ومكانُ وجودهم مجهولَيْن، ويُخشَى أن يكون العديد منهم قد لقوا حتفهم. وقد قدّمت منظّمة العفو الدولية تفاصيلَ عن مثل هذه الحالات إلى السلطات الكويتية.

يقسّم الغانمُ العراقيّين في الكويت في مرحلة الاحتلال إلى قسمين؛ متعاونٌ مع نظام صدّام وآخَرُ مع حكومة الكويت. ثمّ يَستدرِك: "حتى المتعاونون مع الكويتيين، بعد أن انتفت الحاجة لهم رُحّلوا في عامي 1995 و1996". وقد أسّس سعدون الغانم جمعيّتَه بعد سنة 2003 لمطالبة الحكومة الكويتية باستعادة أموال العراقيّين المُرحَّلين التي صادرتها السلطات الكويتية. لكن عمل جمعيّته لم يُؤتِ أُكُلَه، مع أنّ جميع تحرّكاتها كانت رسميّةً مِن طريقِ وزارة الخارجية العراقية وسفارة العراق في الكويت. يقول: "منذ عام 2003 ولليوم فشلت ثلاث عشرة محاولة من خلال الحكومة العراقية لتحصيل حقوقنا من الكويت. وحالياً هناك مخاطبة جديدة عن طريق وزارة الخارجية العراقية للسفارة الكويتية. التجاوب خجول، لكن هناك أمل بسيط بفتح باب الحوار".


وعن الأوضاع في الكويت إبّان الغزو، يروي العميدُ الباوي من مَوقعِه ضابطاً سابقاً في الجيش العراقيّ الغازي: "بقي القليل من المواطنين الكويتيين الذين لم تسعفهم أوضاعهم المادّية من مغادرة الكويت، ومع ذلك لم يصفّقوا للجيش العراقي ولم يساندوه". ويضيف: "عند دخولنا تَفاجَأْنا بتطوّر البنى التحتية والأجهزة المنزلية. وحتى مياه الشرب كانت حلوة، على عكس محافظة البصرة الملاصقة للكويت".

ووفقاً للضابط المتقاعد فقد تكون هذه "الصورة الكويتية" هي السبب الرئيسيّ لأعمال السرقة. موضحاً أنه "كان المقاتل العراقي، سواءً الجندي أو حتى الضابط، يعيش بفقرٍ وجوعٍ بسبب الحرب مع إيران، وتفاجأ بالطعام والرفاهية في الكويت. السرقة كانت ردّة فعلٍ وأنا لا أستطيع أن أتّهم الجميع". وكانت أعمال السرقة بعِلم القيادة العراقية ورضاها، فحسب قولِه "كانت السيارات الحديثة تُنقل بأعدادٍ كبيرةٍ ونعرف أنها تذهب للقيادات العراقية". والحديث هنا كان عن حسين كامل وعديّ ابن الرئيس صدّام حسين.

سألتُه عن ما قيل عن حالات اغتصابٍ أثناء الغزو، فأجاب أنها "كانت نادرةً جدّاً. أنا شهدت واحدةً فقط. كان هناك ملازم أوّل اسمه عبد الرضا. علم بوجود كويتيٍّ متزوّجٍ من امرأةٍ لبنانية. داهَمَ شقّتَه مع بعض الجنود، واعتدى على زوجة الكويتي. في اليوم التالي ذهب الزوج الكويتيّ إلى بغداد والتقى بوزير الداخلية حينها وطبان التكريتي"، مضيفاً "أجرى الأخيرُ تحقيقاً سريعاً عبر ضابطٍ اسمُه بارق، وحكم على الملازم عبد الرضا بالإعدام. وبالفعل رُبط عبد الرضا بعمود كهرباءٍ في الكويت وأُعدِم بالرصاص ليكون عبرةً لأفراد الجيش الموجودين في الكويت".


بعد سقوط نظام صدّام حسين إثر الغزو الأمريكي للعراق في مارس 2003، بدأَت العلاقات الدبلوماسية بين بغداد والكويت بالعودة تدريجياً. أعقَبَها زياراتُ مسؤولين عراقيّين إلى الكويت وفتحُ السفارات بين البلدين. وفي 2008 عيّنَتْ الكويتُ أوّلَ سفيرٍ لها في العراق منذ الغزو العراقيّ. تَبِعَ ذلك فتحُ قنصليّاتٍ في النجف وأربيل. وبتنسيقٍ بين البلدين، ساعدَت الكويتُ في إخراج العراق من قيود الفصل السابع للأمم المتحدة، والذي يسمح باستخدام القوّة ضدّ العراق، بعد دفع العراق التعويضات الماليّة للكويت عن الحرب. واليومَ يبدو أن العلاقات الدبلوماسية الثنائية بين بغداد والكويت تمرّ بأفضل حالاتها، وإنْ بَقِيَت أمورٌ عالقةٌ مثل مسألة ترسيم الحدود التي أقرّتها الأمم المتحدة بين البلدين سنةَ 1993، وميناء مبارك الكبير الكويتيّ الذي يرى العراقيّون أنه يؤثر سلباً على الموانئ العراقية، وكذلك استكمال إعادة باقي الأرشيف الكويتيّ الذي استولت عليه القوّات العراقية إبّان الغزو. ولكن تظلّ الذكريات والقصص الأليمة، وإنْ تجاوَزَ البَلَدان معظمَ آثار الحرب، حاضرةً في ذاكرة الشعبَيْن ممّن عايشوا يوميّات الغزو أو اكتوَوا بآثاره، لا سيّما وأنه ما زال كثيرٌ من العراقيين والكويتيين من المغيَّبين لم يُعادوا ولم يُعثَر عليهم بعد.

اشترك في نشرتنا البريدية