بعد مقاطعة شرسة.. كيف هندست كوكاكولا عودتها إلى مصر؟ 

في عام 1979، عادت كوكاكولا إلى السوق المصري بعد غياب أحد عشر عاماً بسبب المقاطعة العربية، وكان مهندس العودة أمريكي من أصول مصرية عمل لسنوات لعقد صفقة العودة ليلقب بعدها باسم "كولا كيسنجر".

Share
بعد مقاطعة شرسة.. كيف هندست كوكاكولا عودتها إلى مصر؟ 
عمال يدفعون ثلاجات الكوكاكولا في أحد شوارع القاهرة لتوزيعها مجاناً على محلات البقالة التي تبيع المياه الغازية (تصوير محمد السحيتي، خدمة غيتي للصور)

على إحدى البنايات المُطِلّة على ميدان التحرير في قلب العاصمة المصرية، بقي إعلانٌ مُميَّزٌ لكوكاكولا منصوباً عشرَ سنوات. وعبثاً حاولَت مزاحمتَه إعلاناتٌ أُخرى، حتى حلَّت سنة 2011، وبدأَت إزالة الإعلانات كافّةً من أعلى المباني وسط البلد. على الأرجح فإن معظم من مرّوا من الميدان يتذكرون الإعلان جيداً، فقد كان الإعلانَ الوحيدَ المُتحرِّكَ وسط إعلاناتٍ رتيبةٍ أحاطت به وتبدَّلت سريعاً، حتى كاد إعلان كوكاكولا يصبح عَلَماً من أعلام الميدان. تكوَّن الإعلان من هيكلٍ حديديٍّ حمل شعار كوكاكولا إلى جانب كوبٍ وزجاجة. وكانت الأضواء الحمراء تتحرَّك بحيث تُوحي بصبِّ الكوكاكولا من الزجاجة إلى الكوب.

بهذه الفكرة البسيطة، ودون بهرجة المُلصقات وألوانها، رسّخت الشركةُ علامتها التجارية من أحد أكبر الميادين العربية وأن تتفوَّق فيما بَرَعت فيه دوماً، ألا وهو اختلاق هويةٍ تجاريةٍ وقيمةٍ ماديةٍ من أبسط المكوِّنات، تماماً كما فعلت مع مشروبها الأسود الذي يتكوَّن معظمه من الماء والسكّر والصودا. "إنه روح الرأسمالية"، هكذا وصف المشروبَ رئيسُ الشركة السابق روبرت وودروف في أربعينيات القرن الماضي، حين بدأ انتشار كوكاكولا في معظم أنحاء العالم. 

عندما دخلَت كوكاكولا إلى مصر منتصف الأربعينيات أيضاً، أصبح اسمُ كوكاكولا يطلق على المشروبات الغازيّة عموماً. يبدو ذلك دليلاً على محورية كوكاكولا في ترويج المشروب الغازي، لكنه لم يكُن مفيداً دوماً من الناحية الدعائية. ففي مسرحية "شاهد مشافش حاجة"، التي بدأ عرضها سنة 1976، وفي المشهد الشهير داخل قاعة المحكمة حين يقول عادل إمام "أنا عايز كوكاكولا"، يُناوِله سامي جوهر (بُرْعي) زجاجة كوكاكولا. لكن إذا ما دقَّقنا النظر، لوجدنا أنها ليست سوى زجاجةٍ تحمل اسم منافستها بيبسي كولا، التي ستكتفي فيما بعد بِاسم بيبسي منعاً للالتباس.

في الحقيقة لم تكُن كوكاكولا تُباع حينها في مصر، فقد طُرِدَت منذ سنة 1968 بسبب قرارها دخول السوق الإسرائيلي. ولكن في الوقت نفسه الذي عُرِضَت فيه مسرحية "شاهد مشافش حاجة"، كانت دبلوماسية كوكاكولا النشِطة تجري من وراء الستار من أجل دخول مصر مُجدَّداً، حتى تحقّق لها ما أرادت في صيف سنة 1979. من نهاية الحرب العالمية إلى الطرد في الستينيات، ومن كامب ديفيد إلى 7 أكتوبر، مرَّت كوكاكولا بمحطاتٍ عديدةٍ في مصر. ويبدو أن رحلتها عبّرت دوماً عن علاقة مصر بالولايات المتحدة، بل وعلاقة المصريين بقضاياهم الكبرى وبعالم الرأسمالية الأمريكية الذي يعيشون فيه منذ عقود، مصداقاً لمقولة ألكسندر ماكينسكي: "إن المؤشر الأمثل لتقييم العلاقة بين الولايات المتحدة وأي بلد آخر هو الطريقة التي تُعامَل بها كوكاكولا".


في يومٍ قائظٍ من شهر يوليو، وقف الصحافيون داخل قاعة مؤتمراتٍ بالقاهرة، ينتظرون نصيبهم من زجاجات الكوكاكولا الباردة، لتروي عطشهم. أحداث المنطقة في ذلك العام كانت قد رفعت حرارة المشهد السياسي في المنطقة. إذ انتصرت الثورة الإيرانية وعاد آية الله الخميني إلى طهران في فبراير 1979، ثم انقلبت الدول العربية على النظام المصري لتوقيعه اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل في الشهر التالي. ولكن في داخل مصر، كان الانفتاح ونزع فتيل الصراع مع إسرائيل هما سيّد الموقف، بعد تعبئةٍ عسكريةٍ وأزمةٍ اقتصاديةٍ أنهكت الجميع، ولم يكُن ثمَّة رمزٌ أدلَّ على تلك المرحلة من كوكاكولا، وكأنها بالفعل "استراحة تُنعِش" كما يقول شعارها أنذاك.

في قاعة المؤتمرات، استقبل الصحافيون رئيسَ عمليات كوكاكولا في الشرق الأوسط ليُعلِن عن الانتصار الأهمّ للشركة حينها، وهو تكلُّل مفاوضاتها الطويلة من أجل العودة إلى مصر بالنجاح، بعد أحد عشر عاماً من القطيعة نتيجةَ إدراجها على قائمة المقاطعة العربية. ومن ثمَّ بدأ توزيع زجاجات كوكاكولا التي دخلت معظم البيوت والمقاهي بعد ذلك في غضون سنواتٍ قليلة. كان النجاحُ في الحقيقة شخصياً أكثر بكثيرٍ ممّا بدا، إذْ لم يكُن رئيس عمليات الشركة في المنطقة سوى الأمريكيّ ذي الأصول المصرية سام أيّوب. 

إحدى مقاهي القاهرة 1990

بينما علت الابتسامةُ وجهَه من تحت شاربه الأبيض الكثّْ، وقف أيوب واحتسى أوّل زجاجة كوكاكولا مُعبَّأةٍ في مصر عقب جولاتٍ مكثَّفةٍ بدأها سنة 1974 بأوّل زيارةٍ إلى وطنه الأم، بعد غيبةٍ قاربت عشرين عاماً، وشملت اجتماعاتٍ مع الرئيس المصري آنذاك أنور السادات، ووزير الخارجية إسماعيل فهمي، ووزير الإسكان والتعمير عثمان أحمد عثمان، ما دفع صحيفة لوس أنجلوس تايمز إلى نعتِ أيوب باسم "كولا كيسنجر"، تشبيهاً له بوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، الذي عُرِفَت دبلوماسيته بالزيارات المَكّوكية جيئةً وذهاباً بين أطراف الصراعات التي انخرطت فيها الولايات المتحدة. 

لم يكُن أيوب يعمل وحده من أجل رفع المشروب الأمريكي من قائمة المقاطعة، بل كان لكيسنجر نفسه دورٌ في هذه الجهود. نجح كيسنجر أثناء لقاءاته بالمسؤولين المصريين في إقناعهم بفتح الباب أمام كوكاكولا وفورد وغيرهما من شركاتٍ أمريكيةٍ، بعد أن طُردوا منتصف الستينيات. وما مِن ذكرٍ لتلك التفاهمات السرّية سوى في إحدى مراسَلات السفارة الأمريكية في القاهرة بين السفير هيرمان إيلتس ووزير الخارجية الأمريكي كيسنجر سنة 1975، وقد أوردها باحثُ التاريخ والدراسات العربية أندرو جارناغين في ورقةٍ بحثيةٍ عن تفاصيل عودة الشركة إلى السوق المصري. 

شهدت المفاوضاتُ منعطفاتٍ صعبةً، لكن البيت الأبيض ألقى بثقله وراء كوكاكولا، لا سيَّما مع العلاقة الوطيدة التي جمعت رئيس الشركة جون بول أوستِن بالرئيس الأمريكي جيمي كارتر، منذ كان الأخيرُ حاكماً لولاية جورجيا في مطلع السبعينيات، وهي المقرّ الرئيسيّ للشركة. وكان أوستِن قد ساهم في تمويل حملة كارتر الرئاسية، في حين اشترى الأخيرُ أسهماً في الشركة في الفترة نفسها. 

تروي الكاتبة والباحثة سارة بيالا في كتابها "تمّت التعبئة: كيف أصبحت كوكاكولا أفريقية" ("بوتِلْد: هاو كوكاكولا بيكَيم أفريكان) أنه في العام الذي بدأ فيه أيوب جولاته العديدة بين أتلاتنا والقاهرة لإعادة كوكاكولا إلى مصر، وتحديداً في سبتمبر 1974، كتب كيسنجر إلى أوستن: "إن وزارة الخارجية يُسعدها أن تُسهِّل تعامل شركة كوكاكولا مع الحكومة المصرية". 

لم يكُن أوستِن أوّلَ مسؤولٍ يحظى بعلاقةٍ قويةٍ مع البيت الأبيض. فقد كان وودروف، الرئيس السابق للشركة، على علاقةٍ متينةٍ أيضاً برؤساء الولايات المتحدة الذين تعاقبوا أثناء رئاسته للشركة، وعلى رأسهم دوايت أيزِنهاور. وبالمِثل امتلك جيمس فارلي، السياسيُّ الذي كان رئيسَ اللجنة الوطنية الديمقراطية، وأَصبح لاحقاً رئيسَ شركة كوكاكولا للتصدير في الأربعينيات والخمسينيات، علاقةً وطيدةً بفرانكلين روزفِلت بعد أن أشرف على حملته الانتخابية وساعد في تشكيل تحالفاته السياسية. وكذلك بنيامين أوهلِرت، الدبلوماسي الذي عمل نائباً لرئيس الشركة وامتلك علاقةً جيدةً بالرئيس ليندون جونسون، ثمّ اختير سفيراً إلى باكستان في نهاية الستينيات. وقد تبلورت تلك العلاقة بين الإدارة الأمريكية وكوكاكولا بسبب المعارك التي خاضاها معاً، من أجل نشر النفوذ الأمريكي وإعلاء العلامة التجارية الحمراء في آنٍ واحد.


قد تكون كوكاكولا أكثر العلامات التجارية تعبيراً عن الرأسمالية الأمريكية، ففروق الجودة في نوعية اللحوم المحلية مثلاً تصعّب الحديثَ عن عالميةِ تجربة ماكدونالدز، كما أن حُرمة اللحوم الحمراء في بعض الثقافات مثل الثقافة الهندوسية، تقلب العالميةَ المزعومةَ رأساً على عقبٍ، وتجعلها عالميةً رمزيةً فقط، فما إنْ تدخلَ مطعمَ ماكدونالدز في الهند حتى تأتيك رائحة البهارات وقائمة الطعام التي يطغى عليها الدجاج. وحتى في عالم السيارات ثمَّة من يقود على اليمين ومن يقود على اليسار. كذلك فإن امتلاك سيارةٍ لا يزال رفاهيةً في معظم دول العالم الثالث. وفي عالم الملابس تظلّ الملابس المحلية شائعةً في ثقافاتٍ آسيويةٍ وإفريقيةٍ عديدة. وفي عالم التكنولوجيا يظهر تحدّي إتاحة التطبيقات باللغة المحلية وهكذا.

مَن ذا الذي لا يشرب الماء ولا يتناول السكّر ولا تُنعشه جُرعةٌ من الصودا؟ بتلك الوصفة أصبحت كوكاكولا مشروباً عالمياً، بل ويُسميها الكاتب إيلي جاك كان في مجلة نيويوركر "المشروب الكوني" في مقالٍ مطوَّلٍ نشرته المجلة سنة 1959، وكأنّ شُرب المشروب الغازيّ الأسود قد أصبح تجربةً لصيقةً بالحضارة البشرية، تُزاحم المياهَ ذاتَها في وفرتها وانتشارها.

لعلّ ذلك العالَمَ الاستهلاكيَّ المُسطَّحَ كان ليؤرِّق جون بِمبرتون، الصيدلي الأمريكي الذي ابتكر وصفة كوكاكولا عام 1886 لمداواة جراحه التي ألمَّت به أثناء الحرب الأهلية الأمريكية. لقد خدم بِمبرتون في جيش الكونفدرالية من أجل الدفاع عن النظام الريفي والعنصري في جنوب الولايات المتحدة، ثم خرج مهزوماً، بجُرحٍ غائرٍ في جسده، ومن ثمَّ أدمن مادّة المورفين التي ساعدته في تخفيف شعوره بالألم. كان الهروب من الأوجاع النفسية التي صاحبت الهزيمة في الجنوب الأمريكي مُحفِّزاً لظهور كوكاكولا، كما يشرح جيه لويس وهارفي يازيجيان في أول فصلٍ من كتابهما "حروب الكولا"، ولذا شاعت المشروبات المزاجية "نيرف تونِكس" في ذلك الوقت، واختلطت بالكحوليات تارةً، وبالمخدرات تارةً أخرى. 

جاءت أوراق الكوكا من بيرو في أمريكا الجنوبية حيث كان السكان الأصليون يمضغونها كما يُمضغ القات في اليمن. وحمل التجارُ أوراق الكوكا إلى الولايات المتحدة، حتى ذاع صيت تأثيرها المُدهِش على الحالة الذهنية للناس. كانت الورقة غنيّةً بمادّة الكوكايين بالطبع، وهي مادّةٌ مخدِّرةٌ كما قُدِّر لنا أن نعرف في مطلع القرن العشرين، (وقد قرَّرت كوكاكولا أن تُزيل الكوكايين من المشروب سنة 1903 بعد حملاتٍ شعبيةٍ ضدّه بعد اكتشاف تأثيره المخدّر). ومن الجنوب الإفريقيّ هذه المرّة كانت ثمار الكولا تأتي مع العبيد الأفارقة من موطنها الأصلي، حيث عُدَّ مضغها مصدراً للطاقة والنشاط، لاحتوائها على الكافيين (حسبما علمنا بعدئذ). 

بمزيجٍ من الكوكا التي ساعدته في تخفيف أوجاعه الجسدية، والكولا التي أعانته على امتلاك الطاقة لمواصلة يومه، صنع بِمبرتون وَصْفتَه بدون كحولٍ بالتزامن مع توغُّل جماعات الضغط من أجل حظر الكحول. بإضافة السكّر لتخفيف مرارتها، وُلِدَت وَصْفةُ المشروب الأسود. وحين أصبح حظرُ الكحول أجندةً على المستوى الفيدرالي بحلول القرن العشرين، دخلت على الخط بالطبع شركة كوكاكولا مستفيدةً من سُمعتها الجديدة بوصفها مشروباً مُلائماً دينيّاً، ومُستفيدةً في الجنوب الأمريكي تحديداً من ارتباطها بمقاومة السياسات التي فُرِضَت من الشمال الأمريكي المُنتصِر.

شهد المشروب الغازي مقاومةً ضروساً داخل الولايات المتحدة نفسها، لكنه بحلول الثلاثينيات أصبح يُباع في كل ركنٍ من الولايات الأمريكية. ومثلما كانت مسيرة بِمبرتون نحو الكوكاكولا متداخلةً مع الحرب الأهلية وما ألمَّ به بسببها، كانت رحلة كوكاكولا من كونها مشروباً أميركياً إلى تبوُّئها مكانة المشروب العالمي، متداخلةً مع أكبر تعبئةٍ عسكريةٍ شهدتها الولايات المتحدة في تاريخها.


قبل بداية الحرب العالمية الأولى، لم تكُن كوكاكولا تُباع سوى في الولايات المتحدة وكندا وكوبا وبورتوريكو. بعد نهاية الحرب، ووصول وودروف إلى رئاسة الشركة، بدأت الانطلاقة العالمية الحقيقية، ودخل المشروب الغازي إلى الصين وعددٍ من بلدان أوروبا. كان وودروف يتحرَّك مصلحياً ومواكِباً لصعود الولايات المتحدة الاقتصادي والسياسي، وعمَّق صِلاته بالبيت الأبيض والرؤساء الذين تعاقبوا عليه، وطوَّر علاقاتٍ وطيدةً مع المسؤولين وأصحاب المصالح التجارية في البلدان الأوروبية والآسيوية. لقد أيقن الرجل أنه ما من بُقعةٍ على وجه الأرض يمكن أن تكون بمنأىً عن كوكاكولا، وقد أتته الفرصة ليُترجم ذلك اليقين إلى واقعٍ حين اندلعت الحرب العالمية الثانية. 

عندما قرَّر الرئيس روزفلت دخول الحرب يوم 8 ديسمبر 1941، أعلن وودروف بعد أربعة أيّامٍ أنّ "أيّ أمريكيّ يرتدي الزيّ العسكريّ يستطيع الحصول على زجاجة كوكاكولا نظير خمسة سنتات، أيًّا كان موقعه، وأيًّا كانت الكُلفة على الشركة". لقد كان ذلك موقفاً وطنياً استثنائياً، بنظر الكثير من الأميركيين، لكنه لم يخلُ من فوائد كُبرى ستجنيها الشركة طيلة عقود. أوّلها، أن ملايين الجنود سيعودون إلى وطنهم بعد نهاية الحرب وهم يُفضِّلون كوكاكولا ومذاقها وعلامتها التجارية، التي صاحبتهم في أحلك اللحظات، وستكون تلك أنجح إستراتيجية للشركة في تاريخها للتربُّع على قمة السوق الأمريكي لجيلٍ كامل. وثانيها، أن الشركة بسبب دورها في إمداد الجنود حول العالم بالمشروب الغازي، ستحصل على مميزاتٍ بوصفها جزءاً من التعبئة الأمريكية، وسيساعدها ذلك في بناء 64 مصنعاً في شتّى أنحاء العالم خلال أربع سنواتٍ فقط، مُمهِّدةً الطريق إلى تحويل كوكاكولا إلى مشروبٍ عالميٍّ بلا مُنازِع. 

حملت نيران الحرب مذاق المشروب الأسود إلى القارّات كافّةً، وتوسَّع سوقها في مصر بالتحديد أكثر من دولٍ عديدة، ووقع أهلها في غرام الانتعاشة الباردة التي قدَّمها لشاربيه. كيف لا وقد كان لمصر نصيب العُشر تقريباً من توسُّع الشركة أثناء الحرب (ستّة مصانع من أصل 64). في غضون سنواتٍ قلائل، انتشرت كوكاكولا في معظم ربوع مصر بعد تأسيس أوّل مصانعها هناك سنة 1942، وشقَّت طريقها بعيداً عن القاهرة والمدن الساحلية حيث تواجدت قوات الحلفاء. ففي سنة 1950، حين زار مصرَ عالمُ المصريات الأمريكي الألماني برنارد بوثمر، أحدُ أمناء قسم الفنون القديمة بمتحف بروكلين آنذاك، كتب في مذكّراته ذاكراً المشروبَ غيرَ ما مرّةٍ، بما في ذلك في فندقٍ بمركز أبو قرقاص ولوكانده في ملَّوي بمحافظة المنيا، وكافيتريا في طِما بمحافظة سوهاج، أثناء جولاته بحثاً عن الآثار الفرعونية ودراستها في صعيد مصر. 

مصري يستخدم مظلة كوكاكولا لحماية نفسه من أشعة الشمس في القاهرة 1999

دخلت الكوكاكولا تُزاحِم بلا هوادةٍ، في عقر دار المشروبات الكحولية، الحانات والملاهي، حتى وقع الملك فاروق في غرامها، وحاز علاقةً جيدةً بكبار مسؤولي الشركة العالمية، ومنهم ألِكسندر ماكينسكي، نائب رئيس شركة كوكاكولا السابق. كان لحزب الوفد حضوره أيضاً، حيث تواجد فؤاد سراج الدين، أحد أقطاب الحزب ووزير الداخلية الأسبق، في مجلس إدارة الشركة حينذاك. أمّا ترخيص الترويج لعلامة كوكاكولا فكان من نصيب لادي باثي، ابن القنصل المجري في الإسكندرية، الذي انخرط في قطاعاتٍ متعددةٍ مثل الشحن والتأمين وخطوط الترام والسيارات، لكن رحلته لم تدُم طويلاً بعد ثورة يوليو، إذ هاجر إلى كندا. وكذلك لم تدُم رحلة شريكه، إذ كانت عائلة علي أمين يحيى شريكةً لعائلة باثي في مصانع الكوكاكولا، وواصلت العمل بعد 23 يوليو قبل أن تضع الدولة يدها على تجارتها فيما بعد.

في أثناء مؤتمر سان فرانسيسكو سنة 1945، الذي تمخَّض عنه تأسيس الأمم المتحدة، وحضره جيمس فارلي، وطَّد الرجل علاقاته مع كبار المسؤولين المصريين، الذين اتصل بعضهم بأصحاب المصالح الاقتصادية في مصر، وحاول أن يُمرر من طريقهم فكرة أهمية كوكاكولا لاقتصاد بلادهم، وما يُمكن أن تُسهِم به في التنمية وتحسين مستويات المعيشة. كان فارلي يُكِنّ كراهيةً شديدةً للاتحاد السوفيتي، حتى قال مرّةً إن على شركته محاربة الممارسات الخبيثة للشمولية الشيوعية بنفسها. وقد أخذ على عاتقه خوض الحرب بنشر كوكاكولا في كلّ أنحاء العالم، والتأكيد على أن شبكة المستفيدين منها –على عكس ما يقول نُقَّاد الشركة– تشمل المئات من السكان المحليين في بلدان العالم النامي مثل مسؤولي التعبئة والتوزيع، بل وحتى عُمَّال الشركة الذين يتمتعون بمستوىً معيشيٍّ جيّد. 

عزفًا على النغمة نفسها، نشرت مجلة "تايم" موضوعاً في عدد 15 مايو 1950 بعنوان "كوكاكولا التي لا تغيب عنها الشمس"، مستخدمةً الاسمَ الذي عُرفَ به المشروب في الشارع المصري، وقالت إن بائعي المشروبات الذين بدؤوا بيعَ زجاجات الكولا في القاهرة تحسَّن مستواهم المعيشيّ حتى باتوا يرتدون الأحذية أوّل مرّة. ومع أن مشكلة الحُفاة كانت شائعةً بالفعل في الأربعينيات في مصر، فإن رواية المجلة التي لم نجدها في أيّ مصدرٍ آخَر لعلّها تحمل من الدعاية للشركة أكثر مما تحمل من الحقيقة.

لم تفقد كوكاكولا بريقها مع التحوُّل الجمهوري في مصر، على الأقل في العقد الأول، وواكبت المزاج العامّ بإعلاناتٍ تُظهر ضبّاط الجيش وهم يشربون الكولا، وأخرى تتفاخر بخطوط الإنتاج وتوظيف آلاف العُمَّال المصريين. وقيل إن الرئيس المصري جمال عبد الناصر أقبل عليها هو الآخَر. بيد أن قصة الوقوع في غرام المشروب الغازي، الذي غزا مزاج الجميع في مصر من الملك إلى الضباط، ومن العامّة في المقاهي إلى مُرتادي الملاهي الليلية؛ لم تدُم طويلاً.


في سنة 1966، أتت أنباء غير سارةٍ إلى ألِكسندر ماكينسكي، نائب رئيس شركة كوكاكولا للتصدير حينها. لقد بدأ يلوح في الأفق تهديد بخروج كوكاكولا من الأسواق العربية، بسبب عزم الشركة فتح مصنع للمشروب الغازي في تل أبيب. كانت الجامعة العربية قد أسَّست مكتباً للمقاطعة في مطلع الخمسينيات لرصد الشركات التي تساهم في النمو الاقتصادي الإسرائيلي، بحيث تُمنع من مزاولة أيّ نشاطٍ في الدول العربية (التي تُركَ لكل منها تنفيذ القرار منفردةً، والتزم معظمها عادةً). بدا وكأنه صداعٌ جديدٌ يطارد ماكينسكي الخارج منذ عقدٍ من معركة مع الشيوعيين في فرنسا سنة 1950 حين اتَّهموا الشركة بمحاولة استعمار البلاد والإضرار بتُجار النبيذ. بل وكادت تنجح مساعيهم في حظر الكولا لَوْلا تدخُّل البيت الأبيض وتهديداته المُبطَّنة بتقليص المعونة المُقدمَّة ضمن خطة مارشال، التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية، بعد الحرب العالمية الثانية، لمساعدة الدول الحليفة في إعادة بناء اقتصادها مثل اليابان وألمانيا وفرنسا.

مثله مثل كوكاكولا بعد خروجها من أتلانتا، لم ينتمِ ماكينسكي حقاً إلى أي مكانٍ بعد أن خرج من مسقط رأسه. فمنذ مولده في إيران لأسرةٍ أرستقراطيةٍ كانت تحكم مقاطعةً في أقصى الشمال، لفَّ الشابّ مُدن أوروبا بحثاً عن رفقة الطبقات العُليا، وعُرف بمهارته في تشكيل العلاقات مع المؤسسات الكبرى والأجهزة الاستخباراتية الغربية، حتى رسم لنفسه سيرةً ليبراليةً نموذجية. فقد فرَّ من موسكو إبَّان الثورة البلشفية، وعمل بعدئذٍ لصالح الاستخبارات الأمريكية عن طريق مؤسسة روكفيلر في باريس، وساعد في تهريب اليهود من المعسكرات النازية أثناء الحرب العالمية الثانية، مُستخدماً صلاته القوية برجال الدبلوماسية والتجارة في القارة، ثم استجلبه وودروف سنة 1946 كي يُشرف على علاقات كوكاكولا في أوروبا، وهو منصبٌ بدا مناسباً لرجلٍ كان له ثأرٌ شخصيٌّ مع الشيوعية، فقد كانت كلّ الجهود، بما فيها العلامات التجارية وانتشارها، توجّه للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي.

حين توجَّه ماكينسكي إلى المنطقة العربية كي يبحث عن حلٍّ لأزمة كوكاكولا أخرج من جعبته علاقاته بالنُخَب الأوروبية، تلك العصا السحرية التي كثيراً ما نال بها مرادَه فقرَّر أن يستنجد بصديقٍ قديمٍ هو السفير الإسباني في القاهرة حينها "أنخِل ساغاز"، الذي توسَّط في السابق لصالح شركة كوكاكولا مع نظام فرانكو الحاكم في إسبانيا، وأشرف بنفسه على المصالح الأمريكية في القاهرة بعد قطع علاقات البلدين في أعقاب هزيمة يونيو 1967. وكانت إسبانيا على علاقةٍ طيبةٍ بالنظام الناصري نتيجة رفضها الاعتراف بإسرائيل، على عكس عواصم غربيةٍ عديدةٍ فترت علاقتها بالقاهرة. بيد أن العالم العربي أثبت أنه أكثر تعقيداً ممّا تصوَّر ماكينسكي.

في العاصمة السورية دمشق، كان الدبلوماسي المصري محمد محمود محجوب يُباشر عمله على رأس مكتب المقاطعة، حيث عُيِّن مفوضاً عاماً للمكتب سنة 1963. بدأ محجوب حربه على الاقتصاد الإسرائيلي بِبنك تشَيس مانهاتن المعروف، الذي اضطلع بدورٍ كبيرٍ في الدعم الماليّ لإسرائيل، حيث اعتمدت عليه النشاطات المالية لمنظمة "إسرائيل بوندز" ورئيسها رجل الأعمال الأمريكي والصهيوني أبراهام فاينبِرغ، الذي عُرف بنشاطاته مع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. سرعان ما التفت محجوب إلى كوكاكولا حين أعلنت سنة 1966 نيّتها دخول السوق الإسرائيلي عن طريق منح رخصتها إلى فاينبِرغ نفسه. كان نشاط محجوب قد لفت أنظار رجال اللوبي الصهيوني حينئذٍ، ومن ثمَّ قرَّروا في منتصف الستينيات أن يُصعِّدوا حربهم على الشركات التي تمتثل للمقاطعة، وتعزف عن الاستثمار في إسرائيل لحماية تجارتها مع العالم العربي. 

في مؤتمرٍ صحافيٍ في أبريل 1966، قال رجل الأعمال الإسرائيلي موشيه بورنشتاين إن كوكاكولا لا تريد أن تفتح فرعاً في إسرائيل مخافة خسارة الأرباح في السوق العربي. في الشهر نفسه، نشرت رابطة "بناي بريث" اليهودية بياناً تناقلته كبريات الصحف الأمريكية، ووضعت كوكاكولا في قفص الاتهام، مُطالبةً إياها بتقديم تفسيرٍ لعزوفها عن الاستثمار في إسرائيل. ردَّت كوكاكولا قائلةً إن إسرائيل صغيرة الحجم، وإن الطلب فيها على المشروبات الغازية محدودٌ ولا يُشجِّع على دخولها. ولكن تلك الحُجّة لم تنطلِ على أحدٍ، خاصّةً وأنه على مسافةٍ ليست ببعيدةٍ، كانت كوكاكولا موجودةً في قبرص صاحبة التعداد السكاني الأصغر. سرعان ما أطلق مؤيدو إسرائيل العنان لحملة مقاطعةٍ ضدّ كوكاكولا في المؤسسات اليهودية الأمريكية، فأدركت الشركة أن الثمن الذي ستدفعه من نصيبها في السوق الأمريكي قاسٍ جدّاً بشكل ٍلا تعوِّضه الأسواق العربية، ولذا أعلنت في الأخير أنها تنوي فتح مصنعٍ في تل أبيب، وأنها ستمنح رخصة كوكاكولا هناك إلى فاينبِرغ.

أتى الردّ من الجامعة العربية سريعاً، بإخطار الشركة أنها قيد النظر لوضعها على قائمة المقاطعة. ومن فوره، تحرَّك ماكينسكي وتحرَّك معه بنيامين أوهلِرت أحد كبار التنفيذيين بالشركة آنذاك، إذ تواصل الأخير مع الدكتور مصطفى كامل، السفير المصري في واشنطن حينها، وقدَّم التماساً شخصيّاً من الرئيس ليندون جونسون كي لا تُدرَج كوكاكولا على قائمة المقاطعة. قال كامل حينها إنه يَسْعَد بأن يساهم في توثيق التعاون بين البلدين، لكنه لا يملك أيّ تأثيرٍ في مسألة المقاطعة، وإن نصيحته هي أن تمضي الشركة في استثمارها الجديد بأبطأ ما يُمكن كي تكسب بعضاً من الوقت في العالم العربي. في غضون ذلك، كانت الدول العربية تتأهَّب لاجتماع مكتب المقاطعة، المُزمَع عقده في الكويت يوم 15 نوفمبر 1966، وكان الوفد المصري قد أعدَّ حُججه بالفعل ضدّ إدراج كوكاكولا على القائمة، نظراً لإسهامها الاقتصادي في السوق العربي، لكن الرياح أتت بما لم تشتهِ السفن. 

قبل الاجتماع بيومين وفي يوم 13 نوفمبر شنَّ الجيش الإسرائيلي هجوماً عنيفاً على قرية السَمُوع الفلسطينية بعد أن تجاوز الحدود إلى داخل الضفة الغربية فأوقع 16 شهيداً وأصاب أكثر من خمسين شخصاً، في هجومٍ كان الأكبر من نوعه منذ سنة 1956. العدوان الإسرائيلي منح محمد محجوب الزخمَ الضروريّ لوقف الحملة المؤيدة للإبقاء على كوكاكولا في السوق العربي، ومن ثمَّ صدر القرار النهائي بعد يوميْن بإدراج كوكاكولا على قائمة المقاطعة. 

غير أن القرار العربي لم يُنفَّذ مباشرةً، بل دخل متاهاتٍ ومماطلاتٍ مع ممثلي كوكاكولا أظهرت فيها بعض الحكومات محاولةً للاحتواء واستثناء كوكاكولا من القائمة في الاجتماع التالي مثلما حدث مع بنك تشيس مانهاتن الذي خرج من القائمة بعد ستة أشهرٍ بسبب اعتماد السعودية عليه في عوائد النفط، ودَيْنٍ مصريٍ من البنك قدره عشرة ملايين دولار. في المقابل، تشبَّثت الشعوب بموقفها وبدأت مبيعات كوكاكولا تنخفض بالفعل، كما تمسَّكت دولٌ عربيةٌ بالمقاطعة مثل سوريا ولبنان والكويت، فلم يجد النظام المصري بُدًّا سوى الالتزام بها. في خضمّ تلك المحاولات التي امتدّت أكثر من عامٍ، وشهدت محطّاتٍ محوريةً في التاريخ العسكري والسياسي للنظام الناصري والمنطقة العربية، كانت واحدةٌ من أبرز محطات كوكاكولا ترتبط برئيس تحرير جريدة الأهرام محمد حسنين هيكل.

حين سَرَت الأنباء بأن شركة كوكاكولا قيد الإدراج على قائمة المقاطعة العربية، انقلب مقرُّ الشركة في مدينة أتلانتا الأمريكية رأساً على عقب. ولكن على عكس ماكينسكي وأوهلِرت، اللذَيْن لجآ إلى الدبلوماسية الأوروبية والأمريكية، كان فِرنون هوبرز، أحد كبار مسؤولي الشركة، يعلم جيداً أن هيكل أيسرُ وأقصرُ سبيلٍ للتأثير في مصر، ولذا قرر أن يحاول التواصل معه لعله يساعد في إنقاذ استثمارات الشركة وشركائها في مصر والعالم العربي. لدهشة رؤسائه في أتلانتا، نجح الرجل في الحصول على دعم هيكل، حيث وافق الأخير على نشر مقالاتٍ عن الشركة ومقابلاتٍ مع تجار كوكاكولا والعاملين في مصنعها بالقاهرة، مع التركيز على أهمية الحفاظ على وجودها من أجل السياحة في مصر.

"كان ذلك انقلابًا"، كما يصفه موريس لابيل، أستاذ التاريخ المساعد بجامعة ساسكاتشوان الكندية، في ورقةٍ بحثيةٍ كتبها بعد الاطلاع على أرشيف الشركة في أتلانتا ومراسلات هوبرز مع أوستِن نائب رئيس كوكاكولا. في خضمّ حملته للعلاقات العامّة، نجح هوبرز أيضاً في الحصول على دعم مدير بنك مصر أحمد فؤاد، إذ قال الأخير إنه سيطرح مقترحاً لبناء مصنعٍ يُنتج الشراب المُركَّز المستخدم في المشروب، عوضاً عن استيراده من الخارج، لعله بذلك يساهم في تخفيف أزمة العملة الصعبة الضاغطة على النظام المصري حينئذ. 

حين صدر قرار إدراج كوكاكولا على قائمة المقاطعة، لم تجد مصر بُداً من مسايرة الإجماع العربي، ومن ثمَّ صدر قرار وقف إنتاج كوكاكولا في مصر رسمياً في أبريل 1967، ومع أن كوكاكولا مُنِحَت بعضَ الوقت حتى نفاد كمية المشروب المُركَّز لديها، وأبدى بعض مسؤوليها تفاؤلًا بالرجوع عن القرار، فإنها طُرِدَت في صيف سنة 1968 بعد أن بدأ أوّل إنتاجها يظهر إلى النور في إسرائيل. بقيت الشركة خارج السوق المصري طيلة أحد عشر عاماً، حتى بدأت معركة العودة، بعد انتصار حرب أكتوبر 1973 مباشرة. 


في وادي المُلَّاك، على الحدود بين محافظتيْ الإسماعيلية والشرقية، وفي موقعٍ متاخمٍ لبلدة التلّ الكبير التي دخل منها البريطانيون إلى مصر بعد هزيمة الثورة العُرابية سنة 1882، وصل أوّل وفدٍ فنّيٍ أمريكيٍ من مهندسي شركة كوكاكولا لدراسة أنظمة الري والتربة سنة 1974. بطلبٍ مصريٍ، كان الهدف دراسة الموقع المناسب لاستصلاح الأراضي، وكانت كوكاكولا صاحبة خبرةٍ كبيرةٍ في هذا المضمار. فمنذ توسَّعت الشركة في إنتاج العصائر، باتت تمتلك خبرةً في زراعة الفاكهة الحمضية مثل البرتقال والليمون، ونجحت في استصلاح أراضٍ داخل الولايات المتحدة وخارجها لهذا الغرض.

من مدخل الاستثمار المفيد محليّاً بالتوازي مع مفاوضات عودة المشروب الغازي، عكف سام أيوب على إبرام صفقةٍ مُرضيةٍ للاقتصاد المصريّ كي يُدلّل على حُسن نوايا الشركة، وعلى مدار ثلاث سنواتٍ حاول الرجلُ مناورةَ قائمةِ المقاطعة التي لم تزل ساريةً، تارةً بحثِّ مصر على تجاهلها، وتارةً أُخرى بمحاولة إقناع محمد محجوب بأن يرفع كوكاكولا من القائمة. ولكن الاصطفاف الشعبي العربي مع فكرة المقاطعة والتزام معظم الدول العربية بقائمة مكتب دمشق ظل يُشكِّل ضغطاً كبيراً على القاهرة، حتى أن وزير الخارجية المصري إسماعيل فهمي وبَّخ كيسنجر على سماحه لأيوب، وهو المسؤول بالشركة، أن يزور مصر علناً سنة 1975. 

توصَّل أيوب وفهمي سنة 1977 إلى اتفاق استصلاح 15 ألف فدّانٍ لزارعة البرتقال والليمون في غرب الإسماعيلية، ومساعدة مصر في تصديرها، مع تأسيس شركةٍ محليةٍ تمتلك كوكاكولا نصفها ويمتلك النصفَ الآخَر عددٌ من الشركات الحكومية، على أن تبدأ كوكاكولا ضخَّ خمسة ملايين دولار تصل إلى خمسين مليون بحلول سنة 1990. ومن ثمَّ تأسست شركة رمسيس الزراعية، وبدأت خطوات تنفيذ المشروع في منطقةٍ تُعرف اليوم بِاسم الصالحية الجديدة.  

بعد شهريْن من الاتفاق، أبدت كوكاكولا رغبتها في ترك بصمتها على الصحراء القاحلة أيضاً، وأن تكون حاضرةً في مستقبل البلاد وماضيها في آنٍ واحدٍ، فقد قرَّرت الشركة تمويل مشروعٍ للعناية بوادي الملوك في الأقصر يشرف عليه متحف بروكلين. وفي مؤتمرٍ صحافيٍ بمدينة نيويورك يوم 15 نوفمبر 1977، قبل أربعة أيامٍ فقط من زيارة السادات الشهيرة إلى القدس، جلس كُلٌّ من المسؤول الصحافي بالسفارة المصرية ومدير الشؤون التعليمية والثقافية بالمتحف إلى جانب سام أيوب، وأعلنوا خطة المشروع ونشاطاته على مدار عاميْن يُفتح بعدهما الباب لمؤسساتٍ أُخرى كي تُسهم في الدراسة والترميم. 

في الموقع نفسه الذي اكتُشِفَ فيه تابوت توت عنخ أمون قبلها بنصف قرنٍ، كان وادي الملوك يعاني من التهالك الشديد، إذ لم تكُن العناية بالآثار الفرعونية في نطاق اهتمامات الدولة حينها في ظلّ انشغالها الرئيسي بالحرب. قدَّم متحف بروكلين مُقترحاً، لنيل أحقية دراسة التوابيت وترميمها، ورحَّبت به الحكومتان المصرية والأمريكية، وأُطلِق عليه "البعثة الطيبية". وإلى جانب خمسةٍ من علماء المصريات أشرفوا على المشروع حينها، كان مستشار المشروع الرئيسي هو برنارد بوثمر، الباحث المذكور آنفاً، الذي زار مصر سنة 1950 وظلّ يتردَّد عليها حتى بات واحداً من أبرز علماء المصريات في زمنه. 

لم يكن الأمرُ محضَ هديةٍ من كوكاكولا، فقد أبلغ أوستِن السادات أنه ينتظر مقابل تلك اللفتة البسيطة لآثار مصر، التي كلَّفت شركتَه 400 ألف دولار: "إننا نقدم إليك هذا المشروع، بافتراض أن فخامتكم مستعدون لرفع اسم شركة كوكاكولا من قائمة المقاطعة". تعهَّدت كوكاكولا أيضاً ببناء مصنعٍ يُنتج المشروب المُركَّز محلياً كي لا تكون عودة المشروب الغازي على حساب العملة الصعبة. بدا كُلّ ذلك جاذباً بما يكفي كي تدور عجلات صفقةٍ كُبرى بين كوكاكولا ومصر، لكن كوكاكولا اكتشفت أن عليها مواجهة سطوة البيروقراطية في مصر. 

بينما جرى العمل على قدمٍ وساقٍ في أحد الأيام في أراضي شركة رمسيس، وعلى بُعد ثلاثين كيلومتراً تقريباً، حيث تقع قاعدة أبو صوير الجوّية، كان الجيش المصري يُجري تدريباتٍ عسكريةً في المنطقة. ويبدو أن خرائط الأراضي المُخصَّصة للتدريب لم تكن مماثلةً للخرائط الموجودة لدى وزارة الزراعة، فانهمرت قنابل من طائراتٍ عسكريةٍ مصريةٍ على جزءٍ من الأراضي المُخصَّصة لمشروع كوكاكولا أثناء التدريبات، دون أن تُلحق الأذى بأحدٍ لحُسن الحظّ. تدخَّل أيوب مباشرةً وقال إن ما جرى محض "سوء تفاهم بيروقراطي دونما سوء نية"، نافياً أن يكون الجيش قد اختار أن يُعرِب عن استيائه من وجود كوكاكولا بتلك القسوة.

بصبرٍ وتؤدةٍ، أشرفَ أيوب مُجدَّداً على مشاوراتٍ أفضت إلى تقليص المشروع إلى 12 ألف فدّان، تاركاً للجيش بعض الأراضي التي رسَّمها جزءاً من نطاق تدريباته. ولكن سرعان ما ظهر عائقٌ آخَرُ مرتبطٌ بوزارة الريّ، التي رفضت تخصيص كمّية المياه الضخمة المطلوبة من كوكاكولا لأجل المشروع، ولم تُخصِّص سوى نصفها. بعد بضع سنواتٍ، والتماسٍ من أوستِن إلى السادات لم يُجدِ نفعاً، انسحبت كوكاكولا تاركةً لشركة رمسيس إدارة الملفات العالقة مع البيروقراطية. في حوار مع كريستيان ساينس مونيتور سنة 1981، ألقى مسؤولٌ مصريٌ في هيئة الاستثمار باللائمة على كوكاكولا، نافياً رواية البيروقراطية المصرية التي تعوق الاستثمار، وقال إن المشكلة تكمُن في سلوك الشركات العالمية، التي تدخل السوق المصري بعقليةٍ غير قادرةٍ على التكيُّف مع الظروف المحلّية. حين عادت كوكاكولا إلى الهند في التسعينيات نشبت مشكلةٌ مشابهةٌ نتيجة إساءة استخدام المياه من الشركة أوردتها بالتفصيل أماندا سيافون في كتابها بعنوان "مواجهة الكولا". 

في نهاية المطاف، تحقّق ما عُنيَت به كوكاكولا في المقام الأول. فعلى تمسُّك مكتب دمشق بوجودها في قائمة المقاطعة، مضت مصر قُدُماً في مشاوراتها مع أوستِن وأيوب كي تعود زجاجات كوكاكولا من جديدٍ إلى البلاد، وعزَّز من ذلك بالطبع موجةُ الغضب العربية تجاه توقيع مصر اتفاق سلامٍ مع إسرائيل. نفضت مصرُ يدَها من التزاماتها العربية تدريجياً، ومن ثمَّ سقطت العراقيل السياسية التي ناورها أيوب طويلاً. ومرَّر الكونغرس الأمريكي سنة 1977 قانوناً يُغرِّم الشركات الأمريكية التي تتجاوب مع المقاطعة، ويُلزمها بإخطار الجهات الرسمية بأيّ طلبٍ من حكومةٍ عربيةٍ بشأن نشاطات الشركة في إسرائيل، ما عقَّد إجراءات المُقاطعة العربية المُتبَّعة على مدار رُبع قرنٍ، إذ بدأت تنكشف للسلطات الأمريكية نشاطات مكتب المقاطعة العربية في مُساءلة الشركات التي تستثمر في إسرائيل. أمّا محمد محجوب فقد انتهت حقبته على رأس مكتب المقاطعة في العام التالي وأخذ تأثير المكتب يتضاءل، حتى تفكَّكت منظومة المقاطعة فعلياً في التسعينيات.

في مصر، بدأ إخراج علامة "سي كولا" التجارية من السوق تدريجياً بدءاً من سنة 1979، والتي كانت قد حلَّت مكان كوكاكولا بديلاً محلياً على عجلةٍ، حتى أنها استخدمت ما بقي من زجاجات كوكاكولا لبعض الوقت، ما حدا بالأخيرة إلى إدخال تغييرٍ بسيطٍ على شكل الزجاجة عند عودتها. في غضون ذلك، كان على مصانع التعبئة المملوكة لشركة نصر الحكومية أن تحوِّل إنتاجها إلى تعبئة كوكاكولا وطرحها من جديد، فخرجت زجاجات كوكاكولا إلى النور أخيراً في صيف سنة 1979، وتُعلن صراحةً أن ما جرى في أروقة الجامعة العربية، وفي العاصمة الإيرانية أيضاً، لم يعُد يعنينا. 

محل بقالة في الدرب الأحمر، القاهرة ، 2006

حلَّقت مصر منفردةً نحو أذرع الولايات المتحدة بينما تدفَّقت الكوكاكولا، في مفارقةٍ رمزيةٍ ومُعبِّرة عن العالم الذي دشَّنته كامب ديفيد وصنعه الانفتاح الاقتصادي في مصر. كان سام أيوب هو نجم تلك الرحلة الطويلة والشاقة نحو فتح أوّل زجاجة كوكاكولا في مصر منذ طرد الشركة قبل عقدٍ ونيِّفٍ، لا سيَّما وقد خَبِر العراقيل البيروقراطية المصرية جيداً، على فشله في إزاحة بعضها، وكيف لا وهو الذي عمل فيها بنفسه سنواتٍ قبل ثورة يوليو وبعدها، حتى قرَّر مُكرَهاً أن يخرج من مصر في منتصف الخمسينيات.


عام  1958 في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يقف سمير أيوب الذي عُرف لاحقاً باسم سام أيوب، البالغ من العُمر أربعين عاماً حينئذٍ، على عتبات السفارة الأمريكية في انتظار نتيجة طلب الهجرة إلى الولايات المتحدة. في تلك اللحظة لا ينتمي الرجل رسمياً إلى أيّ بلدٍ، فقد سحبت منه الحكومة المصرية جنسيته الأمّ بعد خلافٍ مع الملحق العسكري بالسفارة المصرية في إثيوبيا، التي أتى إليها فاراً أصلاً من تدخُّلات الحكومة العسكرية الجديدة في عمله المصرفي بالقاهرة.

لقد عمل أيوب مُحاسِباً بمحافظة الإسكندرية في الأربعينيات، ثم سافر إلى إثيوبيا سنة 1945 كي يُصبح مديراً إقليميّاً لبنك إثيوبيا (الذي سُمي بنك إثيوبيا الوطني فيما بعد). وفي مطلع الخمسينيات، ساعد وفدَ إثيوبيا في مفاوضاته مع الأمم المتحدة لإنهاء الوجود البريطاني، وفي تأسيس فرع البنك المركزي بإريتريا (التي كانت جزءاً من إثيوبيا وقتها). لم يمكث أيوب سوى فترةٍ قصيرةٍ في القاهرة، عانى فيها مع النظام الجديد، ومن ثمَّ قرر السفر خارج البلاد، حيث طلبته إثيوبيا مرّةً أُخرى لتأسيس شركة الطيران الوطنية في إريتريا، فأصبح مديراً للشركة هناك.

غير أن أيوب لم يسلم من سطوة الحكومة المصرية، وتعرَّض لمضايقاتٍ لا نعلم تفاصيلها من المصادر الشحيحة عن الرجل، لكنها تبدو مثيرةً للاستغراب، إذ أن تلك الفترة شهدت الانتصار السياسي للنظام الناصري في حرب السويس، وذروة شعبيته في المنطقة، وبداية تأسيسه لشبكات نفوذه العربية والإفريقية، وقد أمكن لشخصٍ مثل أيوب بخبرته في إثيوبيا أن يلعب دوراً محورياً في هذا الجهد. ولكن في يومٍ وليلةٍ ونتيجة وقائع نجهلها، وجد أيوب نفسه حبيسَ البلد الإفريقي دون أن يستطيع العودة إلى وطنه أو الاتجاه إلى أيّ مكانٍ آخَر.

حين أتى الردُّ برفض طلب الهجرة بسبب امتلاء الفُرص المحجوزة للمهاجرين المصريين، وكان لكل بلدٍ نصيبٌ مُحدّدٌ أو "كوتا"، بدا أن العالم قد أغلق أبوابه في وجه سمير. عالقاً في أديس أبابا، أخذ أيوب يعيد الكرَّة، حتى جاءته هديةٌ من السماء. ثمَّة فرصةٌ للهجرة إن عدّته الولايات المتحدة مواطناً مجريّاً، لا لشيءٍ سوى أن نصيب طلبات الهجرة المجريَّة لم تمتلئ عن آخِرها بسبب إغلاق السفارة الأمريكية في المجر في أعقاب اجتياح السوفييت لها، فقررت واشنطن أن تُخصِّص الكوتا المجرية للاجئي الشرق الأوسط. لم يتردد سمير في قبول الفرصة، وحمله القدر من إثيوبيا إلى ولاية لويزيانا، قبل أن يكمل دراسته في جامعة هارفرد وهو في الأربعينيات من عمره. منذئذ، لم يتوقَّف سمير عن شكر البلاد التي فتحت له أذرعها بسلاسةٍ ومنحته حياةً جديدةً، وسرعان ما وجد نفسه في مدينة أتلانتا بعد قبوله عرضاً من شركة كوكاكولا مسؤولاً بالقسم المالي. 

استقر سام أيوب، كما بات يُعرف في وطنه الجديد، في أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا، في الوقت المناسب، إذ كانت كوكاكولا في طريقها لغزو العشرات من الأسواق الجديدة في الشرق والجنوب، ولَمَع نجم أيوب، الذي صار مفتاح عودة الشركة إلى العالم العربي، وعاد إلى التردُّد على وطنه من باب كبار الزوار وفي ضيافة الرئيس السادات شخصياً. في حوارٍ مع مجلة أتلانتا كونسيتيتيوشن سنة 1974، تحدث أيوب عن نفسه قائلاً: "لقد كنتُ متمرداً طيلة حياتي، في المدرسة الثانوية وفي جامعة الإسكندرية حين واجهنا الإنجليز، ومن بعدهم حين وجَّهنا نشاطاتنا ضد فساد الملك فاروق".

"كثيراً ما تشاجرت مع رؤسائي، وهو ما أخَّرني كثيراً في مسيرتي المهنية. لكنني لم أبالِ، وأحببتُ كوني نصيراً للضعفاء والفقراء في مواجهة الأقوياء"، هكذا تحدَّث أيوب بعد تقاعده، في حوارٍ مع الصحيفة ذاتها سنة 1986. على الأرجح أن تعريف أيوب لماهية الفقراء والأقوياء والتمرُّد كان مختلفاً جداً عن تعريف جمال عبد الناصر، الرئيس المصري الذي قلب حياة سمير رأساً على عقب، لا سيَّما وأنه كان وَفْديّاً خالصاً. وأردف: "بعد ثورة عام 1952، كان أملنا أن يُخلّصنا عبد الناصر والحكومة العسكرية من الفساد. نسي عبد الناصر الناسَ من أجل زعامته في العالم العربي. إن السادات يُنفِّذ ما سعينا لأجله طوال الوقت (يقصد حزب الوفد)".

في الثمانينيات وبعد تقاعده، استمر عمل أيوب، فأسّس مركز التجارة العالمي في أتلانتا سنة 1982، ثم ترأس شركة تشاينا تِك التي نشطت في الصين، وساعدت العشرات من الشركات الأمريكية على دخول السوق الصيني، وساهمت في نقل التقنية الأمريكية إلى الصين صاحبة الاقتصاد الصاعد حينها. أتى أيوب بخبرته في القطاع المصرفي وملفّ العملات الأجنبية ليساعد في تمويل الشركة، إذ كانت الصين وقتها تعاني شُحّاً في العملات الصعبة بشكلٍ يعوق قدرتها على تكبُّد كلفة التقنية الأمريكية.

لم يعُد الرجل مصرياً سابقاً، بل أمريكياً كاملاً وابناً للعالم الأمريكي الذي أخذ يمُدّ أذرعَه شرقاً وغرباً، ومصطفّاً بالكامل مع لغته وأهدافه. في تصريحٍ للصحيفة نفسها بتاريخ 24 أكتوبر 1978، يقول أيوب بأريحيةٍ إن منظمة التحرير الفلسطينية تقف "شوكةً في الحلق"، وأن الرئيس الأمريكي كارتر يجب أن يضغط على كلٍّ من المصريين والإسرائيليين حتى يتوصلوا إلى اتفاق سلامٍ يُخلِّص المنطقة من خطر النفوذ السوفيتي الذي يمكن أن يُهدّد تدفُّقات النفط إلى الولايات المتحدة. يحار المرءُ في تلك المسيرة الطويلة، وما إن كانت لتختلف وإلى أيّ حدٍّ لو أن البلاد لم تُغلق أبوابها في وجه ابنها السكندري.

وأمضى الرجل العجوز في أتلانتا ما تبقى من حياته في التسعينيات لأجل عددٍ من النشاطات التجارية المنصبَّة على الولاية الجنوبية. ووفقاً لنعيٍ نُشر له بالصحيفة المذكورة، التي لولاها ما عرفنا جُلَّ ما عرفناه عن سيرة الرجل، فإنّ آخِر بصماته كانت عبر شركةٍ امتلك ثُلث أسهُمِها، وساهمت في تأسيس معرضٍ لكرة القدم العالمية على مقربةٍ من ديزني لاند في باريس، استعداداً لاستضافة كأس العالم سنة 1998. ولكنّ أيوب، الأمريكي والمصري السابق، وافته المنيّةُ في صيف سنة 1997 قبل أن يَرى مشروعُه الأخير النور.

فارَقَ سمير الحياةَ في أقصى شمال ولاية جورجيا، مُستَجِماً في بيته الهادئ على ضفاف بحيرة بِرتون، بصُحبة زوجته المصرية، التي لحقت به بعد خمسة أعوامٍ، دون أن يكون لهما أيّ أبناء. جسّدت حياته الطويلة بجلاءٍ ما اعتقده قطاعٌ كبيرٌ من النخبة المتعلمة في مصر وعمل لأجله على مدار عقودٍ، والانسجام الذي عاشه مع العالم الأمريكي النيوليبرالي، وحاول باستمرارٍ أن يجد لنفسه مكاناً داخله، بعد أن عجز عن إدماج بلاده فيه.

بعد السابع من أكتوبر سنة 2023 وحرب غزة، نشطت حركة مقاطعة المنتجات المنخرطة في دعم إسرائيل وعلى رأسها كوكاكولا. فهل هذه نهاية كوكاكولا في العالم العربي؟ أم تستطيع الشركة إعادة تسويق نفسها عن طريق أيوبٍ جديد؟

اشترك في نشرتنا البريدية