هل ستُفرض الضرائب في الكويت قريباً بعد حلّ مجلس الأمّة؟

وقف مجلس الأمة في وجه قرارات فرض الضرائب على الكويتيين، ومع حل مجلس الأمة أصبح القرار بيد السلطة التنفيذية وحدها.

Share
هل ستُفرض الضرائب في الكويت قريباً بعد حلّ مجلس الأمّة؟
تصميم خاص لمجلة الفراتس

انتشرت بين الكويتيين أسئلة عن مستقبل مسألة تحصيل الحكومة الضرائب منهم. إذ طبَّقت بعضُ دول الخليج العربي ضريبة القيمة المضافة تباعاً، إلا أنَّ البرلمان الكويتي حال دون إقرار ذلك في الكويت حتى موعد حله مايو الماضي، وإيقاف مواد الدستور مدَّةً لا تزيد عن أربع سنوات، كما صرّحَ أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، وذلك لمراجعة جوانب المسيرة الديمقراطية. وأعادت صحيفة القبس الكويتية نهاية أغسطس الماضي الحديث عن المخاوف من فرض الضرائب، عندما نشرت أنَّ وزارة المالية، وفقاً لوثيقة حصلت عليها الصحيفة، طرحت مشروعاً جديداً لتوريد نظام إدارة الضرائب المتكامل للمنافسة بين شركات عالمية وتركيبه وتشغيله. 

يُعرف المجتمع الكويتي منذ الستينيات بأنه مجتمع الطبقة المتوسطة. فقد أدت برامج المساعدات الاجتماعية التي تقدمها الدولة إلى ردم الفجوة الطبقية بالمجتمع، إذ تراجعت معدلات التفاوت بالدخل بين الكويتيين منذ السبعينيات. أدّى مجلس الأمة الكويتي دوراً تاريخياً في تحسين المستويات المعيشية للكويتيين، وفي إجهاض محاولات الحكومة فرضَ الضرائب وأهمها ضريبة القيمة المضافة التي تجنبت الحكومة فرضها لسنوات خشية توتر علاقتها مع أعضاء البرلمان، لكن الحالة الكويتية اليوم تختلف عن الأمس بعد قرار تعليق البرلمان منذ مايو الماضي.

تزامن فرض الضرائب مع نشأة الكويت عندما كانت إمارة تنظمها سياسياً الأعرافُ العشائرية، وكان البحر موردها الاقتصادي مع تجارة اللؤلؤ. وتصاعدت أهمية الضرائب مع قدوم الشيخ مبارك للحكم فأصبحت أداة مالية تُلازم المجهود الحربي لتثبيت الثقل السياسي للإمارة في شبه الجزيرة العربية، غير آبهة بحركات الاحتجاج الاجتماعي المحدودة. حتى جاءت اللحظة الفاصلة عندما انتقل مورد الاقتصاد من البحر إلى الصحراء باكتشاف النفط الذي غيّر مفاهيم الحياة وأنماطها في الكويت، فنشأ كيان الدولة الذي ينظمه دستور يُشرك الشعب بإدارة الدولة ويهدف إلى إحلال الرخاء والعدالة بين الكويتيين. محا اقتران النفط بالدستور، الذي جعل نظام الدولة ديمقراطي والسيادة فيه للأمة، الأعباءَ الضريبية من على الكويتيين منذ ما يربو على ستين عاماً.


تعدُّ الكويت الآن "جنة ضريبية" للأغنياء والشركات. فلا ضرائب على الدخل أو ثروات الأفراد مهما بلغت قيمتها. أما الشركات المحلية فإنها تدفع ضرائب غير مباشرة وبنسب رمزية تبلغ 4.5 بالمئة من الأرباح توزع بوصفها مسهمة بدعم العمالة الوطنية ومؤسسة التقدم العلمي وبيت الزكاة. أما الضريبة المباشرة فتكون على الشركات الأجنبية التي تبلغ 15 بالمئة من الأرباح السنوية. ولا تمثل الضرائب سوى 1 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في الكويت و 2.7 بالمئة من الإيرادات الحكومية.

وهذا يجعل الدولة شديدة الاختلاف عن مجمل دول العالم في إدارتها سياستَها المالية من غير اعتماد على الضريبة.  فعادة ما تُناقِش أدبياتُ الاقتصاد الضريبةَ بوصفها وسيلةً من وسائل السياسة المالية للحكومة، إما لتحفيز النشاط الاقتصادي بخفضها، وإما لتمويل الإنفاق الحكومي برفعها. والدليل على ذلك ظهور أهمية الضرائب في ذروة جائحة كورونا لحظة الإغلاق العام، إذ لجأت حكومات عدة إلى خفض نسبة الضريبة المفروضة بغرض تنشيط الاقتصاد، وبعد تجاوز الجائحة انتهت الإعفاءات الضريبية، وزادت هذه الحكوماتُ الضرائبَ لتعويض ما مُنيت به من خسائر مالية في الجائحة.


لم تكن الكويت في تاريخها جنة ضريبية، إنما لها تاريخ طويل ومعقد مع الضرائب. فأول ضريبة دُوِّنت في تاريخ الكويت كانت الضريبة الجمركية، وفُرِضت قبل سنة 1790 على قيمة الواردات التجارية القادمة إلى الكويت بَرَّاً، إذ كانت تبلغ في بدايتها 1 بالمئة سنة 1790 حتى وصلت إلى 3 بالمئة سنة 1865. وفي تلك الحقبة استُحدثت رسوم جديدة، وفُرِضت على الدكاكين التجارية إذ يذهب إيرادها إلى حراس السوق. 

جاءت اللحظة الفاصلة في تاريخ الكويت الضريبي عند وصول الشيخ مبارك الصباح لحكم الإمارة عام 1896. إذ شهدت فترة حكمه توسعاً ضريبياً ملحوظاً رافقها تشكيل فرق منظمة من أهل الكويت لجباية الضرائب من البر والبحر. وكان هذا نتيجة لطموح الشيخ مبارك في توسعة الرقعة الجغرافية لهيمنته السياسية ودخوله في صراعات وتحالفات مع العديد من القوى الإقليمية.

أضاف هذا السعي إلى التوسع والجهود الحربية أعباءً جديدة على ميزانية الإمارة، ما حدا بالشيخ مبارك إلى اتخاذ سياسة مالية قاسية تعتمد على الضرائب. كانت بداية هذا التوسع الضريبي بعد توقيع معاهدة الحماية مع بريطانيا بإطلاق ضريبة 5 بالمئة على البضائع القادمة من الموانئ العثمانية وقد وصلت إلى 10 بالمئة لبعض السلع. 

توسع فرض الضرائب وتركّز على من هم داخل سور مدينة الكويت. وبُني هذا السور حول المدينة لحمايتها وأهلها من النزاعات خارجها. وأطلق على هذه الضرائب مسميات متنوعة، وشملت مختلف الأصناف التجارية بما فيها الشاي والقهوة. لكن أهم هذه الضرائب هي ضريبة الغوص على اللؤلؤ، أو "قلاطة الشيوخ" كما تُسمى قديماً، والتي كان مقدارها مرتبطاً بنصيب الغواص من عوائد محصول اللؤلؤ. ومواسم الغوص عصب رئيس في اقتصاد الكويت وأهلها، إذ كانت العمالة البحرية تمثل 30 بالمئة من إجمالي سكان الكويت. واستحدث مبارك الصباح في عهده ضريبة عقارية لم تكن معهودة بين العرب، وهي دفع ثلث قيمة كل منزل يُباع. كان وراء هذه الضريبة هدفين، الأول هو منع المضاربة والتربح بالقطاع العقاري في الكويت، إذ كانت الأراضي تمنح بالمجان لكل أسرة لبناء مسكنها، والثاني تعزيز المالية العامة للإمارة لسد النفقات العسكرية.

مولت هذه الضرائب أهم المعارك التي خاضها مبارك في عهده. شملت هذه المعارك معركة الصريف في 1901 ضد عبدالعزيز آل رشيد حاكم حائل، و معركة جو لبن في 1903 بالتعاون مع عبدالعزيز آل سعود ضد سلطان الدويش. ومعركة هَدِيّة في 1910 ضد سعدون باشا المنتفق التي خسرها مبارك. وحتى يثأر لخسارته أعلن التعبئة العامة في الكويت باستنزاف الموارد المحلية مثل السلاح والإبل والملابس للتجهيز العسكري مما سبب غلاءً بالأسواق المحلية. واتّخذ قراراً صعباً بمنع خروج الكويتيين بموسم الغوص من أجل حشد أكبر عدد ممكن من العناصر البشرية للقتال بمعركة الثأر. ضاق التجار ذرعاً من الأعباء الضريبية المتزايدة من الحاكم، و تحديداً تجار اللؤلؤ الذي شكل قرار منع الخروج لموسم الغوص تهديداً حتمياً لتجارتهم وأرزاق الغواصين. نتج عن ذلك أن هاجر ثلاثة من كبار تجار اللؤلؤ إلى خارج الكويت، مما يعرف في "هجرة الطواويش"، بعدما فشلت مساعيهم إلى ثني مبارك عن قراره.

دفعت هذه الخطوة الشيخ مبارك لإلغاء خطة الثأر العسكرية والسفر إلى مقر التجار الجديد واسترضائهم ووعدهم باستئناف موسم الغوص. نتج عن ذلك ما عرف بسنة الطفحة، الموافقة لسنة 1912، والتي مثلت أشهر موسم لحصاد اللؤلؤ، إذ سجلت فيها إيرادات ضريبة الغوص إلى خزينة الإمارة رقماً قياسياً وصل إلى أكثر من مئتين وعشرينَ ألف روبية، أي ما يعادل 70 ألف و830 دولاراً ذلك الوقت، ويعادل اليوم نحو مليونين وربع المليون دولار.

استمر الهيكل الضريبي الذي أنشأه مبارك بعد وفاته وفي عهد ابنيه جابر ثم سالم ولم يطرأ عليه إلا تعديلات طفيفة. فبعد تولي جابر مقاليد الحكم ألغى الضريبة العقارية مع الإبقاء على الضرائب الأخرى. وبعد وفاته تولى أخوه سالم الحكم فلم يغير شيئاً بالهيكل الضريبي، لكن في عهده خاضت الكويت معركة مهمة هي الجهراء في سنة 1920 ضد جماعة إخوان من أطاع الله، وهم مجموعة قبلية عسكرية تبنت أفكار دعوة محمد بن عبدالوهاب السلفية ونتجت عن توطين قبائل نجد ووهبنتها على يد الملك عبدالعزيز آل سعود في أثناء حروب تأسيسه المملكةَ العربية السعودية. جددت عودة التحديات العسكرية للكويت مخاوف التجار من المغامرات الحربية التي قد يصاحبها زيادة بالضرائب لتلبية النفقات العامة، فطالبوا الشيخ أحمد الجابر، الحاكم الجديد في الكويت سنة 1921، أن ينشئ مجلساً للشورى يجمع تجار الكويت وأعيانها للتشاور في الشؤون الداخلية والخارجية مع الحاكم. وكان لهم ما أرادوا لكن حُلَّ المجلسُ بعد شهرين من تأسيسه بسبب عدم التجانس وكثرة الخلافات بين أعضائه. 


لم تعد مسألة الضرائب ابتداءً من الثلاثينيات مرتبطةً بالحروب والمعارك، إنما بمسائل التمثيل النيابي والثروة النفطية. فعقب تأسيس بلدية الكويت سنةَ 1930 فُرِضتْ ضريبة على المحال التجارية والحِرفيّة، تذهبُ إيراداتُها لتنظيف السوق وتجميله. مما دفع مجموعة من أعيان الكويت إلى أن تدعو إلى انتخابات لتشكيل المجلس البلدي، وفي سنة 1932 كان لهم ما أرادوا فأُجريتْ أول انتخابات بتاريخ الكويت لتشكيل مجلس شعبي يُنظِّمُ عمل البلدية ويُشرف على جبايتها.

تزامنت موجة الوعي السياسي بانتشار الأندية الثقافية آخرَ الثلاثينيات مع اكتشاف آبار النفط. فطالبت طبقتا التجار والمثقفين بالتوسع في التمثيل الشعبي بانتخاب مجلس نيابي يشارك الحاكم بإدارة شؤون الإمارة، لا سيما الأمور المالية، قبل تدفق الإيرادات النقدية للثروة النفطية. أسهمت ولادة المجلس التشريعي سنةَ 1938 بإراحة كاهل التجار وعموم الناس من أعباء الضرائب، فقد أدت نقاشات المجلس وقراراته إلى إلغاء ضريبة الغوص وإلغاء عددٍ من الضرائب الجمركية وتشكيل دائرة حكومية خاصة لجباية الضرائب، في تطور لافت للإدارة المالية والمحاسبية للإمارة التي كانت تعتمد ميزانيتها بنسبة 97 بالمئة على الضرائب. 

ومع أن هذه التجربة النيابية أُجهضت في أقل من سنة، إلا أن وضع الضرائب بقي على ما هو عليه حتى منتصف الخمسينيات. حينها أدت التدفقات المالية إلى ميزانية الكويت بتصدير النفط بعد الحرب العالمية الثانية واستبدال سفن الغوص الشراعية بناقلات النفط إلى أن تقرر الإمارة إلغاء كل الضرائب المفروضة على سكان الكويت وتجارها، واقتصار الضريبة على أرباح الشركات الأجنبية بنسبة 55 بالمئة، وخصوصاً شركات النفط. في هذه الفترة انتقل الاقتصاد الكويتي إلى اقتصاد ريعي يعتمد على موارد الدولة الطبيعية، فأصبحت الدولة هي المزود الرئيس لاحتياجات المواطنين، وصار الفرد يعتمد عليها لتلبية طلباته بالمجان من التعليم والتوظيف مروراً بتوفير المسكن والإعالة المادية عند الزواج أو الإعاقة الصحية.

قيد الشعب قدرة السلطة الحاكمة على فرض الضريبة عندما أرسى دعائم صارمة بهذا الشأن دونت في الدستور الذي أصدره المجلس التأسيسي سنةَ 1962. فقد أشارت ديباجة الدستور التي خطها الأمير عبدالله السالم بأن غاية الدستور الحفاظ على العدالة الاجتماعية، و هذا ما عبرت عنه صراحة المادة 24 التي تنص على أن "العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والتكاليف العامة"، والمادة 48 "ينظم القانون إعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب بما يكفل عدم المساس بالحد الأدنى اللازم للمعيشة". أما سلطة فرض الضرائب وآليتها فقد وضعها المشرع الدستوري بيد مجلس الأمة مثلما أشارت المادة 134 من الدستور بأن إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاؤها لا يكون إلا بقانون، والقوانين لا تصدر إلا إذا أقرها مجلس الامة، كما نصت المادة 79. 

كان المشرع الدستوري حريصاً على تقنين الضرائب مع كبح جماح السلطة لفرضها. وذلك لسببين، أولهما خلق واقع اجتماعي جديد تسود فيه العدالة والرخاء المادي بين الكويتيين. أما الثاني فدعم السيادة الشعبية برسم سياسات الدولة. يتجلى هذا بوضوح في محاضر اجتماعات لجنة الدستور في 1962، إذ كان من المقرر أن يحتوي الدستور على مادة تنص على ما يلي: "تحدد بالنقد الضرائب والرسوم والتكاليف المالية، ولا يجوز فرض أي منها إلا في الأحوال الاستثنائية يبينها القانون"، لكنها حُذفت من مسودة الدستور بالإجماع، خشية المشرع الدستوري من ضغط الحكومة بالمستقبل لفرض الضرائب العينية، وهي ضرائب محرمة دستورياً كما جاء ذكرها بمحاضر الدستور لأنها تفرق بين الأفراد وتخل بالعدالة بينهم. وتكرر التصاق العدالة مع الضريبة عند نقاش المادة 134 قبل اعتمادها، إذ ذكر خبير الدستور عثمان خليل أن الضريبة يجب أن تكون نسبية حسب ثروة الشخص ويُسر حالته. 

أزاح نزع صلاحية فرض الضرائب من السلطة وتسليمها إلى الشعب ما بعد الستينيات  الأعباء المالية عن الأجيال الجديدة من الكويتيين. فمع الدعم المالي والعيني الذي ساعد وفورات الميزانية في طفرتها، تخلص الفرد الكويتي من الواجبات المالية، وأصبح ذا حقٍّ على الدولة لتحقيق أعلى المستويات الممكنة من الرفاهية والرخاء تطبيقاً لما أشار إليه الدستور. أما الحكومة التي كبل الدستور يديها في إطلاق الضرائب، فلم يكن لديها إلا سبيلان لتعزيز المالية عند تعرضها لعجز. الطريقة الأولى هي الالتفاف القانوني على الدستور بفرض ضرائب غير مباشرة عن طريق زيادة رسوم الخدمات التي تقدمها للمواطنين أو التحرير الجزئي لأسعار بعض السلع من الدعوم، لأن تنظيم رسوم الخدمات العامة يكون بقرارات وزارية وليست قوانين من مجلس الأمة، مثلما حدث صيف 2016 عندما رفعت الحكومة أسعار الوقود أكثرَ من 60 بالمئة. الطريقة الثانية هي بالاختبار الإعلامي، أي بالتلميح بضرورة فرض الضرائب المباشرة على الناس. 


أولى المساعي الحكومية الصريحة لفرض الضريبة كانت منتصفَ الثمانينيات فترةَ هبوط أسعار النفط وتداعيات أزمة سوق المناخ التي كلفت خزينة الدولة المليارات. جاء ذلك السعي على شكل تصريح صحفي من وزير المالية آنذاك، لكنه قوبل برفض شعبي عارم. ومن ذلك الوقت غابت الضريبة من خطط الحكومة التي لجأت إلى أدوات مالية أخرى لضبط سياستها المالية، إذ اعتمدت على إصدار السندات والسحب من صناديقها الاستثمارية لتغطية العجز المالي. 

وعندما واجهت الميزانية عجزاً جديداً سنةَ 2003 انتبهت الحكومة مجدداً إلى الضرائب لسد العجز. حينها طرقت أبواب مؤسسة مالية هولندية سنةَ 2004 لتقديم مشورة فنية بالإصلاح الضريبي. كادت التوصيات الهولندية أن تنقل الكويت إلى مستوى جديد ضريبياً، إذ استقرت الحكومة مطلعَ سنة 2006 على قانون موحد للضرائب على الشركات والأفراد بصرف النظر عن الجنسية. اقترحَ القانونُ إلزامَ الشركات بضريبة قدرها 10 بالمئة على الأرباح، وضريبة نسبية على دخل الأفراد، حسب الحالة الاجتماعية، ويُعفى منها مَن يقلّ صافي دخله السنوي عن مئةِ ألف دولار. مات مشروع هذا القانون في مهده بالسنة ذاتها، بسبب سطوة معركة الدوائر الانتخابية بين الحكومة والبرلمان على الساحة السياسية آنذاك. 

ظلت ورقة الضرائب ملجأ الحكومة عند الأوقات الحالكة لأنها أسهل الحلول لترتيب ماليتها عند العجز. كانت أزمة تدني أسعار النفط سنةَ 2014 نذير شؤم على الاقتصاديات الخليجية القائمة على تصدير النفط، فتداعت دول الخليج سنةَ 2016 لتفعيل منظومة مجلس التعاون الخليجي ووقّعت دول الخليج الست، ومنها الكويت، اتفاقيتي ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية. لكن بعد مرور ثمان سنوات على الاتفاقية ما زالت الكويت هي الاستثناء الخليجي، إذ لم تُطبق بعد أياً من هاتين الضريبتين، على الرغم من الضغوط الإقليمية والدولية، بسبب عدم تصديق مجلس الأمة لهما وعدم إصدار قوانين الضريبة الخاصة بهما. 

يؤمن الكويتيون إيماناً راسخاً بأن فرض الضرائب عليهم من المحرمات الممنوع الخوض فيها الآن. يمكن ملاحظة الممانعة الشعبية في سلوكيات أعضاء مجلس الأمة بالفترة السابقة، فقد استجوب مجلس الأمة في جائحة كورونا وزير المالية مرتين لتسرب وثيقة تقترح فرض الضرائب. كذلك كان ملف الضرائب مطروحاً على طاولة الحوار الوطني الذي دعت إليه القيادة السياسية في 2021 وكان الاتفاق باستبعاد فرض الضرائب من خطط الحكومة بعد ضغوطات ممثلي مجلس الأمة في جلسات الحوار. التضخم ضريبة غير مباشرة على الأفراد، كما يقول عالم الاقتصاد ميلتون فريدمان، ولذلك ساد اعتقاد بين الناس والساسة بالكويت أن الشعب يدفع ضريبة غير مباشرة، بسبب انفلات الأسعار فوق معدلات نمو التضخم الإقليمية لغياب الرقابة الحكومية على السوق.


يعاني الجهاز الضريبي في الكويت من ترهُّل وبدائية في العمل لتحصيل الضرائب البسيطة. فمعَ انعدامِ الضرائب المباشرة على أرباح الشركات المحلية ووجود ضرائب غير مباشرة تبلغ 4.5 بالمئة على نحو 700 شركة، تشير تقارير ديوان المحاسبة، الذراع الرقابي لمجلس الأمة، إلى وجود مستحقات ضريبية تفوق النصف مليار دولار لم تحصلها وزارة المالية، وإلى وجود أخطاء في تطبيق القواعد الضريبية ونزاعات قضائية بين الوزارة والشركات. وذلك بسبب بساطة الجهة المعنية في جباية الضرائب، إذ إنها قطاع إداري في وزارة المالية، بينما لدول الخليج هيئات ضريبية مستقلة متخصصة في تحصيل ومتابعة الضرائب المطبقة. 

بعد قرار القيادة السياسية الأخير تعليقَ العمل ببعض مواد الدستور المتعلقة بصلاحيات مجلس الأمة وانعقاده مدَّة لا تزيد عن أربع سنوات، فإنَّ سلطة فرض الضرائب بقوانين أصبحت مطلقة بيد الحكومة. إزاء هذا الوضع الدستوري الذي يطلق يد الحكومة في إصدار القوانين فإنها قد تلجأ لتفعيل الاتفاقيات الضريبية الموحدة التي وقعتها مع دول الخليج بعدما كان مجلس الأمة هو حائط الصد أمام تطبيقها وكان هو الحجة الرسمية لمواجهة المطالبات الإقليمية لفرض الضرائب في الكويت، كذلك فإنه من الممكن إنشاء تعديلات هيكلية بالجسد الحكومي تثمر عن إنشاء هيئة ضريبية مستقلة تعنى بهذا الشأن. 

بوابة الضرائب مغرية مالياً لكن تكلفتها السياسية باهظة. فكّرت الحكوماتُ السابقةُ بفرضِ ضرائبَ مباشرة على أرباح الشركات المحلية بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15 بالمئة استجابةً إلى دعوات صندوق النقد الدولي بإنهاء التمييز الضريبي بين الشركات المحلية والأجنبية، وكان رئيسُ الحكومة الحالي أحد الداعمين خضوعَ الشركات الكويتية للضرائب عندما كان وزيراً. لكنَّ فرض الضرائب المباشرة على أرباح الشركات الكويتية قد يثير حفيظة الطبقة التجارية التقليدية في الكويت، ممَّا قد يؤدي إلى التئامِ شملها مع القوى السياسية بعدما ابتعدت عنها في الحقبة السابقة، فتجد ضالتها معهم في معارضة فرض الضرائب.

قد تؤدي عودة المشاريع الضريبية إلى زيادة التفاوت الطبقي بين الكويتيين. تشير الأرقام الرسمية أن إنفاق أسر الطبقة المتوسطة يقل بنسبة 75 بالمئة عن إنفاق الأسر الغنية، مما يعني أن الطبقات الفقيرة والمتوسطة هي المتضرر الأول إذ طُبّقت الضريبة، وتحديداً ضريبة القيمة المضافة، إذ ستقلل من دخلهم الشهري في الوقت الذي ينادون فيه بزيادة أجور وظائفهم. لذلك تُعدُّ مسألة الضرائب في الكويت معقدة اجتماعياً واقتصادياً، وستزداد تعقيداً في حضورها بالمشهد العام في هذه الظروف السياسية الاستثنائية.

اشترك في نشرتنا البريدية