دروز إسرائيل بين الولاء للدولة والمواطنة غير المتساوية

مع أن دروز إسرائيل يقاتلون في الجيش ويدفعون الضرائب، إلا أن إسرائيل لم تمنحهم يوماً مواطنة متساوية.

Share
دروز إسرائيل بين الولاء للدولة والمواطنة غير المتساوية
لم ينجح دروز إسرائيل لعقود في الحصول على حقوق مواطنة إسرائيلية متساوية | تصميم خاص بالفِراتْس

تُرجم هذا المقال من نيولاينز، المجلة الشقيقة للفِراتْس.

برز الدروز الإسرائيليون على ساحة الأخبار الدولية مطلع شهر مايو 2025 حينما نظّموا مظاهراتٍ  للمطالبة بتدخل الجيش الإسرائيلي في سوريا لحماية أبناء طائفتهم هناك. جاءت هذه الاحتجاجات بعد تقارير أفادت أنّ مسلّحين، يتبعون حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع، هاجموا مناطق يسكنها الدروز السوريين في جرمانا وصحنايا جنوب دمشق. فقتلوا ما لا يقلّ عن مئة شخص، جلّهم دروز. أغلق عشرات المتظاهرين من الدروز الإسرائيليين تقاطعاتٍ رئيسةً شمال إسرائيل، حيث تتمركز قراهم، ونظموا تظاهرةً إضافيةً أمام منزل بنيامين نتنياهو في قيسارية.

تبنّت إسرائيل سياساتٍ تمييزيةً في معاملتها الفلسطينيين الذين يحملون جنسيتها. فخلافاً للمسلمين السنة والمسيحيين منهم، أقنعت إسرائيل في خمسينيات القرن العشرين قياداتٍ سياسيةً ودينيةً درزيةً بالموافقة على التجنيد الإلزامي لأبنائهم في الجيش الإسرائيلي. وقد استند المتظاهرون الدروز على هذه الخدمة العسكرية الطويلة في مطالبتهم إسرائيل أن تقدّم لهم دلائلَ ملموسةً تقدِّر لهم ولاءهم وخدمتهم، وتساعدهم للتدخل من أجل حماية دروز آخرين في بلدٍ آخر. لكن هذه التظاهرات تعبّر عن شعورٍ عميقٍ بانعدام الأمان وخوف المجتمع الدرزي في إسرائيل، وهو شعورٌ له جذوره في سياساتٍ تمييزيّةٍ فُرضت عليهم منذ تأسيس إسرائيل سنة 1948. وقد أسهم تصاعد الإجراءات التمييزية في الداخل الإسرائيلي ضدّ الدروز، مع تزايد الهجمات ضدّ شركائهم في الطائفة خارج إسرائيل، في تعميق هذا القلق.


لم تكد أحداث مايو تخفت حتى أصابَ دروز إسرائيل شعورٌ بالصدمة جراء المقاطع المصوّرة والصور التي انتشرت منذ 14 يوليو 2025. وذلك عندما انطلقت جولةٌ جديدة من الاشتباكات بين البدو والدروز في محافظة السويداء السورية، حيث قُتل المئات من الطرفين، كان بينهم مسنّون وأطفال.

رأى دروز إسرائيل أن العنف ضدّ أبناء طائفتهم في سوريا، وهم من تجمعهم ببعضهم أيضاً صلات قرابة، يمثّل تهديداً جماعيّاً. ولهذا، فهم يريدون من الجيش الذي يخدمون فيه أن يوفّر الحماية لهم أيضاً. تجاوزت مطالب شيخ عقل الطائفة في إسرائيل موفق طريف من الحكومة الإسرائيلية إيصال المساعدات لدروز السويداء، إذ طالب أيضاً بالتدخل العسكري المباشر. وعَبَرَ مئات من الشباب الدروز، بدءاً من منتصف يوليو 2025، من إسرائيل إلى سوريا للدفاع عن إخوانهم في الطائفة في السويداء. وحسب تصريحات للجيش الإسرائيلي، فقد عاد أو أُعيد جزءٌ منهم، بينما بقي آخرون داخل الأراضي السورية.

بعد يومين من اندلاع المواجهات في السويداء، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي ضرباتٍ على عدّة أهدافٍ سوريّة. شملت هذه الضربات مبنى قيادة أركان الجيش السوري في ساحة الأمويين وسط دمشق، ونقطة قريبة من القصر الرئاسيّ في العاصمة. صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن هذه الضربات "تحذير للحكومة السورية بأن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه حماية الدروز"، وقال نتنياهو إنّه شنّ هذه العمليات "بدافع التزامٍ عميقٍ تجاه إخوتنا الدروز في إسرائيل". بيدَ أنّ طبيعة الأهداف التي قُصِفَت، تجاوزت بكثيرٍ المناطق التي كان الدروز فيها عرضةً للخطر والعنف.

ويبدو أنّ السياسة الإسرائيلية في سوريا، والضربات العسكرية فيها، تفتقر إلى خطّة تفكيرٍ واضحةٍ وطويلة الأمد. ولا يرجَّح أن يكون هدف نتنياهو شنّ حربٍ طويلةٍ غايتها تقسيم سوريا أو زعزعة استقرارها. يعاني الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيليّ عموماً من الإنهاك جرّاء الحرب المستمرّة على غزة منذ أكتوبر 2023. لذلك، يبدو صعباً على إسرائيل فتح جبهة قتالٍ جديدة في سوريا رغم تدخلها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024 واحتلال إسرائيل أجزاء من القنيطرة وجبل الشيخ. ناهيك عن أن الولايات المتحدة لا تبدو داعمةً لتدخلٍ إسرائيليٍّ واسعٍ في سوريا، في ظلّ العلاقة الجديدة بين الشرع والرئيس دونالد ترامب. يضاف لذلك أن مسؤولين أميركيين، بحسب ما أفاد به موقع أكسيوس، أبلغوا نتنياهو مرّتين – في 15 و16 يوليو 2025 – بضرورة تهدئة الوضع في سوريا و"التوقف والتقاط الأنفاس".


ربما تحمي مطالبة الدروز إسرائيل بالتدخل العسكري في سوريا أبناء الطائفة هناك على المدى القصير، لكن تبعات التدخل الإسرائيلي ستكون سلبيةً على دروز سوريا على المدى الطويل. فكثيرون داخل سوريا وخارجها اعتبروا هذا التدخل العسكري اعتداءً على سيادة دولتهم وتعكيراً لعلاقتهم مع الحكومة السورية وسائر المجتمع. إذ رفض الشيخ يوسف جربوع مثلاً، وهو أحد مشايخ العقل الثلاثة في السويداء (الآخران حكمت الهجري وحمود الحناوي)، "حماية" إسرائيل واستنكر التدخلات الخارجية في الشأن السوري.

لا توجد أرقامٌ قطعيّةٌ عن عدد الدروز عالمياً، ولكن يرجَّح أنهم يبلغون نحو مليون ومئة ألف. يتمركز سوادهم الأعظم، أي حوالي سبعمئة ألف، في سوريا. يعيش نحو مئتين وخمسين ألفاً في لبنان، وتوجد مجموعاتٌ أصغر من الدروز في كلٍّ من الأردن وإسرائيل، وعدد أقل في المهجر في الأمريكيتين وأوروبا وأستراليا.

يعتنق الدروز ديانةً توحيديّةً إبراهيميّة توفيقيّة، تنحدر من الشيعة الإسماعيلية. وقد ظهرت بذورها في مصر بدايات القرن الحادي عشر في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، قبل أن ينتقل معتنقو المذهب إلى بلاد الشام ويستقرّوا في جبل لبنان وجبل حوران (جبل العرب) في سوريا، وأجزاء من الجليل الفلسطيني. تُعرف الطائفة بسرّيتها الشديدة ولا تقبل المعتنقين الجدد، ولا تشجّع الزواج من خارج الطائفة.

عاش الدروز في المشرق قروناً طويلةً وتربطهم أواصر عائلية ومجتمعية عميقة. وبعد الحرب العالمية الأولى سنة 1918، قسَّم الفرنسيون والبريطانيون – الذين هزموا العثمانيين وجاءوا محلّهم – المنطقةَ إلى عدّة دولٍ انتدابيةٍ، هي العراق ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين. ومع قيام دولة إسرائيل سنة 1948، باتت القرى التي كان يقطنها نحو أربعة عشر ألف درزي ضمن حدود الدولة الجديدة، حسب قيس فرو في كتابه "دروز في زمن الغفلة" الصادر بالعربية سنة 2019. يذكر سعيد نفاع عدداً قربياً للدروز في كتاب "العرب الدروز والحركة الوطنية الفلسطينية"، المنشور سنة 2009. ومع إغلاق حدود سوريا ولبنان مع إسرائيل، انعزل دروز إسرائيل عن جماعتهم الأوسع وعن مراكزهم الثقافية والدينية والسياسية والاقتصادية.

انتهجت إسرائيل منذ تأسيسها سياسات "فَرِّق تَسُد" التي أفضت كذلك إلى عزل الأقليّة الدرزيّة سياسياً عن غيرهم من الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية. وقدّر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي في أبريل 2024 عدد الدروز في إسرائيل والجولان السوري المحتل بنحو 152 ألفاً، من أصل 9.9 مليون نسمة يسكنون إسرائيل. ولمَّا فرضت إسرائيل الخدمة العسكريّة الإلزامية على الدروز سنة 1956، أعفت منها الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين الذين يشكّلون مع الدروز اليوم 21 بالمئة من سكان إسرائيل. وتطوّع عددٌ من بدو النقب المسلمين، وما يقرب من مئة مسيحي عربي، في الجيش الإسرائيلي.

بذل دروز إسرائيل جهداً كبيراً للحفاظ على تحالفٍ مع الدولة، فاعتُبروا "مواطنين نموذجيين". أكثر من 80 بالمئة من الشبان الدروز يلتحقون بالجيش الإسرائيلي، وهي من النسب الأعلى في إسرائيل. وهم لا يكتفون بأداء فترة التجنيد الإجباري، البالغة ثلاث سنوات، بل يختار كثيرٌ منهم أن يصبحوا ضباطاً مقاتلين في الخدمة الدائمة.

كانت إسرائيل اعترفت بالدروز طائفةً دينيةً مستقلةً، لها محاكمها الشرعية الخاصة المنفصلة عن المحاكم الشرعية الإسلاميّة. أنشأت كذلك نظاماً تعليمياً خاصاً بالتلاميذ الدروز، منفصلاً عن المدارس الرسمية التي يتعلّم فيها المسيحيون والمسلمون، ويدرَّس فيه منهجٌ يرسِّخ هويتهم الدرزية الإسرائيليّة. فُصلت أيضاً المجالس المحلية للبلدات الدرزية عن المجالس التابعة للسلطات العربية الفلسطينية. وقد أُدرج في خانة "الجنسية"، ببطاقات الهوية الرسمية للدروز، عبارة "درزي"، في حين يسجَّل المسلمون والمسيحيون الفلسطينيون بأنهم "عرب". وهذه التركيبة المعقّدة من الهويّات، عربية وإسرائيلية ودرزية، تُعدّ مفتاحاً أساساً لفهم السلوك الدرزيّ في إسرائيل.

سعياً للحصول على المواطنة المتساوية، يولي الزعماء الدروز أهميّةً كبيرةً لخدمة مجتمعهم في الجيش. فهم يشعرون أن هذه الخدمة يجب أن تمنحهم نفوذاً كبيراً في المجتمع والجيش في إسرائيل والمُعَسكَر. يستعمل القادة السياسيون الإسرائيليون غالباً كلماتٍ على شاكلة "تحالف" و"ميثاق الدم" لوصف العلاقة بين اليهود والدروز، في إشارةٍ إلى "التضحية المشتركة لجنود الطرفين في الجيش". بل ويدّعي بعضهم وجود رابطةٍ دينيةٍ بين اليهود والدروز نظراً إلى أن النبي شعيب، قريب النبي موسى في التوراة، هو أيضاً نبيٌّ في الديانة الدرزية. ما زاد الاعتقاد بصلة الدم بينهما. ومع ذلك، لم تمنع خدمة الدروز العسكرية وكل الشعارات عن ميثاق الدم ومبادئ الديمقراطية والمساواة – الواردة في وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل – من الاستمرار في السياسات التمييزية ضدّ المواطنين الدروز.


أقرّت الحكومة الإسرائيليّة في العقد الأخير قانونَين تمييزيَّين صِيغا صراحةً لتقويض حقوق جميع المواطنين غير اليهود، بمن فيهم الدروز.

الأول هو قانون البناء والتخطيط الذي صادق الكنيست الإسرائيلي على تعديله سنة 2017، والذي يُعرف داخلياً باسم "قانون كامينيتس"، نسبةً إلى نائب المستشار القضائي للدولة إيريز كامينيتس. يَمنح هذا القانون السلطات المحلية صلاحياتٍ واسعةً لتنفيذ أوامر الهدم والإخلاء من دون الرجوع إلى النظام القضائي، إلى جانب فرض غراماتٍ باهظةٍ تصل إلى مئات آلاف الدولارات على مَن يبني أو يوسّع منزله، حتى لو كان ذلك على أرضه الزراعية الخاصة.

ومع أن القانون من الناحية التقنيّة يسري على جميع المواطنين، إلا أنه عمليّاً يستهدف سكان البلدات والمدن العربية داخل إسرائيل. تحدّث بهذا صراحةً نتنياهو وعدد من أعضاء حكومته اليمينية. وفي نوفمبر 2020، رفضت حكومة نتنياهو مشروع قانون لإلغاء قانون كامينيتس، وصوَّت غالبية أعضاء هذه الحكومة في الكنيست ضدّ الإلغاء. ويندر تاريخياً أن تمنح الحكومات الإسرائيلية تراخيصَ للبناء أو التوسيع في البلدات العربية، لأنها لم تُجرِ فيها تخطيطاً عمرانياً أو سياساتٍ تنظيميّة كما فعلت في المدن والبلدات ذات الأغلبية اليهودية أو "المختلطة"، التي يعيش فيها يهود وعرب مثل عكا وحيفا واللد ويافا.

وبينما تملك الدولة 97 بالمئة من الأراضي في إسرائيل، فإن العرب الفلسطينيين والدروز يملكون كثيراً من أراضيهم ملكيةً خاصة. بيدَ أنّ الإشكال يكمن في أنّ معظم هذه الأراضي الخاصة مصنّفة أراضيَ زراعية، وترفض الدولة إعادة تصنيفها مناطق صالحة للسكن. وترفض السلطات لهذا السبب كافّة طلبات التراخيص للبناء أو التوسيع في البلدات العربية.

يدفع هذا الأمر المواطنين العرب، من دروز ومسلمين ومسيحيين، إلى البناء من دون تراخيص لأنه السبيل الوحيد. وعلى مدار عقودٍ، عاش هؤلاء تحت التهديد المستمر بأوامر الهدم والإخلاء ومصادرة الأراضي. وحتى سنة 2017 كانت هذه الأوامر قابلة للطعن القضائي، إلى أن جاء قانون كامينيتس الذي منح السلطات صلاحية هدم البيوت وفرض غراماتٍ قاسيةٍ وتنفيذ أوامر الإخلاء من دون الرجوع إلى المحاكم.

القانون الثاني هو قانون الدولة القومية، أو ما يُعرف بقانون القومية اليهودي، الذي مُرِّرَ سنة 2018 ويعرِّف إسرائيل على أنها دولة قومية حصرياً للشعب اليهودي. يقلِّص هذا القانون مكانة اللغة العربية، التي كانت إلى جانب العبرية لغةً رسميةً للدولة، لتغدو لغة ذات "مكانة خاصة". وبهذه الطريقة يصبح كافّة المواطنين غير اليهود، بمن فيهم الدروز، مواطنين من الدرجة الثانية. بالمقابل، يبقى اليهود المتدينون المتشددون معفيّين من الخدمة العسكرية الإلزامية ولهم كافة امتيازات المواطنة الكاملة.

احتجّ دروز إسرائيل بشدة على هذا القانون واعتبروه إهانة. وخرجت مظاهراتٌ رافعةً لافتاتٍ تتهم الدولة بالخيانة، دون أن يُحدث ذلك أي تغيير. ومع ذلك، مازال دروز إسرائيل يؤدّون خدمتهم العسكرية ويدفعون الضرائب ويرسلون أبناءهم إلى المدارس الحكومية.


فاقمَت عملية السابع من أكتوبر 2023، التي شنّتها حماس على مستوطنات غلاف غزة، والحرب الإسرائيليّة المستمرة على غزّة حتى كتابة هذه السطور حالة الخوف والقلق داخل المجتمع الدرزي في إسرائيل. فقد أُصيب بالرعب وشاهد بذهولٍ وصدمةٍ الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي في غزة، والذي أودى بحياة ما يقرب من ستين ألف فلسطينيّ، حسب إحصائيات صدرت في يوليو 2025.

ولأنهم مواطنون من الدرجة الثانية في إسرائيل، فقد أصاب دروز إسرائيل الذعر من أجواء الترهيب الرسمي بعد السابع من أكتوبر. إذ اعتقلت الشرطة مواطنين عرباً لمجرد تعبيرهم عن أي شكلٍ من أشكال المعارضة، حتى لو كان الأمر مجرد دعوةٍ من أجل السلام نُشرت على فيسبوك. ويبدو أن الحرب تسبّبت في زعزعةٍ كبيرةٍ للاستقرار في المجتمع الإسرائيلي، الذي توجّه صوب اليمين المتطرف.

أثارت هذه التحولات تساؤلاتٍ جدّيةً لدى دروز إسرائيل بشأن شكل الدولة والمجتمع بعد الحرب، ومدى تأثير الحرب على المؤسسات وعلى حقوق الأقليات داخلها ونضالهم من أجل المساواة والانتماء. فقد قُتل أربعة عشر جنديّاً من الدروز في حرب غزة. وطالب القادة الدينيّون والسياسيّون من أبناء الطائفة الدرزيّة، في جنازات هؤلاء الجنود، بالمساواة وإلغاء قانون الدولة القومية أملاً أن تجبِر توابيت الجنود القتلى الحكومةَ الإسرائيلية على مراجعة سياساتها التمييزية. فقد قال زعيم الطائفة موفق طريف في نوفمبر 2023، بعد مقتل ستة جنود دروز في غزة، إن مشاركة الدروز عبء الحرب يجب أن تنعكس على وضعهم في الحياة العامة. وأوردت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في الشهر ذاته أنه، وبينما كان بعض أبناء الطائفة يقاتلون في قطاع غزة، كانت أوامر هدم وغرامات مالية واستحواذ تحيق بأماكن سكناهم في القرى الدرزية بإسرائيل.

يعكس شعور دروز إسرائيل بالرعب مما يجري في غزة، من قتل ودمار مع استمرارهم في الخدمة العسكرية، مدى تعقيد هويتهم وهواجسهم ومخاوفهم. لا ريبَ في أنّ صمت جزء منهم سبَبُه القمع الرسمي لأي تعبيرٍ معارِض. وترسّخ وسائل الإعلام الإسرائيلية أجواء الخوف والكتمان، إذ تتجاهل غالبيتها تغطية مشاهد الموت والمجاعة في غزة، فيما لا يصدّق معظم الإسرائيليين اليهود تقارير وسائل الإعلام الأجنبية. أما المواطنون الفلسطينيون الآخرون، فيتابعون مجريات الحرب عبر قنوات الأخبار العربية، ويعرفون ما يجري.

ساهمت الظروف الإقليمية في توسيع قلق دروز إسرائيل أن وجودهم مهدَّد في عموم المنطقة. كانت إسرائيل وحزب الله في حالة حربٍ أيضاً منذ الثامن من أكتوبر 2023 حتى 27 نوفمبر 2024. تبادل الطرفان في تلك الفترة إطلاق النار بوتيرةٍ شبه يومية، ما دفع سكان جنوب لبنان وشمال إسرائيل إلى النزوح نحو مناطق آمنة. بيد أنّ الغالبية العظمى من السكان اليهود الإسرائيليين انتقلوا إلى الجنوب للإقامة مع أقاربهم، أو في فنادق رخيصة على نفقة الحكومة، بينما رفض دروز إسرائيل مغادرة أرضهم. ظلّوا في منازلهم وقراهم، القريبة من الحدود اللبنانية، تحت وابلٍ متواصلٍ من الصواريخ.

وفي 24 يوليو 2024، أصابت إحدى تلك الصواريخ ملعب كرة قدم بقرية مجدل شمس الدرزية، الواقعة في الجولان. وقد قتلت ثلاثة عشر طفلاً، وأصابت ما لا يقلّ عن اثنين وأربعين آخرين، تتراوح أعمار غالبيتهم بين العاشرة والسادسة عشرة. وفيما وجّهت إسرائيل أصابع الاتهام لحزب الله، نفى الحزب هذه الاتهامات. وقد سانده بهذا الموقف وليد جنبلاط، زعيم الطائفة الدرزية في لبنان، محذراً من سعي إسرائيل لإشعال "صراعات وتقسيم المنطقة".

كان للأحداث في سوريا بين عامَيْ 2013 و2024 أثرٌ بالغٌ في نفوس دروز إسرائيل. فقد سُجّلت تقاريرٌ عديدةٌ عن تحريضٍ طائفيٍّ وأعمال عنفٍ ضدّ الدروز، من بينها مجزرة في قرية قلب لوزة ذات الغالبية الدرزية في ريف إدلب في 10 يونيو 2015، التي راح ضحيتها أربعة وعشرين درزياً قتلتهم عناصر من جبهة النصرة. وأعادت هجمات مايو 2025 إلى الأذهان مرّةً أخرى موجة العنف الطائفي، التي وقعت قبل عقدٍ دون إدانةٍ رسميةٍ عربية. وقد عزَّز غياب التضامن هذا من شعور دروز إسرائيل أن أبناء طائفتهم في سوريا معرَّضون للخطر الشديد، وأنّه ما من أحدٍ سوف يتدخل لحمايتهم من التهديدات.


يواجه دروز إسرائيل جملةً من تحدياتٍ وجودية. فقد قوبلت مطالبهم المستمرة بالمساواة والأمان بالرفض من إسرائيل، التي تطالبهم في الوقت ذاته بالوفاء بالتزامات المواطَنة كافة بلا نقصان. وتعكس هذه الحالة هشاشة وضعهم، حتى بعد سبعة وسبعين عاماً على قيام دولة إسرائيل.

اشترك في نشرتنا البريدية