تصهرُ فكرةُ الوحدة الوطنية في الدولة الحديثة الفروقاتِ بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية والثقافية والاجتماعية في هويةٍ وطنيةٍ مشتركة. لكنّ الأمرَ مختلفٌ في كثيرٍ من دولنا العربية، فالوحدة الوطنية تنصهر في السياسة القائمة التي كثيراً ما تقتضي تغذيةَ الصراعات البينية ومنعَ الكثرة من مواجهة القرار السياسي. بتتبّع أهمّ القوى السياسية المؤثّرة في البحرين، سواءً المؤسّسات الأهلية والأحزاب والجمعيات السياسية وحتى مجلس النوّاب المكوّن من مستقلّين موالين للنظام السياسي، سنجد أنها تعارض التطبيع مع إسرائيل. بيد أن السلطة السياسية غيّبَت قدرةَ تلك القوى على التأثير، وإنْ كان هناك إجماعٌ وطنيٌّ ضدّ التطبيع.
تشهد البحرين منذ بدء طوفان الأقصى تظاهرات ووقفات أسبوعية، وتتفاوت أعداد الجموع الجماهيرية قلة وكثرة بسبب سياسية وزارة الداخلية في تنظيم الوقفات والتظاهرات الهادفةِ إلى إدارة الجموع ومحاولة التضييق عليها. وتبدو هذه التظاهرات فرصةً تاريخيةً لمدِّ جسور تفاهم بين الكتل السياسية المشاركة فيها وبناء تحالفات تتجاوز الاختلافات الطائفية السنية الشيعية التي هيمنت على المشهد البحريني.
ويزيد من تعقيد توحّد الجبهة الداخلية في البحرين إحاطتُها إقليمياً بدولٍ تُصنّف شبه هامشية، كالسعودية وإيران والإمارات. لهذه الدول قوّةٌ سياسيةٌ أكبر واقتصادٌ أكثر تنوّعاً ممّا يعزّز موقعَها في النظام الإقليمي ويمنحها نفوذاً على البحرين. وقد حاولت البحرين أن تنوّع اقتصادها، إلّا أنها ظلّت معتمدةً على المساعدات والاستثمارات من جيرانها الأقوى إقليمياً، كالسعودية والإمارات، لتحقيق استقرارها الاقتصادي والسياسي.
تدرك المكوّنات السياسية المختلفة في البحرين تأثيرَ هذه التبعية التي يفرضها موقعُ البحرين العالمي على قدرتها على الاستقلال التامّ واستحالةَ العيش خارج عباءة الآخَر. لذا تبدو أصواتُها السياسية أكثرَ اعتدالاً حتى مع البَون الشاسع في المواقف. ويمكن التدليل على ذلك بتصريح نبيل رجب وهو ناشطٌ حقوقيٌّ ورئيسُ مركز البحرين لحقوق الإنسان، إثر الإفراج عن مئات السجناء الذين اعتُقلوا بعد تظاهرات 2011 في سياق الربيع العربي، مرحّباً بالإفراج: "إن كانت الحكومة تريد تلميع صورتها، فأنا سأساعدها في ذلك إذا ما حقّقَت لي مرادي بالإفراج عن السجناء، وعلى الجميع أخذُ خطوةٍ إيجابيةٍ وعلينا الإشادة بها ليتشجع جميع الأطراف للانتقال لردم الخلاف في النقاط الأخرى".
قابل هذه المظاهرات ظهورُ جمعٍ سنّيٍ مناهضٍ لهم وأكثر انحيازاً إلى نظام الحكم القائم. مثّل هذا الجمعَ مستقلّون أَنشَؤوا لاحقاً جمعيةً بِاسم "التجمع". وضمّ هذا الجمعُ مع المستقلين جمعيةَ "المنبر الإسلامي" وهي الذراع السياسي لجمعية الإصلاح التي تمثّل تيار الإخوان المسلمين، وجمعيةَ "الأصالة" التي تمثّل التيار السلفي.
استفادت الحكومة من هذا الانقسام واستعملته في ضرب مطالب المعارضة من غير تحقيق أيِّ مطالب رفعَتها الفئةُ الموالية. فتراجَع الوضعُ الديمقراطي في البحرين، ثم تقلَّصت صلاحية البرلمان. دَفعَت المعارضةُ البحرينية ثمنَ هذه المظاهرات باهظاً من أعمار شبابها، وحُلّت جمعيات الوفاق ووعد وغيرهما رسمياً، وضُيّق العمل السياسي على المنتسبين إليهما.
شعبياً، بدأتْ مقاومةُ التطبيع احتجاجاً صوتياً بوسائل التواصل الاجتماعي ثمّ تطوّرَت إلى الندوات والمؤتمرات التي أقامتها مختلف الجمعيات وعلى رأسها جمعية مقاومة التطبيع. وقد حاولَ عددٌ من نشطاء الجمعية تتبّعَ الاستثمارات الإسرائيلية ورصدَها في البحرين ثمّ فضحَها ونشرَ الدعوات لمقاطعتها، مثل التعاون الطبّي بين مستشفى الإرسالية الأمريكية ومستشفى شيبا الإسرائيلي.
ومع ذلك فقد ازداد مسارُ التطبيع قوّةً بينما بدت أصواتُ مواجهته ضعيفةً أو يائسة. ولم يكن التطبيع كافياً لإنشاء مسارٍ مناهضٍ بتنسيقٍ عالي المستوى بسبب التوتر والتوجس بين المكونات إثر الإرث التاريخي لأحداث 2011. إلا أن جمعياتٍ بحرينيةً من أطياف المجتمع كافّةً شَكّلت بعد الاتفاقية الإبراهيمية ما سُمّي "المبادرة الوطنية لمناهضة التطبيع" وضمّت التياراتِ اليساريةَ والقوميةَ وتيارَ الإخوان المسلمين والتيارَ السلفي وغيرَهم في البحرين. اقتصر دورُ المبادرة على إصدار البيانات المشتركة، والتي صدرت في بعض الأحوال بتوقيع بعض الجمعيات دون بعضٍ بسبب الاختلافات الفكرية والسياسية.
وغاب عن هذه الفعاليات التّيارُ الديني الشيعي في البحرين تنظيماً ومشاركة. أما غياب التنظيم فلِأَنّ الهياكل التنظيمية الشيعية ضُربت في 2011 بقوّةٍ، وحُلّت جمعية الوفاق حينها. مع ذلك فقد خرجت بعض المظاهرات بين فترةٍ وأخرى في منطقة سترة ذاتِ الغالبية الشيعية ولاحقتها قواتُ الشغب، ولم تتمكن هذه المظاهرات من الاستمرار ولم ينخرط أصحابها بوضوحٍ مع التظاهرات الأسبوعية المنتظمة. ربما لأن كثيراً من شبابها رأى المآلات الباهظة في 2011 فيئس من جدوى المشاركة، فضلاً عن أن التجمع الأسبوعي ينظَّم بترخيصٍ حكوميٍ تُوافِق عليه وزارةُ الداخلية.
يحضر في المشهد تياران، يساريٌّ قوميٌّ وإسلاميٌّ سنّيٌ يجتمعان بعد أشهرٍ طويلةٍ على توحيد الفعاليات، ويغيب عنهما التيارُ الدينيُّ الشيعيّ. وهذا التلاقي القوميّ والإسلاميّ بدا عسيراً في أوّل الأمر، إذ يقول أحدُ مسؤولي الجمعيّتَيْن في الأشهر الأولى: "جمهور الجمعيتين مختلفٌ، والخطاب الذي نقدّمه متباينٌ، ونحن نشجِّع على الحضور المشترك ولكننا نراعي اعتباراتٍ أخرى في الامتناع عن التنظيم المشترك". وقد ذاب هذا الخطاب لاحقاً، وكان لا بد من أن يُفضي الاجتماعُ الأسبوعي إلى إدراك التوافق في القضية ثمّ تنحية اختلاف اللافتات.
وفي الوقت ذاته تسعى وزارة الداخلية إلى منع نقل الخطاب المعارض والثوري والجرأة في رفع الصوت إلى المناطق ذات الحاضنة السنّية. فيقول أحدُ مسؤولي جمعية مناصرة فلسطين إن مسؤولاً أبلغه بالاستياء من كيفية حشد هؤلاء الناس في المحرق ليهتفوا ضد سياسات الحكم في علاقاته الدولية. وتسعى الوزارة إلى دفع المنظمين لتنظيم الوقفات بدلاً من المَسيرات، لأن المسيرات حضورُها أكثرُ وتعتمد على الهتافات التي تحمل خطاباً معارضاً ساخراً ومشدّداً على خيانة التطبيع.
ثمّ اقتصرت التظاهرات على مناطق بعينها، كالعدلية وسط مجموعةٍ من مقارّ الجمعيات الأهلية كجمعية مقاومة التطبيع، أو قرب الشارع العامّ في منطقة سلماباد أو التظاهر في مساحةٍ واسعةٍ معزولةٍ قرب البحر في منطقة الساية أو مناطق مشابهة البعيدة عن المناطق الحيوية المؤثرة. كلّ ذلك للحدّ من انخراط الجمهور العامّ من الطائفتين الشيعية والسنية في المسيرات وجعله حكراً على جمهور الكتل السياسية المنظمة للمسيرات والوقفات.
هذا السياسات، مع امتناع التيار الديني الشيعي عن الانخراط في المظاهرات، جعلت الأعدادَ محدودةً ومطمئِنةً للحكومة. بل تستفيد منها الحكومة، لأنها واجهةٌ سياسيةٌ تعطي انطباعاً ديمقراطياً خارجياً، أو هكذا تستغلّها الجهاتُ الحقوقيةُ الدائرةُ في فلكِ الحكومة.
ومع ذلك ومنذ ارتفاع مستوى التنسيق بين التيارين في البحرين، واجهت التظاهراتُ المزيدَ من التضييق أو محاولة تقييد الهتافات، وتقديم ملاحظاتٍ عن اللافتات المرفوعة وغيرها من صور التضييق. وأكّد مسؤولون من الجهتين أن ملاحظات وزارة الداخلية تضمّنت ألّا يُذكَر اليمن أو لبنان في الهتافات، وهذا قبل بدء تصعيد الاحتلال الإسرائيلي هجماته على لبنان في سبتمبر 2024. وتضمّنت أيضاً الاستياء من ذكر اسم الإمارات، أحد أطراف الاتفاقيات الإبراهيمية، في معرض إدانة التطبيع. وقد رمت هذه الملاحظات إلى الحفاظ على سقف الخطاب المعارض لحرب غزة بحيث لا يصير معارضاً لسياسة الحكم، لا سيّما مع هذا التلاقي الذي يضمّ خليطاً من الطائفتين وتيارين سياسيَّين لم يعتد جمهورُ أحدهما على الهتاف في مواجهة سياسات الحكم.
انخفضت الخلافات هذه السَنة وتراجعت التوترات بين الإسلام السياسي السنّي والتيار اليساري القومي. وقد نظمت جمعيةُ المنبر الوطني الإسلامي فعالياتٍ عدّةً استضافت فيها الدكتورةَ خولة مطر، وهي حقوقيةٌ تقدميةٌ عملت في مناصب حقوقيةٍ في منظمة الأمم المتحدة، كما استضافت الدكتورَ علي فخرو وغيرَه للحديث. وقد أبدت خولة تقديرَها لهذا التحوّل الداخلي في فعالية تأبين الشهيد إسماعيل هنية التي أقامها المنبر الوطني الإسلامي. وأكّد علي فخرو في تلك الفعالية أن الجهود التنسيقية الحالية ليست كافيةً، مع وجوب إيجاد رؤيةٍ استراتيجيةٍ موحّدةٍ لمواجهة التطبيع. ولا يظهر حتى الآن أن هنالك تحرّكاً فعلياً في هذا الاتجاه.
وسيبقى أمام هذا التوافق بين التيارين عقباتٌ، أُولاها عدمُ استكمال المراجعات التاريخية لأحداث 2011. ففي حين يبدي التيارُ القوميّ نضجاً أكبر وهو ينشط مجدداً بعد معاناةٍ طويلةٍ في مدّ جسور التوافق مع خصومه، ما زالت المراجعات غائبةً تماماً عن التيار السني. يمكن القول إنَّ تيار الإسلام السياسي السنّي البحريني أسيرٌ لمواقف خاطئةٍ ارتكبها في 2011 وكانت تنمّ عن عدم نضجه حينها أو ربما كانت الموجة أكبر من تجربته السياسية، إذ انساقت بعض قياداته لخطابٍ شعبويٍّ بصبغةٍ طائفية. في حين أن الموقف الكلّي كان منحازاً للحكومة، وأن التحفظات والمطالبات لم تكن ناضجةً لتتبلور في مشروعٍ سياسيٍّ، فضلاً عن انحصارها في شؤونٍ معيشيةٍ صرفة.
في المقابل، فإن التيار القومي كان منحازاً إلى محور الممانعة، مغلّباً التحليلَ السياسي لتوازنات المنطقة ودعم خطوط الإمداد لحزب الله على الموقف الأخلاقي في سوريا حيث ارتكب المحور مجازر وحشيةً، لذا بدا موقفُه في غاية السوء عدا قياداتٍ قليلةً بدت متوازنةً وأخلاقية. وقد شكّل الموقفُ من حزب الله اللبناني محلَّ نزاعٍ ما زال مستمراً بين الفريقين. إذ صدر بيانٌ من المبادرة الوطنية لمناهضة التطبيع يُدين عمليةَ "البيجر" وينقل تعازيَه لذوي الضحايا، وقد تخلّف عن التوقيع على البيان كلٌّ من المنبر الإسلامي وجمعية مناصرة فلسطين، فضلاً عن الأصالة (تيار سلفي)، ممّا أحدث انزعاجاً وخلافاً بلغ حدَّ الاتهام على وسائل التواصل الاجتماعي برضا هذه الجهات عن الهجوم الإسرائيلي. وينقل أحد مسؤولي جمعية مقاومة التطبيع استياءَ بعض الأعضاء وانزعاجَهم ووجودَ نقاشٍ داخليٍّ في مدى متانة هذا التحالف بين التيارين. ويرى بعضُهم أن تخلّفَ الإسلام السياسي السنّي عن التوقيع مردُّه إلى أسبابٍ طائفية. في حين يرى الأغلب أن ضرورة هذا التحالف وأهمّيته تفُوق مسألةَ الخلاف في الاستنكاف عن توقيع بيانٍ ما.
ولعلّ العجزَ عن فهمِ المشهد وتحليلِ صورة المجازر السورية وأثر انطباعها في نفوس الناس من جمهور هذه الجمعيات وحده الذي يمكن أن يفسر هذا الموقف من الجمعيات بأنه طائفي. ومما يزيد الأمر تعقيداً أن النظام السوري ما زال يقصف إدلب في أوج الهجوم الإسرائيلي على الضاحية، أي أن المعاناة السورية ليست من الماضي وحسب، بل ما زالت تتجدد وبصورةٍ فجّةٍ حيث يدير النظام السوري ظهره لإسرائيل ويقصف المدنيين في إدلب. ومع ذلك فإن إدانة الهجمات الإسرائيلية والتضامن مع اللبنانيين في ظلّ هجومٍ وحشيٍّ مستمرٍّ ومتصاعدٍ لا ينبغي تفسيره بنظرةٍ سطحيةٍ من بعض الجمهور وكأن التضامن مع مدنيّي لبنان تأييدٌ لجرائم الحزب في سوريا أو غيرها. فهذا التوجه ينمّ عن افتقار التيار السنّي إلى النضج السياسي، وأنه يتحرك وفق جمهورٍ يحدّد سقفَ الخطاب ونوعَه؛ وللأسف في هذه الحالة، ليس جمهور هذه الجمعيات بالضرورة بل جمهور خصومها ممّن يهاجمها ليل نهار في كلّ مواقفها. والتضامن مع لبنان لا يعني الإشادة بالحزب ولا تبييض جرائمه في سوريا. فلا ينبغي التعامل مع الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان على أنهما ثكنةٌ عسكريةٌ، بل مناطق مدنية يُدان قصفُها كما أُدينَ قصفُ غزة. ولا ينبغي إطلاقاً الخلط بين هذا الموقف الأخلاقي الضروري والصحيح بالأصوات الإعلامية التي تستخفّ بالدم السوري وتحاول تبييض جريمة الحزب هناك.
ويبدو أنه من الصعب على الطرفين الدخول في حوارٍ ناضجٍ ما لم يمارس كل منهما مراجعاته الداخلية لتكون الأرضيةُ المشتركةُ أفضل. ومع ذلك فإن المعاناة في غزة التي جمعتهم قد تكون بدايةً لتغييرٍ قادمٍ لمواجهة التطبيع.
وبدا أن هنالك بعض النضج الذي استطاعت به القوى تقديم الأولوية المرحلية الحالية على خلافاتها، فإثر اغتيال قادة حزب الله وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله، تباين التفاعل بين الفئتين على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث آثرت قيادات جمعية مناصرة فلسطين وعناصرها الصمت، فيما نعى أنصار التيار القومي الأمين العام لحزب الله، ونظراً لأن الحزب وأمينه العام يصنف رسمياً على قائمة الإرهاب، فلم تصدر الجمعيات المرخصة أي بيان بهذا الخصوص، وقد استمرت الفعاليات الموحدة والمشتركة بين التيارين كما كانت مسبقاً في أسبوع ذكرى السابع من أكتوبر.
ومع السعي الحكومي لتقليمِ مخالب التظاهرات الأسبوعية قدر الإمكان وحصرِها في المنخرطين في الجمعيتين المنظمتين فقط (طول الأمد له دورٌ في انصراف الكثيرين عن المشاركات أيضاً)، يبقى أن المنفعة الكبرى هي بناء هذا الجسر بين التيارين. فالتيار القومي كان حليفاً للإسلام السياسي الشيعي في 2011 والآن حليفٌ للإسلام السياسي السنّي، ولذا يقع على عاتقه بناء تيارٍ شعبيٍ وطنيٍ موحدٍ يكون جسراً بين المكونَّيْن ويسهم في تفعيل العمل على المشتركات وخلق مساحةٍ معتدلة الآراء بين الجميع.
على الجانب الآخر، يبدو السؤال الأخلاقي ملحّاً؛ هل يمكن أن تعود وتيرة التطبيع بعد وقف الحرب كما كانت قبله. تتعدد الإجابات والتحليلات. ولكن المؤشرات والتصريحات لا تبدو جيّدة. إذ تتناقل وسائل إعلامٍ إسرائيليةٌ تصريحاتِ نجل ملك البحرين في مؤتمر أسبن على أنها رسالةٌ إلى المملكة العربية السعودية، وأن السلام ينبغي أن يكون دون شروطٍ مسبقة.
وارتفعت الصادرات إلى إسرائيل سنة 2024 في سياق الجسر البرّي بإمدادها بالاحتياجات اللازمة إثر تعثر النقل البحري بسبب عمليات الحوثي. فضلاً عن أن السياسات الحكومية لم تهدف إلى استغلال المقاطعة في تعزيز التجارة والصناعة المحلية وتوفير البدائل وتخفيف عملية إخراج الأموال في الاستيراد، بل على العكس، آثرَت احتواءَ المقاطعة بدعم الشركات التي مُنِيَت بالخسائر. وأبرزُ تلك الأمثلة الدعمُ المقدّم من "تمكين" (وهي مؤسسةٌ حكوميةٌ غرضها دعمُ مؤسسات القطاع الخاص) في فبراير الماضي لصالح وكيل علامة ماكدونالدز البحرين، في رسالةٍ فهمها الكثيرون على أنها اتخاذ مسارٍ مضادٍّ للمقاطعة. ولكن الاتفاقية الأهمّ هي توقيع البحرين مع العملاق الماليّ بلاك روك اتفاقيةَ بيع أصولٍ نفطيةٍ لم تُعلن قيمتها.
فلَم تغيّر البحرينُ وجهتَها إلى الداخل بإيجاد البدائل المحلية وتوفير فرص العمل، بل اتجهت إلى شبكة العلاقات ذاتها دعماً وتصديراً للمنتجات. ومع ذلك تعتقد قياداتٌ من منظّمي التظاهرات في البحرين أن طريقة التطبيع الفجّة الصريحة كزيارات السفير الإسرائيلي والمسؤولين الإسرائيليين للوزارات لم تعد آمنةً، ولا يمكن أن تعود مثل هذه السلوكيات.
إن انتقال البحرين إلى سقف الخطاب الرسمي السعودي بضرورة ربط التطبيع بقيام دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلةٍ عاصمتها القدس سيبدو منطقياً. وأعني بالمنطقيّ عمليةَ الانتقال لهذا الخطاب وليس الحلَّ ذاته. والوصول إلى المنطقة الوسطى سيحتاج إلى بعض الضغط الشعبي. ولتشكيل هذا الضغط لا بدّ للأطياف كافةً من مراجعاتٍ ناضجةٍ، أو وضع خططٍ موحدةٍ مناهضةٍ للتطبيع تتجاوز تنسيقَ الفعاليات. ثمّ بعد عامين من الآن ستعود الانتخابات البرلمانية، والمجلس مكبّلٌ بالضعف وغير قادرٍ على اتخاذ القرار. لكن بيد الأطراف أن تستعملَه منصّةَ احتجاج. فهل سنشهد عودة التشكيلات الوطنية الكبرى إلى المشهد بعد فشلِ من سُمّوا بالمستقلّين. وهل ستكون غزّة هي الأساس الذي يَبني هذا التحالف.