يوميات الجوع والحرب والحصار من شمال غزة

يعيش الناس في شمال غزة تفاصيل يومية من الجوع والعوز والكثير من قصص الموت والدمار

Share
 يوميات الجوع والحرب والحصار من شمال غزة
صورة للكاتب يسري الغول جالساً على شاطيء شمال غزة مع بعض التأثيرات

طلبت من جاري مساعدتي بالقليل من الطحين أطعم به أطفالي، وجاري مع ضعف بنيته بات خبيراً في اقتحام البيوت التي هجرها أهلها إلى الجنوب من مدينة غزة بعد اندلاع حرب العدوان عقب السابع من أكتوبر 2023. جاء ردّ جاري جافّاً: "تعال معي ورزقنا على الله". ذهبنا إلى منطقة الشمالي داخل مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة وهي قريبة من مكان نزوحي وعائلتي. مشينا بين الأزقة والدروب، فشوارع المخيم لا تشبه ما دونها، فهي ضيقة وملتوية ومتجاورة الأبواب والنوافذ حتى يسمع الجارُ شخيرَ جاره. بين الأزقة نتخفى مرة ونرصد مراراً وفوقنا تحلق المسيرة الرباعية، وهي طائرات صغيرة رباعية المروحة يُتحكم بها عن بعد وتحمل آلة تصوير وسلاحاً، ومسيرات أخرى مجنحة تطلق النار بسهولة وتقتل من تريد. ابن عمي أحمد الغول، 35 عاماً، كان قد قتل في ذات المنطقة التي قررتُ اصطيادَ بعض القوت منها.

نصل إلى بيت صديق قديم، ويقول جاري وأنا أرتعد من الخوف: "تخافش، راح ترجع لأولادك، لأنو نيتك تطعميهم مش السرقة". ندخل البيت فنعبث بمحتوياته ونلقي الطعامَ الفاسد في أكياس معنا لأنه القرش الأبيض الذي قد يعيننا في يومنا الأسود هذا. فأكل الفاسد خير من النوم بلا طعام. نشد الرحال عائدين فتطلق علينا المسيرة الرباعية الرصاص. نجري بين الأزقة الملتوية ونتخفى في البيوت المهجورة وقلوبنا تشتعل خوفاً، فنرتل القرآن وندعو الله أن نتوب عن المجازفة.

نفقد أثر جاري محمد الكحلوت، 33 عاماً، وأعود أنا إلى المخيم "ظافراً". 


نزح جل سكان مخيم الشاطئ إلى جنوب قطاع غزة بداية الحرب. هنا الأشياء رتيبة وتتكرر بسماجة. أستيقظ لصلاة الفجر في منزل صديقي المحامي شريف أبو سعد، الذي نزحت إليه بعد تدمير بيتي بمنطقة النصر شرق المخيم المطل على البحر المتوسط. أفتح المذياع لأسمع الأخبار المنغّصة الروح طمعاً في الإعلان عن هدنة أو وقف إطلاق النار. لا قنوات واضحة غير إذاعة مكان الإسرائيلية التي نلتقط شيئاً من أثيرها. 

أمشي في الردهات والأزقة لبيت جاري محمد الدنف (أبو فادي) الطاعن في السن والذي فقد ابنه فايق قبل ثلاثة أشهر زمن اقتحام الجيش الإسرائيلي وتدميره مستشفى الشفاء. بعد نزوح أسرته كلها إلى دير البلح، بات وحيداً بلا أنيس في بيت شبه مدمر بعدما طالبَ الاحتلالُ سكانَ المخيمِ النزوحَ نحو "المناطق الآمنة" وسط القطاع وجنوبه. ولا مناطق آمنة في هذا القطاع المحاصر، فقد اُستهدفت جميعاً فقُتل آلافٌ وأصيب، ومن بقي حياً عاش تجربة النزوح مرات متتالية.

أحتسي مع أبي فادي القهوة أو ما يشبهها، نهذي كأننا سكارى ونتحدث عن بطولات فردية أمام أساطيل البر والبحر والسماء. ثم أعود إلى جلب الماء وتمديد "البرابيش" (خراطيم المياه) حتى تصل الصنبور. يحمل أطفالي معي "جالونات" الماء المالح بعد صراع مع الجيران أملًا بانتزاع أربعين لتراً فقط. فقد قطعت إسرائيل إمدادات المياه بالكامل منذ اليوم الأول للحرب، وطال القصف والتدمير أكثر من أربعين بئراً وما يتجاوز خمسين ألف متر من شبكات نقل المياه في مدينة غزة. ودُمرت جميع البلديات أو على الأقل شُلت جُل قدراتها الخدماتية وعُطلت جميع مناحي الحياة. طال التدمير مقر بلدية غزة الرئيس في وسط المدينة، أسوة بما حُرق ودُمّر من المخابز والأسواق والجامعات والمدارس والمشافي وإمدادات الصرف الصحي وكل ما يخطر ببالك، فالهدف قتل غزة وقتل الحياة فيها.

نخرج مجدداً بحثاً عن الحطب، هذه المرة داخل أرض الغول التي كنت أقطنها بحي النصر قبل أن تتحول أبراجها وعمائرها وبيوتها إلى ركام هائل. مُنع غاز الطهي من اجتياز الحاجز منذ بداية العدوان، ونفدت الكميات التي تركها الهاربون من الموت إلى الجنوب وظلت الأسطوانات فارغة. نبحث بين الركام عن قطع الخشب أو نقطع عروق ما بقي من شجر أو نكسر خِزَانات ونتلف أثاثاً قيماً لعله كان حلم أحدهم أو "تحويشة العمر" لآخر. وفي وسط هذا كله نمر على جدران تحكي قصص أصحابها، فعلى هذا الجدار شهادةُ طالبٍ تخرج من كلية التجارة، وتلك صورة زفاف زوجين ماتا في قذيفة مدفعية ولم تُنتشل جثة أي منهما من المنزل، وهذه لوحة فنية لطفل يدرس في الصف السابع، وشهادة ميلاد طفل مات قبل أن يتم شهرَه الخامس. أسأل نفسي: ما الحالة النفسية للأشخاص الغارقين في الموت؟ ماذا جرى معهم في صعود الروح إلى بارئها؟ بم كانوا يفكرون؟ أكان ملك الموت رحيماً بالشهداء فاقتلع الروح مثل قرصة نحلة أم كانتزاع جبل من جذور الأرض؟

ننهي جمع الحطب ونعود منهكين غارقين في العرقِ والشمسُ تحرق ما تبقى من أرواحنا، مستسلمين أو غير مبالين بالصواريخ التي تخطف بعضنا في الطريق. كما جرى مع ابن عمي عبد المجيد محمود الغول، 18 عاماً، الذي عاد إلينا وقد غرق الحطب الذي ذهب يجمعه بدمه. ما زالت أمه تندبه حتى اللحظة وتلعن الغاز والحطب.

صورة للكاتب أثناء جمع الحطب

أعود إلى مكان نزوحي منصرفاً للكتابة عن المقتلة مع أن الكتابة في زمن الحرب ترف، والمجانين وحدهم يكتبون، خصوصًا بعد أن باتت الكلمة تهمة تستدعي قصف بيت الكاتب أو قنصه أو استهدافه بصاروخ "زنانة" أو الطائرة المسيرة التي لا ينقطع طنينها فوق رؤوسنا ليل نهار. هل أشرع في تدوين ما حدث اليوم من قصف مركز الإيواء داخل مدرسة أسماء بمخيم الشاطئ واستشهاد عمال الإغاثة المتطوعين بوكالة الغوث ولجان الطوارئ ممن لا أعرف غير وجوههم، امتزج دمهم بالطحين ليصير عشاءهم الأخير، ولم نجد سيارة تقلهم إلى مستشفى المعمداني بعد أن بات ذلك المستشفى ملاذنا الأخير بعد تدمير مستشفى الشفاء. لاحقاً في أكتوبر 2023 قصفت إسرائيل مستشفى المعمداني نفسه مسببةً مجزرة كبرى ضحاياها بالمئات، تلاه أوامر إخلاء من الجيش الإسرائيلي بداية يوليو 2024 بعد اقتحامه أحياء شرق مدينة غزة. 

العصر، كنت في الشارع وكذلك الأطفال يلعبون ويضحكون رغم أنف الطائرات وكأنهم لا يهابون الموت أو لا يفقهون وجوده. صاروخ واحد سقط بينهم كان كفيلاً أن يحيل صخبهم إلى صمت وموت. سقطوا في ذات المكان الذي قتل فيه الطفل أمير أحمد بدوية، 13 عاماً، قبل شهرين. كان أحمد يحب كرة القدم ويحلم أن يصبح مثل رونالدو أو ميسي أو بيليه. جاءت شظية في قلبه فمات قبل أن تودعه أمه التي تأخرت في الإنجاب، وقبل أن يحترف اللعب في نادي الهلال الرياضي أو الأهلي بغزة. هرعنا لإنقاذ من بقي منهم لنكتشف أنهم قد سلكوا طريقهم للسماء مرتاحين كما نقول من عذاب القيامة الجديد أو الخوف من الدفن تحت الركام، ولن تتحلل جثثهم بلا كرامة ولا معنى مثل آلاف آخرين.

استشهد أمس جاراي الشابان همام زقوت وأخيه عز الدين. كان همام، 30 عاماً، الموظف المدني بوزارة الداخلية يقول لنا وهو يضحك: "عندما تنتهي الحرب لن أرى وجوهكم العفشة (أي المتجهمة والعابسة). أريد أن أتخلص من هذا الدمار وهذه الوجوه الشاحبة والساخطة على عجز الأمة. سأبحث عن جنسية أخرى تحمي حياتي من الموت المجاني. سأحمل زوجتي وأهاجر إلى مكان لا حرب فيه، سأقبل ابنتي التي عجزت عن رؤيتها بعد نزوح زوجتي ووالدي إلى دير البلح". رُزق همام طفلة جميلة قبل شهر في مكان اللجوء ولم يستطع رؤيتها إلا بصورة أرسلها الأب للابن بالهاتف المحمول، صورة عزيزة وصلت بعد صراع مع حزمة الإنترنت. 

كان أخوه الصغير عز الدين يشبه الملائكة، لا يمشي إلا وقد جعل كل شيء حوله يبتسم، وجهه خجول، يضحك للأشجار في الشارع فتنحني مع نسماته لترد السلام. تضمه أعمدة الإنارة التي فقدت روحها بعد اختفاء الكهرباء من القطاع منذ ما يقارب تسعة أشهر، وتشتعل فرحاً بعودته سالماً من كل خروج يقضي فيه حاجته. انقسم جسد عز الدين إلى شطرين بعدما سقطت عليه قذيفة وهو يتحدث بهاتفه المحمول مع زوجته التي اقترن بها مؤخراً. تحدثا مثل عاشقين ورسما أحلاماً بإعادة بناء الشقة التي دمرت مع قصف عمارة الأندلسية بحي الرمال حالما تنتهي الحرب. أخبرها عن احتفاظه بقليل من الزيت والزعتر وكيس طحين كي لا يجوعا كما نجوع الآن.

وفي وسط فجيعة الفقدان اتصل ضابط إسرائيلي برائد زقوت، مختار عائلته وعميد جهاز الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله (امتنع معظم هؤلاء عن العمل مع حكومة حماس بعد سيطرتها على غزة عام 2007 واستمرت السلطة بدفع رواتبهم)، يخبره الضابط بكل صلف: "لقد قتلت لك أبناءك يا رائد، مبروك". لا يعلم أن رائداً يتمثل قول إرنست همنغواي في روايته "العجوز والبحر": "إنه يمكن لك أن تدمر الإنسان، لكنك لن تستطيع هزيمته". لذا، قبل أن يغلق الضابطُ الهاتفَ، رد عليه رائد بسخرية: "أنت بتفكرني زعلان، أولادي فداء فلسطين، دمهم مش أغلى من دم صحابهم، وكل أولادي مع المقاومة".

أخفق الجيش الإسرائيلي في قتل جارنا الآخر جمعة اللبان. فحين قصفوا منزلاً يتدثر به مع نازحين، كان جمعة لحسن حظه في الخارج يعالج الجرحى الذين سقطوا عند مستشفى الشفاء. فيُحضر العربات المتهالكة التي كانت تجرها الدواب لينقلهم إلى أي عيادة أو مركز إيواء، أملاً بتضميد جراحهم حتى تحضر سيارة صالحة لنقلهم إلى مستشفى المعمداني الصغير. جمعة الذي رأيته قبل يومين يسير خجولاً مع زوجته بدا لي شخصاً آخر لا أعرفه، وليس الرجل شديد البأس الذي فشلت أمامه مُسيِّرات الاحتلال وعملاؤه في المخيم. 


أحبُّ هؤلاء الشبان من الجيران والأصحاب الذين لا يسأمون من سؤالي عن تجربتي في السفر إلى أوروبا والولايات المتحدة أو غيرها من البلدان قبل أكثر من عقد مع برامج متعددة مثل حوار الحضارات وملتقى الإعلام الاجتماعي وبرامج دعم التعليم. نتحدث عن أزمة المعابر وحاجة الفلسطيني إلى الهرب من الموت اليوم، فيُبتز لدفع خمسة آلاف دولار لشركة هلا المصرية التي يملكها رجل الأعمال السيناوي القريب من النظام المصري إبراهيم العرجاني. نتحدث أيضاً عن سيل الإهانات ومحاولات الابتزاز من بعض أفراد الأمن المصري على معبر رفح. حرب أو لا حرب، لا فرق كبير فالمعاناة محدقة بغزة وأهلها. 

أخبرتهم عن أذربيجان وطعام تلك الدولة، أتحدث وأنسى أننا لا نجد ما نأكله هنا في المخيم، حتى خشاش الأرض. فغزة الصغيرة البالغةُ مساحتها 365 كيلاً مربعاً ليس بها أمكنة كثيرة تصلح للزراعة اليوم، فسكانها المليونان وثلاثمئة ألف دائمو البحث عن بقعة تؤويهم وتؤوي أسرهم، فكانت الأراضي الزراعية تتآكل كل يوم. أما الآن فقد عملت فيها معاول الجيش الإسرائيلي ودباباته تجريفاً وتدميراً، خصوصا في سلة غذائها بيت حانون والمنطقة الوسطى. دُمِّرت أشجار الزيتون والعنب والبرتقال – حمضيات غزة ويافا التي كانت تُصدَّر لأوروبا حتى قبل بناء إسرائيل على أراضينا. و أما مابقي لنا من أرض نتكئ عليها أو نزرعها فلم يترك الاحتلال الإسرائيلي مكاناً فيها إلا وقذفه بذخائر تحتوي على اليورانيوم المنضب، فتخضبت أرض غزة بالسموم وبات الطعام مسرطناً. ناهيك من الماء الذي لا يصلح أصلاً للاستخدام الحيواني، الماء الذي نعاني الأمرّين لتدبيره كيلةً كيلةً كل يوم للبقاء في أرضٍ أكلتها القذائف وجنازير الدبابات.

أتحدث لأصدقائي عن السفر، أعيش حنيناً لزمنٍ ضائع لكنّ الواقع يقرصني وأنا أنظر إلى المرضى والجرحى من نساء ورجال وأطفال وهم عاجزون عن مغادرة غزة للعلاج. فقدت مصر سيادتها على معبر يفترض أن يكون فلسطينياً مصرياً. مصر لا تستطيع إدخال المساعدات أو إخراج المرضى والمصابين دون تنسيق مع تل أبيب كما قال الرئيس السيسي بداية العدوان. ثم سيطرت إسرائيل بداية مايو على محور فيلادلفيا على حدود غزة مع مصر وحولت معبر رفح قاعدة عسكرية قبل أن تجعله رماداً، فبات ما كان أملاً قليلاً بالخروج عدماً واستحالة.


إذن هو حصار وجوع كُتب على غزة. جاء الأمر بالتدريج، فقدنا اللحوم ثم الخَضْرَاوات فالمعلبات فما بقي في الأسواق من بسكويت أو بطاطس مقرمشة أو غير ذلك ثم البقوليات المجففة ثم الطحين والأرز قبل عودة بعضها مع دخول المساعدات الشحيحة. ملّ أطفالي الأرز الذي لا يقدم مع شيء سوى بهارات وملوا المعلبات، لكنه البقاء البقاء، نأكل ما توفر أو نموت جوعاً. نقصت أوزاننا جميعاً، ولعل ذلك صحة للكبار لكنه على الصغار حكم بالإعدام. هل أكتب عن هذا أو عن شاحنات المساعدات التي دخلت غزة في بداية الحرب وما حمل بعضها سوى الأكفان وقناني الماء، كأنهم يقولون لنا: أيها الفلسطينيون دعونا نساعدكم على الموت. أكفان بالمقاسات كلّها للصغار والكبار. أم هل أكتب عن طائرات المساعدات التي قتلت عشرات الشبان لأن المظلات سقطت في الماء وغرق من أجلها من لا يعرفون السباحة، وغيرهم آخرين وقعت فوق رؤوسهم وكسرت رقابهم وقتلتهم، كما رأيت في منطقة أرض الغول وكان الضحية جاري الفتى محمد صلاح، 20 عاماً.

أو ربما أكتب عن كيف ألغت الحرب الفروق بين الناس: بين الرجال والنساء، الشباب والعجزة، المتعلمين والأميين، المنعمين والمحرومين. كلهم غلفهم البؤس والعوز فباتوا يبحثون عن الطعام ويقاتلون للحصول على علبة تونة أو علبة فول لم تكن تساوي ربع دولار قبل هذا العدوان. صرنا نقتحم بيوت إخواننا الذين نزحوا إلى الجنوب لأجل البحث عن كسرة خبز ناشفة أو بعض العدس. وصل بنا الحال أن نتفنن في صناعة طعام من خشاش الأرض، وفي نبتة "الخبيزة" الخضراء التي تنمو على جوانب الطرق والمناطق الفارغة ملاذٌ لنا. كذا لجأنا إلى علف الحيوانات والذرة التي نخرها السوس وباتت لا تصلح للحيوانات، والقمح الفاسد الذي وصلت قيمة كيلٍ منه إلى خمسة وأربعين شيكلاً (تسعة دولارات) بعد أن كان لا يتجاوز عُشر هذا الثمن. فصارت الأمراض تلاحقنا وتسطو على ما تبقى من أجسادنا، وصار ليلنا ألماً في المعدة ونهارنا عرقاً وموتا.


أعود إلى منطقة الشمالي من مخيم الشاطئ وبعض الرفاق بعد أن دبّرنا حمالة جرحى متهالكة مما بقي من مخزون طواقم الإسعاف في مخاطرة جديدة بحثاً عن جارنا محمد الكحلوت الذي فقدناه ونحن نبحث عن الطعام حيث طاردتنا المسيرة الرباعية. نجده جثة هامدة في بركة من الدماء الجافة، فقد اخترقت جسده طلقات من المسيرة الرباعية فنزف حتى الموت بلا رفيق يهون عليه صراع أنفاسه الأخيرة.

حملنا جثمانه متجهين إلى مستشفى الشفاء حيث دفناه رفقة عشرات آخرين قتلهم الجيش الإسرائيلي في هجومه الأخير على هذه المستشفى.

نعود بعدها للمخيم لنبدأ مرة أخرى. ويستمر الجوع، وتستمر المقتلة.

اشترك في نشرتنا البريدية