كأس العرب فيفا تنتزع "البِشْت" الخليجي

يتعثر انعقاد كأس العرب منذ عقودٍ عديدة بينما تصمد كأس الخليج رغم العوائق، لكن تبنّي الفيفا كأس العرب مؤخراً قد يبعث المسابقة العربية من جديد ويضفي عليها أهميةً رمزيةً وفنية.

Share
كأس العرب فيفا تنتزع "البِشْت" الخليجي
أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني يوشّح ليونيل ميسي بالبِشْت عند تتويج الأرجنتين بكأس العالم لكرة القدم في قطر سنة 2022 / خدمة غيتي للصور

 "كأس الخليج رَزّة بْشُوت". هكذا عبّر القطري محمّد بن همّام عن رأيه بدورة الخليج العربي لكرة القدم، كأنّما يصفها مناسبةً لاستعراض أصحاب السعادة عباءاتهم الخليجية، كما قال في لقاءٍ على قناة "الكاس" القطرية سنة 2007. قبلها بخمسة عشر عاماً كان ابن همّام نفسه، رئيس الاتحاد القطري آنذاك، مرتدياً "البِشْت" الخليجي يرفع كأس الخليج بزهوٍّ أمام آلاف الجماهير في ستاد خليفة الأولمبي بالعاصمة الدوحة. تكمن أهميّة الحدث حينها في أنه المرّة الأولى التي يُتوَّجُ فيها المنتخب القطري "العنّابي" باللقب الخليجي، كاسراً عقدةَ أكثر من عشرين عاماً من احتكار الكويت والعراق الفوزَ بالمسابقة. تصريح ابن همّام لقناة الكاس استفزّ كثيراً من الخليجيين الذين يرون في كأس الخليج قيمةً رمزيةً خاصة. ولكن الرجل الذي كان يرأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ساعة التصريح، ربما بلغ حد التشبّع من مسابقةٍ رياضيةٍ إقليميةٍ لم تنل اعتراف الاتحاد الدولي لكرة القدم ــ فيفا ــ منذ انطلاقها سنة 1970 وحتى الآن.

تصريح ابن همّام أسخط كثيراً من محبّي كرة القدم في الخليج العربي ممن يرون في كأس الخليج إرثاً شعبياً ممتداً ومدرسةً تخرجّت فيها أجيال من لاعبي كرة القدم الذين مثّلوا دول الخليج لاحقاً في محافل دولية قارية وعالمية. ولا أدلّ على تلك القيمة الرمزية من استمرارها جيلاً فجيلاً، خلافاً لمسابقة كأس العرب الأعمّ والأقدم.

سبقتْ بطولةُ كأس العرب دورةَ كأس الخليج بسبع سنوات. فقد أقيمت ثلاث نسخٍ من كأس العرب في أربع سنوات، بدايةً من بيروت سنة 1963، ممّا دلّ على انطلاقةٍ متحمسةٍ ورغبةٍ في استمرار البطولة من بعض الاتحادات العربية، ولا سيما بلاد الشام والعراق والكويت. لكن ما لبثت تلك الشعلة أن انطفأت مع نكسة 1967 التي ألقت بآمال ملايين العرب في جبّ الانكسار سياسياً واجتماعياً ونفسياً. دخلت مسابقة كأس العرب بعدها عقوداً من الموت السريري لم تفلح معه محاولات إنعاش البطولة بين حينٍ وآخر سوى بتسجيل حضورٍ خجولٍ ومجاملاتٍ جافة. بينما انطلقت في أقصى الشرق العربي سنة 1970 دورة كأس الخليج التي تزامنت مع استقلال بقية الدول الخليجية، وحافظت نسبياً على إقامتها كلَّ عامين. فحتى مع بعض الاضطرابات السياسية في المنطقة التي قد تُؤجّل دورة الخليج أحياناً إلا أنها لم تتوقّف طويلاً، عكس كأس العرب.

هذا الوضع المتباين بين البطولتين دام نحو نصف قرن، حتى أُقيمت نسخةٌ فريدةٌ من كأس العرب في قطر سنة 2021 برعاية الفيفا واعترافها وعلى الملاعب المعدّة لاستضافة أهمّ حدثٍ كرويٍّ عالميّ، كأس العالم 2022. النجاح الهائل لكأس العرب الأخيرة أغرى كلاً من قطر والفيفا بتمديد شراكتهما وإعادة الكرّة ثلاث مرّات كلَّ أربع سنوات ابتداءً من 2025، مما ينبئ بتسطيرِ تاريخٍ جديدٍ تكون فيه لكأس العرب قيمةً فنيةً ورمزيةً أعلى من كأس الخليج وأدوم.


في أثناء انعقاد الدورة الخامسة عشرة لكأس الخليج العربي سنة 2002 في الرياض، أو خليجي 15 كما اعتاد الخليجيون تسمية كلّ دورة بكلمة "خليجي" متبوعةً برقم نسختها، كرّمت اللجنةُ المنظمة للبطولة الأميرَ السعوديَّ خالد الفيصل لأنه صاحب فكرة كأس الخليج آخرَ الستينيات عندما كان مديراً لرعاية الشباب في السعودية. وحسب الرواية الرسمية السعودية، فإن الأمير قد عرض الفكرة على والده الملك فيصل بن عبد العزيز الذي أقرّها مؤذِناً بولادتها. لكن لم يمرّ هذا الإشهار مرورَ الكرام، بل استنفر الشيخُ البحريني فواز بن محمد آل خليفة ليعلن أنَّ دورة كأس الخليج ابتداعٌ بحريني من بنات أفكار والده، ويُصدر كتاب "خليجي 1، الفكرة والتأسيس" عارضاً مراسلات الاتحاد البحريني مع رئيس الفيفا آنذاك الإنجليزي ستانلي راوس. وهناك توفيق بين الروايتين السعودية والبحرينية أدلى به الشيخ عيسى بن راشد آل خليفة لصحيفة "القبس" الكويتية قائلاً إن الفكرة قيلت في مائدة عشاءٍ جمعت خالد الفيصل ومحمد بن خليفة. ووفقاً للإعلامي الراحل فوزي جلال فإن شركة التبغ "روثمانز" عرضت فكرة رعاية بطولة خليجية باستضافةٍ بحرينية منتصف الستينيات، لكن الاتحاد البحريني رفضها لتناقضها مع مبادئ الرياضة والصحة.

أطلّ الصحفيُّ الكويتيُّ مرزوق العجمي كما لو أنه يلوّح بنتيجة الحمض النووي لأبوّة "كأس الخليج"، ونشر في صحيفة النهار الكويتية سنة 2013 مقالاً يكشف فيه أسبقية مواطنه الصحفي الرياضي عبد الله العوضي في الدعوة إلى إقامة بطولةٍ رياضيةٍ تجمعُ فرق الخليج العربي. بفضل بحثٍ أرشيفيٍّ لصحفيٍّ آخر هو صادق الشايع، توصّل العجمي إلى مقالٍ كتبه عبد الله العوضي في يومية "الرأي العام" الكويتية سنة 1962 أطّره في سياق المسابقات الرياضية القارية والإقليمية المستحدثة عبر العالم، مشيراً إلى أن الوقتَ حان لأبناء الخليج العربي، وتحديداً الكويت والبحرين وقطر والدمام ودبي، كما نصّ، لكي ينشئوا دورة ألعابٍ رياضيةٍ بما فيها كرة القدم. لكنّ مقترح العوضي بقي معلّقاً سنواتٍ، وإنْ أعاد التذكيرَ به في العام التالي الذي وافق انعقاد أول دورةٍ لكأس العرب في لبنان.


كأس العرب هي الأخرى فكرةٌ ابتدرها ناصيف مجدلاني، صحفي لبنانيٌّ مخضرم. ذلك حين انعقاد الدورة الرياضية العربية الثانية في بيروت سنة 1957، إذ أُلقِيَت في رَوْع مجدلاني فكرة تنظيم دورة عربية كروية مستقلة عن مسابقة كرة القدم في الدورة الرياضية العربية التي كانت تقام كلَّ أربع سنوات. كان ذلك عصر انطلاق بطولات كرة القدم الإقليمية والقارية الذي شهد ولادة كأس أمم آسيا سنة 1956، وكأس أمم إفريقيا سنة 1957، وكأس أمم أوروبا سنة 1960، وقبلها الكأس الأوروبية للأندية سنة 1956 أو ما يُعرف اليوم بدوري الأبطال. كان مجدلاني نائب رئيس بعثة لبنان في الدورة، وعرض المقترح على عزت الترك، الأمين العام للاتحاد اللبناني لكرة القدم الذي أُعجب بالفكرة. فأرسل إلى الاتحادات العربية من مختلف الأقطار للاجتماع في بيروت سنة 1962 وتنسيق انعقاد المسابقة بحيث تنطلق النسخة الأولى من كأس العرب في لبنان العام التالي.

انطلقت النسخة الأولى لكأس العرب في بيروت سنة 1963 بمشاركة خمس دول، هي لبنان وسوريا والأردن والكويت وتونس، ولعبت مبارياتها على ملعب مدينة كميل شمعون الرياضية بنظام الدوري من مرحلةٍ واحدة على مدار أسبوع، وآلت إلى فوز تونس باللقب الأول. أقيمت الدورة الثانية سنة 1964 في الكويت بمشاركة خمس دول أيضاً. وبينما اعتذرت تونس وسوريا، شاركت ليبيا والعراق، ليُسفر الدوري هذه المرة عن فوز العراق بالمركز الأول مفتتحاً سجلّه في الهيمنة على ألقاب كأس العرب مستقبلاً.

ومع أن معظم الأقطار العربية اعتذرت عن المشاركة بفرقها، إلا أن بعض الاتحادات الوطنية كالسودان أرسلت مندوبين عنها لحضور الاجتماعات، وعملت على تعديل لائحة المسابقة لتنعقد كأس العرب بالتناوب مع دورة الألعاب العربية درءاً للتعارض الزمني. وبما أن العام التالي 1965 شهد انعقاد الدورة الرياضية العربية الرابعة في مصر، فقد أقيمت الدورة الثالثة لكأس العرب في بغداد سنة 1966 وتضاعفَ عدد الدول المشاركة التي بلغت عشراً وُزّعت على مجموعتين. أبرزت مجريات الدورة تبايناً شاسعاً في المستويات، فانسحب الفريق العماني قبل عشر دقائق من نهاية مباراته الأولى مع منتخب ليبيا والنتيجة تشير إلى واحدٍ وعشرين هدفاً ليبياً مقابل صفر. وعاد الهداف الليبي علي البسكي ورفاقه ليزرعوا ثلاث عشرة كرة في مرمى اليمن الشمالي دون ردّ. بيد أن الموج الليبي الجارف انكسر عند صخرة العراق في نصف النهائي، ليلتقي في المباراة النهائية الجاران سوريا والعراق بحضور الرئيس عبد السلام عارف ويفوز أصحاب الأرض بلقبهم الثاني على التوالي.

اضطرت المنتخبات العربية في آسيا في مناسباتٍ عدة إلى الانسحاب من المسابقات الآسيوية، ومنها كأس أمم آسيا التي أقيمت في تل أبيب وفازت بها إسرائيل سنة 1964. لذا كرّرت كلّ من لبنان والكويت الدعوة لباقي الاتحادات العربية في الشطر الآسيوي للانضمام إلى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم من أجل تعزيز الموقف العربي فيه إزاء إسرائيل. وفي الستينيات اكتفت هذه الدول بالمشاركة في المسابقات الإقليمية العربية. وبوقوع نكسة 1967، انتكست مسيرة كأس العرب إلى حين.


على ملعب مدينة عيسى في البحرين انطلقت سنة 1970 النسخة الأولى من دورة كأس الخليج العربي، خليجي 1، بمشاركة أربعة منتخبات تمثّل البحرين والسعودية والكويت وقطر. فوز الكويت الصريح بمبارياتها الثلاث منحها أوّل لقبٍ في سلسلةٍ تعكس علوّ كعبها على باقي فرق الخليج آنذاك. لم تُبثّ مجريات الدورة تلفزياً ولا إذاعياً وإنما سُجّلت لقطاتٌ سينمائيةٌ متفرّقة من تلفزيون البحرين. 

أقيمت الدورة الثانية على ملعب المَلَز في الرياض سنة 1972 وسجّلت أول حضورٍ دوليٍّ لمنتخب الإمارات العربية المتحدة، كما شهدت تكافؤاً بين منتخبي السعودية والكويت لم يحسمه الأخير إلا بفارق الأهداف المسجّلة في مجمل مبارياتهما، حسب اللائحة المتبعة حينها، والتي عُدّلت لاحقاً لتفصل عند تساوي النقاط بالاحتكام إلى مباراةٍ فاصلة. بثّت الإذاعة المباريات مباشرةً وسُجّلت مبارياتها بالفيديو الأبيض والأسود. لم يفسد مجريات الدورة سوى حادثة انسحاب المنتخب البحريني قبل نصف ساعة من نهاية مباراته الأخيرة أمام السعودية احتجاجاً على الحَكم السوداني الذي أقرّ هدف التقدّم الثاني للسعودية وطرد لاعبَين بحرينيَّيْن. 

في الكويت سنة 1974، كانت خليجي 3 أوّلَ دورةٍ خليجيةٍ تُقام على ملعبٍ ذي أرضيّةٍ عشبيةٍ، وهو ستاد نادي الكويت، بعدما كانت الدورتان السابقتان على ملعبين ترابيين. وكانت هذه أول دورة تُنقل بالبث التلفزيوني المباشر بالألوان إلى الأقطار الأخرى. بانضمام منتخب سلطنة عمان إلى الدورة الثالثة أصبح عدد الفرق المشاركة في كأس الخليج ستّة، قُسمت إلى مجموعتين ترشّح منهما فريقان إلى نصف النهائي ثم النهائي الذي شهد فوز الكويت على السعودية برباعيةٍ نظيفةٍ، ليكون اللقب الثالث على التوالي للكويت وبه امتلكت الكأس العينية الأولى للأبد وفق اللائحة التي تعطي الحقَّ لمن يفوز بالبطولة ثلاث مرّاتٍ بأن يمتلك الكأس التي صُمّمت نسختها الأولى في البحرين وصُنعت في لبنان.


برزت بعض المحاولات للمِّ الشمل العربي الرياضي من جديد بعد النكسة. دعا سعيد السبع، رئيس رعاية الشباب الفلسطيني، إلى إقامة بطولةٍ بديلةٍ لكأس العرب باسم كأس فلسطين. بين سنتي 1972 و1975 أقيمت ثلاث نسخ من كأس فلسطين في العراق وليبيا وتونس توالياً، وبمشاركة جيدة بمعدّل عشر دول في كل نسخة. لكنَّ الحماس الذي انطلقت به كأس فلسطين في السبعينيات آلَ إلى المصير نفسه لحماس الدورات الأولى من كأس العرب. فقد ألغيت النسخة الرابعة المقررة في السعودية سنة 1977 ثم حُوّلت كأس فلسطين إلى مسابقةٍ مقتصرةٍ على منتخبات الشباب. في غضون ذلك تكللت سنوات الجهود العربية، ولا سيما من أحمد السعدون رئيس الاتحاد الكويتي آنذاك، بالنجاح في إقصاء إسرائيل من عضوية الاتحاد الآسيوي لكرة القدم سنة 1974، فلم تعد المنتخبات والأندية العربية الآسيوية مضطرة إلى الانسحاب من المسابقات الآسيوية.

إفريقياً، انشغلت المنتخبات العربية بالمشاركة في تصفيات كأس أمم إفريقيا كلَّ سنتين وكأس العالم كل أربع سنوات، لا سيما أنَّ كلا البطولتين بنظام الذهاب والإياب، مما عسّر تفرّغ هذه المنتخبات لبطولةٍ عربيةٍ مجمّعة، والحال لم يختلف كثيراً عن أيامنا المعاصرة، وهو من أسباب الحضور القليل لمنتخبات عرب إفريقيا في مختلف دورات كأس العرب.


تُعدّ دورةُ الخليج الرابعة في قطر سنة 1976 إحدى العلامات المميزة في مسيرة المسابقة. فبدعوة العراق ليكون العضوَ السابعَ في الدورة، كُتب تاريخٌ جديدٌ من المنافسة على اللقب الخليجي بين الكويت والعراق. أُقيمت مبارياتُ خليجي 4 على ستاد خليفة الدولي الذي افتتحه الأميرُ خليفة بن حمد مع العاهل السعودي خالد بن عبد العزيز. عاد نظامُ الدوري بين الفرق المشاركة وأسفرت النتائج عن تعادل الكويت والعراق بالنقاط في صدارة الفرق ليُحتكم هذه المرة إلى مباراةٍ فاصلةٍ بينهما - تُعدّ هذه المباراة حتى أيامنا من أهمّ مباريات كأس الخليج - انتهت بفوز الكويت بأربعة أهدافٍ لهدفين.

سبق البطولةَ أولُ اعتراضٍ على مبدأ تجنيس غير الخليجيين. فقد اعترضت بعض الدول على منح قطر جنسيتَها للاعبين: المصري حسن مختار واللبناني جمال الخطيب. وبعد أخذٍ وردٍّ، استجاب الوفد القطري ولم يُشرك اللاعبين المجنسين. أخذت البطولة بُعداً دولياً أكبر، فالمدير الفني لمنتخب الكويت كان البرازيلي ماريو زاغالو الذي فاز قبلها بست سنوات فقط بكأس العالم مع منتخب البرازيل. وكان ذلك نواةَ تفوّقٍ كويتيٍّ إقليمياً وقارّياً، إذ فازت الكويت مع المدرسة البرازيلية بكأس آسيا وتأهّلت لكأس العالم مطلعَ الثمانينيات، بجيلٍ ذهبيٍّ من اللاعبين كجاسم يعقوب وفيصل الدخيل وفتحي كميل وعبد العزيز العنبري.

حسب مبدأ الاستضافة بالتناوب قُرِّرَ أن تُقام دورة خليجي 5 في أبو ظبي سنة 1978، لكن تأخر إنجاز ملعب مدينة زايد وطلب الإمارات تأجيل الموعد أدّى إلى نقل مكان الاستضافة إلى العراق وتأجيلها عاماً. انعقدت الدورة الخامسة في بغداد سنةَ 1979 وكُسر احتكارُ الكويت اللقب الخليجي أوّلَ مرّةٍ بفوز العراق في جميع مبارياته. عادت الدورة إلى الإمارات سنة 1982، وبينما كانت الأنظار تجاه لقاء الحسم المنتظر قبيل نهاية دورة خليجي 6 بين العراق والكويت وهما يتغلبان على باقي الفرق واحداً تلو الآخر، فوجئ الجميع - بمن فيهم أعضاء الوفد العراقي - ببرقيةٍ من الرئيس صدام حسين بقرار انسحاب العراق من المنافسة. كان الانسحاب بمثابة إهداء لقب كأس الخليج إلى منتخب الكويت الذي شارك بصفّه الثاني، بينما يستعدّ فريقه الأساسي للمشاركة في كأس العالم بإسبانيا خلال أشهر. هذا ما دعا كثيرين لتفسير قرار صدام حسين بأنه رفعٌ لمعنويات المنتخب الكويتي قبل الحدث العالمي المقبل، لا سيما في ظلّ دعم الكويت للعراق في الحرب مع إيران. بينما أشارت روايةٌ مختلفة إلى أن الانسحاب رسالةَ احتجاجٍ على تمزيق صور صدام حسين في ملعب مدينة زايد. استمرَّ التناوب الكويتي العراقي على الفوز بكأس الخليج العربي في الدورات اللاحقة التي أقيمت في سلطنة عُمان 1984، ثم البحرين 1986، فالسعودية 1988، وأخيراً الكويت 1990.


سنة 1974 تأسّس الاتحاد العربي لكرة القدم (يوافا) في طرابلس الليبية برئاسة الليبي عبد اللطيف بوكر، ثم انتقل مقرّ الاتحاد إلى الرياض بعد عامين ليتولّى رئاسته الأمير السعودي فيصل بن فهد، ولتُهيمن الرئاسة السعودية على الاتحاد العربي حتى يومنا هذا. منذ تأسيسه وضع الاتحاد نُصبَ عينيه إعادة تفعيل كأس العرب من جديد، على رأس المسابقات التي استهدف تنظيمها مثل بطولات الأندية العربية الفائزة بالدوري وتلك الفائزة بالكؤوس المحلية. وفي سنة 1982 كان لبنان يتأهب لاستئناف المسابقة كما استضافها أوّلَ مرةٍ قبل عقدين، لكنَّ الاجتياح الإسرائيلي صيف ذلك العام بدّد الحلم مجدّداً. ثم قرّر الأمير فيصل بن فهد عودةَ كأس العرب سنة 1985 بإقامة النسخة الرابعة في السعودية، بعد نحو عشرين عاماً من توقّفها. كانت المشاركة العربية محدودةً لانشغال كثير من الاتحادات بتصفيات كأس العالم  لقارّتي آسيا وإفريقيا. أقيمت الدورة في الطائف بمشاركة منتخبات ست دول وأسفرت عن فوز العراق بصفّه الثاني في النهائي على البحرين، ليؤكّد العراق سيطرته على المسابقة العربية. وبعد ثلاث سنوات استضاف الأردن النسخة الخامسة بمشاركة عشر دول، أرسل بعضها فريقه للشباب أو المنتخب الجامعي. وشهدت الدورة أوّل مشاركة لمنتخب مصر، التي كانت قد عادت للتوّ إلى الوسط العربي بعد عزلةً فرضها العرب إثر معاهدة كامب ديفيد. أقيمت المباريات على ستاد عمّان الدولي ذي الأرضية الصناعية "التارتان". كان منتخب العراق يعيش أزهى أيامه بقيادة المدرّب عمّو بابا والهدّاف أحمد راضي، وتوّج جهوده في النهائي بالتغلّب على منتخب سوريا بركلات الترجيح، محققاً لقبه العربي القياسي الرابع على التوالي.


قُبيل دورة كأس الخليج العاشرة في الكويت في فبراير 1990 أعلن الاتحاد السعودي اعتذاره عن المشاركة احتجاجاً على تعويذة الدورة. والتعويذة أو التميمة في الأحداث الرياضية تكون مجسّماً أو صورةَ شخص أو حيوان أو رمز محليّ يعبر عن هوية البلد المستضيف للحدث أو البلدان المشاركة عموماً. أما عن تعويذة خليجي 10، فيروي الصحفي الكويتي فيصل القناعي، الذي كان مستشاراً إعلامياً للشيخ فهد الأحمد الصباح رئيس الإتحاد الكويتي حينها، بأن الأخير فكّر في البدء استخدام الجَمَل، لكن القناعي اقترح صورة الحصان، فاعتُمدت تعويذة مزدوجة من جواد يسمّى "عبَيّان" وفرس تسمّى "شويمة" يذكّران بمعركة الجهراء سنة 1920، حينما حاول جيش الإخوان القادم من نجد غزو الكويت. لذا بدأت منافسات الدورة العاشرة لكأس الخليج منقوصة فريقاً من أصل سبعة.

لم يتوقّف الإرباك هنا، فالوفد العراقي انسحب أيضاً فور انتهاء مباراته مع الإمارات بذريعة تحيّز الحكّام. إذ مهّد إلغاء نتائج مباريات العراق الطريقَ للكويت للفوز باللقب الخليجي سابع مرّة. وظهر الشيخ فهد الأحمد في احتفالات الفوز مشيراً بيديه شمالاً وجنوباً، ما فسّره بعضهم بإعلانه الفوز على الجارَيْن العراق والسعودية. خرج الاتحادان السعودي والعراقي ببيان مشترك يشجب ما جرى قبيل الدورة وأثناءها. وألمح كلاهما إلى مقاطعة دورة كأس الخليج القادمة، وإنشاء مسابقة كرة قدم دولية تحتضنها السعودية بمشاركة فرق عالمية. ولعلّها كانت البذرة التي سقاها الأمير فيصل بن فهد لتصبح بعد عامين كأس الملك فهد للقارات.

حتى ذلك الحين، كانت دورة الخليج عقدةً للمنتخب السعودي. إذ لم ينجح في الظفر بالكأس طوال عشرين سنة، مع أنه نال كأس أمم آسيا مرتين متتاليتين في الثمانينيات. وفي ظل الحرب الرياضية الخليجية الباردة بين الأمراء والشيوخ يروى أن فهد الأحمد كان يتندّر على استعصاء الكأس الخليجية على منتخب السعودية فقال "لن تفوز السعودية بكأس الخليج حتى تصبح كرة القدم مربّعة". والواقع أن منتخب السعودية لم يرفع الكأس إلا بعد ممات الشيخ فهد الأحمد. إلى ذلك، ساد شعور سعوديّ بأنَّ الهدف الأسمى والأهم هو بلوغ نهائيات كأس العالم ــ على غرار ما فعلته الكويت سنة 1982 والعراق سنة 1986 والإمارات سنة 1990 ــ وأن كأس الخليج هدف ثانوي مؤجل، بل يمثل عقبة تشغل المنتخب السعودي عن طموحاته العالمية. وقد تحقق ذلك لاحقاً عندما تأهَّل الأخضر السعودي إلى كأس العالم أول مرة في الولايات المتحدة سنة 1994، وأتبعها بثلاث مرات متتالية.

بعد أشهر قليلة من هزّة خليجي 10، زلزل الغزو العراقي الكويت زلزالاً دام سبعة أشهر. وكان عرّاب الرياضة الكويتية الشيخ فهد الأحمد قد قُتل على يد القوات العراقية صبيحة الغزو. إثر ذلك دخل العراق عزلة دولية سياسية واقتصادية، واستُبعِد من المناسبات الرياضية العربية، لا سيما التي تشارك فيها فرق خليجية. كان الموقف الموحد لدول مجلس التعاون الخليجي دليلاً واضحاً على التوجّه المشترك، بينما كان الموقف العربي المنقسم من العلاقة مع نظام بغداد سبباً في ضبابية المناسبات الرياضية العربية في التسعينيات، إذ دُعي العراق في بعضها واستبعد من بعضها الآخر.

سنة 1992 انعقدت الدورة الرياضية العربية السابعة في سوريا، وقد عُدّت مسابقة كرة القدم في هذه الدورة استثنائياً النسخة السادسة من كأس العرب لكرة القدم. قُسِّمت الفرق الستة المشاركة على مجموعتين وفي النهائي المثير تغلّبت مصر على السعودية. وآخر العام نفسه أُقيمت دورة خليجي 11 في قطر مقتصرة على دول مجلس التعاون الستّ، ولعبت منافساتها بنظام الدوري مسفرة عن بطل جديد للمسابقة وهو العنابي القطري. بعد سرقة الكأس العينية الأخيرة إبان الغزو العراقي للكويت، قدّمت قطر كأساً عينية بديلة مصنوعة من الذهب الخالص على شكل مبخرة تحمل كرة، من تصميم الفنان القطري سلمان المالك. قبل البطولة بشهرين وقعت حادثة "الخفوس" الحدودية بين السعودية وقطر. حينها راح ضحيتها ضابط سعودي وجنديان قطريان، إلا أنها لم تؤثّر في إقامة البطولة بموعدها وبمشاركة السعودية.

يتذكّر مشجّعو المنتخب السعودي سنة 1992 أيضاً أنها سنة خسارة النهائيات. فقد خسر فيها نهائي كأس العرب من مصر، ونهائي كأس آسيا من اليابان، ونهائي كأس القارات من الأرجنتين. وعلى تلكّؤ من الفيفا في إقرار النسخة الأولى من بطولة أبطال القارات على كأس الملك فهد، وعدم اهتمام من الاتحاد الأوروبي والدنمارك بطلة القارة، نجح الاتحاد السعودي في تأمين قبول دعوته من أبطال ثلاث قارات هم الولايات المتحدة الأمريكية، وساحل العاج، والأرجنتين التي ظفرت باللقب الأول على حساب السعودية. وبعد نسخة ثانية سنة 1995، وثالثة سنة 1997 في الرياض توالياً، اختصّ الفيفا نفسَه بحق تنظيم البطولة في النسخ اللاحقة.

بعد حرب الخليج الثانية واستبعاد العراق، تعاقبت دورات الخليج اللاحقة بالنظام نفسه كل سنتين، دوري سداسي على ملعب واحد، في أبو ظبي 1994 ببطل جديد أيضاً هو الأخضر السعودي، ثم استعاد الأزرق الكويتي لقبه المفضّل في دورتَي 1996 في مسقط و1998 في البحرين. وعندما سُئِل رئيس الاتحاد الكويتي عن أجل غياب العراق عن الدورة الخليجية ولمَ لا تسمّى كأس مجلس التعاون، أجاب بأن "دورة الخليج وجدت لتستمرّ بوجود العراق أو بدونه".

سنة 1998 أيضاً استضافت قطر النسخة السابعة من كأس العرب بمشاركة قياسية حينها. فقد شاركت منتخبات اثنتي عشرة دولة. حتى تشجّمت بعض المنتخبات عناء السفر برّاً مسافات طويلة، مثل فلسطين بسبب التضييق الأمني الإسرائيلي، وليبيا بسبب الحظر الجوّي المفروض دولياً. قسمت الفرق الاثنا عشر على أربع مجموعات ترشّح متصدّر كلٍّ منها ليكون المربع النهائي خليجياً خالصاً ولتفوز السعودية باللقب العربي.


دخلت كلتا المسابقتين، كأس العرب وكأس الخليج، في فترة من سنة 1998 إلى 2002. ولئن كان هذا الفتور معهوداً مع كأس العرب، إلا أنه كان مستغرباً مع كأس الخليج. فقد تأجلّ انعقاد خليجي 15 من سنة 2000 بدعوى التعارض مع استحقاقات كروية آسيوية لمنتخبات الخليج. القرار الذي اتُّخذ في الرياض بحضور أمناء الاتحادات الخليجية أنذر بتكراره مستقبلاً مع إيلاء الاتحادات الوطنية والجماهير جديةً واهتماماً أكبر بالإنجاز في المسابقات القارية والعالمية. ورأى الصحفي الكويتي جاسم أشكناني أن قرار التأجيل إعلان مبكر لوفاة كأس الخليج، أو هو مدخل للاستغناء عن إلزام الفرق الأساسية بالمشاركة وتحويل الدورة إلى مسابقة للمنتخبات الأولمبية أو الرديفة. وحينها قال الشيخ عيسى بن راشد لقناة الجزيرة: "إذا اختلف رؤساء الاتحادات فإن القرار يأتي من فوق" ملمحاً إلى بتّ القيادة السياسية لدول الخليج في إقامة الدورة من عدمها.

أيّاً كانت أسباب تأجيل خليجي 15 فقد عقدت في الرياض مطلعَ سنة 2002 وتوّج بها أصحاب الدار بعد فوزٍ مثيرٍ في الدقائق الأخيرة من المباراة الختامية أمام قطر. ونهايةَ العام استضافت الكويت النسخة الثامنة من كأس العرب بمشاركة عشر دول، وفي المباراة النهائية فازت السعودية على البحرين بالهدف الذهبي لتحافظ على لقبها العربي مرة ثانية. دخلت بعدها كأس العرب في غيبوبة جديدة طالت عقداً.

وفي الكويت أيضاً حطّت دورة الخليج السادسة عشر رحالها نهاية سنة 2003 بمشاركة اليمن أول مرّة عضواً جديداً في المسابقة الخليجية، بتأثيرٍ سعودي استهدف دمج اليمن في عدد من البرامج والفعاليات الخليجية. أجريت دورة خليجي 16 بنظام دوري من سبعة فرق، مما يعني إقامة إحدى وعشرين مباراة في غضون أسبوعين على ملعب واحد وهو "ستاد" نادي الكويت الذي أُنهك من تتابع المباريات في أجواء شتوية ممطرة استحالت معه الأرضية إلى رقعة وحل. كانت تلك صورة جليّة على توقف الزمن في منشآت الكويت خاصة، فملعب نادي الكويت لم تطرأ عليه تحديثات ملموسة منذ ثلاثين عاماً، أي منذ استضاف مباريات خليجي 3.


بعد سقوط نظام صدام حسين وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين دول الخليج والعراق، عاد المنتخب العراقي إلى المشاركة في دورات الخليج، ليصبح عدد أعضاء المسابقة ثمانية. منذ خليجي 17 في قطر آخرَ 2004 أصبح لدورة كأس الخليج العربي شكل جديد، فأصبحت تقام بنظام المجموعتين متبوعة بدور خروج المغلوب والمباراة النهائية. كذلك قدّمت قطر ثالث مرّة كأساً عينية جديدة للفائز، وهي من تصميم النحات العراقي أحمد البحراني، صُنعت من الذهب الأبيض في مصنع بيرتوني الإيطالي ذاته الذي صنّع كأس العالم. وكانت هذه أول دورة خليجية تجري مبارياتها على أكثر من ملعب، أحدهما "ستاد" جاسم بن حمد الذي بُنِيَ على طراز ملاعب أوروبية خالٍ من المضمار الأولمبي الذي يبعد المسافة بين الرقعة الخضراء والجمهور. أجريت منافسات خليجية أيضاً في الألعاب الرياضية المصاحبة، ككرة السلة وكرة اليد والكرة الطائرة، مما شجّع المسؤولين على تنظيم دورة ألعاب رياضية خليجية لاحقاً. وكانت تغطية الجزيرة الرياضية للأحداث فتحاً جديداً أصبح معيارياً في النقل المتلفز لدورات الخليج اللاحقة. مع نظام المجموعتين ابتسمت كأس الخليج للفريق المستضيف في ثلاث دورات متتالية في قطر 2004، ثم الإمارات 2007، ثم سلطنة عُمان 2009. وحصل هذان الأخيران على أول لقب خليجي لهما آنذاك.

ومع ازدياد أعضاء مسابقة كأس الخليج كان لزاماً أن يشمل نظام الاستضافة بالدور كلاً من اليمن والعراق. كان اليمنيون يسابقون الوقت لاستضافة خليجي 20، لا سيما أنَّ البنية التحتية هناك أقلّ مقارنة مع دول مجلس التعاون الخليجي. آخرَ سنة 2010 أُقيمت الدورة في عدن وأبين بحضورٍ جماهيريٍّ متعطّشٍ لأحداثٍ رياضية مماثلة. وعادت الكأس لتفوز بها الكويت عاشر مرّة، بعد طول غياب، ولم تفز بها منذ ذلك الحين. أدّى القلق المستمر من الحالة الأمنية في العراق والحظر الدولي على اللعب فيها إلى تأجيل منحِ حقِّ الاستضافة للعراق أكثر من مرّة.


في سنة 2006 نظر الاتحاد العربي لكرة القدم في الاحتمالات الممكنة لتنظيم كأس العرب من جديد. واعتمد الاتحاد خطة إقامة النهائيات لعام 2009 بنظام التجمع لثمان فرق مقسمة على مجموعتين رباعيتين، على غرار كأس الخليج، بعد اجتياز تصفيات تأهيلية. وفعلاً لُعبت مرحلة التصفيات الأولية آخرَ 2006، بيد أن انسحاب الراعي الرسمي للبطولة، راديو وتلفزيون العرب (إيه آر تي)، أدّى إلى إلغاء ما تبقّى من أدوار المسابقة الإقصائية والنهائية. وفي سنة 2011 وقّع الاتحاد العربي اتفاقية رعاية مع شركة (وورلد سبورت غروب) المتخصصة في التسويق الرياضي، لترعى مختلف أنشطة الاتحاد ومنها كأس العرب في السعودية سنة 2012. أقيمت هذه النسخة، التاسعة في تاريخ المسابقة، في مدينتي جدة والطائف بمشاركة إحدى عشرة دولة شارك بعضها بالفريق المحلي أي بلا محترفين في الخارج. وأحرز الكأس منتخبَ المغرب بعد فوزه في النهائي على منتخب ليبيا. ومع أنَّ عقد الرعاية اشتمل على دورةٍ عربيةٍ كلّ عامين أو أربعة، إلا أن كأس العرب دخلت في نوبةِ سبات طويلة مجدداً.

استمر انعقاد دورة كأس الخليج ولكنَّ اضطرابَ موعدها صار عادةً. لم يعد فاصل السنتين ملتزَماً، فأرجئ خليجي 21 في البحرين إلى سنة 2013 وفازت به الإمارات، ثمَّ أُقيم خليجي 22 في الرياض سنة 2014 وأحرزته قطر. وسرت إشاعات على هامش الدورة بتوسعة الدورات المقبلة من كأس الخليج لتشهد دعوة دولٍ غير خليجية للمشاركة، وتحديداً الأردن والمغرب.

وبإشهار "اتحاد كأس الخليج العربي" في الدوحة سنة 2016 بعضوية الدول الثمان، أصبحت معايير استضافة كأس الخليج وتنظيمها أكثر اشتراطا من قبل، ولم يعد الدور التلقائي بالتناوب اعتباراً ملتزماً. ومن تلك المعايير ضرورة الضمان الحكومي لقدرة البلد على الاستضافة، وتوفّر ملعبين على الأقل لا يبعدان عن بعضهما أكثر من ساعتين بالسيارة، إضافة إلى باقي تدابير الأمن وإقامة الوفود والمواصلات وحقوق البث. ويشكّل الاتحاد الخليجي لجنة لزيارة تفقد مرافق الدولة الراغبة بالاستضافة للتحقق من استيفاء المعايير.


كانت الكويت تتأهب لاستضافة خليجي 23 سنةَ 2015 ثم طلبت التأجيل سنةً ريثما تستكمل أعمالاً إنشائية. لكنَّ حقَّ الاستضافة سُحب منها بعد أن أوقف نشاطها الكروي من الاتحاد الدولي لكرة القدم سنة 2016، إثرَ تدخّل الحكومة الكويتية في سنّ قوانين الرياضة المحلية. أُسنِد تنظيم دورة كأس الخليج إلى قطر ليكون موعدها آخرَ سنة 2017، وجُعلت مشاركة الكويت مرهونةً برفع الإيقاف عنها من الفيفا. ألقت الأزمة الخليجية بظلالها على دورة الخليج فكانت مشاركة منتخبات السعودية والإمارات والبحرين موضع شكّ بعد قطع الدول الثلاث علاقاتها الدبلوماسية مع قطر. لكن قرعة المجموعتين سُحبت بأسماء الدول الثمان كافة بما فيها الكويت، على أمل أن يُرفَع عنها حظر الفيفا في أقرب وقت، وهو ما حصل فعلاً في ديسمبر 2017، حين ارتأى المنظمون المبادرة بإعادة حق التنظيم إلى الكويت لضرب عدة عصافير بحجرٍ واحد. فنقل البطولة إلى الكويت فيه تثمين لدور الأمير صباح الأحمد الدبلوماسي في الوساطة بين الفرقاء الخليجيين، وفيه حفاوة بخروج الكويت من العزلة الرياضية الدولية، والمساعدة في إقناع السعودية والإمارات والبحرين بالمشاركة. وفي ستاد جابر الدولي تُوّج المنتخب العماني بكأس خليجي 23 بفوزه على منتخب الإمارات بركلات الترجيح.

قبل سحب قرعة خليجي 24 في قطر سنة 2019، أعلنت السعودية والإمارات والبحرين انسحابها من الدورة، مع استمرار الأزمة الدبلوماسية مع قطر. وأعلن المنظمون أن البطولة ستعقد في موعدها بمن حضر، أي بالدول الخمس المتبقية وهي قطر وعُمان والكويت والعراق واليمن، وأنها ستلعب بطريقة الدوري. إلا أن الدول الثلاث فاجأت الجميع قبل أسبوعين من انطلاق البطولة بقرارها العودة للمشاركة، ليكتمل نصاب الدول الثمان. استضافت قطر خليجي 24 في ثلاثة ملاعب بينها ستاد خليفة الدولي الذي حُدِّث لاستضافة مباريات من كأس العالم 2022، وستاد الجنوب "المونديالي" الذي افتتح في مباراة نصف النهائي والتي خسرها أصحاب الدار أمام السعودية. ثم خسرت السعودية النهائي بهدف من البحرين التي دوّنت اسمها أخيراً في سجلّ الفائزين بكأس الخليج بعد انتظارٍ دام نصف قرن.


من أجل الوقوف جدّياً على استعداد قطر لاستضافة كأس العالم سنة 2022 وهو المونديال الأول في منطقة الشرق الأوسط، اتفقت قطر مع الاتحاد الدولي لكرة القدم على تجربةٍ تحضيريةٍ قبل عامٍ من موعد كأس العالم. وذلك بتنظيم نسخة استثنائية هي العاشرة من كأس العرب. هذه المرة باعتراف الفيفا الرسمي ورعايتها المشتركة مع شركائها الدائمين والإقليميين، بجوائز مالية كبيرة للفائزين تفوق خمسة أضعاف جوائز النسخة السابقة سنة 2012 لتبلغ هذه المرة أكثر من خمسة وعشرين مليون دولار، وحثّت الفيفا المنتخبات العربية على انتداب فرقها الأساسية للعب. أصرّ البرتغالي كيروش مدرّب منتخب مصر على الحضور بفريقه الأوّل، تحضيراً جادّاً لكأس إفريقيا وتصفيات كأس العالم، باستثناء نجومه الذين لم توافق أنديتهم الأوروبية على تحريرهم مدّة البطولة كمحمد صلاح. كذلك شاركت الجزائر والمغرب وتونس بمنتخبات المحليين مطعّمة ببعض المحترفين في الخارج. بعد إجراء التصفيات التأهيلية للمنتخبات الأقل تصنيفاً منتصف العام، أقيمت النهائيات في ديسمبر بمشاركة ستة عشر منتخباً قُسمت على أربع مجموعات يترشح من كل منها المتصدر ووصيفه إلى أدوار خروج المغلوب فالنهائي. شهدت "كأس العرب فيفا 2021"، وفق التسمية الرسمية، حضوراً جماهيرياً حاشداً فاق مجموعه نصف مليون متفرج من القطريين ومن مختلف الجاليات والزائرين. ومع إجراءات الوقاية من وباء "كوفيد-19"، تجاوز الحضور الجماهيري في بعض المباريات 80 بالمئة من الطاقة الاستيعابية للملعب. ولعبت المباريات على ستة ملاعب من أصل ثمانية كانت ستستضيف كأس العالم 2022. أفضت المنافسات إلى ظفر الجزائر باللقب العربي (الفيفاوي) بعد فوزها في النهائي على تونس في ستاد "البيت" الذي استوحي تصميمه من بيت الشَعر العربي.

النجاح الكبير لكأس العرب فيفا 2021 دعا رئيس الفيفا السويسري جياني إنفانتينو للتصريح عقبها بأن المسابقة ستستمرّ دورات مقبلة تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم. وكانت تلك مقدّمة لنجاح قطر في استضافة نسخة استثنائية من كأس العالم سنة 2022 بإشادةِ كثيرين. وسنة 2024 أعلنت الفيفا أن قطر طلبت استضافة ثلاث نسخ مقبلة من "كأس العرب فيفا" أعوام 2025 و2029 و2033، وقد أُجيبَ طلبها. وقال وزير الشباب والرياضة القطري حمد بن خليفة بن أحمد إن النسخ المقبلة ستبني على نجاح نسخة 2021. كان لتضافر عاملين رئيسين بالغ الأثر في نجاح كأس العرب فيفا. العامل الرئيس الأول هو جاهزية قطر لاحتضان مناسباتٍ رياضيةٍ عالميةٍ بمنشآتها، مستفيدةً من قوّتها الناعمة ووفرتها المالية والخبرات المحلية والدولية، حتى أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لم يحِر كثيراً في إيجاد بديلٍ للصين التي اعتذرت عن استضافة كأس أمم آسيا 2023 لتنتقل البطولة إلى قطر التي استضافتها على ملاعب كأس العالم بعد تعديل موعدها إلى 2024، وليفوز منتخب قطر بالكأس الآسيوية مرّةً ثانيةً على التوالي ويرفع قائده حسن الهيدوس الكأس وهو يرتدي "البشت"، ما جعله بصمةً قطريةً خاصة في التتويج، كما في المونديال. والعامل الثاني لإنجاح كأس العرب الجديدة هو التبنّي الرسمي للمسابقة أخيراً من الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهو ما عجزت عن نيله دورة كأس الخليج العربي، حتى مع العلاقات الواسعة للأمراء والشيوخ الخليجيين الذين مرّوا عليها وارتبط تاريخ المسابقة بهم. ولعلّ الاستقرار على موعدٍ ثابت كل أربع سنوات سيمنح الفرق العربية سعةً زمنيةً مناسبة لترتيب أوراقها قبل كل دورة من كأس العرب.


من أجل ضخ الدماء في البطولة الخليجية، عمد اتحاد كأس الخليج العربي إلى توقيع عقد رعاية مع شركة "زين" للاتصالات بدءاً من خليجي زين 25 في البصرة سنة 2023. بعد انتظارٍ طويلٍ وتململٍ من تكرار التشكيك والتأجيل والمماطلة في منح العراق حق استضافة كأس الخليج مجدداً، وافق الأعضاء أخيراً على إقامتها في البصرة بعد استيفاء شروط الاستضافة وعلى رأسها ضمان السلامة والأمن لجميع الوفود والجماهير. كانت الدورة مناسبة لإبراز الكرم العراقي، وأضحت مقولة "عين غطاء وعين فراش" شعاراً وممارسة شعبية. أقيمت المباريات على ملعبين، هما ستاد البصرة الدولي الملقّب "جذع النخلة"، وملعب الميناء الذي افتتح قبيل الدورة، وأسفرت المنافسات عن معانقة منتخب العراق اللقب الخليجي بعد غياب عقودٍ إثر فوزه في النهائي على منتخب عُمان.

مدّد الاتحاد الخليجي عقد الرعاية مع شركة "زين" لترعى بطولة خليجي زين 26 المقامة في الكويت بين ديسمبر 2024 ويناير 2025، تحت شعار "المستقبل خليجي"، وبمجموع جوائز بلغ مليوناً وسبعمئة ألف دولار كما في الدورة السابقة. شهدت البطولة افتتاح ملعب جابر المبارك الذي بُنِيَ على طرازٍ غير معهود في الكويت، ولا سيما قرب مقاعد الجماهير من أرضية الملعب. وشهدت الدورة أوّل فوزٍ لمنتخب اليمن في تاريخ مشاركاته الخليجية، على حساب المنتخب البحريني الذي كان قد ضمنَ مسبقاً الترشح للدور التالي. واصل البحرينيون مسيرة استعادة كأس الخليج بنجاح ليفوزوا في الختام على العمانيين الذين خسروا النهائي ثاني مرّة على التوالي. وفي أثناء الدورة اتفقت الوفود الخليجية على تسمية السعودية لاستضافة النسخة المقبلة خليجي 27 في الرياض بعد عامين، لتكون تحضيراً قبل استضافة السعودية كأس الأمم الآسيوية سنة 2027. ومن المقرر أن يكون ستاد الملك فهد الدولي "درة الملاعب"، الذي سبق أن استضاف ثلاث دوراتٍ خليجية، قد جهز بعد عملية تحديثه وإزالة المضمار الأولمبي تماشياً مع تهيئته لاستضافة مباريات من كأس العالم 2034 الذي منح شرف استضافته للسعودية مؤخراً. وسيكون في الرياض وحدها ثمانية ملاعب لاستضافة الحدث الكروي الأهم في العالم. 

استقطبت الأندية السعودية في السنوات الأخيرة عدة لاعبين عالميين، على رأسهم البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي سيكون أحد سفراء الترويج للمونديال السعودي، مما يعطيها زخماً دولياً إضافياً. وقبل السعودية ستكون المغرب على موعدٍ مع تنظيم كأس العالم في ذكراها المئوية سنة 2030 بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال، مع احتمال تسمية ملعب الحسن الثاني لاحتضان المباراة النهائية. وتحضيراً للمونديال، فإن استضافة كأس أمم إفريقيا هذا العام في ستّ مدن سيمثل اختباراً جدياً للمغرب قبل خمس سنوات من الحدث العالمي.


بدأت حكاية كأس الخليج من ملاعب ترابية، ووصلت إلى ملاعب فخمة ومكيّفة تقام عليها مباريات كأس العالم، وأنجبت لاعبين كان لهم دور في فوز بلدانهم بكأس الأمم الآسيوية وبلوغ نهائيات المونديال. لكن المسابقة لم تنل اعترافاً من الاتحاد الدولي لكرة القدم حتى حينه، وكثيراً ما دعت أصوات إلى إيقاف المسابقة أو اقتصارها على المنتخبات الرديفة لئلا تستنزف المنتخبات الخليجية الأولى في مواعيد مربكة كان الأَولى استثمارها في الاحتكاك مع فرق دولية رفيعة المستوى. وعلى مرور المنطقة بأزمات سياسية بينية أو إقليمية، كان تغيير الموعد زمانياً أو مكانياً عرفاً يحول دون توقّف المسابقة. وإذا ما استثنينا استبعاد العراق بعد غزوه الكويت، فقد أثبتت دورة كأس الخليج العربي أنَّ القيادات السياسية في هذه المنطقة أقدر من سواها على احتواء الخلافات البينية وتجنيب الشعوب تحمّل تبعاتها. ولنا مثال في الأزمة الخليجية مع قطر، إذ أرسلت الدول وفودها الرياضية إلى الدوحة للمشاركة في خليجي 24.

هذه الخصوصية التي تمتّعت بها المسابقة الخليجية جاءت على النقيض في مسابقة كأس العرب، التي عبّرت في عقود متتالية عن حالة التفكك العربي الرسمي. يكفيك أنه في آخر ثلاثين سنة لم تعقد كأس العرب إلا أربع مرّات وجميعها في بلدانٍ خليجية. وقد يجد أصحاب الأعذار مخرجاً في الحديث عن صعوبة إيجاد توقيتٍ يلائم جميع المنتخبات العربية من القارتين الآسيوية والإفريقية ولا يتعارض مع ارتباطات الأندية واللاعبين، لا سيما المحترفين. وقد يُقال إنَّ كأس العرب وكأس الخليج وسواهما ليست أكثر من بطولاتٍ إقليميةٍ وديةٍ غير مُعترف بها دولياً وضعيفة المستوى فنياً مقارنة مع القارات الأخرى، خصوصاً مع قلّة عدد اللاعبين العرب الدوليين المحترفين في أوروبا. لكن النسخة الأخيرة والمستقبلية من كأس العرب قد تضعهم أمام اعتبارٍ جديدٍ بعدما تبوّأت مكاناً رسمياً على خريطة الفيفا، إذ إنَّ "فخامة الاسم تكفي"، ناهيك عن الجوائز المالية المغرية. وحسبك من كأس العرب فيفا أن الفائز سيتوّج في المكان ذاته الذي توّج فيه الأرجنتيني ليونيل ميسي بكأس العالم متوشّحاً "البِشْت" الخليجي.

اشترك في نشرتنا البريدية