ورث أبو العبد المهنة من والده. كان يسافر إلى أبرز دور النشر في القاهرة وبيروت ودمشق مرّةً أو مرّتين سنوياً، فيتخيّر أحدث عناوينها وأكثرها طلباً، ثم يشحنها إلى مستودعاته في الأردن. وعند وصول الكتب للأردن، يتخيّر مؤيد وأقرانه من باعة الكتب بالتجزئة من بين مئات العناوين التي يمكن بيعها في الشوارع والأكشاك، بالإضافة إلى كتبٍ أخرى جاءت بناءً على طلبهم. ترك أبو العبد مهنة الكتب المقلدة بسبب قضية حقوق النشر والتأليف، التي جرّت عليه غرامةً كبيرةً سنة 2010. فكانت فرصة لمؤيد الذي تحوّل تدريجياً إلى واحدٍ من أكبر تجار الكتب المقلدة في الأردن. كان الطلب على الكتب المقلدة في مدينته أكبر من العرض الذي يجلبه أبو العبد. فرغب، وباعة تجزئةٍ آخرين، في توسيع تجارتهم. لكن وبدل السفر إلى العواصم العربية قَصْدَ الحصول على الكتب، اختار مؤيد أن يطبعها في الأردن في معامل بدأت بسيطة.
يقول مؤيد: "في تلك الآونة عملتُ في إحدى المكتبات الأردنية، أمتنع عن ذكر اسمها لدواعٍ أمنيةٍ، التي اشتغلت بالتوازي مع بيع الكتب الأصلية على تقليد الكتب. استعانت المكتبة بمهنيّين، من بينهم شخصٌ يدعى 'الجوكر'. وهو فنّي طباعةٍ وموظفٌ سابقٌ في مطبعة. يدخل الجوكر لمستودع المكتبة قبل مغادرة العمال الذين يغلقون عليه الباب، بطلبٍ من صاحب المطبعة، ثم يبدأ عمله على آلة تصويرٍ كبيرة الحجم ومعدّاتٍ تقنية. وقبل حلول الصباح يُغادر وقد خلّف وراءه عشرات الكتب المطبوعة. يعمل الجوكر في كلّ مطبعةٍ بضعة أيامٍ فقط، قبل أن يمرّ على مطبعةٍ أخرى. عايشتُ هذه التجربة يومياً، وقد شكّلتْ تجربتي منطلقاً وحافزاً للكتابة عن تجارة الكتب المقلدة في الأردن".
انتشرت تجارة الكتب المقلدة في الأردن بطريقةٍ بدائيةٍ منذ ستينيات القرن الماضي، بعدما حُظرت بعض العناوين لأسبابٍ سياسيةٍ، لتصبح عادةً تمارَس مع الانفتاح النسبي في البلاد هذه الأيام. ومع غياب الأرقام الرسمية، إلّا أن تقليد الكتب تصاعد بعد فترة الربيع العربي منذ 2011. فأصبح الكتاب المقلّد الاختيار الأول عند القرّاء الأردنيين، بسبب انخفاض سعره ووفرته. وهو ما لا يُتاح في الكتاب الأصلي، الذي تشرف دور النشر على طباعته وتوزيعه.
يقول طه إنه، إبان الأحكام العرفية في الثمانينيات، كان المثقفون وناشطو الأحزاب اليسارية المحظورة يسألون عن بعض عناوين الكتب الممنوعة بسبب تطرّقها إلى موضوعاتٍ في الدين والجنس والسياسة. وكانت هذه الكتب تصل إلى بعض المكتبات مع سائقي سيّارات شحنٍ عبر الحدود، لتباع بعدها في الخفاء. ووفق ما اقتضاه الطلب، عمل طه على تصوير هذه الكتب على آلات نسخٍ مثل تلك الموجودة في المكتبات وبيعها لزبائن محددين، وضمن دائرةٍ ضيقةٍ معظمهم من منتسبي الأحزاب المحظورة ومعارفهم. يعلّق مؤيد على هذه المسألة: "كانت هذه الكتب تصوَّر بطريقةٍ تثير الشفقة. لقد رأيتُ الكثير منها في مكتبات بعض القرّاء في المدينة".
على إثر "الانفتاح الديمقراطي" في الأردن سنة 1989، أجريت انتخاباتٌ برلمانيةٌ وسُمح للأحزاب بالعمل. وعاماً بعد آخَر، تقلّصت قوائم الكتب الممنوعة وضعفت القيود عليها، فزادت مساحة المناورة لمقلّدي الكتب بالحصول على الكتب وطباعتها وبيعها. لاسيّما وقد أضحت التقنية، وما ارتبط بها من وسائل الطباعة الحديثة، في متناول كثيرٍ من الناس بعدما كانت محصورةً نسبياً في الإطار المؤسسي ودور النشر. فمع بداية الألفية، بدأ انتشار أجهزة الحاسوب والطابعات المنزلية والماسح الضوئيّ (السكانر)، وتوفّرت نسخٌ إلكترونيةٌ من الكتب على مواقع الإنترنت يرفعها قراصنة كتبٍ حول العالم. منهم عربٌ يقيمون في دولٍ غربية حوّلوا آلاف الكتب إلى نسخٍ إلكترونيةٍ، ورفعوها على الإنترنت لتكون متاحةً مجاناً للجمهور.
اعتمد مقلّدو تلك المرحلة على سحب نسخةٍ من الكتاب بالماسح الضوئيّ، أو الحصول على نسخةٍ رقميةٍ منه من مواقع الإنترنت. يحفظون النسخة بعدها على الحاسوب ويطبعونها بطابعاتٍ مكتبيةٍ على ورق الطباعة الأبيض. بعد ذلك يقصّون الأوراق بمقصّات الورق اليدوية، ثم يثبّتون كلّ ملزمة ورقٍ على حدةٍ بدبابيس معدنيّةٍ، لتلصق هذه المَلازم ببعضها بالغراء الأبيض. يُصمم الغلاف كذلك على الحاسوب، ويطبعونه على ورقٍ أبيض مُقوّى. كانت هذه الطريقة بطيئةً وتعتمد على الجهد اليدوي في جمع صفحات الكتاب. وعليه كان الناتج عدّة نسخٍ من الكتاب ذوات جودةٍ منخفضةٍ، وكثيراً ما كانت صفحات الكتاب تتفكك ويتلف الغلاف.
في السنوات الأولى من مطلع الألفية، دخلتْ السوق الأردني آلات تشذيب الكتب وتجليدها التي تنجِز في ثوانٍ مهمةَ تجميع الصفحات المطبوعة من نسخة كتابٍ واحدٍ، ثم يُضاف إليه الغراء. اقتصرت هذه الآلات بدايةً على المطابع المرخّصة التي تطبع لدور النشر، فهي آلاتٌ تُستورَد بكلفةٍ تقارب ألفَيْ دولار للقطعة. سرعان ما تطورت هذه الآلات وأمكن توصيلها بالحاسوب، وتحويل عملية التجليد إلى عمليةٍ ذاتيةٍ في جزءٍ كبيرٍ منها، ولا تتطلب مستوى التدخل البشري السابق نفسه من ذوي الخبرة والاختصاص بهذا المجال. الأمر الذي أتاح إنتاج نسخٍ أكثر. فصارت النسخ المقلّدة من الكتب تنتَج في معامل نائيةٍ على أطراف المدن، بعيداً عن أعين الرقابة والكتّاب ودور النشر، وتصنع كتباً شبيهةً بالنسخ الأصلية وبسرعة.
ساءلتْ نقابة الكتاب أبو العبد، وأُحيلت قضيّته إلى المحكمة التي غرّمته مبالغَ طائلةً لإنهاء القضية. استغلّ مؤيد الفراغ الذي خلّفه أبو العبد. وتزامن هذا مع ما بدا تزايداً بالطلب على الكتب المقلدة إبان ثورات الربيع العربي في مطلع العقد الثاني من الألفية. حينئذٍ كان الناس يبحثون في الكتب عن إجاباتٍ لما يجري حولهم، على حدّ تعبير حسين الشيخ، أحد أصحاب مكتبات عمان في تصريحه لمنصة "حبر" الصحفية سنة 2017. حتى إن متاجر كتبٍ عربيةً إلكترونيةً أُنشئت آنذاك، أملاً بأن تغدو مثل متجر أمازون الإلكتروني. ومنها متجر "جملون" الذي دُشّن سنة 2010، وأخذ على عاتقه بيع الكتاب العربي للقرّاء في جميع أنحاء العالم من مقرّه في الأردن، بالتعاون مع دور نشرٍ ومكتبات. إلّا أن التجربة بدأت في الاضمحلال مع بداية العقد الثالث من الألفية لأسبابٍ تقنيةٍ وأخرى تمكينيةٍ وماليةٍ، ولم يعد المتجر متاحاً بعد 2023.
أثناء الربيع العربي، زار مؤيد مجموعةً من العواصم العربية، كالقاهرة. ولم تكن الزيارة هذه المرّة لدور النشر الكبيرة بهدف جلب إصداراتٍ جديدةٍ، وإنما للقاء مقلّدي كتبٍ كبارٍ والحصول على آخر النسخ المقلدة، متقنة الصُنع ورخيصة الثمن.
وفي إتقان التقليد سرّ المهنة. يقول مؤيد إن أغلب المقلدين يتفاخرون بجودة النسخ التي يستوردونها، والتي تكاد تصل نسبة التشابه بينها وبين والنسخة الأصلية إلى 90 بالمئة. والفارق الوحيد بين النسختين هو السعر، الذي ينخفض في النسخة المقلّدة إلى النصف وأحياناً إلى الثلث. وهو ما شهده مؤيد عياناً قبل في مستودع أبو العبد. والسبب الذي يفسِّر تشابه الجودة هو أن المقلدين يستوردون الورق نفسه ويطبعون بالآلات نفسها التي تعمل بها دور النشر التقليدية القانونية. وفي مراتٍ عديدةٍ يستعملون الموظفين أنفسهم، كما كان الحال مع الجوكر، إلّا أنهم لا يتكبدون التكاليف نفسها التي يتكبدها الناشر.
وتعليقاً على التكاليف، قال رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين جبر أبو فارس للفراتس إن مرحلة ما قبل الطباعة لها تكلفتها، وتتراوح ما بين ألفٍ وألفَيْ دولار حسب حجم الكتاب. وتشمل هذه المرحلة صفّ الكتاب إن كان مكتوباً يدوياً، أي طباعته بالحاسوب، ثم تدقيقه وتنقيحه لغوياً ثم تنسيقه ثم تصميم متخصص الرسم غلافَه. وتتراوح تكلفة طباعة ألف نسخةٍ من الكتاب بين خمسةٍ وستّة آلاف دولار. ويبقى الاختلاف مقروناً بحجم الكتاب ومواصفات الورق.
أضاف أبو فارس: "قبل ظهور الإنترنت وعمليات تزوير الكتب، كانت دور النشر تعود من معارض الكتب دون نسخةٍ واحدةٍ خصوصاً في ليبيا والعراق واليمن. أمّا اليوم، فدور النشر هاته تشارك في المعارض رمزياً حتى تُثبت استمرارية وجودها فقط".
وفي حين يتجنب الناشر طباعة أعدادٍ كبيرةٍ في الطبعة الأولى، بسبب التكلفة واختبار ردّة فعل السوق، تظلّ مساحة المخاطرة أمام المقلّد أقلّ. إذ لا يدفع تكاليف ما قبل الطباعة، لأنه يحصل على النسخة جاهزةً، إما من مواقع إلكترونيةٍ أو أن يصوّرها هو نفسه. كذلك، فإنه لا يتحمل تكاليف الخسارة لأنه يراقب السوق بعناية. وعندما يلاحظ طلباً كبيراً على عنوان كتابٍ ما، فإنه يطبع آلاف النسخ منه. وكلما ارتفع عدد النسخ المطبوعة، قلّت التكلفة.
لذا يجد المرء الكتب الأكثر مبيعاً عربياً في المحلات والمكتبات الصغيرة وبسطات الكتب على الأرصفة، وتكون عادةً مقلّدة. ومنها كتب المفكر السوداني منصور خالد، وترجمات الروائي البرازيلي باولو كويلو، ودواوين محمود درويش، ومؤلفات الروائي السوداني الطيب صالح. بالإضافة إلى رواياتٍ حصلت على أرفع جوائز الرواية العربية، مثل جائزة البوكر العربية، ومنها روايات "واحة الغروب" لبهاء طاهر و"عزازيل" ليوسف زيدان. كذا، فإن أعمال نجيب محفوظ وروايات الجزائرية أحلام مستغانمي والأردني أيمن العتوم من أبرز الكتب المقلدة وأكثرها مبيعاً.
في أحيانٍ كثيرةٍ ينتج المقلدون العناوين بناءً على طلب الباعة. وقد يكون السبب ارتفاع الطلب أو توقّع ارتفاع الطلب على كتابٍ ما بسبب حدثٍ معيّن. مثلما حصل مع كتاب "رسائل في القرآن" للكاتب الفلسطيني أدهم شرقاوي، بعدما ظهر الكتاب مع أحد مقاتلي كتائب القسّام في غزة في مقطعٍ مصوّر. وتباع النسخة الأصلية من كتاب الشرقاوي الصادرة عن دار "كلمات" في الكويت بقرابة ستة عشر دولاراً. قُلدت في الأردن نسخٌ من الكتاب وبيعت بقرابة سبعة دولاراتٍ للنسخة الواحدة. ومن معاينة هذه النسخة، بدا أنها تختلف في الجودة عن النسخ الأصلية في ورقها الأبيض وغلافها غير المصقول جيداً. وانتظر السوق قرابة شهرٍ حتى دخلت إليه نسخٌ شبيهةٌ بالنسخ الأصلية، ذات العنوان البارز على الغلاف والورق المصقول الأصفر والطباعة الواضحة.
وإذا كان الأمر بهذه الضبابية في مجال قطاع النشر القانوني، فلعلّ حصر أرقام قطاع تقليد الكتب أصعب. ومع ذلك قدّمت الدراسة ذاتها مؤشراتٍ على تنامي هذه الظاهرة بين 2015 و2019. فقد أشارت إلى العراق والسودان ومصر بالذات بلداناً تشيع فيها تجارة تقليد الكتب. بلغ شيوع هذه التجارة في العراق حدّاً بات فيه كيان النشر في البلد مهدَّداً وجودياً. ومثّل التقليد في السودان باباً لأرباحٍ حقّقها ما يسمّيه المثقفون السودانيون "الناشر الشبح"، أيْ ناشرٌ بلا عنوانٍ أو اسمٍ، ويغيّر موقعه باستمرار. وتبقى مصر مالكة الأرقام الأكبر، حسب الدراسة، بسبب انخفاض تكلفة الورق وغياب الرقابة.
أما الأردن، فتصلها الكتب المقلدة بالغالب من مصر ولبنان. وقد كشف عددٌ من موظفي مكتب حماية حقوق المؤلف التابع لدائرة المكتبة الوطنية في الأردن، الذين تحدثوا للفراتس وآثروا عدم ذكر أسمائهم، أن الأردن يُعَدّ سوقاً لتجارة الكتب المقلدة أكثر ممّا هو سوقٌ لإنتاجها إذ تأتي معظم الكتب المقلّدة من الخارج. في حين تنتَج نسبةٌ قليلةٌ منها في الأردن، وهي – كما قالوا – ظاهرةٌ انحسرت في الأعوام الأخيرة.
يضطلع مكتب حماية حقوق المؤلف بالقضايا التي تمسّ الملكية الفكرية. وليس ذلك للكتب فقط، إذ تشمل الأقراص الممغنطة وأجهزة استقبال القنوات المشفرة (الرسيفر). وأوضح المسؤولون أن الأرقام الدقيقة لعدد قضايا تقليد الكتب في الأردن غير متوفرة، لكنهم يقدّرون عدد مجمل قضايا انتهاكات الحقوق الفكرية التي عملوا عليها بما يزيد على سبعة آلاف قضية. أضافوا أنه يشرف على تفتيش الكتب المستوردة موظفون من دائرة المكتبة الوطنية الأردنية بالتعاون مع دائرة الجمارك.
ويمتد نفوذ المكتب لحالات شكوى تتقدّم بها دور نشرٍ عربيةٌ في أيام معرض عمان الدولي للكتاب الذي يُقام كلّ عام. في المقابل، لا يمكن لدور النشر الأردنية تسجيل شكوى وجود كتابٍ أردنيٍّ مزورٍ خارج الحدود الأردنية.
يعلّق مؤيد بأن فرق التفتيش غير مهتمةٍ بالعادة بالكتب المقلدة المستوردة، بقدر اهتمامها بالعناوين الممنوعة. فمن الصعب التعرّف على الكتب المقلدة في المنافذ البرية ولا حتى الجوية. خصوصاً أن الآلات التي أصبحت تستعمَل في الطباعة تطبع بجودةٍ عاليةٍ، ما مكّن المقلّدين من إنتاج نسخٍ لا تختلف عن النسخ الأصلية.
تبدأ عمليات الرقابة على النسخ المقلدة بعد دخولها إلى الأسواق. إذ تسيِّر فرق التفتيش التابعة لدائرة المكتبة الوطنية، قسم حقوق المؤلف، لجنةً بناءً على شكوى من أحد الكتاب أو دار نشر. وهذا ما حدث لمؤيد على مدار ستة عشر عاماً من امتهانه تزوير الكتب. فبناءً على شكوى من دار نشرٍ عربيةٍ، ضبطت هذه اللجان كتباً مقلّدةً لديه، وقد زاره موظّفو المراقبة أحياناً بصفة مشترين. وقد أمضى مؤيد على إثرها قرابة عامٍ ونصفٍ في المحاكم. وفي قضيّتين لاحقتين، يبدو أن مؤيد تعلّم الدرس، وادّعى فيهما أنه لا يعرف مصدر الكتب ولا يميّز النسخ الأصلية من المقلّدة، وأنه اشترى من بائعٍ شاهَده مرّةً واحدة.
وقد أخبرنا موظفو مكتب حقوق المؤلف في عمّان أنهم يعرفون أسماء المقلدين الكبار، وقد ذكروهم بالاسم حقاً. لكن أيّاً من حالات التفتيش لا تسير إلّا إذا وجدت شكوى مسجلة.
لا يتطلب قانون حماية حقّ المؤلف والحقوق المجاورة في الأردن، الصادر سنة 1992 والمعدّل سنة 2014، شكوى يتحرّك على إثرها موظّفو مكتب حماية حقّ المؤلف لملاحقة المقلّدين. إنما ينصّ على حقّ الموظفين في تفتيش أيّ مكانٍ يتولّى طبع المصنفات أو نسخھا أو إنتاجھا أو توزيعھا، بما في ذلك وسائل النقل. ولھم الحق في حجز النسخ وجميع المواد المستعملة في ارتكاب تلك المخالفات، وإحالتھا مع مرتكبيھا إلى المحكمة. ولوزير الثقافة حق الطلب من المحكمة إغلاق المحلّ. وهو ما يؤكّده مسؤول مكتب حماية حقوق المؤلف في حديثه للفراتس، إذ يتحرك موظفو المكتب الذين يحملون صفة الضابطة العدلية في حال الاشتباه أو وصول شكوى من المؤلف أو الناشر.
كذلك يحظر قانون المطبوعات والنشر في الأردن الصادر سنة 1998 استنساخ المصنّف بأيّ طريقةٍ أو شكلٍ، سواءً كان مؤقتاً أو دائماً، بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي أو السينمائي أو التسجيل الرقمي الإلكتروني. ويعاقب بالحبس مدّةً لا تقلّ عن ثلاثة أشھرٍ ولا تزيد على سنةٍ، وبغرامةٍ لا تقلّ عن ألف دينارٍ ولا تزيد على ستة آلاف دينار. وكثيرٌ من قضايا تقليد الكتب في الأردن تنتهي بغراماتٍ قليلةٍ وحبسٍ قابلٍ للاستبدال. وفي كثيرٍ من الأحيان يُتوصّل لتسويةٍ ماليةٍ بين المؤلف والمقلّد تنتهي بإسقاط الحقّ.
تشتري هدى نسخةً أصليّةً من الكتاب، فقط عندما لا تتوفر النسخة المقلّدة منه في الأسواق. أو حين يكون الكتاب من الكتب التي تحتاج إلى أن تعود لها بين حينٍ وآخر، ولا يُقرأ مرةً واحدةً، مثل الروايات الأدبيّة والقصص ودواوين الشعر والسير الذاتية. بهذا، صارت الكتب المقلدة عند هدى هي الأصل، كما تقول. وأفضليتها أنها غالباً ما تصل إلى القارئ أسرع من النسخ الأصليّة. لأن بعض دور النشر لا توفّر خيار توصيل منشوراتها إلى دولٍ أخرى، بالإضافة إلى عدم توفر نقاط بيعٍ لبعض دور النشر المحلية في باقي المحافظات.
وتشير هدى إلى أن الحصول على نسخةٍ أصليةٍ يتطلب وقتاً طويلاً، وقد يشمل مثلاً ذهابها إلى مقرّ دار النشر إن كانت محليةً، أو انتظار توصيلها إلى بيتها في حال كانت دار النشر من خارج الأردن. في حين تجد النسخة المقلّدة في كلّ مكانٍ، في المحلات الصغيرة والشوارع ومعارض الكتب الشعبية، وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وفي المكتبات الشعبية. وتضيف إن ما يعنيها هو أن تكون النسخة غير الأصلية مقلّدةً بدرجةٍ معقولةٍ، فلا تؤثّر على المحتوى ولا تقطع أجزاءً من الكتاب.
الأمر الأهم لهدى هو السعر. فهي تعتقد أن هناك مبالغةً من دور النشر في تسعيرة بعض الكتب لاعتباراتٍ تجاريةٍ أو بسبب شهرة الكاتب. لذلك تفضّل هدى النسخة المقلّدة لانخفاض سعرها أحياناً إلى النصف، مقارنةً بالنسخ الأصلية. خاصةً، كما تقول، أن النسخ المقلّدة لم تعد تختلف في الجودة كثيراً عن النسخ الأصليّة سوى في بعض الأمور الثانوية، مثل بروز عنوان الكتاب وغلافه من الورق المقوى.
تضيف هدى أنه، طالما أن كثيراً من أسعار دور النشر مرتفعةٌ، يبقى الكتاب المقلّد منتشراً، وهو ما يساعد في تعميم المعرفة لأكبر عددٍ من القرّاء. وتعتقد أن جزءاً من عملية التقليد تؤدي ما يجب على الحكومات أن تتخذه في تعميم المعرفة. ومع اعترافها بأن هذه العملية انتهاكٌ للملكية الفكرية وحقوق المؤلفين، إلّا أنها تسأل: "لماذا تبقى نسخة الكتاب الأصلية حكراً على مجموعة قرّاءٍ قادرين على شرائها؟".
تتشابه وجهة نظر هدى مع ما أخبرنا به مؤيد. فقد قال إن الناس صارت تسأل عن النسخة المقلّدة لأنها الأرخص ثمناً. ويرى أن تطوّر ظاهرة الكتب المقلدة في الأردن نتيجةٌ طبيعيةٌ لما يسميه "عدم تعلم قطاع النشر من أخطائه". ويقول: "دار النشر لا تراعي ظروف القارئ. لماذا لا تطبع طبعتين من الكتاب الذي عليه طلب. واحدةٌ شعبيّةٌ بسعرٍ مخفضٍ لتكون بأيدي القراء البسطاء والفقراء، وأخرى تطبعها بالجودة التي تريدها لمن يرغب في اقتناء هذه الطبعة ذات الجودة المرتفعة؟". ويشير إلى أنه اقترح قبل سنواتٍ على إحدى دور النشر أن تمنحه خصوماتٍ على بعض الكتب ليتسنّى له بيعها بأسعارٍ تتناسب مع قدرة زبائنه، أو تمنحه الإذن لطباعة نسخةٍ شعبيةٍ منخفضة الثمن من إحدى الروايات التي يكثر الطلب عليها. لكنها رفضت. وبعد أشهرٍ، قلّد الكتاب وطبع منه نسخاً شعبيةً بجودةِ ورقٍ وغلافٍ أقلّ، والآن يبيعها بنصف الثمن. واعتبر مؤيد أن دور النشر هي من تدفع إلى انتشار ظاهرة تقليد الكتب.
أودع نضال كتابه الأول عند دار نشرٍ أردنيّةٍ، قالوا له إنها طبعت منه ألف نسخة. لكنه لم يجدها في الأسواق، لا في منافذ البيع عند رفوف الصحف، ولا على متاجر بيع الكتاب الإلكترونية، ولا في المراكز التجارية. يقول إنه مع مرور سنواتٍ على نشر الكتاب، إلا أنه لم يدرِ حتى الآن كم نسخةً طبعت الدار منه، وكم وزَّعت منها أو كم بقيَ من النسخ لم تُبَع. ويضيف أنه كان على علمٍ بمشكلة الناشرين قبل كتابه الأول، لكنه قرر النشر عند دار نشرٍ لأن القارئ لا يأخذ الناشر الذاتي دون دار نشرٍ بجدّيةٍ، ولأن للنشر عند دار نشرٍ شهرةً خاصةً إذا كانت دار نشرٍ معروفة.
يرى نضال أن أغلب الكتّاب يرون أن دور النشر لا توزِّع جيداً. لذا قرر اختصار الطريق في كتابه الأخير والتوجّه إلى واحدةٍ من المطابع في عمّان لطباعته على نفقته الخاصة. يقول إن طباعة الكتاب كلّفته حوالي دولارٍ واحدٍ للنسخة الواحدة التي تحتوي على مئة صفحةٍ، وأنه بخلاف كتابه الأول، "هذه أول مرّةٍ أرى فيها نقوداً من بيع الكتاب".
يعرف نضال لعبة السوق. فالكتاب الذي لم يُبَع منه كثيرٌ من النسخ عبر دور النشر، يلجأ صاحبه أحياناً إلى مطبعةٍ ما بمبادرةٍ شخصية. وبهذا يتخلّص من النسبة التي تأخذها دار النشر من البيع، ويبقى ناتج البيع له وللبائع بالتقسيط. وفي كتابه الأخير، اتفق نضال مع بائعي كتابه على نسبة 50 بالمئة، وهي نسبةٌ لم تتحقق له من كتبه السابقة.
ترسخت طباعة الكتب المقلدة مع الربيع العربي، وبدأ الإقبال عليها بسبب انخفاض سعرها مقارنةً مع الكتب الأصلية، ولما تتمتع به من توزيعٍ أفضل. فهي تصل إلى نقاط البيع أسرع من النسخ الأصلية، التي تمرّ بعدّة مراحل إنتاج معقدةٍ ومكلفةٍ داخل دور النشر الكبيرة.
وبين أسئلة القانون وحقوق الطبع من جهةٍ، والحاجة إلى المعرفة والحقّ فيها من جهةٍ أخرى، تبقى مساحة التصادم بين الأصلي والمقلّد من الكتب محلّاً للنقاش. بين ناقدٍ ومؤيدٍ وناقمٍ ومستفيدٍ، وتظلّ المساحة الوسط بين الاثنين شبه غائبة.
