تصريح ابن همّام أسخط كثيراً من محبّي كرة القدم في الخليج العربي ممن يرون في كأس الخليج إرثاً شعبياً ممتداً ومدرسةً تخرجّت فيها أجيال من لاعبي كرة القدم الذين مثّلوا دول الخليج لاحقاً في محافل دولية قارية وعالمية. ولا أدلّ على تلك القيمة الرمزية من استمرارها جيلاً فجيلاً، خلافاً لمسابقة كأس العرب الأعمّ والأقدم.
سبقتْ بطولةُ كأس العرب دورةَ كأس الخليج بسبع سنوات. فقد أقيمت ثلاث نسخٍ من كأس العرب في أربع سنوات، بدايةً من بيروت سنة 1963، ممّا دلّ على انطلاقةٍ متحمسةٍ ورغبةٍ في استمرار البطولة من بعض الاتحادات العربية، ولا سيما بلاد الشام والعراق والكويت. لكن ما لبثت تلك الشعلة أن انطفأت مع نكسة 1967 التي ألقت بآمال ملايين العرب في جبّ الانكسار سياسياً واجتماعياً ونفسياً. دخلت مسابقة كأس العرب بعدها عقوداً من الموت السريري لم تفلح معه محاولات إنعاش البطولة بين حينٍ وآخر سوى بتسجيل حضورٍ خجولٍ ومجاملاتٍ جافة. بينما انطلقت في أقصى الشرق العربي سنة 1970 دورة كأس الخليج التي تزامنت مع استقلال بقية الدول الخليجية، وحافظت نسبياً على إقامتها كلَّ عامين. فحتى مع بعض الاضطرابات السياسية في المنطقة التي قد تُؤجّل دورة الخليج أحياناً إلا أنها لم تتوقّف طويلاً، عكس كأس العرب.
هذا الوضع المتباين بين البطولتين دام نحو نصف قرن، حتى أُقيمت نسخةٌ فريدةٌ من كأس العرب في قطر سنة 2021 برعاية الفيفا واعترافها وعلى الملاعب المعدّة لاستضافة أهمّ حدثٍ كرويٍّ عالميّ، كأس العالم 2022. النجاح الهائل لكأس العرب الأخيرة أغرى كلاً من قطر والفيفا بتمديد شراكتهما وإعادة الكرّة ثلاث مرّات كلَّ أربع سنوات ابتداءً من 2025، مما ينبئ بتسطيرِ تاريخٍ جديدٍ تكون فيه لكأس العرب قيمةً فنيةً ورمزيةً أعلى من كأس الخليج وأدوم.
أطلّ الصحفيُّ الكويتيُّ مرزوق العجمي كما لو أنه يلوّح بنتيجة الحمض النووي لأبوّة "كأس الخليج"، ونشر في صحيفة النهار الكويتية سنة 2013 مقالاً يكشف فيه أسبقية مواطنه الصحفي الرياضي عبد الله العوضي في الدعوة إلى إقامة بطولةٍ رياضيةٍ تجمعُ فرق الخليج العربي. بفضل بحثٍ أرشيفيٍّ لصحفيٍّ آخر هو صادق الشايع، توصّل العجمي إلى مقالٍ كتبه عبد الله العوضي في يومية "الرأي العام" الكويتية سنة 1962 أطّره في سياق المسابقات الرياضية القارية والإقليمية المستحدثة عبر العالم، مشيراً إلى أن الوقتَ حان لأبناء الخليج العربي، وتحديداً الكويت والبحرين وقطر والدمام ودبي، كما نصّ، لكي ينشئوا دورة ألعابٍ رياضيةٍ بما فيها كرة القدم. لكنّ مقترح العوضي بقي معلّقاً سنواتٍ، وإنْ أعاد التذكيرَ به في العام التالي الذي وافق انعقاد أول دورةٍ لكأس العرب في لبنان.
انطلقت النسخة الأولى لكأس العرب في بيروت سنة 1963 بمشاركة خمس دول، هي لبنان وسوريا والأردن والكويت وتونس، ولعبت مبارياتها على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية بنظام الدوري من مرحلةٍ واحدة على مدار أسبوع، وآلت إلى فوز تونس باللقب الأول. أقيمت الدورة الثانية سنة 1964 في الكويت بمشاركة خمس دول أيضاً. وبينما اعتذرت تونس وسوريا، شاركت ليبيا والعراق، ليُسفر الدوري هذه المرة عن فوز العراق بالمركز الأول مفتتحاً سجلّه في الهيمنة على ألقاب كأس العرب مستقبلاً.
ومع أن معظم الأقطار العربية اعتذرت عن المشاركة بفرقها، إلا أن بعض الاتحادات الوطنية كالسودان أرسلت مندوبين عنها لحضور الاجتماعات، وعملت على تعديل لائحة المسابقة لتنعقد كأس العرب بالتناوب مع دورة الألعاب العربية درءاً للتعارض الزمني. وبما أن العام التالي 1965 شهد انعقاد الدورة الرياضية العربية الرابعة في مصر، فقد أقيمت الدورة الثالثة لكأس العرب في بغداد سنة 1966 وتضاعفَ عدد الدول المشاركة التي بلغت عشراً وُزّعت على مجموعتين. أبرزت مجريات الدورة تبايناً شاسعاً في المستويات، فانسحب الفريق العماني قبل عشر دقائق من نهاية مباراته الأولى مع منتخب ليبيا والنتيجة تشير إلى واحدٍ وعشرين هدفاً ليبياً مقابل صفر. وعاد الهداف الليبي علي البسكي ورفاقه ليزرعوا ثلاث عشرة كرة في مرمى اليمن الشمالي دون ردّ. بيد أن الموج الليبي الجارف انكسر عند صخرة العراق في نصف النهائي، ليلتقي في المباراة النهائية الجاران سوريا والعراق بحضور الرئيس عبد السلام عارف ويفوز أصحاب الأرض بلقبهم الثاني على التوالي.
اضطرت المنتخبات العربية في آسيا في مناسباتٍ عدة إلى الانسحاب من المسابقات الآسيوية، ومنها كأس أمم آسيا التي أقيمت في تل أبيب وفازت بها إسرائيل سنة 1964. لذا كرّرت كلّ من لبنان والكويت الدعوة لباقي الاتحادات العربية في الشطر الآسيوي للانضمام إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم من أجل تعزيز الموقف العربي فيه إزاء إسرائيل. وفي الستينيات اكتفت هذه الدول بالمشاركة في المسابقات الإقليمية العربية. وبوقوع نكسة 1967، انتكست مسيرة كأس العرب إلى حين.
أقيمت الدورة الثانية على ملعب المَلَز في الرياض سنة 1972 وسجّلت أول حضورٍ دوليٍّ لمنتخب الإمارات العربية المتحدة، كما شهدت تكافؤاً بين منتخبي السعودية والكويت لم يحسمه الأخير إلا بفارق الأهداف المسجّلة في مجمل مبارياتهما، حسب اللائحة المتبعة حينها، والتي عُدّلت لاحقاً لتفصل عند تساوي النقاط بالاحتكام إلى مباراةٍ فاصلة. بثّت الإذاعة المباريات مباشرةً وسُجّلت مبارياتها بالفيديو الأبيض والأسود. لم يفسد مجريات الدورة سوى حادثة انسحاب المنتخب البحريني قبل نصف ساعة من نهاية مباراته الأخيرة أمام السعودية احتجاجاً على الحَكم السوداني الذي أقرّ هدف التقدّم الثاني للسعودية وطرد لاعبَين بحرينيَّيْن.
في الكويت سنة 1974، كانت خليجي 3 أوّلَ دورةٍ خليجيةٍ تُقام على ملعبٍ ذي أرضيّةٍ عشبيةٍ، وهو ستاد نادي الكويت، بعدما كانت الدورتان السابقتان على ملعبين ترابيين. وكانت هذه أول دورة تُنقل بالبث التلفزيوني المباشر بالألوان إلى الأقطار الأخرى. بانضمام منتخب سلطنة عمان إلى الدورة الثالثة أصبح عدد الفرق المشاركة في كأس الخليج ستّة، قُسمت إلى مجموعتين ترشّح منهما فريقان إلى نصف النهائي ثم النهائي الذي شهد فوز الكويت على السعودية برباعيةٍ نظيفةٍ، ليكون اللقب الثالث على التوالي للكويت وبه امتلكت الكأس العينية الأولى للأبد وفق اللائحة التي تعطي الحقَّ لمن يفوز بالبطولة ثلاث مرّاتٍ بأن يمتلك الكأس التي صُمّمت نسختها الأولى في البحرين وصُنعت في لبنان.
إفريقياً، انشغلت المنتخبات العربية بالمشاركة في تصفيات كأس أمم إفريقيا كلَّ سنتين وكأس العالم كل أربع سنوات، لا سيما أنَّ كلا البطولتين بنظام الذهاب والإياب، مما عسّر تفرّغ هذه المنتخبات لبطولةٍ عربيةٍ مجمّعة، والحال لم يختلف كثيراً عن أيامنا المعاصرة، وهو من أسباب الحضور القليل لمنتخبات عرب إفريقيا في مختلف دورات كأس العرب.
سبق البطولةَ أولُ اعتراضٍ على مبدأ تجنيس غير الخليجيين. فقد اعترضت بعض الدول على منح قطر جنسيتَها للاعبين: المصري حسن مختار واللبناني جمال الخطيب. وبعد أخذٍ وردٍّ، استجاب الوفد القطري ولم يُشرك اللاعبين المجنسين. أخذت البطولة بُعداً دولياً أكبر، فالمدير الفني لمنتخب الكويت كان البرازيلي ماريو زاغالو الذي فاز قبلها بست سنوات فقط بكأس العالم مع منتخب البرازيل. وكان ذلك نواةَ تفوّقٍ كويتيٍّ إقليمياً وقارّياً، إذ فازت الكويت مع المدرسة البرازيلية بكأس آسيا وتأهّلت لكأس العالم مطلعَ الثمانينيات، بجيلٍ ذهبيٍّ من اللاعبين كجاسم يعقوب وفيصل الدخيل وفتحي كميل وعبد العزيز العنبري.
حسب مبدأ الاستضافة بالتناوب قُرِّرَ أن تُقام دورة خليجي 5 في أبو ظبي سنة 1978، لكن تأخر إنجاز ملعب مدينة زايد وطلب الإمارات تأجيل الموعد أدّى إلى نقل مكان الاستضافة إلى العراق وتأجيلها عاماً. انعقدت الدورة الخامسة في بغداد سنةَ 1979 وكُسر احتكارُ الكويت اللقب الخليجي أوّلَ مرّةٍ بفوز العراق في جميع مبارياته. عادت الدورة إلى الإمارات سنة 1982، وبينما كانت الأنظار تجاه لقاء الحسم المنتظر قبيل نهاية دورة خليجي 6 بين العراق والكويت وهما يتغلبان على باقي الفرق واحداً تلو الآخر، فوجئ الجميع - بمن فيهم أعضاء الوفد العراقي - ببرقيةٍ من الرئيس صدام حسين بقرار انسحاب العراق من المنافسة. كان الانسحاب بمثابة إهداء لقب كأس الخليج إلى منتخب الكويت الذي شارك بصفّه الثاني، بينما يستعدّ فريقه الأساسي للمشاركة في كأس العالم بإسبانيا خلال أشهر. هذا ما دعا كثيرين لتفسير قرار صدام حسين بأنه رفعٌ لمعنويات المنتخب الكويتي قبل الحدث العالمي المقبل، لا سيما في ظلّ دعم الكويت للعراق في الحرب مع إيران. بينما أشارت روايةٌ مختلفة إلى أن الانسحاب رسالةَ احتجاجٍ على تمزيق صور صدام حسين في ملعب مدينة زايد. استمرَّ التناوب الكويتي العراقي على الفوز بكأس الخليج العربي في الدورات اللاحقة التي أقيمت في سلطنة عُمان 1984، ثم البحرين 1986، فالسعودية 1988، وأخيراً الكويت 1990.
لم يتوقّف الإرباك هنا، فالوفد العراقي انسحب أيضاً فور انتهاء مباراته مع الإمارات بذريعة تحيّز الحكّام. إذ مهّد إلغاء نتائج مباريات العراق الطريقَ للكويت للفوز باللقب الخليجي سابع مرّة. وظهر الشيخ فهد الأحمد في احتفالات الفوز مشيراً بيديه شمالاً وجنوباً، ما فسّره بعضهم بإعلانه الفوز على الجارَيْن العراق والسعودية. خرج الاتحادان السعودي والعراقي ببيان مشترك يشجب ما جرى قبيل الدورة وأثناءها. وألمح كلاهما إلى مقاطعة دورة كأس الخليج القادمة، وإنشاء مسابقة كرة قدم دولية تحتضنها السعودية بمشاركة فرق عالمية. ولعلّها كانت البذرة التي سقاها الأمير فيصل بن فهد لتصبح بعد عامين كأس الملك فهد للقارات.
حتى ذلك الحين، كانت دورة الخليج عقدةً للمنتخب السعودي. إذ لم ينجح في الظفر بالكأس طوال عشرين سنة، مع أنه نال كأس أمم آسيا مرتين متتاليتين في الثمانينيات. وفي ظل الحرب الرياضية الخليجية الباردة بين الأمراء والشيوخ يروى أن فهد الأحمد كان يتندّر على استعصاء الكأس الخليجية على منتخب السعودية فقال "لن تفوز السعودية بكأس الخليج حتى تصبح كرة القدم مربّعة". والواقع أن منتخب السعودية لم يرفع الكأس إلا بعد ممات الشيخ فهد الأحمد. إلى ذلك، ساد شعور سعوديّ بأنَّ الهدف الأسمى والأهم هو بلوغ نهائيات كأس العالم ــ على غرار ما فعلته الكويت سنة 1982 والعراق سنة 1986 والإمارات سنة 1990 ــ وأن كأس الخليج هدف ثانوي مؤجل، بل يمثل عقبة تشغل المنتخب السعودي عن طموحاته العالمية. وقد تحقق ذلك لاحقاً عندما تأهَّل الأخضر السعودي إلى كأس العالم أول مرة في الولايات المتحدة سنة 1994، وأتبعها بثلاث مرات متتالية.
بعد أشهر قليلة من هزّة خليجي 10، زلزل الغزو العراقي الكويت زلزالاً دام سبعة أشهر. وكان عرّاب الرياضة الكويتية الشيخ فهد الأحمد قد قُتل على يد القوات العراقية صبيحة الغزو. إثر ذلك دخل العراق عزلة دولية سياسية واقتصادية، واستُبعِد من المناسبات الرياضية العربية، لا سيما التي تشارك فيها فرق خليجية. كان الموقف الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي دليلاً واضحاً على التوجّه المشترك، بينما كان الموقف العربي المنقسم من العلاقة مع نظام بغداد سبباً في ضبابية المناسبات الرياضية العربية في التسعينيات، إذ دُعي العراق في بعضها واستبعد من بعضها الآخر.
سنة 1992 انعقدت الدورة الرياضية العربية السابعة في سوريا، وقد عُدّت مسابقة كرة القدم في هذه الدورة استثنائياً النسخة السادسة من كأس العرب لكرة القدم. قُسِّمت الفرق الستة المشاركة على مجموعتين وفي النهائي المثير تغلّبت مصر على السعودية. وآخر العام نفسه أُقيمت دورة خليجي 11 في قطر مقتصرة على دول مجلس التعاون الستّ، ولعبت منافساتها بنظام الدوري مسفرة عن بطل جديد للمسابقة وهو العنابي القطري. بعد سرقة الكأس العينية الأخيرة إبان الغزو العراقي للكويت، قدّمت قطر كأساً عينية بديلة مصنوعة من الذهب الخالص على شكل مبخرة تحمل كرة، من تصميم الفنان القطري سلمان المالك. قبل البطولة بشهرين وقعت حادثة "الخفوس" الحدودية بين السعودية وقطر. حينها راح ضحيتها ضابط سعودي وجنديان قطريان، إلا أنها لم تؤثّر في إقامة البطولة بموعدها وبمشاركة السعودية.
يتذكّر مشجّعو المنتخب السعودي سنة 1992 أيضاً أنها سنة خسارة النهائيات. فقد خسر فيها نهائي كأس العرب من مصر، ونهائي كأس آسيا من اليابان، ونهائي كأس القارات من الأرجنتين. وعلى تلكّؤ من الفيفا في إقرار النسخة الأولى من بطولة أبطال القارات على كأس الملك فهد، وعدم اهتمام من الاتحاد الأوروبي والدنمارك بطلة القارة، نجح الاتحاد السعودي في تأمين قبول دعوته من أبطال ثلاث قارات هم الولايات المتحدة الأمريكية، وساحل العاج، والأرجنتين التي ظفرت باللقب الأول على حساب السعودية. وبعد نسخة ثانية سنة 1995، وثالثة سنة 1997 في الرياض توالياً، اختصّ الفيفا نفسَه بحق تنظيم البطولة في النسخ اللاحقة.
بعد حرب الخليج الثانية واستبعاد العراق، تعاقبت دورات الخليج اللاحقة بالنظام نفسه كل سنتين، دوري سداسي على ملعب واحد، في أبو ظبي 1994 ببطل جديد أيضاً هو الأخضر السعودي، ثم استعاد الأزرق الكويتي لقبه المفضّل في دورتَي 1996 في مسقط و1998 في البحرين. وعندما سُئِل رئيس الاتحاد الكويتي عن أجل غياب العراق عن الدورة الخليجية ولمَ لا تسمّى كأس مجلس التعاون، أجاب بأن "دورة الخليج وجدت لتستمرّ بوجود العراق أو بدونه".
سنة 1998 أيضاً استضافت قطر النسخة السابعة من كأس العرب بمشاركة قياسية حينها. فقد شاركت منتخبات اثنتي عشرة دولة. حتى تشجّمت بعض المنتخبات عناء السفر برّاً مسافات طويلة، مثل فلسطين بسبب التضييق الأمني الإسرائيلي، وليبيا بسبب الحظر الجوّي المفروض دولياً. قسمت الفرق الاثنا عشر على أربع مجموعات ترشّح متصدّر كلٍّ منها ليكون المربع النهائي خليجياً خالصاً ولتفوز السعودية باللقب العربي.
أيّاً كانت أسباب تأجيل خليجي 15 فقد عقدت في الرياض مطلعَ سنة 2002 وتوّج بها أصحاب الدار بعد فوزٍ مثيرٍ في الدقائق الأخيرة من المباراة الختامية أمام قطر. ونهايةَ العام استضافت الكويت النسخة الثامنة من كأس العرب بمشاركة عشر دول، وفي المباراة النهائية فازت السعودية على البحرين بالهدف الذهبي لتحافظ على لقبها العربي مرة ثانية. دخلت بعدها كأس العرب في غيبوبة جديدة طالت عقداً.
وفي الكويت أيضاً حطّت دورة الخليج السادسة عشر رحالها نهاية سنة 2003 بمشاركة اليمن أول مرّة عضواً جديداً في المسابقة الخليجية، بتأثيرٍ سعودي استهدف دمج اليمن في عدد من البرامج والفعاليات الخليجية. أجريت دورة خليجي 16 بنظام دوري من سبعة فرق، مما يعني إقامة إحدى وعشرين مباراة في غضون أسبوعين على ملعب واحد وهو "ستاد" نادي الكويت الذي أُنهك من تتابع المباريات في أجواء شتوية ممطرة استحالت معه الأرضية إلى رقعة وحل. كانت تلك صورة جليّة على توقف الزمن في منشآت الكويت خاصة، فملعب نادي الكويت لم تطرأ عليه تحديثات ملموسة منذ ثلاثين عاماً، أي منذ استضاف مباريات خليجي 3.
ومع ازدياد أعضاء مسابقة كأس الخليج كان لزاماً أن يشمل نظام الاستضافة بالدور كلاً من اليمن والعراق. كان اليمنيون يسابقون الوقت لاستضافة خليجي 20، لا سيما أنَّ البنية التحتية هناك أقلّ مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي. آخرَ سنة 2010 أُقيمت الدورة في عدن وأبين بحضورٍ جماهيريٍّ متعطّشٍ لأحداثٍ رياضية مماثلة. وعادت الكأس لتفوز بها الكويت عاشر مرّة، بعد طول غياب، ولم تفز بها منذ ذلك الحين. أدّى القلق المستمر من الحالة الأمنية في العراق والحظر الدولي على اللعب فيها إلى تأجيل منحِ حقِّ الاستضافة للعراق أكثر من مرّة.
استمر انعقاد دورة كأس الخليج ولكنَّ اضطرابَ موعدها صار عادةً. لم يعد فاصل السنتين ملتزَماً، فأرجئ خليجي 21 في البحرين إلى سنة 2013 وفازت به الإمارات، ثمَّ أُقيم خليجي 22 في الرياض سنة 2014 وأحرزته قطر. وسرت إشاعات على هامش الدورة بتوسعة الدورات المقبلة من كأس الخليج لتشهد دعوة دولٍ غير خليجية للمشاركة، وتحديداً الأردن والمغرب.
وبإشهار "اتحاد كأس الخليج العربي" في الدوحة سنة 2016 بعضوية الدول الثمان، أصبحت معايير استضافة كأس الخليج وتنظيمها أكثر اشتراطا من قبل، ولم يعد الدور التلقائي بالتناوب اعتباراً ملتزماً. ومن تلك المعايير ضرورة الضمان الحكومي لقدرة البلد على الاستضافة، وتوفّر ملعبين على الأقل لا يبعدان عن بعضهما أكثر من ساعتين بالسيارة، إضافة إلى باقي تدابير الأمن وإقامة الوفود والمواصلات وحقوق البث. ويشكّل الاتحاد الخليجي لجنة لزيارة تفقد مرافق الدولة الراغبة بالاستضافة للتحقق من استيفاء المعايير.
قبل سحب قرعة خليجي 24 في قطر سنة 2019، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين انسحابها من الدورة، مع استمرار الأزمة الدبلوماسية مع قطر. وأعلن المنظمون أن البطولة ستعقد في موعدها بمن حضر، أي بالدول الخمس المتبقية وهي قطر وعُمان والكويت والعراق واليمن، وأنها ستلعب بطريقة الدوري. إلا أن الدول الثلاث فاجأت الجميع قبل أسبوعين من انطلاق البطولة بقرارها العودة للمشاركة، ليكتمل نصاب الدول الثمان. استضافت قطر خليجي 24 في ثلاثة ملاعب بينها ستاد خليفة الدولي الذي حُدِّث لاستضافة مباريات من كأس العالم 2022، وستاد الجنوب "المونديالي" الذي افتتح في مباراة نصف النهائي والتي خسرها أصحاب الدار أمام السعودية. ثم خسرت السعودية النهائي بهدف من البحرين التي دوّنت اسمها أخيراً في سجلّ الفائزين بكأس الخليج بعد انتظارٍ دام نصف قرن.
النجاح الكبير لكأس العرب فيفا 2021 دعا رئيس الفيفا السويسري جياني إنفانتينو للتصريح عقبها بأن المسابقة ستستمرّ دورات مقبلة تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم. وكانت تلك مقدّمة لنجاح قطر في استضافة نسخة استثنائية من كأس العالم سنة 2022 بإشادةِ كثيرين. وسنة 2024 أعلنت الفيفا أن قطر طلبت استضافة ثلاث نسخ مقبلة من "كأس العرب فيفا" أعوام 2025 و2029 و2033، وقد أُجيبَ طلبها. وقال وزير الشباب والرياضة القطري حمد بن خليفة بن أحمد إن النسخ المقبلة ستبني على نجاح نسخة 2021. كان لتضافر عاملين رئيسين بالغ الأثر في نجاح كأس العرب فيفا. العامل الرئيس الأول هو جاهزية قطر لاحتضان مناسباتٍ رياضيةٍ عالميةٍ بمنشآتها، مستفيدةً من قوّتها الناعمة ووفرتها المالية والخبرات المحلية والدولية، حتى أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لم يحِر كثيراً في إيجاد بديلٍ للصين التي اعتذرت عن استضافة كأس أمم آسيا 2023 لتنتقل البطولة إلى قطر التي استضافتها على ملاعب كأس العالم بعد تعديل موعدها إلى 2024، وليفوز منتخب قطر بالكأس الآسيوية مرّةً ثانيةً على التوالي ويرفع قائده حسن الهيدوس الكأس وهو يرتدي "البشت"، ما جعله بصمةً قطريةً خاصة في التتويج، كما في المونديال. والعامل الثاني لإنجاح كأس العرب الجديدة هو التبنّي الرسمي للمسابقة أخيراً من الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهو ما عجزت عن نيله دورة كأس الخليج العربي، حتى مع العلاقات الواسعة للأمراء والشيوخ الخليجيين الذين مرّوا عليها وارتبط تاريخ المسابقة بهم. ولعلّ الاستقرار على موعدٍ ثابت كل أربع سنوات سيمنح الفرق العربية سعةً زمنيةً مناسبة لترتيب أوراقها قبل كل دورة من كأس العرب.
مدّد الاتحاد الخليجي عقد الرعاية مع شركة "زين" لترعى بطولة خليجي زين 26 المقامة في الكويت بين ديسمبر 2024 ويناير 2025، تحت شعار "المستقبل خليجي"، وبمجموع جوائز بلغ مليوناً وسبعمئة ألف دولار كما في الدورة السابقة. شهدت البطولة افتتاح ملعب جابر المبارك الذي بُنِيَ على طرازٍ غير معهود في الكويت، ولا سيما قرب مقاعد الجماهير من أرضية الملعب. وشهدت الدورة أوّل فوزٍ لمنتخب اليمن في تاريخ مشاركاته الخليجية، على حساب المنتخب البحريني الذي كان قد ضمنَ مسبقاً الترشح للدور التالي. واصل البحرينيون مسيرة استعادة كأس الخليج بنجاح ليفوزوا في الختام على العمانيين الذين خسروا النهائي ثاني مرّة على التوالي. وفي أثناء الدورة اتفقت الوفود الخليجية على تسمية السعودية لاستضافة النسخة المقبلة خليجي 27 في الرياض بعد عامين، لتكون تحضيراً قبل استضافة السعودية كأس الأمم الآسيوية سنة 2027. ومن المقرر أن يكون ستاد الملك فهد الدولي "درة الملاعب"، الذي سبق أن استضاف ثلاث دوراتٍ خليجية، قد جهز بعد عملية تحديثه وإزالة المضمار الأولمبي تماشياً مع تهيئته لاستضافة مباريات من كأس العالم 2034 الذي منح شرف استضافته للسعودية مؤخراً. وسيكون في الرياض وحدها ثمانية ملاعب لاستضافة الحدث الكروي الأهم في العالم.
استقطبت الأندية السعودية في السنوات الأخيرة عدة لاعبين عالميين، على رأسهم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي سيكون أحد سفراء الترويج للمونديال السعودي، مما يعطيها زخماً دولياً إضافياً. وقبل السعودية ستكون المغرب على موعدٍ مع تنظيم كأس العالم في ذكراها المئوية سنة 2030 بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال، مع احتمال تسمية ملعب الحسن الثاني لاحتضان المباراة النهائية. وتحضيراً للمونديال، فإن استضافة كأس أمم إفريقيا هذا العام في ستّ مدن سيمثل اختباراً جدياً للمغرب قبل خمس سنوات من الحدث العالمي.
هذه الخصوصية التي تمتّعت بها المسابقة الخليجية جاءت على النقيض في مسابقة كأس العرب، التي عبّرت في عقود متتالية عن حالة التفكك العربي الرسمي. يكفيك أنه في آخر ثلاثين سنة لم تعقد كأس العرب إلا أربع مرّات وجميعها في بلدانٍ خليجية. وقد يجد أصحاب الأعذار مخرجاً في الحديث عن صعوبة إيجاد توقيتٍ يلائم جميع المنتخبات العربية من القارتين الآسيوية والإفريقية ولا يتعارض مع ارتباطات الأندية واللاعبين، لا سيما المحترفين. وقد يُقال إنَّ كأس العرب وكأس الخليج وسواهما ليست أكثر من بطولاتٍ إقليميةٍ وديةٍ غير مُعترف بها دولياً وضعيفة المستوى فنياً مقارنة مع القارات الأخرى، خصوصاً مع قلّة عدد اللاعبين العرب الدوليين المحترفين في أوروبا. لكن النسخة الأخيرة والمستقبلية من كأس العرب قد تضعهم أمام اعتبارٍ جديدٍ بعدما تبوّأت مكاناً رسمياً على خريطة الفيفا، إذ إنَّ "فخامة الاسم تكفي"، ناهيك عن الجوائز المالية المغرية. وحسبك من كأس العرب فيفا أن الفائز سيتوّج في المكان ذاته الذي توّج فيه الأرجنتيني ليونيل ميسي بكأس العالم متوشّحاً "البِشْت" الخليجي.