حضر تشيفاو وتاغويري الحدث "تحت غطاء الحوار الديني"، حسب ما تنقل الشبكة عن أفرادٍ داخل المقر. إلا أن الرجلين واجها انتقاداتٍ واسعةً على مواقع التواصل الاجتماعي إذ قال كثيرون إنّ الحدثَ كان "مهرجانَ سحرٍ مدعوماً من الدولة". وفسِّر الأمر محاولة استدعاء القوى الروحية، لاستعادة نفوذهما داخل الدولة.
لم تكن هذه أول مرةٍ أَحدث فيها السحر والموروث الروحاني جدلاً في البلد الواقع جنوب القارة الإفريقية. فمسار السحر والتقاليد الغيبية في زيمبابوي يشكّلان قوةً مؤثرةً في صياغة الحياة الاجتماعية والسياسية منذ ما قبل الاستعمار البريطاني، الذي بدأ في نهاية القرن التاسع عشر. فقد أصدر المستعمر قانوناً يعاقب ممارسة السحر محاولاً تطبيق نظرةٍ غربيةٍ، مسيحيةٍ أحياناً وعلمانيةٍ أحياناً أخرى، على المجتمعات الإفريقية. لاسيما أنّ "السحرة" في زيمبابوي كانوا قادة مقاومة الاستعمار الشعبية. لكنَّ فشل التجربة الاستعمارية ومدى فهمها وجودَ السحر في الحياة الاجتماعية بزيمبابوي تجلّى منذ استقلال البلاد في ثمانينيات القرن الماضي. إذ عاد إلى السطح جدل أهالي البلد في السحر، ليعدَّل القانون ويتداخل به الاجتماعي بالاقتصادي، والاثنان بالسياسي.
ينقسم النانغا إلى عدّة تخصصاتٍ. منهم "العشّابون"، أو أطباء الأعشاب الذين يشبهون الكيميائيين في الثقافة الغربية، ويتخصصون بالأعشاب والجذور التي يبيعونها للناس علاجاتٍ أو تعازيم للشفاء من أمراضٍ عضوية. وهناك نانغا يقرأ قطعاً خشبيةً لكشف المجهول ومعرفة المتَّهم بالسحر، وآخَر يبيع السحر الوقائي الذي يُعتقد أنّه يحمي صاحبه من الشرّ ويردّ الأذى على من يحاول إيذاءه، وهناك نانغا يُخشى جانبه. ويؤمن كثيرٌ من الزيمبابويين بأن مجرد إشارةٍ من إصبعه تجلب الأذى، بل يمكن استئجاره لإصابة بيتٍ بصاعقة.
لا ينحصر دور النانغا في الممارسات السحرية، على اختلافها. فقد كانت لهم دائماً أدوارهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فهم مستشارون دينيون وسياسيون ويعملون لحلّ المشاكل الاجتماعية، مثل فضّ النزاعات أو الصلح بين المرء وزوجه. وكان من دورهم أيضاً تنصيب شيوخ القبائل وقيادة طقوس الاستمطار. فهم، كما كانت تعتقد قبائل الشونا، حلقة الوصل بين عالم الأحياء وعالم الأجداد الموتى.
ولأن الإدارة الاستعمارية البريطانية التي احتلت روديسيا الجنوبية (وهو الاسم الذي أطلقه البريطانيون على زيمبابوي حتى 1964) سنة 1890 عجزت عن التفرقة بين كلمة الساحر المرتبطة بالضرر والإيذاء والشعوذة، ومصطلح نانغا أي المعالج التقليدي، عدّت معتقَداتِ السحر محضَ خرافاتٍ بدائية. ورأت المعالجين التقليديين سحرةً وجب إقصاؤهم من المجتمع.
كتبَ عن هذا الأمر كلٌّ من تاكيسوري تارينجانا، المحاضر في قسم التاريخ والتراث ونظم المعرفة بجامعة زيمبابوي، وآموس زيفوري، الباحث في التاريخ بجامعة زيمبابوي. وذلك في دراستهما "ذا رول أوف ترادِشنال هِيلَرْز إن كونفلكت ريزوليوشن إن زيمبابوي، 1890‒1980" (دور المعالجين التقليديين في حلّ النزاعات في زيمبابوي، 1890‒1980) المنشورة سنة 2024. استنتج الباحثان أنّ "الأفكار التنويرية" التي أتى بها البريطانيون وَجّهتْ انتقاداتٍ حادّةً للمعتقدات الغيبية باعتبارها غير عقلانيةٍ، فصار أيّ تعبيرٍ عن معتقداتٍ روحيةٍ موضعَ إدانة. وزاد المبشِّرون المسيحيون من هذا الضغط، بعد أن سعوا إلى إلغاء أيّ نظام معتقداتٍ آخَر غير المسيحية في المستعمرات الإفريقية. وهكذا ظلّ الفصل بين السحرة والمعالجين التقليديين مشوشاً وغير واضح.
رأى المستعمر أن المعالجين التقليديين ما هم إلّا مخادعون مارقون يقفون عقبةً أمام مشروع "الحضارة الغربية التنويرية"، ويَحُولون دون حصول المرضى على الخدمات الصحية التي تقدّمها المستشفيات الحكومية أو تلك التابعة للمبشّرين. وعُدّ تدخل المعالجين التقليديين في أنظمة العدالة خطراً (على سلطة الاستعمار التي تمثل القانون والتشريع)، خصوصاً مع تدخّلهم بفضّ النزاعات بين المواطنين. ومن هنا، بدأت السلطات الاستعمارية القضاء على اعتماد المعالجين التقليديين. فأطلقت حملاتٍ لإجبار الناس على الابتعاد عنهم، وعن أيّ شخصٍ يرتبط بالسحر. ثم عمل البريطانيون على إحالة فضّ النزاعات إلى محاكمهم، وحاولوا إلغاء دور العلاج عند النانغا وجَعْل الأمر مختصاً بالإدارة الصحية للمستعمَرة.
وفي خطوةٍ أكثر تشدداً ضدّ النانغا وسعياً لمنع السحر في المجتمع، أصدرت الحكومة الاستعمارية في روديسيا الجنوبية ما عرف بقانون قمع السحر بتاريخ 18 أغسطس 1899. نصّ هذا القانون على تجريم أيّ ممارساتٍ يقوم بها النانغا تقليدياً لتشخيص المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وتقديم حلولٍ لها، وعدّها أعمال سحرٍ محظورة. نصّ القانون على معاقبة كل من يدان بانتهاكه، بغرامةٍ تصل إلى ما يقارب اليومَ خمسمئة دولارٍ أمريكيٍ أو بالسجن مدّةً قد تصل إلى سبع سنواتٍ أو بالجلد حتى ستٍّ وثلاثين جلدةً، أو بتطبيق أكثر من عقوبةٍ معاً. هذا رغم اعتماد شعب الشونا على الطبّ التقليدي، وإيمانهم أن بعض الأمراض سببها السحر ولا يعالجها سوى النانغا.
ويشير توني كافِندَر، أستاذ الإناسة بجامعة شرق تينيسي بالولايات المتحدة، في دراسته "ذا برُفِشنلايزيشن أوف ترادِشنال مِدِسِن إن زيمبابوي" (مأسسة الطبّ التقليدي في زيمبابوي) المنشورة سنة 1988، إلى أنّ الأمر زاد صعوبةً حين عدّ المجلس الطبّي في روديسيا الجنوبية استشارةَ معالجٍ تقليديٍّ أو إحالة مريضٍ إليه خرقاً للأخلاق المهنية. هذه الإجراءات أسهمت في تقويض مكانة المعالج التقليدي أكثر، وكبح ممارسة الطبّ التقليدي العلنية.
كان القانون في جوهره محاولةً لتجريم الروحانيات الإفريقية في زيمبابوي. وهذا حسب محاضرةٍ لجوردون تشافوندوكا، أستاذ الإناسة في جامعة زيمبابوي، بعنوان "ويتش كرافت آند ذا لو إن زيمبابوي" (السحر والقانون في زيمبابوي) نشرت سنة 1980. ويعلّل تشافوندوكا بالقول إنه كان لدى المستوطنين البريطانيين مبررٌ للخوف من المعتقدات الإفريقية بسبب دور النانغا القيادي في الثورات. أي إن الدافع في تجريم النانغا كان سياسياً بعض الشيء.
الانتفاضة الأولى ضدّ البريطانيين، والمعروفة شعبياً بِاسم "شيمورينغا الأولى"، استُلهمت من المعتقدات الروحية الإفريقية. اندلعت هذه الانتفاضة بين سنتَيْ 1896 و1897 في روديسيا الجنوبية بقيادة شعبَي الشونا والنديبيلي، اللذَيْن صادر المستعمر أراضيهما ومواشيهما وفرض الضرائب على أكواخهما. وقد لعب نانغا كثيرون دوراً محورياً فيها، وخلّد التاريخ أسماءَ معالجين في هذه الثورة، منهم مبويا نيهاندا وسيكورو كاغوفي.
وتذكر سوزان داوسون، الباحثة في شؤون الشرق الأوسط وإفريقيا، في مقالتها "ذا فيرست شيمورينغا: 1896-1897" (شيمورينغا الأولى 1896-1897) المنشورة سنة 2011، أنّ هؤلاء المعالجين والقيادات الروحية واجهوا موجات الجفاف سنة 1896 بوصفها غضباً من الآلهة لأنّ المستعمرين البيض لم يكونوا في حالة سلامٍ مع الطبيعة. ولهذا آمنوا بأنّ طرد المستعمرين البيض سيعيد التناغم الطبيعي في أراضيهم. انتصر المستعمِر وأعدم كاغوفي ونيهاندا سنة 1898، وهو ما عُدّ إيذاناً بنهاية الحرب.
تعاملت المحاكم مع السحر عاملاً مخفّفاً في مثل هذه الجرائم، فأصدرت أحكاماً بالسجن تراوحت بين ثلاثةٍ وثلاثة عشر عاماً. غير أن بعض الحالات الاستثنائية شهدت عقوباتٍ مشددةً، مثل الإعدام بحقّ رجلٍ قطع رأس شابةٍ وانتزع قلبها لاستخدامه في أعمال السحر.
أثارت هذه المحاكمات، التي تزايدت بعد الاستقلال، جدلاً واسعاً حول قصور النظام القضائي الموروث عن الحقبة الاستعمارية في معالجة جرائم القتل المرتبطة بالسحر. في المقابل، دعت جمعية النانغا الإفريقية إلى إنشاء محاكم خاصةٍ لقضايا السحر، معتبرةً أن غياب آلياتٍ قضائيةٍ ملائمةٍ يدفع المجتمعات المحلية إلى الاقتصاص بأنفسهم بدلاً من الاحتكام إلى القانون. ووُثِّقَت هذه القضايا في مقالٍ للصحفي البريطاني الراحل إيان ميلز الذي عمل مراسلاً لشبكة "بي بي سي" في روديسيا الجنوبية (ولاحقاً زيمبابوي)، بعنوان "ويتش ميردرز بوز ليغل بروبلمز فور زيمبابوي كورتس" (جرائم قتل السحرة تشكّل إشكاليات قانونية أمام محاكم زيمبابوي)، نشر في مايو 1981.
في السنوات الأولى التي تلت الاستقلال، احتدم الجدل في موقع السحر في المجتمع وفي القانون في زيمبابوي. أعاد "قانون قمع السحر" إشعالَ الجدل من جديد. وثّق هذه التغيّرات كتاب "تراديشنال مِدِسِن إن مودرن زيمبابوي (الطب التقليدي في زيمبابوي الحديثة) الذي ألّفه جوردون تشافوندوكا سنة 1994. وظهر هذا الجدل في مواقف تشافوندوكا نفسه، الذي ترأس جمعية المعالجين التقليديين الوطنية "زيناثا" والتي تأسست بعد الاستقلال في يوليو 1980، لتأكيد التمسك بالقيم الروحيّة. طالب تشافوندوكا بمراجعة القانون من أجل إعادة تعريف السحر بدلاً من مقاضاة العرّافين، وتمكن بالفعل سنة 1981 من انتزاع اعترافٍ قانونيٍّ بالمعالجين التقليديين.
أشار تشافوندوكا حينها إلى أن موضوع السحر ما زال يثير الجدل في زيمبابوي وفي أماكن أخرى كثيرةٍ من العالم، موضحاً أن النقاش في هذه المسألة غالباً ما يَقسِم الناسَ إلى مجموعتين. الأولى ترى أن السحرة غير موجودين، والثانية تؤمن بوجودهم. وفي زيمبابوي تحديداً، امتد هذا الانقسام إلى المحاكم نفسها. فقد نشب صراعٌ بين المحاكم التقليدية التي استمرت بالنظر في قضايا السحر وإن كانت محظورةً قانونياً، وبين المحاكم الرسمية التي عدّت مهمّتها القضاء على السحرة. فالمحاكم التقليدية أقرّت بوجود السحرة وتعاملت مع القضايا بناءً على ذلك، بينما أنكرت المحاكم الرسمية وجودهم وأصرّت على دعم "قانون قمع السحر". وهكذا بقي الخلاف قائماً بلا حسمٍ نهائي.
ونصّ القانون المعدَّل على أن الكلمات المنطوقة وحدها لا تعدّ دليلاً كافياً على ممارسة السحر أو أيّ نشاطٍ غير قانوني. وجرّم مطاردة السحرة، مع فرض عقوباتٍ جنائيةٍ على من يَتّهم الآخرين زوراً بممارسة السحر. وأكّد كذلك أن قتل شخصٍ بتهمة السحر لا يمكن أن يُتخذ مبرراً أو عذراً قانونياً.
رحبّت جمعية المعالجين "زيناثا" بهذا التغيير. ورأت فيه خطوةً مهمةً لتمكين المعالجين التقليديين من ممارسة دورهم بصورةٍ أكثر انفتاحاً، ودون خوفٍ من ملاحقة صيادي السحرة أو السلطات القضائية.
وفي حديثٍ مع فيكرز قال الكاتب الصحفي الزيمبابوي توماس ديفي: "إن إعطاء شرعيةٍ للسحر مجرد إهدارٍ للوقت والجهد". ورأى كذلك أن مشكلات المجتمع لا ينبغي إرجاعها إلى السحر، بل إلى أسبابٍ اجتماعيةٍ واقتصاديةٍ ملموسة. أما الكنائس في زيمبابوي، فقد أقرّت بوجود قوىً خارقةٍ لكنها أكدت أن السحر يرتبط بعالمٍ شيطانيٍّ، كما أوضح القسّ روي موساسيفا لفيكرز. وشدّد على ضرورة التمييز بين القوى الإلهية، وبين ما وصفه بالممارسات الشيطانية.
لكن عند معظم الزيمبابويين، وخاصةً أولئك الذين نشأوا في المناطق الريفية، يعدّ القول بعدم وجود ما هو خارقٌ للطبيعة ضرباً من العبث. بل حتى قبل صدور تعديل قانون قمع السحر سنة 2006، فكثيرون في زيمبابوي اتخذوا السحر جزءاً من حياتهم اليومية وواصلوا الإيمان بقدرات الوسطاء الروحيين والعلاجات العشبية. وكثيراً ما صاحَبَ هذا الإيمانَ خوفٌ من السحر ومن العنف الذي قد ينشأ منه. وفي توغله في ثقافة المجتمع، كان حريّاً أن يجد السحر موطئ قدمٍ في المعاملات الاقتصادية بين أفراد هذا المجتمع، دفعاً للأذى أو سعياً لتحقيق الثروة.
وعلى وقع الأزمة، لجأ بعض المواطنين إلى وسائلَ يائسةٍ لتأمين احتياجاتهم الصحية والمعيشية. فتصاعدت ظاهرة القتل الطقوسيّ من أجل الحصول على أجزاءٍ بشريةٍ تستخدم في تعاويذَ محليةٍ تعرف باسم "موثي". وأوردت مؤسسة "بيت حقوق الإنسان" في تقريرٍ لها سنة 2007 أنّ العاصمة هراري شهدت سنة 2005 مقتل ثمانيةٍ وتسعين مواطناً. واتضح أن أغلب القضايا التي نظرت فيها المحاكم حينئذٍ كانت جرائم قتلٍ ذات طابعٍ طقوسيّ.
استمرّت ممارسات السحر في التسلّل إلى التفاصيل اليومية، لاسيما في مناطق التعدين الحِرَفي مثل مازوي، وهي منطقةٌ ريفيةٌ في مقاطعة ماشونالاند الوسطى شمال البلاد. بيّنت هذا دراسةٌ ميدانيةٌ أجراها كلٌّ من جابولاني شابا، الباحث من جامعة جرونينجن الهولندية، وساندرا سْوارت، أستاذة التاريخ بجامعة ستيلينبوش بجنوب إفريقيا، بعنوان "ذِي أوكَلت غوز أندرغراوند" (انزلاق السحر إلى تحت الأرض). وتشير الدراسة إلى أن الطقوس الروحية هناك امتزجت بالبحث المحموم عن الذهب منذ سنة 2000. إذ اعتَقَد كثيرون أن العثور على عروق الذهب لا يعتمد فقط على الخبرة أو الأدوات، بل يحتاج إلى دعمٍ روحيٍّ يضمن النجاح. ومع الوقت، تحوّلت هذه الممارسات من طقوسٍ سريةٍ تحتفظ بها دوائر مغلقةٌ إلى نشاطٍ مفتوحٍ ومتاحٍ للجميع، حتى أصبح هناك سحرة يعلنون عن أنفسهم وخدماتهم على منصات التواصل الاجتماعي.
ومنذ شيوعها بداية الألفية، أصبح عمّال المناجم في منطقة مازوي الريفية أهدافاً سهلةً للوسطاء الروحانيين والعرافين المزيّفين الذين أغرَوهم بوعودٍ براقةٍ، مثل العثور على عروق المعادن الثمينة وتحقيق ثراءٍ سريعٍ وحياةٍ مترفةٍ تشبه حياة الأثرياء. ظهر ما يعرف بالمساعدين الروحيين الذين اندمجوا تدريجياً بالذات في اقتصاد التعدين غير الرسمي، ليشكّلوا حلقة وصلٍ بين الأمل في اكتشاف الذهب والخرافة التي تغلّف عالم التعدين.
أشارت فورتشن سيباندا، الأستاذة في قسم الفلسفة والدراسات الدينية بجامعة زيمبابوي، إلى هذه المسألة في فصلٍ بعنوان "ذا ليغاليتي أوف ويتش كرافت أليغيشنز إن كولونيال آند بوست-كولونيال زيمبابوي" (قانونية فرية السحر في زيمبابوي في فترة الاستعمار وفيما بعده) من كتاب "ريليجن، لو آند سيكيوريتي إن أفريكا" (الدين، القانون والأمن في إفريقيا) المنشور سنة 2018. تقول سيباندا إنّ موغابي، وزوجته غريس وحلفاؤهما، لجأوا إلى وسائل الإعلام الرسمية لاتهام نائبة الرئيس غويس موغورو بممارسة السحر. وذلك لتبرير إقصائها من قيادة الحزب الحاكم وتعريضها لحملةٍ قاسيةٍ اتسمت بالعداء السياسي والتمييز الجنسي.
نفت موغورو تلك المزاعم مؤكدةً أنها "تتّقي الله". ومع ذلك، ألقى موغابي كلمةً أمام اللجنة المركزية لحزبه (الاتحاد الوطني الإفريقي - الجبهة الشعبية) مطلع ديسمبر 2014، وجّه فيها إلى موغورو اتهاماً باستشارة النانغا من أجل الإطاحة به وخلافته. وأشار إلى أنه كان على علمٍ بما وصفه بمؤامرتها لإزاحته من الحكم. وقد صوّرها على أنها "ساحرة وخائنة" ذات طموحٍ سياسيٍّ وتسعى إلى اغتياله. غير أنّ موغورو ردّت في بيانٍ رسميٍّ قائلةً إن تقدّمها في الحياة السياسية مصدره الشعب لا السحر.
وتضيف سيباندا أنّ اتهامات موغابي بحقّ موغورو لم تكن سوى شماعاتٍ أسقطت عليها الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي كانت تعصف بالبلاد. بدءاً من تراجع الإنتاج الزراعي وما تبعه من نقصٍ في الغذاء، مروراً بالتدهور الصناعي والإفلاس ونقص العملات الأجنبية، ووصولاً إلى تفشي الفقر والبطالة وغيرها من الأزمات.
توفّي موغابي سنة 2019. وبعد وفاته بعامين، انتشرت شائعاتٌ وادعاءاتٌ أطلقها ابن أخيه باتريك زوهاوو ضدّ الرئيس الجديد إمرسون منانغاغوا. تتلخص هذه الادعاءات في أن منانغاغوا، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلابٍ مدعومٍ من الجيش في نوفمبر 2017، حاول استخراج جثمان موغابي للعثور على صولجانٍ غامضٍ يقال إنه دفن معه. ويعرف هذا الصولجان في تقاليد الشونا بِاسم "تسفيمبو يامامبو"، اعتقاداً منه بأن امتلاكه سيمنحه القدرة على تعزيز الفوز الانتخابي.
قيل إنّ الرئيس منانغاغوا يؤمن بشدّةٍ بالمعتقدات والممارسات الروحية، ويعتمد عليها لتعزيز سلطته السياسية. وقد ركّز على هذه المسألة كيميون تاجويري، الباحث بجامعة نورث ويست بجنوب إفريقيا، في دراسته "ميسليدينغ باي ذا سبيريت" (التضليل باستخدام الروحانيات) المنشورة سنة 2023. يقول الباحث إنّ "السياسيين الأفارقة يستخدمون في العادة [هذه] المعتقدات الروحية أداةً لتأمين القوة السياسية والحفاظ عليها […] وأساء إمرسون منانغاغوا استخدام الدين لتثبيت رئاسته".
تعدّى استخدام السحر والسحرة إلى الصفقات والسياسات الحكومية. ففي سنة 2021، شارك وزيران حكوميان في طقوسٍ روحيةٍ للتواصل مع أرواح الأجداد، والترحيب بمستثمرين صينيين كان مقرراً أن يبدأوا مشروعاً لاستخراج الحديد الخام بقيمة مليار دولارٍ أمريكيٍ على طول جرف مانهيزي، الذي يشترك في حدوده مع مقاطعة ماشونالاند الغربية في شمال غرب زيمبابوي. جاء الخبر في صحيفة "أفريكا برِس" في يوليو 2021، مشيراً أيضاً إلى أنه أقيمت الطقوس في منزل فيديليس مودزينجي، القائم بأعمال رئيس قبيلة تشيرومانزو، إحدى القبائل البارزة في إقليم ميدلاندز وسط زيمبابوي، وبحضور وزير المناجم وتطوير التعدين وينستون شيتاندو ووزير الدولة للشؤون الإقليمية في ميدلاندز لاري مافيما. وبدأت المراسم بتواصل مودزينجي مع أرواح الأجداد وناشدهم الترحيب بالوافدين، بينما كان يحتسي شراباً مخمَّراً محلّيَّ الصنع.
توالت حوادث مشابهةٌ في السنوات اللاحقة، برزت منها واحدةٌ في أكتوبر سنة 2024 بمدينة ماسفينغو، جنوب شرق البلاد. وفيها أن إدوارد موكاراتيرو، كاتب مدينة ماسفينغو (وهو أعلى منصبٍ إداريٍ في مجلس المدينة)، أثار جدلاً واسعاً برفض شَغْل مكتبه الرسمي، مدّعياً أن الأثاث مسحورٌ وأن استخدامه قد يعرّض سلامته للخطر. وقالت صحيفة "ذا ستاندرد" الزيمبابوية التي نقلت الخبر إن موكاراتيرو، ومنذ عودته إلى عمله عقب إسقاط تهم إساءة استغلال المنصب والاحتيال، أصرّ على إدارة أعماله من قاعة الاجتماعات التابعة للمجلس. واشترط على السلطات شراء أثاثٍ جديدٍ لتبديل ما وصفه بالأثاث "الملعون".
وفي تجلٍّ آخَر لحضور المعتقدات الغيبية في الفضاء العامّ بزيمبابوي، حصلت في فبراير 2025 واقعةٌ جديدةٌ آثارت الانتباه. فقد مثل عمدة قريةٍ سابقٌ يدعى تشينغيتاي تشيغودورا أمام محكمة مدينة موتاري، عاصمة إقليم مانيكالاند شرق البلاد، على خلفية اتهامه بممارسة السحر ضدّ أحد أبناء قريته في جلسةٍ تقليدية. وبحسب وقائع الجلسة التي نقلتها صحيفة "زي مترو" في الرابع عشر من ذلك الشهر، فقد وجّهت إليه تهمة انتهاك المادة التاسعة والتسعين من قانون الإصلاح الجنائي التي تحظر اتهام أيّ شخصٍ بالسحر.
وفي توظيفٍ سياسيٍّ آخَر للسحر، قد يفسّر نكران وجود السحر في زيمبابوي محاباةً للاستعمار وإرثه، نشرَ الصحفي الزيمبابوي كريس ماتامبانادزو خبراً بعنوان "مِير هوكِس بوكِس" (مجرد شعوذة) في أغسطس سنة 2025 على موقع "آي هراري". جاء في الخبر أن الشرطة قبضت على ناتالي مهاندو، المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بتهمة ممارسة السحر. فعلَّق حينها المتحدث بِاسم الحكومة الزيمبابوية نيك مانغوانا على حسابه على منصة إكس، نافياً تهمة السحر ومعتبراً الأمر محض خرافات. أثار موقف المتحدث جدلاً واسعاً، لينقل ماتامباندزو رأي أحد المواطنين قائلاً: "إنكار رجلٍ أسود في زيمبابوي قصةً عن السحر يثير كثيراً من التساؤلات. فامتلاك الجنسية البريطانية لا يعني بالضرورة أنك أبيض".
واليوم، بعد أكثر من أربعة عقودٍ على الاستقلال، يبقى السؤال مفتوحاً: هل يمكن لزيمبابوي أن تتحرر من أَسر السحر لتفسير الأزمات وتبرير السياسات، أم أن الاعتقاد بالقوى الخفية سيظلّ مكوّناً أصيلاً في وجدانها الجمعي. فالقوى الروحانية تواصل الظهور في كلّ منعطفٍ لتذكّر بأن حاضر البلاد ومستقبلها لا ينفصلان عن ميراثها الروحاني العميق.
