إنقاذ ألمانيا من نفسها.. طريق الملحد السعودي طالب عبدالمحسن إلى الإرهاب

كان هجومُ طالب طريقتَه المتهوِّرةَ لتسليط الضوءِ على خلافه القانونيّ مع منظّمةٍ ألمانية زعم أنها متواطئةٌ مع السلطات الألمانية لمحاربة الملحدين السعوديين.

Share
إنقاذ ألمانيا من نفسها.. طريق الملحد السعودي طالب عبدالمحسن إلى الإرهاب
كثيرون واجهوا صعوبةً في تصنيف طالب العبد المحسن | تصميم خاص بمجلة الفِراتْس

يوم 20 ديسمبر 2024 كان سوق عيد الميلاد يعجّ بعائلاتٍ تتسوّق في مدينة ماغديبورغ الألمانية الواقعة مئتين وأربعين كيلومتراً غرب برلين. فجأةً اقتحم أحدُهم الجموعَ بسيّارةِ "بي إم دبليو" ما سبّب مقتلَ خمسة أشخاصٍ دهساً، بينهم طفل، وأصابةَ نحو ثلاثمئةٍ آخَرين. أمّا مرتكبُ الجريمة، الذي سلّم نفسَه للشرطة فوراً، فهو لاجئٌ سعوديٌّ في الخمسين من عمره يُدعى طالب العبد المحسن.

ما إن انتشر خبرُ الهجوم حتى شاعَت الرواياتُ المتضاربة عن طالب العبد المحسن. افترضت الرواية الأوّلية أن منفّذَ الهجوم إرهابيٌ إسلاميٌ يحاكي هجوماً مشابهاً حدث سنة 2016 في سوق عيد ميلادٍ في برلين، مخلّفاً اثني عشر قتيلاً وعشرات المصابين. إلّا أن حسابَ طالب العبد المحسن على منصّة إكس "تويتر سابقاً" يكشف عن آراءٍ وتوجّهاتٍ معاديةٍ الإسلامَ، ولا تَشِي بما يتوقّعه المرء من "إرهابي إسلامي".

ومع أنّ كثيرين واجهوا صعوبةً في تصنيف طالب، إلا أنّ مختلف الأطراف وجدوا له منشوراً واحداً على الأقلّ يَمنحُهم صَكَّ البراءةِ منه، بل وإدانةَ خصومِهم. فقد صُوِّرَ طالبٌ بأنه صهيونيٌّ وداعمٌ لحماس في آنٍ واحدٍ، ومسلمٌ وهابيٌّ وجاسوسٌ للحرس الثوريّ الإيرانيّ ومتعاطفٌ مع حزب العمال الكردستاني. بل إن هناك من صنّفه عضوَ خليّةٍ إسلاميةٍ نائمةٍ وجاسوساً سعودياً وهارباً من العدالة ونرجسياً مضطرباً. حتى مقطعُ اعتقاله المرئيُّ لَم يَسْلَمْ من الخلاف بين أناسٍ يصرّون أنهم سمعوا طالباً يصيح "الله أكبر"، وآخَرين يؤكّدون أنّ ما سمعوه كان "شتيمة ألمانية شائعة" بنُطقٍ مشابِهٍ، قالَها أحدُ الحاضرين.

تحوّل هجومُ طالب العبد المحسن إلى مشكلةٍ سياسيةٍ بين اليمين واليسار عالمياً وداخل ألمانيا. فقد هاجمت وزيرةُ الداخلية الألمانية، الديمقراطيةُ الاشتراكيةُ نانسي فايزر، آراءَ طالبٍ المعاديةَ الإسلامَ، ملمحةً بإدانةِ خصومِها السياسيين. أمّا الحزبُ اليميني "البديل من أجل ألمانيا" وأنصارُه فسارَعوا إلى لومِ ما عَدُّوه سياساتِ "هجرة خارجة عن السيطرة". خارجَ ألمانيا، طالَبَ إيلون ماسك، رجلُ الأعمال ومالكُ منصّة إكس، المستشارَ الألمانيَّ الديمقراطي الإشتراكي أولاف شولتس بالاستقالة، بينما ردّ ميغيل بيرغر، سفيرُ ألمانيا في بريطانيا، بإلقاء اللائمة على إيلون ماسك لسكوتِه عن طالب على منصّة إكس. واتّهمَ آخَرون هيئةَ الإذاعة البريطانية (بي بي سي) لاستضافتِها طالباً والترويجِ له في مقابلةٍ سابقةٍ سنةَ 2019. ونال نائبُ الرئيس الأمريكي جي دي فانس من وكالة الأسوشيتد برس بسبب اللغة التي استخدمَتْها في تغطيةِ خبرِ هجومِ طالب العبد المحسن على سوق عيد الميلاد. أمّا النشطاء والمؤثرون المسلمون في أوروبا فقد كانوا في طليعة مَن أشارَ إلى أنّ طالباً لَم يكُن إسلاميّاً ولا حتى مُسْلِماً، بل مسلمٌ سابقٌ، ولذلك نقموا على وسائل الإعلام ملمّحين إلى أن هذه الحقيقة ستؤدّي لصمتِ "وسائل الإعلام المصابة بالإسلاموفوبيا" بعد أن كانت متحمّسةً لتغطيةِ الخبرِ حالَ الظنّ أنّ مرتكبَ الجريمةِ مُسْلِم.

سَرَتْ في أوساط اليمين المتطرّف العالمية روايةٌ أُخرى تَزْعُم أنّ إلحادَ طالب العبد المحسن وكلامَه المعاديَ الإسلامَ لَم يكُن إلا "تقية"، أيْ إخفاءَ المعتقَد. فقد نشرت الناشطة الإيرانية الألمانية، مارال سلماسي، مقطعَ فيديو على منصّة إكس مصرّحةً أن طالباً ما هو إلا "شيعي متطرف" كما يبيّن ذلك اسمُه، وأنّه كان يُمارِس "التقية" ليهاجم كلّاً من الدولة السعودية و"المسلمين السابقين" أي أولئك الذين أعلنوا تركَهم الإسلام. انتشر المقطع سريعاً وشاهَدَه أكثرُ من ثمانيةٍ وثلاثين مليون شخصٍ بعد أن أعاد ترويجَه إيلون ماسك نفسُه.

أجدُ أن تَضارُبَ تلك الروايات ليس متعلّقاً بشخصِ طالبٍ أو دوافعِه فحسبُ وإنما يعبّر عن المناخ السياسي المستقطب سواءً في ألمانيا، التي تعيش أجواءَ انتخاباتٍ حادّةٍ، أو في وسائل التواصل الاجتماعي عموماً. حَذَّرْتُ من طالب العبد المحسن قبل أكثر من سبع سنواتٍ، ولعلّ أَخْذَ عدّة خطواتٍ للوراء سيكشف حكايةً مثيرةً للاهتمام. حكايةٌ تشمل الصراعاتِ الداخليةَ التي عاشها داخل مجتمعِه الشيعيِّ في السعودية من جهةٍ، وظاهرةَ زيادة أعداد المغتربين السعوديين وتقاطع ذلك مع الحركة النسوية السعودية بعد سنة 2015 من جهةٍ أُخرى. إنها حكايةُ خلافاتٍ داخليةٍ حادّةٍ داخل مجتمع المسلمين السابقين في ألمانيا خصوصاً، وفي أوروبا وأمريكا الشمالية عموماً. وهي على المستوى الفرديّ حكايةُ شخصٍ مُصابٍ بالارتيابِ والشعورِ بالعَظَمةِ وبعُقدةِ المُخلِّص لطالِباتِ اللجوءِ السعوديّاتِ المُلْحِداتِ في مختلفِ أنحاءِ العالم. شخصٌ له تاريخٌ يمتدُّ إلى سبعِ سنواتٍ في الدفاع عن قضايا وأهدافٍ عادلةٍ، ولكن باتّباع أساليبَ وأعمالٍ مشبوهةٍ كان آخِرُها عملاً عنيفاً أَوْدَى بحياةِ أبرياء. كان هجومُ طالب العبد المحسن على المتسوّقين في سوق عيد الميلاد طريقتَه المتهوِّرةَ لإثارةِ اهتمامِ الإعلامِ والعالَمِ، وليسلّط الضوءَ على خلافٍ قانونيٍّ مع منظّمةٍ محلّيةٍ للمسلمين السابقين في ألمانيا، كان قد اتّهمَها بالفسادِ الماليِّ والتآمرِ مع السلطاتِ الألمانيةِ على طالباتِ اللجوءِ السعوديّاتِ المُلحِداتِ والتحرّش بهنّ جنسيّاً.


صادفتُ طالباً أوّلَ مرّةٍ أثناءَ مشاركتي في أنشطةِ الحركة النسوية السعودية سنةَ 2017. انطلَقَت حملةُ الحركةِ في يوليو 2016 بشعارِ "أنا وَلِيَّةُ أَمْرِي"، مطالبةً الحكومةَ السعوديةَ إنهاء نظامِ الولايةِ ومنح النساءِ الأهليةَ الكاملة. انتشرت الحركةُ على نطاقٍ واسعٍ في سَنَتِها الأُولى وضَمَّتْ مجموعاتٍ فكريةً متنوعةً من النساءِ السعودياتِ وناشطاتٍ من أجيالٍ مختلفةٍ داخل البلاد. بل إنّ نفوذَها امتدّ للنساء اللاتي تَرَكْن المملكةَ وطَلَبْن اللجوءَ في الخارج. ويمكن تتبّعُ الآثارِ الإجتماعية والسياسية الهائلة التي أَحْدَثَتها الحركة النسوية السعودية في المملكة ونقاشاتِها الحيوية وخطابِها المبدعِ وجهودِها لحشدِ الطاقات إلى هذا اليوم. وكانت الحركةُ عاملاً مؤثّراً في العديد من قرارات الحكومة برفعِ عددٍ من القيود المفروضة على النساء السعوديات. وتزامنت مع زيادةِ أعدادِ النساء السعوديات اللاتي طَلَبْن اللجوءَ في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا، بل وحتى في كوريا الجنوبية.

حينئذٍ كان العبدالمحسن يَنْشَط على هامشِ الحركةِ بوصفِه لاجئاً سعوديّاً ومسلماً سابقاً يقيمُ في ألمانيا ويساعدُ النساءَ السعوديات والمسلمات السابقات من طالبات اللجوءِ في ألمانيا ودولٍ أُخرى. وُلِدَ طالب العبد المحسن في 5 نوفمبر 1974 في قرية القارة ذاتِ الأغلبيةِ الشيعيةِ من قُرى الأَحساءِ في المنطقة الشرقية بالسعودية. تخرّج في كلّية الطبّ بجامعة الملك سعود في الرياض أواسط التسعينيات.

لاحقاً كَتَبَ طالبٌ عن حياته الفكرية والاجتماعية في السعودية مسلماً ثمّ مسلماً سابقاً. هاجَمَ في هذه الكتابات مجتمَعه الشيعيَّ بأنّه مجتمعُ أقلّيةٍ ومنغلقٌ، ووَصَفَ أفرادَ أسرتِه بأنهم "وحوش آل عبدالمحسن". وكانت التجربةُ الأشدُّ تأثيراً عليه آنذاكَ سَعْيَه لطلاقِ زوجتِه التي تزوّجها سنة 1996 عندما كان في الثانية والعشرين وهي في السادسة عشرة. ادّعى طالبٌ أنه اكتشف، بعد مدّةٍ قصيرةٍ من الزواج، أن زوجته كانت على علاقةٍ بأحدِهم قبل الزواج وأن العلاقة استمرّت بعده، فأراد الطلاق. لكن العائلة استخدمت "نفوذها" في المجتمع المحلّي لمنع الطلاق. وذكر طالبٌ أن أقاربه ضربوه وهدّدوه بالقتل، فاضطُرَّ إلى ضرب زوجته ليطلّقها، لأن هذا كان الحلَّ الوحيدَ نظراً "لقسوة العائلة عليَّ وحرماني من إمكانية الطلاق بطريقةٍ سِلمية". تبرّأ طالبٌ فيما بعدُ من عدّةِ قراراتٍ اتّخذها سابقاً، ولكنه لم يستطع التبرُّؤ من لجوئِه إلى العنف إذْ أصرّ قائلاً "لم يكُن لديَّ خيارٌ آخَرُ" و"عندما كنتُ أريدُ تطليقَها رضائياً كادوا أن يذبحوني. هم دفعوني إلى هذا الخيار".

لم يكُن طالب العبد المحسن معروفاً في الأوساط السياسية والفكرية في سنواتِه العَشْرِ الأُولى في ألمانيا. فهو غادر إلى هناك في مارس 2006 للتخصّص في الطبّ والعلاج النفسي. قبل انتقاله إلى بيرنبورغ، المدينة الصغيرة التي يسكنُها نحو اثنين وثلاثين ألف نسمةٍ جنوب ماغديبورغ، أكمل دراستَه في مدينة شترالسند شمال شرق ألمانيا من أكتوبر 2011 إلى يناير 2016. وقد نَشَرَ مقالتَيْن محكَّمَتَيْن في سَنَتَيْ 2010  2011 عن مسبِّباتِ الاكتئابِ وأعراضِ التوحّد.

تُفيد سجلّاتُ وزارة الداخلية في مقاطعة مكلنبورغ فوربومرن عن خلافٍ وَقَعَ سنة 2013 بين العبدالمحسن والجمعية الطبية في الولاية أثناء تدربّه هناك. ويُرجَّح أن يعود الخلاف إلى عدم حصولِه على رخصةِ استشاريّ. اتّصل طالبٌ بالجمعية الطبية وهَدَّدَ بأنه "سيفعل شيئاً" يلفت أنظارَ العالَم إليه. وأفادت مجلّةُ دير شبيغل الألمانيةُ أن طالباً ألمح إلى التفجيرات التي وقعت في أبريل 2013 أثناء سباق الجري في مدينة بوسطن الأمريكية. فتّشتْ الشرطةُ الألمانيةُ شقّةَ طالب وأجهزتَه الإلكترونية ولم تجد أيَّ دليلٍ على "الإعداد لهجوم حقيقي"، فحكمت محكمةُ منطقة روكستوك في الولاية نفسها في سبتمبر 2013 على طالبٍ بغرامةٍ قدرُها تسعمئة يورو بسبب "الإخلال بالسِلم العام من خلال التهديد بارتكاب جرائم". عاد طالبٌ مهدِّداً بارتكاب "فعل سيتذكّره الناس زمناً طويلاً" وهدّد كذلك بالانتحار، فزارته الشرطةُ مجدّداً بسبب هذا "الكلام الخطير". لَمْ تمرّ ثمانيةُ أشهرٍ على هذه الحادثة حتى اجتاز امتحانَ رخصةِ استشاريٍّ فمَنَحَته الجمعية الطبية الرخصة. وبعد سنةٍ، قدّم طالبٌ شكوى على الغرامة التي فَرَضَتها عليه محكمةُ منطقة روكستوك ووصف قضاتَها بأنهم "عنصريون". وحسب وزارة الداخلية في مقاطعة مكلنبورغ فوربومرن، تواصل طالبٌ في أكتوبر 2015 مع السلطات القضائية بشأن الغرامة نفسها. ونقلت وسائلُ إعلامٍ ألمانيةٌ عن وزارة الداخلية في المقاطعة أن موضوع الشكوى "كان حكم محكمة روكستوك، وأنه وجّه الشتائم والإهانات للقضاة".

خلافاً لمزاعمَ عديدةٍ انتشرت على منصّةِ إكس وفي تقاريرَ إعلاميةٍ، لم يكُن طالب العبد المحسن مطلوباً في السعودية ولم تكُن تطالِب بتسليمِه منذ سنة 2006. فقد زار السعوديةَ مرّةً واحدةً على الأقلّ في السنوات العشر الأُولى من إقامته في ألمانيا، بدليل النسخة المتداولة من جوازِ سفرِه الصادرةِ في 10 فبراير 2008 من مدينة الهفوف السعودية. فلَو أنه جدّده خارج المملكة، لسُجِّلَ مكانُ القنصليةِ لا مدينةُ الهفوف. أضف إلى ذلك أن طالباً عندما نشر صورة جواز سفره في حملةٍ لجمع التبرّعات على منصّة إنديغوغو في مارس 2016، ادّعى أن لديه "جوازَ سفرٍ سعودياً صالحاً… ولكنّي أنشر نسخةَ هذا الجواز منتهي الصلاحية". فإذا صحَّ أن لدى طالبٍ جوازُ سفرٍ سعودي صالح في مارس 2016، فهذا يعني أنه جدّده قبل انتهاء صلاحية جواز السفر السابق في 16 ديسمبر 2012، إمّا في قنصليةٍ سعوديةٍ وإمّا في مركزٍ للجوازات في السعودية نفسها.

إضافةً إلى ما سَبَقَ، فنشاطاتُ طالب على الإنترنت قبل سنة 2016 لا توحي بأنه كان مطلوباً في السعودية. فقد كان عضواً نشطاً في منتدى "الشبكة الليبرالية الحرّة" على الإنترنت منذ أكتوبر 2012، وله منشورٌ يبيّن أنه لم يكُن معارِضاً سياساتِ الدولةِ السعودية كلَّها. ففي 14 أكتوبر 2015 نشر طالب قصيدةَ مدحٍ في الأمير محمد بن سلمان يقول أوّلُ مقطعٍ منها: "مَن لا يهابُك يا أيقونةَ  العرب؟ وفي عيونِك  قرآنٌ  وألفُ نبيّ. شفيتَ قلبي من الأعداء في عدنٍ، فاشْفِ القلوبَ التي نادَتْكَ مِن حلبِ"، مثنياً على دورِ محمد بن سلمان في التدخّل السعوديّ في اليمن ومشجّعاً على دعمِ السوريين ضدَّ نظامِ الأسد.


قبل تقاطعُه مع الحركة النسوية السعودية، كان طالب العبد المحسن بَدَأَ نشاطاتِه العامةَ والسياسيةَ في مارس 2016 مركّزاً على مجتمعِ المسلمين السابقين والنقاشاتِ المناهِضةِ الإسلامَ. انضمَّ إلى منصّة إكس في ذلك الشهر وأطلق حملتَيْن لجمع التبرّعات لمشروعَيْن يَعْنِيان المسلمين السابقين. الأَوّلُ كتابٌ بعنوان "كرييتيف ريفيوتيشن أوف إسلام" (التفنيد الإبداعي للإسلام)، والثاني أكاديميةُ المسلمين السابقين الساعيةُ إلى "تأسيس مركز إقامةٍ لمجموعةٍ من العرب المسلمين السابقين ممّن يخصّصون وقتَهم لصياغة نصوصٍ تفنّد الإسلام ونشرها في الدول العربية حتى كتمِ آخِرِ نَفَسٍ من أنفاس الإسلام". أَطْلَقَ طالبٌ مشروعَه الثالثَ على منصّة إكس في أوائل أبريل 2016 وسمّاه بالإنجليزية "ساوْدي إكس مُسلِمز" أو (السعوديون المسلمون سابقاً). وهو أقربُ إلى سجلٍّ لطالبِي وطالبات اللجوءِ تتضمّن الاسمَ والصورةَ والجنسيةَ ودولةَ اللجوءِ وأسبابَ طلبِ اللجوء. وفي معرضِ تعليقِه على مشاريعِه باللغة الألمانية، ادّعى طالبٌ أنه يعتزم التواصلَ مع الحزبِ اليمينيِّ "البديل من أجل ألمانيا" في الأشهر القليلة المقبلة للتعاون في إنشاءِ أكاديمية المسلمين السابقين، وصَرَّحَ: "أنا وحزبُ البديل من أجل ألمانيا نحارِبُ العدوَّ نفسَه لحماية ألمانيا".

تزامَنَ حضورُ طالب العبد المحسن المفاجئُ ونشاطُه على الإنترنت في مارس 2016 مع لحظةٍ مهمّةٍ في طلب لجوئه السياسي. فقد أجرى في هذا الشهر مقابلةَ اللجوء في مركزِ طلبِ اللجوءِ في ساكسوني أنهالت حسب قول لاجئٍ سعوديٍّ آخَر وناشطٍ حقوقيٍّ هو طه الحاج. وضّح طالب سببَ طلبَه اللجوءَ في ألمانيا، وهو أنه مسلمٌ سابقاً تعرّض شخصيّاً "للتهديد بالقتل لتَركِه الإسلامَ" وأنّ الردّةَ عن الإسلامِ جريمةٌ يعاقِب عليها القانونُ في السعودية. كتب طالب بأحرفٍ كبيرةٍ على صفحتَيْ حملتَي التبرعات اللتَيْن أطلقَهما: "أنا طبيبٌ نفسيٌّ من السعودية، وهذه أوّلُ مرّةٍ أعبِّر فيها عن قناعاتي منذ تركتُ الإسلام. لهذا أطلبُ اللجوءَ السياسيَّ في ألمانيا هرباً من عقوبة الإعدام في بلادي. للمزيد من المعلومات عنّي وعن مشروعي، يُرجى الضغطُ هنا".

وقبل أن يُمنَح حقَّ اللجوء السياسي، كان طالب يعبّر عن إحباطه من تجربته مع نظام اللجوء في ألمانيا. فقد كتب في يونيو 2016: "يتلقّى المسلمون في الغرب دعماً كبيراً، أمّا المسلمون سابقاً في الغرب فلا يتلقّون أيَّ دعمٍ يُذكَر. بالنسبة لي، لَم أتلقَّ أيَّ دعم". وفي حديثه عن عدم تلقّيه أيَّ دعمٍ، قال طالب باللغة الألمانية إنّ على الدولة الألمانية أن تقدّم للمسلمين السابقين "بعض الدعم، كأن توفّر لهم شقّةً مزوّدةً باتّصالٍ بالإنترنت وحواسيب. وعلى الحكومة أيضاً أن تتعاون معنا قليلاً لتتيح لنا العيش في برلين. بما أننا طالبو لجوءٍ، لا يمكننا اختيار مكان إقامتنا في الوقت الحالي". مُنِح طالب حقَّ اللجوء السياسي في يوليو 2016، ونشر في الشهر نفسه على منصّة إكس: "منحتني ألمانيا اللجوءَ السياسي + الحماية + إقامة 3 سنوات + حقّ العمل في ألمانيا"، وأضاف ثلاثة وسومٍ هي: "شكراً سقراط" و"شكراً فلاسفة التنوير" و"شكراً الشعب الألماني".


في الشهر نفسِه الذي نال فيه طالب العبد المحسن حقَّ اللجوء انطلقت الحملة النسوية الضخمة ضدّ نظام ولاية الرجل في السعودية. من بين الفئات المتنوعة التي شاركت في الحملة، كان هناك جيلٌ جديدٌ من الفتيات اللاتي لم يُعرَفْن مسبَقاً بالنشاط السياسي. أثار قسمٌ من هؤلاء الفتيات الجدلَ بسبب آرائهنّ في الإلحاد وإعلان توجّهاتٍ نسويةٍ وجنسيةٍ غير تقليدية. وقسمٌ آخَرُ شارَكَ في مظاهراتٍ واحتجاجاتٍ غير مسبوقةٍ في الجامعات السعودية مطالِباتٍ بالمساواة بين الجنسين. أمّا القسم الثالث فاخترن الهجرةَ من البلاد بأعدادٍ متزايدةٍ هرباً من القمع السياسي أو من قيود نظام ولاية الرجل أو اعتراضاً على فرض التفسير الوهّابي للإسلام. ازداد عدد المغتربات السعوديات إلى حدِّ أنّ الأميرة ريما بنت بندر، قبل تعيينها سفيرةً للسعودية في الولايات المتحدة، أطلقت وسماً على منصة إكس عنوانه "آي تشوز تو ستاي" أي "أختارُ البقاء".

كانت دينا علي لَسْلوم من أولئك الفتيات اللاتي قرّرن تركَ السعودية طلباً للّجوء. ولأنّ سَفَرَ النساءِ إلى خارج السعودية آنذاك مشروطٌ بموافقة وليِّ الأمر من الرجال، كانت الفتيات يتحايلن للحصول على هذه الموافقة ثمّ الهروب. استغلّت دينا زيارتَها أقرباءَها في الكويت لتنطلق من هناك إلى أستراليا في 10 أبريل 2017، في رحلةٍ تمرّ بالعاصمة الفلبينية مانيلا. تفاجأت دينا بإيقافِها في المطار الفلبينيّ ومصادرةِ جواز سفرها واحتجازِها في غرفةٍ حتى وصولِ أعمامِها إلى المطار وإجبارِها على الصعود إلى طائرةٍ عائدةٍ إلى السعودية في 11 أبريل 2017.

كانت قضيّةُ دينا علي، التي أحدثت ضجّةً في الرأي العام السعودي، بدايةَ انتشارِ اسمِ طالب العبد المحسن داخل أوساط النسويات السعوديات لأنه ممّن سعوا إلى منع إرجاع دينا قسراً إلى السعودية. وكانت تلك المرحلة التي تعرّفتُ فيها إلى طالب ورأيتُ أخلاقَه وسلوكَه السياسي. كان أوّلُ ما صدمني شعورَه بالوصاية على الآخَرين والسهولةَ التي يتّخذ فيها القرارات نيابةً عنهم. على سبيل المثال، فهو ادّعى مرّةً أنه كذب على الضابط الفلبيني وقال له إن دينا علي تريد طلب لجوءٍ في الفلبين، وسَوَّغَ ذلك بأنّ زعمَه هذا سيَحْمِلُ السلطاتِ الفلبينيةَ على منح دينا الحمايةَ لأن الفلبين من الدول الموقّعة على اتفاقية جنيف الخاصّة باللجوء. إلا أن ذلك كان قراراً خطراً وغيرَ مسؤولٍ لأنّ دينا لم تتمكّن من الخروج من المطار للوصول إلى مكتب الهجرة في الفلبين.

بعد فشلِ جميعِ المحاولاتِ وإعادةِ دينا علي قسراً إلى السعودية، بدأ طالب الترويجَ لأساليبَ ذاتِ طبيعةٍ انتقاميةٍ مشبوهةٍ أخلاقياً. فهو رأى أن التشهيرَ بانتماءِ عائلة دينا للمذهب الشيعيّ وإثارةَ الكراهية الطائفية ضدّهم أسلوبٌ منصف. وعندما علم أنّ أقاربَها من أصحاب النفوذ، سَوَّغَ التشهيرَ بهويّتِهم المذهبيةِ بأنه يساعد في طردِهم من مناصبِهم. إضافةً لهذا رَوَّجَ، دون دليلٍ واضحٍ، أنّ دينا نفسَها كانت سُنِّيةً من جهةِ أُمِّها، وأبدى رغبتَه بنشر عنوان منزل عائلتها في الكويت. كان طالب يظنّ أن النسويات السعوديات طائفياتٌ وأنهنّ سيَجِدْنَ في فعلِه هذا عملاً مشروعاً، ومع محاولاتِهنّ ثَنْيَهُ عن هذا الأسلوب إلا أنه نفّذه فعلاً.

أعلن طالب أيضاً، في إطار "دعمه" دينا علي، عن عدّة حملاتٍ لجمع التبرّعات. فبدأ بطلب المال أثناء وجود دينا علي في مطار مانيلا، ثمّ حَثَّ متابعيه ممّن هم مستعدّون لتغطية تكاليف تعيين محامٍ بالتواصل معه مباشرة. وعندما هبطت طائرة دينا علي في السعودية في اليوم التالي وصف طالب "بعض المعوقات الكبرى" التي يتكبّدها في عمله في مساعدة طلبات اللجوء المتمثّلة "في المصاريف المتعلقة بالهاتف والإنترنت وتكاليف افتتاح منتدىً وتذاكر القطار والاتصالات الدولية وما إلى ذلك. هذا غير تكاليف المحامي في الحالات الطارئة كحالة دينا علي". وبعدها ناشَدَ للتبرّع من أجل "صندوق النساء" و"صندوق المسلمين السابقين"، وادّعى أنه سينفق التبرعات لتغطية كلفة حالات طلب لجوءٍ فرديةٍ ونفقاتها وتمويل موقعٍ إلكترونيٍ يضمّ منتدىً مخصّصاً لعملية طلب اللجوء. وجّه طالب كلامه للجمهور الجديد الذي اكتسبه من حملة دينا علي قائلاً: "بدأتُ قبل ثلاثة عشر شهراً أساعد السعوديات الهاربات من القمع الراغبات بطلب اللجوء في الخارج. من أوّل يومٍ لي على تويتر تواصَلَت معي فتاةٌ من الرياض للمشورة. منذ ذلك الحين، تفاجأتُ بالعدد الكبير من النساء السعوديات الراغبات باللجوء. فأنشأتُ قروبَ تلغرام لأعطي المعلومات لمن يحتاجها وأخذها ممّن يملكها. مجموع الذين تواصلوا معي بخصوص طلب اللجوء كان بالمئات وربما أكثر من ألف. وجمعنا كمّيةً من المعلومات المهمة الشاملة وهي تتوسع كل يوم. ثلاثة عشر شهراً من التفرغ الكامل الشامل بلا يوم إجازة. وإذا انقطعتُ عن تويتر فأنا أقوم بعملٍ ضروريٍّ ربما يكون سفراً قريباً لمدّ يد العون لأحد اللاجئين".

آخِرُ سِماتِ طالب العبد المحسن الأخلاقيةِ أنه عندما تسير الأمور إلى غير ما يتوقع أو يريد، يلجأ إلى إدانة الآخَرين بمن فيهم أشخاصٌ عمل معهم. على سبيل المثال، عندما تعقّدت الأمور القانونية في حالةٍ أُخرى للجوءِ شقيقتَيْن سعوديّتَيْن عَلِقَتا في تركيا آخِرَ سنة 2017، اتّهم طالب الناشطةَ المعروفةَ في الأوساط السعودية هالة الدوسري وآدم كوغل، أحدَ العاملين في منظمة هيومن رايتس ووتش، بعدم الكفاءة. وهاجم أيضاً ناشطةً نسويةً أخرى واتّهمَها بخدمة مصالح الدولة السعودية لأنها دعت إلى عدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في هذه الحالة.

عندما رأيتُ ممارساتِه المشبوهةَ عملياً واتّهاماتِه لناشطاتٍ نِسْويّاتٍ سعوديّاتٍ، كتبتُ في 27 نوفمبر 2017 تحذيراً من العمل مع طالب. رَدّةُ فعلِه على التحذير أكّدَت لي صحّةَ رأيي فيه. فقد كتب: "اشهدوا يا قرّاء .. لو أتت نورة الدعيجي إلى ألمانيا فسوف أتقدّم ضدّها بشكوىً إلى الشرطة الألمانية .. كلّ ما أريده منها أن تقولَ لي متى موعدُ وصولها إلى ألمانيا .. وساعتها اللّي له حقّ ياخذه ..". بعد أكثر من عامٍ، قال إنه سيتواصل مع مكتب التحقيقات الفيدرالية، الإف بي آي، للتبليغ عن مجموعة أشخاصٍ كان اسمي بينهم.


كانت مشاركةُ طالب العبد المحسن في قضيةِ لجوءِ رهف القنون مرحلةً مهمّةً في صعودِ نجمِه واتّساع شهرتِه وتوسّعِ شبكةِ معارفِه بين الصحفيين العالميين والناشطين غير السعوديين في دول متعدّدة. بدأت قصّةُ رهف القنون في 5 يناير 2019 عندما انتشر خبرٌ على وسائل التواصل الاجتماعي بأنّ امرأةً سعوديةً في الثامنة عشرة من عمرها عالقة في مطارٍ بتايلاند أثناء محاولتها السفر إلى أستراليا لطلبِ اللجوء. وكما قصّةُ دينا علي، خرجت رهف القنون من الكويت وعندما توقّفت رحلتُها في العاصمة التايلندية بانكوك صُودِرَ جوازُ سفرها وحاول مسؤولون تايلانديّون إقناعَها بركوب طائرةٍ للخطوط الجوية الكويتية أو المماطَلةَ حتى تمكّن أبوها وأخوها من الوصول إلى المطار.

لكن، خِلافاً لقصّة دينا علي، حظيت قصة رهف القنون باهتمامٍ إعلامي أكثر وذلك لأنها أعلنت أنها مسلمة سابقة من جهة، ولأن قصتها جاءت بعد حادثة الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول في أكتوبر 2018، فجعلت الأخبار القادمة من السعودية محط الأنظار. مثلاً، سافرت الصحفيةُ الكنديةُ صوفي مكنيل إلى مطار بانكوك وأقامت مع رهف القنون في غرفتها بفندق الترانزيت، وتقدّم محامون تايلانديّون باعتراضٍ على ترحيلها. وعندما فكّر مسؤولون تايلانديّون بحرمان رهف من اللجوءِ الذي طَلَبَته، رَدَعَهم وجودُ صوفي مكنيل عن ذلك. وعندما ألغت أستراليا تأشيرةَ سفرِ رهف القنون، تدخّلت المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وفي 6 يناير، نشرت رهف على منصّة إكس التماساً رسمياً لمنحها اللجوءَ في أيِّ دولةٍ مستعدّةٍ لحمايتِها من "الأذى أو القتل لأنّي تركتُ ديني، ومن التعذيب من عائلتي". في وقتٍ لاحقٍ من ذلك اليوم، أدلت السفارةُ الألمانية في تايلاند بتصريحٍ عبّرت فيه عن "القلق البالغ بشأن مصير رهف محمد [القنون]، ونحن على تواصلٍ مع الجانب التايلاندي وسفارات الدول التي تواصلت معها". في اليوم التالي، أصبحت رهف القنون "في رعاية" وكالة الأمم المتحدة للّاجئين. ثمّ سُرِّب مقطعُ فيديو لممثّلٍ عن السفارة السعودية يقول لمسؤولين تايلانديين "يعني من أوّل ما وصلت تايلاند، هي افتتحت موقع لها جديد وصل المتابعين 45 ألف تقريباً في خلال يوم. وأنا كنت أتمنّى لو سحبوا جوّالها، أفضل من جواز سفرها". في 11 يناير 2019، منحت كندا رهف القنون حقَّ اللجوءِ بضغطٍ من مسؤولي المفوضية السامية للاجئين في بانكوك، ووصلت إلى مطار تورونتو بيرسون الدولي في اليوم التالي حيث رحّبت بها وزيرةُ الخارجية الكندية كريستيا فريلاند بحفاوة.

ساهم نجاحُ قضيّةِ رهف القنون وانتشارُها في ارتفاع أسهُم العديد من الأشخاص الذين دعموها، ومنهم طالب العبد المحسن. قالت رهف في منشورٍ لها: "ساعَدَني طالب في الهروب من السعودية! أتذكّر الموقع الإلكتروني الذي أنشأه سنة 2016". لم يكن دورُ طالب أساسياً حين كانت رهف في تايلاند، وإنّما اقتصر على الدعمِ غير المباشر عبر وسطاء كانوا على تواصلٍ مع رهف، والربطِ بمجموعةٍ من معارفه غير السعوديين الذين عمل معهم سابقاً في قضايا مماثلة.

بدأت وسائلُ الإعلام الدولية الاهتمامَ بطالب العبد المحسن وموضوع اللاجئين واللاجئات السعوديين عموماً. شارك طالب في نقاشٍ على برنامج "حديث الخليج" الذي تبثّه قناةُ "الحُرّة" الأمريكية الناطقة باللغة العربية. كان عنوان الحلقة "ما أسباب زيادة موجة الإلحاد في السعودية؟"، وشارك فيها ضَيْفان آخَران من السعودية. عَرّفَ طالب عن نفسه في البرنامج بأنه ناشطٌ ساعَدَ الآلاف من السعودية في الهرب وطلب اللجوء، وأنّ عملَه هذا مَكَّنَه من المشاركة في نقاشاتٍ عديدةٍ عن الأسباب التي تدفع إلى تَرْكِ الإسلام. ووَرَدَ ذِكرُ طالبٍ أيضاً في مقالةٍ نشرتها مجلّة دير شبيغل في فبراير 2019، عن امرأةٍ سعوديةٍ تُدعى سارة طَلَبَت اللجوءَ في ألمانيا. وقابَلَت الصحيفةُ الألمانية فرانكفورتر ألِغماينه تسايتونغ طالباً في يونيو 2019. وهذا هو السياق الذي شارك فيه طالب في مقابلة مع بي بي سي في يوليو 2019 بعنوان "الموقع الإلكتروني الذي يساعد المسلمين السابقين على الهروب من دول الخليج"، وهي المقابلة التي سيستغلها اليمينيون بعد هجوم طالب للتشنيع على القناة. وفي عدّة تقارير إعلاميةٍ، يبدو أنّ الموقع الإلكتروني الذي أَسّسه طالب لاقى الثناءَ في مقابلاتٍ مع لاجئاتٍ ولاجئين من المسلمين السابقين في دولٍ متعدّدةٍ، إذ وصفوا الموقعَ بأنه موردٌ مفيدٌ يستكمل الموارد الأساسية مثل مجموعات الدعم على تلغرام أو حسابات النساء اللواتي نجحن في الهرب على منصّة إكس.

وكانت الصحافة الكندية مهتمةً بهذا الموضوع أكثر من غيرها، نظراً لحصول رهف القنون على حقّ اللجوء في كندا. نشر طالب في أوائل مارس 2019 مفتخِراً صورةً لصحفيةٍ كنديةٍ وهي تصوّره تحضيراً لقصّةٍ صحفيةٍ عنه على الأرجح. وشارك طالب في البرنامج الكندي "السلطة الخامسة"، وهو أبرز برنامجٍ استقصائيٍ كندي، إلى جانب "شبكة من النساء [معظمهن سعوديات وإماراتيات] أشرفن على هروب رهف محمد [القنون] إلى الغرب". عُرض البرنامج على شبكة سي بي سي الكندية في مارس 2019، وعَزا نشوءَ هذه الشبكة إلى فشل قضية دينا علي لْسَلوم، وأنها "مثالٌ على استجابةٍ شعبيةٍ للمطالبة بالمعلومات بين النساء اللواتي يُرِدْن مغادرةَ بلادهنّ، ولكنهنّ لا يملكن ملاذاً". وقُدِّم طالب وموقعه الإلكتروني على أنه استجابةٌ أخرى لحادثة دينا، إذ قال: "فعلتُ كلَّ ما في وسعي لإنقاذها ولكنني فشلتُ. شعرتُ بأن عليَّ أن أفعلَ شيئاً"، وشَرَحَ أن المعلومات والنصائح الموجودة على موقعه الإلكتروني مصدرُها تجاربُ طالبي وطالبات اللجوء في المقام الأول. بعد قضية رهف، رأى طالب "زيادةً في عدد الأشخاص الذين يبحثون عن المساعدة عبر الموقع الإلكتروني".

كما يبدو، كانت قضيةُ رهف القنون لحظةً مفصليةً في مسيرة طالب العبد المحسن. فقد وجد أخيراً من يَعترِف به ناشطاً سياسياً، والتقى مجموعةً من الأشخاص يعملون معه "بكفاءة"، ويتفقون مع مطالبته الدائمة بالإفصاح عن الحالات وتفاصيلها واغتنام الاهتمام الإعلامي. وبعد حصول رهف على حقّ اللجوء في كندا، احتفى طالبٌ بالنصر على منصّة إكس، وشَكَرَ من أسماهنّ الناشطات "الحقيقيات" اللاتي ساعَدْن في نجاح رهف، في حينِ أَثْنَى آخَرون على دَورِه في القضية مثل سارة روبي المقيمة في أستراليا. ومَيَّزَ بين هؤلاء وناشطين آخَرين لَمَّحَ إلى أنهم لا يتمتعون بالكفاءة أو ربما عملاء للنظام السعودي. امتدح مثلاً عملَ فيل روبرتسون، نائب رئيس هيومن رايتس ووتش لشؤون جنوب شرق آسيا، في الوقت نفسِه الذي هاجَمَ فيه آدم كوغل، نائبَ مدير المنظمة لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي ختامِ سلسلتِه الطويلةِ عن قضية رهف، شَكَرَ معارضَيْن سعوديَّيْن معروفَيْن في بريطانيا وكندا وأشار إلى دعمهما. حتى "مشاريعه" القديمة من سنة 2016 الخاصّة بالمسلمين السابقين بدأت تثمر. فهو الآن لا يكاد يجد الوقت لنشر صور المسلمين السابقين السعوديين وبياناتهم على الحساب الذي خصّصه لذلك. في إحدى المقابلات المتعدّدة التي أجراها سنة 2019، أعلن طالب بكلِّ ثقةٍ: "أنا أكثر نقّاد الإسلام حِدَّةً على مَرِّ التاريخ".


يعود تطرّفُ طالب العبد المحسن الذي قادَه لدهس المتسوّقين في سوق عيد الميلاد إلى خلافٍ طويلٍ ومتشعّبٍ نَشَبَ بينه وبين منظّمةٍ للمسلمين السابقين في ألمانيا. ظهر مجتمعُ "المسلمين السابقين" ومنظّماتُه في أوروبا وأمريكا الشمالية في السنوات التي تَلَتْ هجومَ الحادي عشر من سبتمبر 2001 ضمن موجةِ "الإلحاد الجديد". صُكَّ مصطلحُ "الإلحاد الجديد" سنة 2006 إشارةً إلى مجموعةٍ من الكتّاب روّجوا للإلحاد والإنسانية العلمانية وتعظيم العلوم الطبيعية والتطوّر الأحيائي، منهم ريتشارد دوكنز وسام هاريس ودانييل دينيت وكريستوفر هيتشنز. أَعلَنَ هؤلاءِ، في سياق الحرب العالمية على الإرهاب بعد 11 سبتمبر، أنّ الإله وهمٌ وأن لا منافع اجتماعيةً أو ثقافيةً للأديان وأنّ الإيمان أَدَّى إلى كثيرٍ من الأضرار والشنائع. وأصبح الملحدون القادمون من خلفيةٍ مسلمةٍ، مثل البريطاني الهندي سلمان رشدي والصومالية الهولندية أيان هرسي علي، شخصياتٍ مهمّةً في هذه الظاهرة العالمية، وبدأت صفة "المسلم السابق" بالانتشار.

منذ سنة 2011 بدأت تظهر الانقسامات في أوساط "الملحدين الجدد" بعد "فضيحة المصعد". بدأت القضية عندما نشرت الناشطة النسوية الملحدة ريبيكا واتسون فيديو لها على يوتيوب ذكرت فيه أن أحد الملحدين المشاركين في مؤتمر الإلحاد الدولي في العاصمة الإيرلندية دبلن لحقها إلى المصعد ودعاها إلى غرفته بعد متابعته محاضرة واتسون عن الذكورية بين الملحدين. أثار الفيديو جدلاً حادّاً جعل ريتشارد دوكنز يكتب رسالةً بعنوان "عزيزتي المسلمة" قلّل فيها من شأن مخاوف النسويات من الذكورية في أوروبا وأمريكا الشمالية، مقارناً وضعَهنّ مع وضع النساء المسلمات في الدول ذات الأغلبية المسلمة. صحيحٌ أنّ موجة "الملحدين الجدد" بدأت تذبل، لكن ذبولها كان بطيئاً. فقد ظلّ للملحدين الجدد حضورٌ مهمٌّ في فعالياتٍ بارزةٍ مثل حملة "جُو سْوِي شارلي" (أنا شارلي) سنة 2015 التي انطلقت تضامناً مع الصحيفة الأسبوعية الفرنسية الساخرة "شارلي إبدو" بعد هجوم مسلّحين على مقرّها وإطلاقهم النارَ على منتسبيها. وشارك الملحدون الجدد في النقاش عن الهجرة والاندماج وسط تزايد أعداد اللاجئين في أوروبا، لا سيّما بعد إعلان ميركل يوم 5 سبتمبر 2015 سياسة الباب المفتوح لاستقبال أعدادٍ كبيرةٍ من اللاجئين السوريين.

طرحت مجلةُ نيو ريبابليك في شهر نوفمبر 2015 سؤالَ "هل مات الإلحاد الجديد؟" وإذا كانت الإجابة على هذا السؤال هي الإيجاب، فإن القضية التي قادت إلى موته على الأرجح هي الخلاف في مسائل العدالة الاجتماعية والهويات العرقية والجنسية، أو ما صار يسمى "ووكيزم"، التي تترجَم أحياناً "الصحوة" أو "اليقظة". وبات من علامات هذا الانقسام تفشّي تكتيك دوكِنز القائم على الإشارة إلى انتهاكات حقوق الإنسان في الدول ذات الأغلبية المسلمة للتقليل من شأن المطالب النِسْوية في أوروبا وأمريكا الشمالية بين بعض الملحدين الجدد. ومن هؤلاء الملحدين الجدد أمريكيٌّ اسمُه إسحاق كوهِن وجد نفسه في معركته مع نِسْويّاتِ بلاده داعماً لمسلماتٍ سابقاتٍ ينتمين إلى الحركة النسوية السعودية. في أغسطس 2016، أَسّس كوهِن منظمةً غير ربحيةٍ مقرّها الولايات المتحدة، واسمُها "سيف" لتمكين النساء السعوديات، والتي ادّعى طالب أنه عمل معها مرّةً واحدةً على الأقلّ في أبريل 2017. كان كوهِن كثيراً ما يوظّف "دعمَه" لحملات النساء السعوديات لعقد مقارناتٍ بين هذه النضالات "الحقيقية" ومطالباتِ نِسْويّاتِ بلاده.

ومهما انتشرت أساليبُ دوكِنز بين متابعيه، إلّا أن حركة الإلحاد الجديد لم تستطع استعادةَ نفوذِها الذي تحقّق ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وتُمثّل الرسائل العلنية المتبادلة بين أيان هيرسي علي وسارة حيدر عن موضوع الصحوة أحدَ معالمِ نهاية حركة الإلحاد الجديد هذه. ففي ذروة نشاط حركات الدفاع عن حياة السود، أو "بلاك لايفز ماتر"، ومجتمع الميم وحملة "أنا أيضاً" النسوية، كتبت سارة حيدر أن حركة الإلحاد الجديد لم تخسر بعد "الحرب الثقافية" في أوساط الشباب، على عكس مخاوف أيان، وأن الأمل لا يزال موجوداً. إلا أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، فقد أعلنت سارة حيدر سنة 2023 تركَها منصب المديرة التنفيذية لجمعية المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية، وأعلنت مؤخّراً "الوداع للإلحاد المنظّم برمّته" لا سيّما في ظلّ تحفّظها على "إيديولوجيا الجندر". ومع أنها ذكرت أن عودتها إلى الإسلام ليست وشيكةً، إلا أنها باتت ترى "في فكرة الدين أداةً للنفع العام". بعد مدّةٍ قصيرةٍ، أعلنت أيان في نوفمبر 2023 اعتناقَها المسيحية.

كانت التيارات اليمينية تلوم حركة "الإلحاد الجديد" على إسهامها في نشر "فيروس الصحوة العقلية". وأصرّت أن مواجهته تتطلّب تبنّي "ثقافة مسيحية" إن لم يكن الدين المسيحيّ نفسه. في مقابلةٍ له مع عالِم النفس الكندي والمثقّف اليميني جوردان بيترسون على منصة إكس في 2023، عرّف ريتشارد دوكنز عن نفسه بأنه "مسيحيّ الثقافة". ثمّ حاول دوكِنز تصحيحَ الأمور فكتب في يناير 2025: "أجد نفسي محسوباً على حركة التجديد المسيحية من دون قصدٍ منّي". ولكن كان الأوانُ قد فاتَ، لأن عبارة "ريتشارد دوكنز، مسيحيّ الثقافة" أصبحت متفشيّة. اختار الملحدون الجددُ الميّالون إلى اليمين أن يُقِرّوا أن للدِين قيمةً اجتماعيةً وثقافيةً لأن اختفاءه سيؤدّي إلى المراعاة الصحوية المبالَغ فيها و"التعاطف الانتحاري" مع المهاجرين الذين يهدّدون "الثمار" الحضارية للمسيحية. الطريف أنهم في معركتهم هذه وجدوا حلفاء بين المسلمين السابقين، ومنهم طالب العبد المحسن.


في الوقت الذي كانت موجة الإلحاد الجديد تذبل، كان مجتمع المسلمين السابقين في مسار مختلف تتزايد أعدادهم وتكتسب قضاياه طابعها الخاص. بدأت مجموعة من اللاجئات الإيرانيات في أوروبا مع آخرين من أصول شرق أوسطية بناء مؤسسات المسلمين السابقين وتكوينها سنة 2007. وكان أولها "المجلس المركزي للمسلمين السابقين" الذي تأسس في كولن في ألمانيا، وكانت أكثر مؤسِساته ذوات ميول يسارية وشيوعية، واختير اسمه لمناكفة أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا وهو "المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا" الذي تأسس سنة 1994 في كولن. أجرت مجلّةُ دير شبيغل سنة 2007 مقابلةً مع الناشطة الألمانية الإيرانية ورئيسة المجلس المركزي للمسلمين السابقين مينا أحدي، والتي انتقدت فيها نهجَ الحكومة الألمانية في التعامل مع الإسلام والمنظمات المسلمة في ألمانيا. قالت أحدي: "لا أعتقد أن تحديث الإسلام ممكنٌ، وما نحن بصددِه هو إيجاد وزنٍ مقابلٍ للمنظمات المسلمة، وكوننا نضطر أن نقوم بهذا تحت حماية الشرطة يبيّن ضرورة هذه المبادرة". في 25 مارس 2007، نشرت دير شبيغل موضوعَ غلافِها المثيرَ للجدل "أَسْلَمَة ألمانيا بِصَمْت". بعد سنواتٍ، وفي آخِرِ مقابلةٍ أجراها قبل هجومه، أشار طالب إلى هذا الموضوع متحدثاً مع مؤسسة النهوض والتحالف والتحفيز والاستعادة "آر إيه آي آر" اليمينية الأمريكية، وقال إن دير شبيغل "فضحت هذا المشروع المتعمّد قبل أن يصبح من الرائج سياسياً تسخيف هذه المخاوف باعتبارها نظريات مؤامرةٍ يمينية".

افتتح المجلسُ بعد مدّةٍ قصيرةٍ فروعاً في دولٍ أوروبيةٍ أخرى. وشاركت في تأسيس فرعه البريطاني في يونيو 2007 الناشطةُ البريطانية الإيرانية مريم نمازي. وأَسّست الناشطةُ الهولندية الإيرانية إحسان جامي فرعاً في هولندا ولكنه حُلَّ سنة 2008. ودعمت نمازي سعيَ المسلمِ السابقِ الفلسطينيِّ وليد الحسيني لتأسيس فرعٍ في فرنسا. وفي سبتمبر 2013 تأسّست جمعية المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية مستقلةً على يد الأمريكيَّيْن الباكستانيَّيْن سارة حيدر ومحمد سيد في العاصمة واشنطن، وتأسّس للجمعية فرعٌ في كندا.

كانت مسألةُ "التعددية الثقافية" وسوءِ استخدامِها من "اليسار الرجعي" من كبرى القضايا المثيرةِ لانتقادات المسلمين السابقين في أوروبا وأمريكا الشمالية. إذ يرون أن هناك تحالفاً مؤذياً بين اليساريين والليبراليين والإسلاميين، لأنه يفضي إلى سياسات اندماجٍ وزيادة استقبال المهاجرين من الدول ذات الأغلبية المسلمة مثل سوريا وأفغانستان، وهو ما يثير مخاوفَ المسلمين السابقين.

اتّفق كثيرٌ من المسلمين السابقين على جوهر مشكلة هذا التحالف، لكنهم اختلفوا في السبيل الأمثل لحلّها. مالَ بعضُهم إلى اليسار قليلاً، فكفّوا عن كراهية المسلمين أو الجاليات المسلمة واكتفوا بكراهية الإسلام. وأصبحت مهمّتُهم الآنَ أعقَدَ بسبب صعود يمينٍ متطرّفٍ يزداد انتماءً إلى المسيحية وحضارتِها ويُعادي المهاجرين من مختلف الأصول حتى لو كانوا غير متديّنين. ينافِح الباكستاني الكندي علي ريفزي عن موقفٍ مؤيِّدٍ العلمانيةَ و"الإسلامَ ثقافةً" منذ 2017. ويرى ريفزي أنّ اليمين واليسار يخلطان بين "الإسلام" توجّهاً و"الإسلام" هويّةً. وفي إحالةٍ إلى ريتشارد دوكنز، الذي وصف نفسه بأنه مسيحيّ الثقافة يستمتع بأغاني عيد الميلاد، يجد ريفزي نفسه مسلمَ الثقافة يستمتع بطقوس العيد. هذا الموقف مربِكٌ للمسلمين السابقين وما زال محلَّ جدل. فحَتّى مع التحوّل في خطاب الكراهية، ما زالت مخاوفُهم كما هي. فهُم يَرَون أن "اليسار المتطرّف" ما زال يمكِّن للمسلمين والإسلام. وحتى إذا لم يكن "اليمين المتطرف" بديلاً صالحاً، وأن سياسة الهجرة ليست مؤامرةً ضدّ "الغرب"، فلا بدّ من اتّباع سياساتٍ تتحقّق من توافق هؤلاء المهاجرين مع "القيم الغربية".

أمّا القسم الآخَر من المسلمين السابقين فلَم يَجِدْ بديلاً عن الانتماء الحاسم إلى اليمين مع الإبقاءِ على بعض المواقف "الليبرالية" في قضايا معيّنةٍ مثل مجتمع الميم. فهؤلاء يرحّبون بما تنادي به شخصياتُ اليمين المتطرّف من انتقادٍ "صريح" للإسلامِ نفسِه وللمسلمين وللهجرة من الدول ذات الأغلبية المسلمة، وأفكارٍ عن "نفاق الليبرالية" في حرية التعبير. تحدّثت المسلمةُ سابقاً البريطانيةُ الباكستانيةُ نورية خان مع تومي روبنسون على برنامجه الإذاعي عبر الإنترنت "مُجبَرون على الصمت" في يونيو 2024 في حلقةٍ بعنوان "أَسْلَمة بريطانيا". وبعد الحلقة شكّكت نورية في وصف "اليمين المتطرف" قائلةً إنّ "ثمّةَ تشابهاً بين مخاوف تومي روبنسون بشأن بلاده وما كشفه المسلمون السابقون عن طبيعة الإسلام، والأسباب التي يجب أن تدعونا للخوف من ازدياد قوّته… كلّ مسلمٍ سابقٍ ليبراليٍّ سيقول عن الإسلام ما قاله تومي".

أمّا خطاب مينا أحدي والتوجّه الرسمي للمجلس المركزي للمسلمين السابقين في ألمانيا فإنه بين اليسار ويسار الوسط في أوساط المسلمين السابقين وذلك حسب نوع القضية. فعندما دعاها حزبُ "البديل من أجل ألمانيا" اليمينيُّ إلى فعاليةٍ، كتبت رسالةً مُطوّلةً شرحت فيها أسبابَ رفضِها الدعوةَ، مشيرةً إلى "الخطاب العنصري" الذي يستخدمه الحزبُ وتبنّيه القوميةَ المُحافِظةَ والاحتجاجَ على اللاجئين في ألمانيا. ثمّ بعد ذلك وفي سنة 2017، نشرت رسالةً أخرى انتقدت فيها اليسارَ الألمانيَّ لتبنّيه نظريات "الإسلاموفوبيا" والنظر إلى الإسلام السياسي على أنه "معادٍ للإمبريالية". أمّا فيما يخصّ الإسلام والمسلمين، فقد سبق لأحدي أن رفضت إمكانية تحديث الإسلام. لكنها ركّزت نشاطَها على دور الدِين في الحياة العامّة، واللاجئين المسلمين السابقين، وعلاقة السلطات الألمانية بالمنظمات الإسلامية. ويرى كثيرون من أعضاء مجلس أحدي أنفسهم يساريين، ولكنّ بعضَهم مال إلى اليمين في السنوات الماضية مثل علي أوتلو الذي صوّت مرّتَيْن لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، وحاول الانتسابَ إلى الحزب في نوفمبر 2023.

بسبب تلك التعقيدات بين المسلمين السابقين، لم يكُن طالب العبد المحسن استثناءً في التعبير عن مواقف تبدو للوهلة الأولى متناقضةً عقدياً وسياسياً. فقد عرّف طالب نفسَه أنّه مسلمٌ سابقاً ليبراليٌ داعمٌ حقوقَ مجتمعِ الميم، واستبشَر بالأخبار الجديدة عن إمكانِ "تحديث" الدول المسلمة واحتواءِ الإسلاميين فيها. إلا أنه في الوقت نفسه حاول "توعية" المسلمين لتَركِ الإسلام عوضاً عن إصلاحِه، ولم يجد حرجاً في كتابة منشوراتٍ قد يجدون فيها "كُفْراً". موقفُه هذا وصيّاً على المسلمين قد لا يعني أنه يكرههم بالضرورة، ولكنه لم يجد غضاضةً في التحالف مع مجموعات اليمين المتطرف لمقاومة "أَسْلَمة أوروبا". في مقابلتِه الأخيرةِ مع مؤسسة آر إيه آي آر، فاجَأَ طالبٌ الجميع بزعمِه أنه يدعم طالبي اللجوء جميعاً، سواءً من ترك الإسلام أو من بقي عليه. وأكّد أنه لا يعترض على قضايا "ما بعد الحداثة" مثل التمييز الإيجابي (أي مبدأ الأفضلية، وفيه تمييزٌ لصالح فئاتٍ مهمَّشةٍ في المجتمع). سألَ المحاوِرُ طالباً عن تجربته مع "اللاجئين الشرعيين" مقابل تلك "الجحافل التي تَصِل بالقوارب" إلى ألمانيا والدول الأوروبية، ويصيغ سؤاله كما لو أنه كان يوحي لطالبٍ بما سيفعله بعد عدّة أيّامٍ: "هل ترى فرقاً في تعامل الدولة مع الذين تحاول أنت مساعدتَهم، وأولئك الذين يحاولون اقتحامَ أسواق عيد الميلاد في عطلة نهاية الأسبوع؟".


فهمُ مجتمع المسلمين السابقين مهمٌّ لفهم الخلاف الذي نشب بين طالب العبد المحسن ومؤسّسةٍ معنيّةٍ بشؤون المسلمين السابقين على ثلاث شقيقاتٍ سعودياتٍ من أُسرة "المقبل" غادَرْن السعوديةَ طلباً للّجوءِ في ألمانيا. ففي 25 يناير 2017، نشرت كلُّ واحدةٍ من الشقيقات الثلاث على منصّة إكس أسماءَهنّ الكاملة وإعلانَ تركِهنّ الإسلامَ. ثمّ في 2019، توقّف نشاطُ حساباتِهن في وسائل التواصل الاجتماعي. يدّعي طالب العبد المحسن أنه في هذا الوقت تقريباً تواصلت الشقيقاتُ معه وأخبَرْنَه بشكواهنّ من "منظمة إغاثة اللاجئين الملحدين".

تأسست "منظمة إغاثة اللاجئين الملحدين" في ألمانيا في مارس 2017، منظّمةً غيرَ ربحيةٍ على يد اللاجئة السورية المسلمة سابقاً رنا أحمد، بالإضافة إلى كلٍّ من ديتمار ستاينر وستيفان بينتنر. تسعى المنظمة إلى تقديم المساعدة العملية للاجئين الملحدين "مثل العثور على سكنٍ، ومراجعة الدوائر الحكومية، والاستشارات النفسية، ودروس اللغة وغيرها". وتساعد المنظمةُ "اللاجئين على حضور المؤتمرات واجتماعات بناء العلاقات الاجتماعية، وعلى الظهور في وسائل الإعلام المطبوعة والمسموعة والمرئية". تتلقى المنظمةُ الدعمَ من المجلسِ المركزيّ للمسلمين سابقاً في ألمانيا ومن مؤسسة جوردانو برونو وهي "مركز دراسات للإنسانية والتنوير" الذي كان كلٌّ من ديتمار ستاينر وستيفان بينتنر ينتسبان إليه.

بَنَتْ منظمة إغاثة اللاجئين الملحدين هويتَها على قصّةِ رنا أحمد التي صارت لاحقاً من خصوم طالب العبد المحسن الرئيسيين. رنا امرأةٌ سوريةٌ عاشت في السعودية تسعةً وعشرين عاماً. وبعد تركِها الإسلامَ هربت إلى تركيا ومنها استقلّت قارباً إلى اليونان فألمانيا حيث طلبت اللجوءَ سنة 2015. أثناء رحلتِها دَعَمَها كلٌّ من أرمين نوابي من منظمة "جمهورية الإلحاد" وامتياز شمس من منظمة "الإيمان بغير المؤمنين" ومريم نمازي، بالإضافة إلى ريتشارد دوكنز والمسلمين السابقين في أمريكا الشمالية. انخرطت رنا أحمد سريعاً في مجموعات المسلمين السابقين والملحدين الجدد في أوروبا وأمريكا الشمالية، فصارت تتحدّث في المؤتمرات وتطلق المبادرات، وأَسّست منظّمةً، وكوّنت شبكةَ معارف كبيرة. وفي 25 فبراير 2019 قابَلَها ريتشارد دوكنز نفسه، وعرّف عنها بأنها "مُلحِدة سعودية" في إطار الترويج لكتابها "لا يُسمح للنساء بالحلم هنا".

تقلّبت علاقةُ طالب العبد المحسن بمنظمة إغاثة اللاجئين الملحدين وأعضائها وحلفائها عبر السنين. فابتداءً من ديسمبر 2017، عمل طالبٌ مع أعضاء في منظمة إغاثة اللاجئين الملحدين والمجلس المركزي للمسلمين السابقين في قضيةِ لجوءٍ واحدةٍ على الأقلّ. ومع كلّ الجهود المشتركة، صدر قرارُ ترحيلِ مسلمٍ سابقٍ سعوديٍّ من ألمانيا في أواسط يناير 2018. أصدر طالبٌ بياناً في ديسمبر 2018 تحدّث فيه عمّا عَدَّه دوراً سلبياً لكلٍّ من رنا أحمد ومينا أحدي وستيفان بينتنر. قال: "وأفضل تفسيرٍ لهذا الدور، في رأيي، هو فرضيةُ أنهم يخدمون مصالح الحكومة السعودية". وقال إن المنظمة "تنشر الخوف والقلق" بين السعوديات المسلمات السابقات لثنيهنّ عن إعلان تركِهنّ الإسلامَ على الإنترنت لأنه قد يهدّد حياتهنّ في ألمانيا بالخطر. وزَعَمَ أن ذِكرَ تركِهنّ الإسلامَ في طلبِ اللجوءِ كافٍ لقبولِ الطلب. وأصرّ طالب أن "الإلحاد وحده لا يضمن اللجوء" وأن هذا النهجَ يعرِّض طلباتِ اللجوءِ السعوديةَ إلى خطرِ الرفض. وكرّر هذه الانتقاداتِ عند احتفالِه على منصّة إكس "بالانتصار" بعد نجاح قضيّة رهف القنون مستفيداً من شرعيته الجديدة عندما قارن بين "استراتيجيته" الناجحة في قضيّة رهف وما وصفه بأنّه "معلومات مضلّلة" عن طلب اللجوء "تنشرها" رنا أحمد، مشيراً إلى مقطعٍ مرئيٍّ قصيرٍ لها عن خطوات طلب اللجوء للسعوديين في كندا في نوفمبر 2017. وأضاف طالب: "أَصغُوا إلى رنا نفسِها وهي تقول أنّ على المتقدّم بطلبِ اللجوءِ أن يكونَ داخل الأراضي الكندية ليتمكّن من تقديم الطلب". ثم أضاف متفاخراً: "لو صَدَّقَتها رهف، ليَئِسَت وعَجزَت عن الوصول إلى كندا".


يُحتمَل أنّ شعبيةَ طالبٍ المتزايدةَ بعد قضيةِ رهف القنون وانتقاداتِه المتكرّرة لمنظمة إغاثة اللاجئين الملحدين هي ما دَفَعَ الشقيقاتِ الثلاثَ إلى التواصل معه بشأن المنظّمة مطلعَ سنة 2019. وفحوى شكواهنّ أنهنّ عندما انتقلن من ماغديبورغ إلى كولن عرضت عليهنّ المنظمةُ السكنَ في شقّةِ المؤسّسِ الشريكِ ديتمار ستاينر الصغيرة. وتقول الشقيقاتُ إنّهنّ مُنِحنَ غرفةً في البداية، ثمّ نُقِلْنَ إلى ممرٍّ أو إلى غرفةِ معيشةٍ ذات فرشةٍ واحدةٍ على الأرض. بعد ثمانيةِ أشهرٍ في أغسطس 2018، انتقلت الشقيقاتُ للإقامة في شقّةٍ خاصّةٍ بهنّ. خلال بحثهنّ عن سكنٍ جديدٍ، حاولنَ النومَ في ملجأٍ للمشرّدين ولكنّ طلبهنّ رُفِضَ وتواصلن مع ملاجئِ النساء دون تلقّي إجابة. اشتكت الشقيقاتُ من تجربتِهنّ السلبيةِ أثناء الإقامة مع ديتمار ستاينر، وادّعين أنهن تعرّضن للتحرّش الجنسيّ والتشجيع على تجربة المخدرات والكحول والخروج إلى النوادي الليلية. وتضمّنت شكواهنّ سلوكاً غيرَ لائقٍ من رنا أحمد، مثل تطبيعِها لمساتِ ستاينر غير المرغوب فيها.

بعد سماعِه قصتَهنّ، حاول طالبٌ التواصلَ مع الشرطة، لكنه أُحبِطَ من عدم الاستجابة. فقرّر أخذَ الأمور على عاتقِه، ونَشَرَ على إكس في 2020 مقطعاً مرئيّاً أرسلته له إحدى الشقيقات لرجلٍ ادّعَيْن أنه ديتمار ستاينر لا يرتدي سوى ملابسَ داخليّةٍ من دون إذنِهنّ. بعد نشر المقطع اتّصل ستيفان بينتنر بالشقيقات غاضباً وقال لإحداهنّ إنّ عليها "التفكير في العواقب"، وزارت رنا أحمد إحدى الشقيقات في مكان عملها وهدّدتها "بفقدان الوظيفة".

في الأشهر الثلاثة اللاحقة على نشر المقطع، قدّم طالب عدّةَ شكاوى ضدّ رنا أحمد وستيفان بينتنر وديتمار ستاينر. ففي ديسمبر 2020، قدّم شكوىً جنائيةً ضدّ ستيفان لأن الشقيقات الثلاث "يشعرن بالفزع" بعد مكالمته إياهن. كتب طالبٌ في شكواه أن "ستيفان بينتنر اتّصل [بها] وأنها تشعر بالخوف من ستيفان بينتنر وديتمار ستاينر". وأشار إلى شكاوى وتقارير قديمةٍ رفعها ضدّ منظمة إغاثة اللاجئين الملحدين وضدّ رنا أحمد منذ 2019، ثمّ كتب "أرجوكم احموا الفتيات، لا يجب لهذه الإنتهاكات أن تستمر للأبد". وفي يناير وفبراير 2021، رفع شكاوى أخرى من قبيل "احتيال ماليّ" و"خرق الثقة" متّهماً كلّاً من رنا أحمد وستيفان بينتنر في سياق حملتَيْ جمع تبرعاتٍ لأربع طالبات لجوءٍ سعوديات.

وصلت كلّ تلك الشكاوى إلى طريقٍ مسدود. فقد أُبلغ طالبٌ في مايو 2021 أن التحقيق في الشكوى الماليّة قد أُغلِق. وبعد عدّة أشهرٍ، طلب طالبٌ إعادةَ فتح الشكوى مرفِقاً "معلومات جديدة" على هيئة فاكس "كان عبارةً عن اثنتي عشرة صفحةً لأنني أرفقتُ الأدلّة، وفي الختام ذكرتُ أن الفتيات السعوديات يشعرن بالخوف ما يمنعهنّ من تقديم البلاغ بأنفسهن". مع ذلك، فإن الشرطة "لم تفتح التحقيق مجدّداً" حسب ادّعائه في منصّة إكس. أمّا الشكوى الجنائية فقد تلقى طالبٌ في 16 فبراير 2023 رسالةً من المدّعي العام أنهم خلصوا إلى أنه لن تُرفع قضيةٌ ضد ديتمار ستاينر لأن الشقيقات الثلاث لا يُرِدْنَ رفعَ شَكاوٍ بأسمائهنّ ضدّه. أبدى طالبٌ امتعاضَه الشديدَ من القرار وكتب: "بعد مرور أكثر من سنتين من بدء التحقيق، قامت النيابة في يوم 16 فبراير 2023 بتعليق التحقيق بدون أن يحقّقوا مع ديتمار أو ستيفان أو رنا أحمد ولا حتى دقيقة واحدة!".

في هذه الأثناء رفع ديتمار ستاينر دعوى تشويه سمعةٍ مدنيّة ضدّ طالب العبد المحسن. ونظراً إلى أن جلسة الاستماع لشهادة ستاينر كانت قد جُدوِلَت في أبريل 2023، فإن طالباً كان شديد الارتياب من أن الشكوى الجنائية ضدّه أغلقت قبل هذا الموعد بشهرين. كتب حينها: "توقيت تعليق التحقيق كان في وسط القضية المدنية التي رفعها ديتمار ضدّي. كأنما يعطونه ضوءاً أخضرَ ليطمئن قبل الإدلاء بأقواله للمحكمة المدنية التي رفع عندها قضيته ضدي".

لم يستسلم طالب، وقدّم في 27 فبراير 2023 ما أسماه "الأدلة الإضافية" لعدّة جهاتٍ في محاولةٍ لإعادة فتح ملفّ قضية الاحتيال الماليّ. أرسل فاكساً مكوّناً من ثلاثين صفحةً إلى المدّعي العام وطالَبَ بنقضِ القرار الصادر في مايو 2021 بإغلاق ملفّ الشكوى. وادّعى طالب أنه خلافاً للأدلة التي أرسلها في نوفمبر 2021 فهو هنا أرفق "الصفحة الأولى والصفحة التي يظهر فيها بصريح القول أن رنا أحمد لم ترسل المبلغَ للفتيات الأربع إلا يوم 21 نوفمبر 2021، أي بعد سنتين تقريباً من جمع التبرّعات، وبعد أكثر من سبعة شهورٍ من قولها للشرطة 'أستطيع أن أثبت لكم أنني أرسلت المبلغ للفتيات الأربع'. وطبعاً هي لم ترسل المبلغ في نوفمبر 2021 إلا بعد أن شاهدت الفتيات الأربع مقطعَ أمينة فذهبوا إليها يطالبونها بمبلغ جمع التبرعات". توجّه طالبٌ لعدّة جهاتٍ وأجرى العديدَ من المكالَمات مطالِباً بأن يُسمَع له ولدليلِه أن يُنظر فيه. بل إنه سافر إلى مركز شرطة مدينة كولن لتسليمهم قطعة ذاكرةٍ محمولةٍ (يو إس بي) فيها ملف "الدليل" المكون من ثلاثين صفحة. وخاطب وزيرةَ الداخلية نانسي فيزر عدّة مرّاتٍ، وبعد عدّة اتصالاتٍ قال لها طالب: "إذا أغلقتم كلّ السبل السلمية للعدالة فماذا يتبقى؟"، حينها قدّمت "الوزيرة أو أحدٌ في مكتبها" بلاغاً جنائياً ضدّه.

حدث تطوّران في شهر أغسطس 2023 أفقدت طالب العبد المحسن ما تبقّى لديه من إيمانٍ بإمكانية الحصول على ما يَعتقِد أنه "عدالة" من مؤسسات الدولة وبدأ التفكير بالعنف. أوّل هذين التطوّرين خسارتُه قضيّةَ إساءةِ السمعةِ المدنيّةَ المرفوعةَ ضدّه. كتب يقول إنه في هذه اللحظة "فيما بعدُ اتّضحَت لي أهدافُ الشرطة والنيابة من هذا التحقيق. وهو أنه مهما كانت أقوال الضحايا سيُغلَق التحقيقُ لكي يكسب ديتمار القضيّةَ المدنيّةَ ضدّي. تابِع التغريداتِ التاليةَ ففيها أحداثٌ لا تترك مجالاً للشكّ أنّ هذا هو هدفُهم القذر". ولم يَسلَمْ منه محاميه، فقد اتّهمه بعدم استخدام الأدلّة في الدفاع عنه وأنه كان يخفي أو يُصعِّب حصوله على وثائق من الشرطة يعُدّها مهمّة. وارتابَ في أمرِ تنحِّي هذا المحامي عن استكمال الدفاع عنه قبل موعد تقديمه طلب استئناف القضية. وامتدّت اتهاماتُ طالبٍ للقاضي نفسه، فاتّهمه بأنه "في أغسطس [2023] صدر الحكم ضدّي لصالح ديتمار ورنا أحمد. الحكمُ قام فيه القاضي باختراع أقوال من رأسه نسبها لهم بحيث تكون لصالحهم وبنفس الوقت لا أستطيع أن أقدّم بلاغاً ضدّهم فهُم ليسوا مصدر تلك الأقوال! وأيضا تجاهل القاضي أدلّتي وحججي بالكامل". وهكذا بات يتصوّر أن جميع هؤلاء يتآمرون ضدّه، أو كما قال: "أمن الدولة يتلكّأ، النيابة تتلكّأ، والقاضي المدني في قراره غيّر التواريخ لكي يقلّل المدّة التي تمّ فيها إخفاء التبرّعات!".

أمّا التطوّر الثاني فقد علم أن النيابة العامة لم تعد مهتمّةً بالتجاوب مع ادّعاءاته عن احتيال رنا أحمد الماليّ وأن شكواه القديمة ستظلّ مغلقة. وقد عَلِم عن هذا بطريقةٍ رآها مسيئةً له، عندما ذهب إلى مكتب النيابة العامة في 16 أغسطس 2023 لمتابعة ما جرى لملفّ الثلاثين صفحةً الذي زوّدهم به وما إذا كانوا قد قبلوا طلبه بفتح الشكوى. إلا أنه تفاجأ بالردّ، حسب ما كتب في منصّة إكس، وهو أنه "سُلِّمَ نسخةً من قرار وكيل النيابة بإغلاق التحقيق في شهر مايو 2021". كاد عقلُ طالبٍ أن يطير من شدّة الغضب، فراح لمنصّة إكس وثَبَّتَ أوّلَ منشورٍ ذي محتوىً عنيف. كتب: "بالأسفل تجد الأدلّة على قيام رنا أحمد [ثم كتب ما يزعم أنه اسمُها الحقيقي] بإخفاء التبرعات التي جمعتها لأربع فتياتٍ سعودياتٍ كانوا في بلد ترانزيت. وكيف تتقاعس النيابة عن إجراء تحقيقٍ جادّ". بعدها أضاف: "استبيان لغرضٍ فلسفيٍّ بحت: هل ستلوموني لو قتلتُ 20 ألمانيّاً عشوائيّاً بسبب ما تفعله ألمانيا ضدّ المعارضة السعودية؟".


بعد هذين التطوّرين تعهّد طالب العبد المحسن بالانتقام من "السلطات الألمانية"، بعدما كان موقفه منها إيجابياً إذ لم يكونوا في عِدادِ أعدائِه. فمثلاً، عندما كان يشرح في اليوتيوب طريقة تقديم اللجوء في ألمانيا قال: "الطريقة في ألمانيا مباشرةٌ سواءً طلبت اللجوءَ في المطار أو في مركز الاستقبال. ولو صادف أنه لا يوجد طابورٌ طويلٌ أمامك فقد تجد لنفسك مسكناً في المركز خلال ثلاثين دقيقة...". وبعد أن شرح مصاعب مقابلة اللجوء وكيف أن الموظف المسؤول قد لا يفهم تعقيدات الوضع في السعودية، إلا أنه طَمْأَنَ طالباتِ اللجوء المستقبَلات. بعد ذلك أوضح لهنّ نوع الموارد التي توفرها الدولة الألمانية لهنّ لتمكينهنّ وشدّد على ضرورة الالتزام بالقوانين مثل دفع تذكرة القطار وسداد القروض الحكومية والاستعانة بمترجمٍ لفهم محتوى مخاطَبات مركز العمل. بل إنه حين حاول أحدُهم تهديدَه عبر الإنترنت، لم يتوانَ طالبٌ من إحالة مهدّديه إلى مركز شرطة ماغديبورغ.

تغيّر موقفَه هذا بين شهرَي فبراير وأغسطس 2023. فبعد أن تعامل مع عدّةِ جهاتٍ ومؤسساتٍ في مدنٍ متعدّدةٍ، صار يرى أن المصائرَ التي آلَت إليها قضيّتاهُ نتيجةَ أفعالٍ منسَّقةٍ من فاعلٍ واحد. واستَنتَج أنها كلّها خطّةٌ سياسيةٌ واحدةٌ لفاعلٍ واحدٍ هو "السلطات الألمانية". وفحوى هذه الخطّة هو حمايةُ الكيان المؤسَّسيّ "لمنظمة إغاثة اللاجئين الملحدين"، وتجاهُلُ الأذى الواقع على طالِبي اللجوء السعوديين سواءً من هذه المنظمة أو من الحكومة السعودية، والعمل على "طمس" أيّ وثائق تثبت ذلك لمنع أمثال طالبٍ من استخدامها دليلاً ضدّ الدولة الألمانية نفسها.

لا عجب إذن أن نرى طالباً يُثني على اعتراضات حزب أقصى اليمين "البديل من أجل ألمانيا" في "رقابة الدولة" و"قمعها" ويؤيّد اتهاماتِهم الدولةَ "بالنفاق". وأوضحُ مثالٍ على ذلك منشورُه على منصّة إكس الذي خاطب فيه رئيسةَ مجلس الحزب بالشراكة آليس فايدل قائلاً: "حسب خبرتي فإن الشرطة الألمانية هي المروِّج الرئيسُ للإسلاموية في ألمانيا. إن خبرتي تمتدّ إلى سبع سنواتٍ من التعامل مع أساليب الشرطة القذرة ضدّي وضدّ غيري من نقّاد الإسلام، آخِرُها في مارس 2024، وذلك من أجل تحطيم نشاطنا ضدّ الإسلام. اليسارُ مجنون. نريد من 'البديل من أجل ألمانيا' أن يحميَ الشرطةَ منهم".

وعكس تعامله مع اليمينيين، نجده لا يتوانى عن التلويح بالعنف في اتصالاته مع المسؤولين الألمان. فقد كتب رسالةً إلكترونيةً للنيابة العامة في كولن في أغسطس 2023 يقول فيها: "ولهذا، لا أجد ضميري يؤنّبني بخصوص الأحداث التي ستقع في الأيام القليلة القادمة من أجل إقامة العدل". هذه الرسالةُ دفعت شرطةَ ماغديبورغ لإرسال تحذيرٍ له من ادّعائه "أن القضاة والنيابة العامة في ألمانيا فاسدة. ولهذا فعليك الامتناعُ عن إرسال مثل هذه الرسائل، وخصوصاً التهديد بتبعات نتيجة قراراتٍ اتخذها مكتبُ الادّعاء العام في ظلّ حكم القانون. وحتى مع أنك لم تهدّد بتبعاتٍ بعينِها في هذه الحالة، إلّا أننا نرجو أن تمتنع من الكتابة بهذه الطريقة. فقد يؤدّي ذلك إلى تبعاتٍ جنائية".


تضاعفت توجهات طالب العبد المحسن الارتيابية واليمينية والعنيفة في سنة 2024 مع اتضاح أنه سيخسر استئناف القضية المدنية المرفوعة ضدّه. فقد ادّعى أن "أشياء غريبة" بدأت تظهر من تعامله مع محاميه الثاني، إذ اتّهمه "بتجاهل طلباتي بإرسال الأدلّة من الملفّات إلى المحكمة". وعندما أبدت إحدى الشقيقات الثلاث استعدادَها أن تدليَ بشهادتها في مقطعٍ مرئيٍّ، "لم يتحمّس" المحامي "عندما أتصلت به وتحدثت معه. هذا كان مؤشر على أنه لا يريدني أن أكسب القضية". فيما بعد، تسرّب هذا المقطع المرئيّ وظهرت فيه الفتاة تقول أنها "مستعدّةٌ للإدلاء بشهادةٍ في القضية ضدّ ديتمار ستاينر، ووصفت باختصارٍ التحرّشاتِ الجنسيةَ في "منظمة إغاثة اللاجئين الملحدين"، ثمّ توسّعت بادعاءاتٍ عن انتقاماتٍ تعرّضت لها هي وشقيقاتها من ديتمار نتيجة الشكوى الجنائية التي رُفعت ضدّه في 2020.

أثناء فترة الاستئناف، بدأ طالب ينعزل تدريجياً عن محيطه من المسلمين السابقين حتّى أن كثيراً منهم قطع التواصلَ معه وصاروا يحذّرون بعضهم بعضاً منه. ففي مايو 2024، دافع عنه سلوان موميكا اللاجئُ العراقيُّ في السويد الذي اشتهر بمعاداتِه الإسلامَ وحرقِه القرآنَ، قبل أن يُقتَلَ في شقّتِه في 29 يناير 2025. حينها علّقت عليه زارا كاي، المسلمة السابقة التنزانية الأسترالية، "بكشف طالب" وأنه "يعمل لصالح الحكومة السعودية ضدّ المسلمين السابقين". بعدها أرسل طالبٌ لها رسالةً خاصّةً يقول فيها: "آمُركِ أن تحذفي منشوراتِك عنّي. وإن لم تفعلي فإن المعارضة السعودية المسلّحة ستَعُدّ منشوراتِك اعتداءً على الشعب السعودي". والمعارضة السعودية المسلّحة مجموعةٌ اخترَعَها بعد أغسطس 2023 لا نعرف أحداً غيرَه ينتمي إليها. عندما قَرَأَتْ زارا رسالتَه ردّت عليه: "أتهدّدني؟ سأرسل هذه الرسالة لكلّ المحامين الذين تحاول التواصلَ معهم بما فيهم المنتسبون لمنظمة العفو وهيومن رايتس ووتش. لِنَرَ ما ستفعل". حينها ردّ طالب: "ستندمين على هجومك على الشعب السعودي". فأجابت زارا: "ولا مانع أيضاً من إرسال هذه المنشورات للحكومتين السويدية والألمانية". انتهت هذه المحادثة بهذه الرسالة من طالب: "بنهاية هذه السَنَة، لن أكون موجوداً، وذلك لأنّي سأجلب العدالةَ لألمانيا. لكن أعضاء آخَرين في المعارضة السعودية المسلّحة سيتولّون أَمْرَك. هذا عهد".

عندما بدا أنه سيخسر استئنافَه في القضية المدنية في أغسطس 2024، تواصل طالب مع عددٍ من الأشخاص ضمن شبكتِه من مسلمين سابقين ومحامين وصحفيين. فقد كان يريد مشاركتَهم "الدليلَ" على أملِ أن يساعدوه أو على الأقلّ أن ينشروا على الإنترنت. تواصل طالب في سبتمبر مع المسلم السابق الباكستاني الكندي علي ريفزي، ولمّا لَم يستجِب علي، كتب له طالب: "معنى كلامك: توقّفْ يا طالب عن حماية السعوديين من [رنا أحمد ومنظمة إغاثة اللاجئين الملحدين] ... إنّ احتماليةَ أن أَقتل مجموعةً عشوائيةً من المواطنين الألمان أعلى من احتمالية أن أتوقّف عن نشاطي ضدّ هذه المنظمة الفاسدة". لم ينتبه عليٌّ لهذه الرسالة الأخيرة من طالبٍ إلّا بعد هجومه. وخاطب طالب أيضاً صحفياً بريطانياً مقيماً في برلين اسمه جيمس جاكسون وأرسل له عدداً من التغريدات والأدلّة ومعها مقطعٌ مرئيٌّ له متقمّصاً صورةَ إيلون ماسك وصوتَه منتَجاً بالذكاء الاصطناعي يشرح قضيّتَه بالتفصيل. أجابه جاكسون: "عزيزي، لا تتوقع منّي أن أشاهد شيئاً فيه إيلون ماسك صناعي". لم يردّ طالبٌ بعدها. بعد الحادثة، عاد جاكسون لمراسلاته مع طالب وكتب: "لا زلتُ عاجزاً عن التصديق أن المتّهم بالإرهاب أرسلَ رسالةً خاصةً فيها مقطعُه المرئيّ وأنني قلتُ له ليس لديّ وقتٌ لمشاهدة إيلون ماسك صناعي".


ليس واضحاً متى اتّخذ طالب العبد المحسن قرارَ تحويلِ تهديداتِه الكلاميةِ إلى فعل. لكن يبدو أن شهر أغسطس 2024 كان نقطةَ التحوّل إذ أَعْلَنَ على منصّة إكس: "فقراري في لحظتها نهائيٌّ: إمّا العدالة أو العدالة … النتيجة التي وصلنا لها لا أتحمّل مسؤوليتها الأخلاقية فأنا ضميري مرتاح. لا أستطيع أن أشرح أكثر … إذا كنتَ ذكيّاً فسوف تفهم ماذا أقصد بأن ضميري مرتاح … وأكرّر طلبي منكَ أن تكون ذكيّاً فلا تقُل 'أَشجُبُ طالب العبد المحسن' فلستُ أنا من أَوْصَلَ الوضعَ إلى هذه المرحلة. من أوصلنا إلى هنا يتحمّل ذنبَه…". تكرّر الحديثُ عن فعلٍ عنيفٍ أيضاً في رسائله  المنشورة على قناةٍ أنشأها في منصّة تلغرام في 2023 بعنوان "قضية رنا أحمد". يقول في واحدةٍ منها كَتَبَها في 6 أغسطس: "تمّ اليوم إرسال الأدلّة إلى المحكمة. بعدها إمّا العدالة على الطريقة البسيطة أو العدالة التي تتصدّر عناوين الأخبار العالمية. لن يتمكّن شعبٌ من الاعتداء على المعارضة السعودية العسكرية دون أن يدفع ثمناً باهظاً. لا نخشى الموتَ بل نتعهّد بأننا سنجلب العدالةَ بأيّ ثمن".

ومع اقترابِ خسارةِ طلبِ الاستئناف، صار طالب يعبّر عن غضبه بسلسلة منشوراتٍ طويلةٍ ومساحاتٍ صوتيةٍ على منصّة إكس تعجّ بشتائمه وتهديداته ألمانيا حكومةً ومواطنين. وكثيراً ما أشار طالب في هذه السلاسل إلى ملفّ القضية الكامل الذي استلمه حسب ادّعائه من النيابة قبل شهر أغسطس. فقد زعم أنه عثر فيه على وثائق يراها أوّلَ مرّةٍ تؤكّد شكوكه السابقة وتكشف "مؤامرات" جديدةً عن سرقة قطعة الذاكرة المحمولة ووثيقتين داخليتين من شرطة كولن والنيابة العامة. وتُبيِّن هذه الوثائق حسبما يرى نمطاً في سلوك "السلطات الألمانية" يتجلّى في رفضِهم التحقيقَ في شكاويه، والعبثَ في الوثائق حتى لا يستطيعَ مقاضاتَهم، والضغطَ على محاميه حتى يُخْفوا بعض الملفّات عنه حمايةً لمنظمة إغاثة الملحدين. في مساحةٍ على منصّة إكس في شهر أغسطس، تَفَكَّرَ طالبٌ "السخريةَ" في أنّ "تفجير السفارات أو قتل الأبرياء بسكينٍ "قد يحوّلانه إلى "إرهابي" في حين "لا يوجد طريقٌ إلى العدالة إلا بالتفجير والقتل … لو كانوا [حريصين على العدالة] لما تجاهلوا الدليلَ الموجودَ في ملفّ النيابة … في صفحة 111! محاميَّ كتب هذه الصفحة. لا تقولوا لي إنها غير مقنعةٍ أو غير واضحةٍ … لقد تجاهلوها برمّتِها!".

عند تفحّص ما فعله طالبٌ في الأيّام السابقة على الهجوم نجدُها دالّةً على ما سيفعله، لكن هذا لا يعني أنّ ما فعله كان حتميّاً. ذلك أنه من النادر أن يكون قرارُ اللجوء إلى العنف مباشراً، لكنه يأخذ مساراً معقّداً يُخرِس فيه المرءُ ضميرَه بالتدريج حتى لا يبقى لديه سوى التبريرات العقلانية. فعلى مشارف نهاية مسار استئناف القضية المدنية، هَدَّدَ طالبٌ محاميَه وأُسرةَ المحامي وموظّفي مكتبه. نتيجةً لذلك، سلّمته شرطةُ ماغديبورغ تحذيراً في مكان عمله في أكتوبر. بعدها بدأ طالب يختلق الأعذار ويستخدم الإجازات الرسمية للتغيّب عن عمله. ما بدا واضحاً أنه قضى أيّامَه ما قبل الهجوم في فندقٍ في ماغديبورغ وذلك ربما حتى يتسنّى له فحص المكان والمدينة. وفي 14 ديسمبر 2024، قبل الهجوم بأيامٍ، كتب طالب عدّة رسائل في قناته على منصّة تلغرام تقول إحداها: "لو تمّ اغتيالي فالفاعل هو السلطات الألمانية. وإذا ألزقوها بعميلتهم داعش فتلك كذبةٌ لأنني لم أتلقّ أيّ تهديداتٍ جادّةٍ من الإسلاميين خلال تسع سنواتٍ من نشاطي الحقوقي على تويتر. العام الماضي تلقّيتُ تهديداتٍ جادّةً من موالين للحكومة السعودية وبَلَّغْتُ عليها. منذ ذلك الحين مرّت أكثر من سنةٍ لم أتعرّض خلالها للمضايقات إلا على يد السلطات الألمانية، وكلّ تلك المضايقات حدثت بسبب إصراري على كشف المنظمة الفاسدة التي أنشأتها الشرطة الألمانية خصيصاً لتدمير اللاجئين السعوديين اللادينيين". بعدها كتب وصيَّتَه التي نصَّ فيها على أنه يتبرّع بكلّ ما يملك للصليب الأحمر في ألمانيا ثمّ سجّل مجموعةً من المقاطع المرئية لتُنشَر بعد الهجوم.


إذا كان لنا أن نصدّق ادّعاء الخبير في شؤون الإرهاب برايان جنكنز أن "الإرهاب فعلٌ مسرحيّ"، وأن "الإرهاب موجَّه إلى من يشاهد ويتابع، لا إلى الضحايا أنفسهم"، فإن جريمة طالب العبد المحسن استَهدَفَت جذبَ انتباهِ اليمين المتطرّف حول العالم. فقبل هجومه شرح قضيّتَه متحدّثاً بصوتِ إيلون ماسك وصورتِه مستخدماً الذكاءَ الاصطناعيَّ من إيلون ماسك، وذلك للوصول إلى متابعي ماسك من أقصى اليمين. وبعدها تحدّث إلى مؤسسة آر إيه آي آر الأمريكية للوصول إلى جمهورها اليميني المتطرّف في الولايات المتحدة. أراد طالب من هذا التواصل مع اليمين "فضح" الناشطين المرتبطين بمنظمة إغاثة اللاجئين الملحدين بسبب "دورهم التخريبي" ضدّ ثلاث لاجئاتٍ سعودياتٍ، وبسبب علاقتهم مع السلطات الألمانية التي تُيسِّر "أَسْلَمَة أوروبا". أراد طالب أن يقول لليمين المتطرّف إنّ هؤلاء المسلمين سابقاً ليسوا كما تظنّون. إنهم منافقون ينتقدون التحالفَ بين اليسار والإسلاميين ولكنهم يساهمون فيه، وإلّا فكيف يمكن شرح ما شعر أنه "تستّر" على تحرّشٍ جنسيٍّ وفسادٍ ماليٍّ في منظمةٍ للمسلمين سابقاً؟

إلا أنّ ما لم يتوقّعه طالب، على ما يبدو، هو أنّ حزب "البديل من أجل ألمانيا" وأقصى اليمين عموماً لن يأخذوه على محمل الجدّ ولن يقبلوا به في صفوفهم، لأنّه لاجئٌ من خلفيةٍ مسلمة. وعندما قاد طالبٌ، اللاجئُ العربيُّ القادمُ من السعودية، سيّارتَه داخل سوقِ عيد ميلادٍ قبل انتخابات فبراير، فإنه قد حسم بنفسه مصيرَه السياسيَّ وإرثَه الشخصيّ. فهو في نظر حزب "البديل من أجل ألمانيا" وداعميه من المسلمين السابقين "إسلاميٌّ"، كان ولا يزال، بصرف النظر عن كلّ "الأدلّة" التي لديه عن التحرش الجنسي والفساد المالي في منظمة إغاثة اللاجئين الملحدين وعمّا صرّح به وأعلنه باعتباره مسلماً شيعيّاً سابقاً، بل وعمّا نشره على الإنترنت دعماً للسياسيين الأوروبيين من اليمين المتطرف. لن تغيّر نسخةُ الذكاء الاصطناعي من إيلون ماسك ذلك.

شاركت رئيسةُ مجلس حزب "البديل من أجل ألمانيا" بالشراكة، آليس فايدل، قبل يومين من عيد الميلاد في مسيرةٍ في ماغديبورغ. وتحدّثت أمام جمهورٍ واسعٍ قائلةً بكلّ ثقةٍ عن رأي الحزب النهائي بطالب العبد المحسن: "نجتمع هنا قبل يومٍ من عشيّةِ عيد الميلاد لنتذكّر معاً ضحايا عملٍ عبثيٍّ وهمجيٍّ ... عملٍ إسلاميٍّ مليءٍ بالكراهية لكلّ ما يمثّل التآخيَ الإنسانيَّ، بالكراهية لنا بشراً وألمانَ ومسيحيّين".

حتى القلّةُ من المسلمين السابقين الذين لا يزالون يصدّقون أن طالباً واحدٌ منهم تخلّوا عنه. فبعد هجومه، كَتَبَت رهف القنون: "سيأتي يومٌ لن تقبل فيه أوروبا أيَّ شخصٍ من الشرق الأوسط، مسلماً كان أم مسلماً سابقاً… عارٌ عليك يا طالب، لقد شوّهتَ صورةَ جميع المسلمين السابقين والمسلمات السابقات".

أمّا اللاتي تضرّرن مباشرةً من وقعِ فعلةِ طالب، فهُنّ اللاجئات السعوديات في ألمانيا اللواتي زَعَمَ طالبٌ أنه ينقذهن. واجهَتْ إحداهُنّ، وهي تكتب بِاسمٍ وهميٍّ "سالي"، سيلاً من رسائل التهديد والشماتة فنشرت بياناً عن موقفها من الحادثة. تقول: إنّ "ادّعاءات طالب ع.، بما يخصّ وضعَ اللاجئين السعوديين في جمهورية ألمانيا الإتحادية، لا صحة له … فمن واقع تجربتي، لم أتعرض أنا أو أي لاجئ أعرفه، سعودياً كان أو مِن أي دولة أخرى، لأيٍّ من ادّعاءاته". ثمّ أضافت أنه حتى "لو كانت الادعاءات صحيحةً، فهذا غيرُ مبرّرٍ بأيّ شكلٍ من الأشكال عملَه الإرهابيَّ بحقِّ أبرياء في ألمانيا أو في أيِّ مكانٍ آخَرَ في العالم". وأصرّت في تعليقٍ آخَر على أن "اللجوء حقٌّ إنسانيٌّ مكفولٌ بالدساتير… نعم كونُ طالبٍ لاجئاً سعودياً ربما تتأثر ملفّاتُ طالبي اللجوءِ السعوديين، ولكن مِن عدلِ القانون الألماني أنهم ما ياخذونك على ذنب غيرك". علينا أن ننتظرَ ونرى نتائجَ الانتخابات الألمانية آخِرَ فبراير 2025 لنعلمَ ما إذا كان تفاؤلُ سالي سيتغلّبُ على سوءِ طويّةِ طالب.

اشترك في نشرتنا البريدية