من الكبتاغون إلى الكريستال ميث.. تجارة المخدرات بعد سقوط الأسد

بعد سقوط النظام السوري، تحولت السويداء ودرعا إلى خواصر رخوة استغلّها من تبقى من تجار الكبتاغون لإعادة ترتيب تجارتهم.

Share
من الكبتاغون إلى الكريستال ميث.. تجارة المخدرات بعد سقوط الأسد
بعض عائدات تهريب وتصنيع الكبتاغون في سوريا كانت تُدفَع رواتب للمقاتلين | خدمة غيتي للصور

بينما كان النظام الجديد بقيادة الرئيس أحمد الشرع يفرض سيطرته على وسط سوريا وغربها، كان ثقل تهريب المخدرات ينتقل من المناطق التي خضعت طويلاً لسيطرة الأسد، كالقلمون والساحل السوري، إلى الجنوب في درعا والسويداء المتاخمتين للحدود مع الأردن، إذ بقيت المحافظتان خارج السيطرة الكاملة للنظام الجديد.

اضطر صانعو الحبوب المخدّرة وتجارها بعيد سقوط بشار الأسد إلى نقل كمياتٍ ضخمةٍ إلى مناطق آمنةٍ للاستفادة منها لاحقاً، والبحث عن طرقٍ جديدةٍ للحفاظ عليها. ولاتزال جهود الحكومة السورية الجديدة لمواجهة هذه التجارة تصطدم بالعراقيل في الجنوب السوري الذي يرزح تحت ظروفٍ ميدانيةٍ معقّدة.

رصدت تقارير دولية عدة اعتماد النظام السوري السابق على إيرادات تجارة المخدرات لترميم العجز النقدي الذي عاناه نتيجة العقوبات الدولية. واستفاد منها حزب الله اللبناني والسلطات الإيرانية في تمويل الميليشيات الخارجة عن الهيكل الرسمي للجيش السوري، مثل دفع الرواتب الشهرية للمقاتلين. يؤكد وسيم (اسم مستعار) المقاتل السابق في صفوف الدفاع الوطني –وهي مجموعة عسكرية كانت تابعة لجيش النظام السوري– أن بعض عائدات إنتاج وتهريب المخدرات في سوريا كانت تُدفَع رواتب للمقاتلين. وهو الزعم الذي تؤكده تقارير عدة، منها تقرير صادر في 2021 عن المعهد الملكي للدراسات في لندن، وآخر نشره مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية في 2023.

شكّل هروب بشار الأسد وسقوط نظامه يوم 8 ديسمبر 2024 ضربةً لقطاع تصنيع وتجارة الكبتاغون والحشيش وتهريبهما، لاسيما بعد انهيار نفوذ الفرقة الرابعة من الجيش السوري السابق وحزب الله اللبناني، وهما القوتان النافذتان في هذه التجارة. ومع سوء الأوضاع الأمنية جنوب غرب سوريا، تحديداً في محافظتَي السويداء التي بقيت خارج سيطرة الحكومة الجديدة ودرعا التي تتعرض للقصف والتوغل الإسرائيلي، لايزال تجار المخدرات ومهرّبوها يحاولون التأقلم مع الوضع الراهن والبحث عن حلولٍ وطرقٍ بديلة.


كان الساحل السوري والقلمون القريبة من الحدود السورية اللبنانية مركزَين رئيسَين لتصنيع الكبتاغون والحشيش في سوريا وتهريبهما، حتى استطاع النظام بآلته العسكرية الدموية فرض تسويةٍ على منطقة درعا في يوليو 2018. نصّت التسوية على السماح بالبقاء لمن يقبلون التخلّي عن أسلحتهم، ومغادرة الفصائل الرافضة للتسوية إلى الشمال السوري. وأدّت سيطرة النظام على الجنوب، إثر اتفاق التسوية، إلى تحوّل محافظتَي درعا والسويداء تدريجياً إلى مركز إنتاجٍ رئيسٍ للكبتاغون والحشيش. وبذلك أصبحت الحدود السورية الأردنية هي البوابة الرئيسة للتهريب، حسب تحقيق موسّع لشبكة صحفيّي مشروع تتبّع الجريمة المنظمة والفساد في يونيو 2023.

مسؤولٌ عسكري في وزارة الدفاع السورية الجديدة في درعا (اشترط عدم ذكر اسمه لأسبابٍ أمنية) قال لمجلة الفِراتْس إنه بعد اتفاق التسوية في الجنوب السوري بين النظام السابق والمعارضة سنة 2018، وتحت قيادة ماهر الأسد، وسّع حزب الله اللبناني والفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري السابق عمليات إنتاج المخدرات في محافظتَي درعا والسويداء. تركّزت التوسعات في حقل كريم في اللجاة جنوب سوريا وبلدة قرفا القريبة من الحدود السورية الأردنية التي ظلّت حتى سقوط الأسد إحدى معابر التهريب الرئيسة. ويؤكد المصدر العسكري أن هذه التجارة أصبحت "الممول الرئيسي لنظام بشار الأسد وفرق الموت التي كانت تحميه وتبطش بالشعب السوري".

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها الفِراتْس من سالم (اسم مستعار) وهو عنصرٌ سابقٌ في الفرقة الرابعة في منطقة اللجاة، فإن الفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني كانا يديران حوالي تسعين معملاً لإنتاج الكبتاغون والحشيش في درعا والسويداء فقط. بعض هذه المعامل كانت صغيرة الحجم تحوي جهازاً أو اثنين لتصنيع الكبتاغون، وبعضها كان كبيراً يحوي أكثر من عشرة أجهزة. ويوضح سالم أن الجهاز الواحد كان ينتج حوالي سبعين ألف حبّةٍ يومياً، تزيد أو تنقص بحسب المواد الأولية المتوفرة.

يضيف سالم أن هذه المعامل لم تكن الوحيدة في درعا والسويداء، إذ بدأت تظهر بعد سنة 2018 مجموعاتٌ صغيرةٌ لا تعمل مباشرةً تحت إمرة النظام والميليشيات. هذه المجموعات كانت تستخدم معدّاتٍ بدائيةً مُصنَّعةً محليّاً، وكانت تهرّب منفردةً حبوب الكبتاغون. هذه المجموعات كانت عرضةً لعمليات الاعتقال من النظام السابق لسببين. أولاً لأنها تعمل دون علمه، وثانياً لأن النظام يريد أن يستغل أخبار اعتقالها داخلياً وخارجياً ليوهم غيره بأنه يحارب تجارة الكبتاغون ولا يقف وراءها، بحسب سالم.

ملايين من حبوب الكبتاغون كانت تُهرَّب شهرياً من سوريا إلى العالم، من البحر من المناطق الساحلية، ومن الحدود البرّية مع الأردن ولبنان والعراق. جنوباً كانت عمليات تهريب الكبتاغون تمرّ من مناطق مختلفةٍ إلى الأردن، ابتداءً من منطقة حوض اليرموك وصولاً إلى منطقة الحماد شرق محافظة السويداء. وهو ما رصدته تقارير صحفية عديدة وأكّده عبدالله (اسم مستعار) الذي يبلغ من العمر 26 عاماً، كان يخدم في المنطقة الحدودية مع الأردن، وهو عنصر سابق في الفرقة الرابعة التي يُنسب إليها الضلوع المباشر في الإشراف على تصنيع الكبتاغون وتهريبه.

من موقع خدمته العسكرية في الفرقة الرابعة، عرف عبدالله الطرق التي تجري بها عمليات تهريب الكبتاغون من الحدود السورية الأردنية. يقول الجندي السابق للفِراتْس إن عمليات التهريب كانت تُجرى بطرقٍ تختلف باختلاف المواد المخدرة، وأنه "كان هناك اهتمام بتهريب الكريستال [مخدّر كريستال ميثامفيتامين] بمسيّرات الدرون بسبب ارتفاع ثمنه". وينقل عبدالله عن زملاء له في الفرقة الرابعة أن هذه المادة تأتي "عن طريق العراق وتُصنَّع في إيران"، وكانت "تُهرَّب من معبر البوكمال الحدودي [بين سوريا والعراق] وتُنقل إلى وجهاتٍ مختلفة في سوريا، من بينها الجنوب السوري".

لؤي (اسم مستعار) مقاتلٌ سابقٌ في اللواء 313 الذي كان يتمركز في منطقة اللجاة ومناطق متفرقة من درعا. ومعروف عن اللواء ارتباطه الوثيق بحزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني. قال لؤي للفِراتْس إنه في البدء كانت الموادّ المخدرة، مثل الكبتاغون والحشيش، تأتي من لبنان إلى سوريا وتُهرَّب لاحقاً. لكن بعد سنة 2016 أصبحت سوريا هي المركز الرئيس لتصنيع هذه المخدرات. وبدأ تصنيعها في ريف دمشق واللاذقية وطرطوس ثم تمدّد إلى الجنوب. وفي السنوات الأخيرة تمدّد تجهيز المعامل إلى المنطقة الشرقية القريبة من الحدود السورية العراقية. وهو ما تؤكّده تقارير عدّةٌ منها "حزب الله يوسّع دخله بنشر الكبتاغون في سوريا" الذي نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان.

قبل سقوط الأسد بسنتين، شهد لؤي على نقل عددٍ كبيرٍ من المعامل من محافظتَي درعا والسويداء الجنوبيّتين، نتيجة استهداف الجانب الأردني بعض التجار، ولأن الفرقة الرابعة كانت تخشى حصول الأردن على معلوماتٍ مفصلةٍ عن أماكن المعامل الرئيسة في منطقة درعا. في مايو 2023 شنّت طائرة أردنية غارةً جويةً على منطقة الشهاب جنوب سوريا قُتل إثرها مرعي الرمثان، وهو تاجر مخدراتٍ معروف. تزامنت الغارة مع محاولاتٍ عربيةٍ للتواصل مع بشار الأسد بهدف وقف تدفق المخدرات من سوريا إلى دول الشرق الأوسط والخليج ودولٍ أخرى. وبفضل ذلك التواصل عاد الأسد إلى جامعة الدول العربية، واستُقبِل في اجتماعاتها رئيساً معترفاً بشرعيته في الشهر والسنة نفسيهما، بعد سنواتٍ عدةٍ من إقصائه.

في ربيع 2024، ذكر تقريرٌ صادرٌ عن البنك الدولي أن القيمة السوقية الإجمالية للكبتاغون السوري "تُقدّر بما يتراوح بين 1.9 و5.6 مليار دولارٍ أمريكيٍّ سنوياً". هذه القيمة تكاد تعادل الناتج المحلي الإجمالي السوري لسنة 2023. وأشار التقرير إلى أن "الجهات الفاعلة المرتبطة بسوريا" تستفيد من بيع الكبتاغون "في مراحل مختلفة من سلسلة القيمة. وتُقدَّر الإيرادات الإجمالية بما يتراوح بين 0.6 و1.9 مليار دولارٍ أمريكيٍّ سنوياً".


تكشَّفت ضخامة إمبراطورية المخدرات التي أدارها النظام السابق وقادته مع انهيار النظام السوري المتسارع أوائل شهر ديسمبر 2024. حينها هرب قادة النظام وعناصره من مناطقهم دون إتلاف الدلائل والمراكز المتخصصة بتصنيع الكبتاغون في سوريا، كما أظهرت مقاطع الفيديو التي نشرتها غرفة عمليات معركة "ردع العدوان" التي أسقطت الأسد ونقلتها عنهم منصّاتٌ صحفيةٌ عربيةٌ ودولية.

وصادرت قوات "ردع العدوان" بعد أيامٍ قليلةٍ من سقوط النظام ملايين من حبوب المخدرات في دمشق وريفها. ومع بسط سيطرتها على الأراضي السورية، بدأت بعملياتٍ عسكريةٍ مكثّفةٍ لمصادرة وحصار تجارة الكبتاغون. وظهر الاهتمام بحصارها في خطاب قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع يوم 8 ديسمبر 2024 في الجامع الأموي بدمشق، عندما ذكر أن النظام السوري السابق ترك سوريا "مزرعة للأطماع الإيرانية"، وأن سوريا تحولت في عهد الأسد إلى مصنعٍ للكبتاغون.

يقول لؤي، المقاتل السابق في اللواء 313، إنه في الأيام الأولى التالية على سقوط النظام وبالتزامن مع الغارات الإسرائيلية المكثفة التي استهدفت البنى العسكرية في سوريا، نقل تجار المخدرات كمياتٍ كبيرةً جداً من الكبتاغون والحشيش المصنعة مسبقاً في درعا إلى مخازن في ريف السويداء وأطرافها. وأوضح لؤي أن بعض المخازن كانت قائمةً في مناطق مثل "المنصورة والمقوس والسجن المدني"، فيما أُعِدّت مخازن أخرى على عجل. وتوقفت عمليات التهريب جميعها تقريباً بعد أيامٍ من سقوط النظام وتحول التركيز إلى إخفاء المواد المصنَّعة ونقل ما يمكن نقله من الأجهزة إلى مناطق آمنة.

ويؤكد سالم، العنصر السابق في الفرقة الرابعة في اللجاة، ما قاله لؤي. فقد كان شاهداً على نقل تجار الكبتاغون السوريين كمياتٍ كبيرةً من منتجهم من المصانع المعروفة في اللجاة وأرياف درعا إلى أماكن جديدةٍ وآمنةٍ في درعا والسويداء. ويعتقد سالم أن هؤلاء التجار اغتنموا فرصة انهيار سلطة الفرقة الرابعة وحزب الله اللبناني وأرادوا الانفراد بهذه التجارة لاحقاً.

لم تدم حالة الركود طويلاً في قطاع تصنيع الكبتاغون وتهريبه. إذ يؤكد سالم أن رفض القوى الموجودة في السويداء (إشارةً للفصائل المحلّية) دخولَ قوّات "ردع العدوان" أراح التجار، ما سمح "للتجارة والتهريب والتصنيع بالعودة التدريجية". ويؤكد المسؤول التابع لوزارة الدفاع في درعا ما قاله سالم، مبيّناً للفِراتْس إنه "بعد سقوط النظام أصبحت صناعة وتجارة المخدرات محدودةً في درعا". مرجِعاً السبب إلى "عمليات الدولة السورية، إذ يقوم الأمن العام والشرطة بمتابعة أيّ معلومةٍ عن نشاطٍ مرتبطٍ بالمخدرات في درعا". وتابع: "لكن في الجنوب السوري هناك عائقٌ كبيرٌ أمام مواجهة هذه التجارة والتهريب، وهو السويداء، حيث مازال هناك نشاطٌ كبيرٌ للتجار ومصنّعي هذه المادّة القاتلة". وعدّ المسؤول السويداءَ "بيئةً ملائمةً لاستمرار هذه التجارة".


في الوقت الراهن يعتمد التجار والمهرّبون على مخزون الكبتاغون الكبير الذي كان موجوداً قبل انهيار النظام، والذي نقلوه أو أخفوه في شهرَي ديسمبر 2024 ويناير 2025. ويهرّبه التجار إلى الأردن من الحدود المقابلة للسويداء، وإلى العراق من نقاطٍ حدوديةٍ غير رسميةٍ جنوب معبر البوكمال استخدمتها الميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني في تهريب الأسلحة، وإلى لبنان من نقاطٍ طبيعتها مشابهةٌ لتلك المستخدمة في عمليات التهريب إلى العراق.

يقول سالم إن حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية لم يعد لهم نفوذٌ قويٌّ في عمليات الإنتاج والتهريب في سوريا حالياً، وأن دورهم تحوّل إلى التعاون مع التجار والمهربين، في حين كانوا سابقاً يديرون هذه التجارة. ويتفق معه المسؤول العسكري الذي استبعد أن يكون حزب الله هو من يدير تجارة الكبتاغون في سوريا حالياً، متهماً من يسمّيهم "أذناب إيران وعملاء حزب الله" بالاستمرار في ممارسة تجارة الكبتاغون في سوريا "لأن الحزب أورثهم المصلحة".

زيد (اسم مستعار) الذي يبلغ من العمر 31 عاماً، وهو ابن مدينة السويداء، يقول في حديثه مع الفِراتْس إن منطقة خلخلة بريف السويداء هي من المناطق التي مازالت تشهد تصنيع حبوب الكبتاغون لاسيما بعد نقل بعض المعامل إلى تلك المناطق الزراعية في وقتٍ سابقٍ لسقوط النظام. ويسكن المنطقة أفرادٌ "لديهم تاريخٌ في صناعة وتهريب الكبتاغون زمن النظام"، ويتهمهم بممارسة ضغوط على المدنيين في المنطقة لإجبارهم على بيع مزارعهم، وتحويل بعضها إلى أماكن آمنةٍ لتصنيع الكبتاغون.

بدأت بعض شبكات تجارة المخدرات التقليدية بتغيير خططها بعد سقوط النظام، نتيجة شحّ الإمكانات اللازمة لاستجلاب المواد الأولية لتصنيع الكبتاغون. وتجري عمليات التهريب حالياً بعدّة طرقٍ، مع أنها تراجعت عمّا كانت عليه في زمن الأسد، بسبب الحملات التي تشنّها الحكومة الجديدة ضدّ هذه التجارة. وتُفشِل الحكومة الأردنية كثيراً من عمليات التهريب التي يستخدم المهرّبون فيها المسيَّرات. فقد باتت القوات الأردنية تتعقّب المسيَّرات وتتحكم فيها وتنزِلها دون أن تدمّرها، بحسب فؤاد، العنصر السابق في قوات حرس الحدود السورية وابن المنطقة الحدودية مع الأردن.

يعرف سكان المناطق المتاخمة للحدود الأردنية، حيث يعيش فؤاد، أن عمليات التهريب في الوقت الحالي باتت صغيرةً من حيث الكميات وعدد المهربين. وهي لا تنجح في كثيرٍ من الأحيان بسبب تدخّل الجانب الأردني. يقول فؤاد إن حمّالين يحملون أكياساً من المخدرات، زنة الواحد منها حوالي 33 كيلوغراماً، ويعبرون بها الحدود على الأقدام. تتمّ هذه العملية إذا كانت الأحوال الجوية تضمن صعوبة مراقبة الحدود وبالتالي إحباط التهريب، كأوقات الأمطار أو العواصف الغبارية.

ويرى المسؤول العسكري أنه "كلما زادت الملاحقة الأمنية، ابتكر التجار وسائل جديدة" للاستمرار في هذه التجارة، من بينها تغيير طرق التهريب وأساليبه، والتحول من موادّ كمّياتها كبيرةٌ إلى موادّ حجمها صغيرٌ مثل الكريستال ميث. ويؤكد أن الحكومة السورية الجديدة "لا تألو جهداً في محاربة هذه التجارة بكلّ أنواعها".


تؤكد الحكومة السورية الجديدة في تصريحات مسؤوليها أنها تتعامل مع ملف تصنيع الكبتاغون وتهريبه بجدّيةٍ كبيرة. أعلنت الحكومة السورية في 11 فبراير 2025 على لسان المقدّم مؤيد السلامة، قائد المنطقة الغربية في إدارة أمن الحدود، أن الاشتباكات التي دارت على الحدود السورية اللبنانية وأثارت اهتماماً سياسياً وإعلامياً كبيراً وقتها هدفت إلى ضبط شبكات لتهريب المخدرات والأسلحة. وفي تصريحاتٍ صحفيةٍ اتهم المقدّم قوّات حزب الله باستغلال تلك النقاط الحدودية لتهريب السلاح. ويقول المسؤول العسكري الذي تحدّث للفِراتْس إن قوات وزارة الدفاع صادرت كمّياتٍ كبيرةً من حبوب الكبتاغون في درعا ودمشق ومناطق أخرى.

كذلك كشف المسؤول العسكري أن وفداً أمنياً وعسكرياً من الحكومة السورية الجديدة عقد اجتماعاتٍ في الأردن في الربع الأول من السنة الحالية، وأن ملف الكبتاغون والتهريب كان على رأس قائمة الملفات التي نوقشت في الاجتماعات، إضافةً إلى آليات ضبط الحدود. مشيراً إلى أن هناك تفاهماتٍ أمنيةً بين الحكومتين السورية والأردنية للقضاء على هذه تجارة الكبتاغون، من تبادل المعلومات والتنسيق الأمني ضدّ عمليات التهريب من الحدود.

وعلمت الفِراتْس أن الحكومة السورية بدأت تدريب قوتها العسكرية تدريباتٍ مكثفةً لضمان ضبط الحدود بين سوريا والأردن والعراق ولبنان. ويوضح المصدر العسكري أن الحكومة السورية ترى أن "الخاصرة الضعيفة اليوم" هي منطقة السويداء "التي أصبحت البؤرة الرئيسة في الجنوب السوري لإنتاج وترويج هذه المادة [الكبتاغون] بسبب عدم قدرة القوات الأمنية من العمل المريح لمواجهة هذه التجارة والتهريب". ويشرح أن تعقيدات الوضع في السويداء "يعرقل كثيراً من عملياتنا التي تهدف إلى ضبط المنطقة ومحاربة المخدرات هناك".

سقوط الأسد وما تلاه من تراجع الشبكات المسلحة الداعمة له، وجهود الحكومة السورية الجديدة، قلّص بوضوح تصنيع الكبتاغون وتهريبه. إلّا أن عدم الاستقرار في الجنوب السوري، وتقلّب الأحوال الميدانية والتفاوضية بين دمشق والقوى الموجودة في درعا والسويداء، تلقي بظلالها على مسار إنهاء إرث سنواتٍ من إنتاج المخدرات وتهريبها في سوريا. وسيؤدي التعاون السوري الإقليمي دوراً جوهرياً في القضاء على هذا الإرث الذي أثقل كاهل المنطقة، حسب الدول المتأثرة. ويمنح تأخر المواجهة التجار والمهرّبين فرص إيجاد طرقٍ وأساليب جديدةٍ للتصنيع والتهريب، وهو ما ينتقص من سيادة دمشق الجديدة ومما لا تريده دول الإقليم.

اشترك في نشرتنا البريدية