يواجه أحمد وجميلة، ومثلهما مئات الآلاف من الطلاب السوريين العائدين من بلدان المهجر تحدياتٍ لغويةً وتعليميةً تعرقل اندماجهم في النظام التعليمي السوري. فبعد أن هيمنت لغة بلدان اللجوء على عقولهم، يجدون أنفسهم في الصفوف معزولين عن بيئةٍ يُفترض أن يكونوا مشاركين فيها. في ظلّ غياب برامج تمهيديةٍ أو إجراءاتٍ تراعي اختلاف خلفياتهم المعرفية، يتولد داخل الصف الواحد تباينٌ لغويٌ حادٌّ تعمّقه الفوارق الاقتصادية، فيطيح بمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية، منذراً بتهديد مستقبل شريحةٍ واسعةٍ من الأطفال السوريين.
بعد سقوط النظام السابق في ديسمبر 2024، تحول كثيرٌ من السوريين من لاجئين إلى "عائدين" أو "عائدين محتملين" إلى وطنهم. فبعد أقلّ من عامٍ على سقوط النظام بلغ إجماليّ العائدين حوالي المليون سوريّ. ما يقارب خمسمئةٍ وعشرة آلاف منهم كانوا في تركيا بحسب تصريحات وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا في بداية نوفمبر سنة 2025. من بين نصف مليون تقريباً عادوا من تركيا، استقبلت سوريا مئة ألف طالبٍ سوريٍّ كانوا يدرسون في المدارس التركية، حسب تصريح وزير التربية التركي يوسف تكين لقناة "سي إن إن تورك" في شهر سبتمبر سنة 2025.
كانت الفجوة اللغوية التي يواجهها الطلاب العائدون من أبرز المشكلات التي تعيق إدماجهم في المنظومة التعليمية الوطنية. ولوحظت المشكلة وطُرحت في التصريحات الرسمية، ففي حديث مدير التعليم في وزارة التربية والتعليم السورية محمد سائد قدور للوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) في أكتوبر 2025، أكّد أن عودة أعدادٍ كبيرةٍ من الطلاب من دولٍ مختلفةٍ تستوجب اتخاذ حزمةٍ من الإجراءات لدمجهم على مراحل. من بين تلك الإجراءات توفير أماكن خاصةٍ لتدريس مناهج اللغة العربية لغير الناطقين بها.
لا تعبّر اللغة الأمّ دائماً عن لغة بلد الأصل للمتحدث. إذ يعرّفها تقريرٌ صادرٌ من اليونسكو في 21 فبراير 2024 بمناسبة اليوم العالمي للّغة الأمّ بعنوان "إنترناشونال ماذَر لانغوِج داي: …" (اليوم العالمي للّغة الأمّ: لماذا يُعدّ التعليم متعدد اللغات مفتاحاً للتعلم بين الأجيال) إلى أنها تلك اللغة التي تعلّمها الشخص أولاً أو التي يُعرّف بها نفسه متحدثاً أصلياً، أو يعرفها أكثر من غيرها، أو يستخدمها في حياته اليومية أكثر من غيرها. وقد يكون للشخص أكثر من لغةٍ أمٍّ، وتُسمّى أحياناً "اللغة الأساسية"، أو "اللغة الأولى".
في حالة لجوء السوريين التي امتدت ما يقارب أربعة عشر عاماً، لم تكن العربية في كثيرٍ من الأحيان لغة الأطفال السوريين الذين كبروا في بلدان لجوء لا تتحدث العربية. فعلى سبيل المثال كانت الأغنية الأولى التي تعلّمها أحمد أغنيةً باللغة التركية، وكانت أوّل شخصيةٍ كرتونيةٍ يتعلق بها هي "رفضان" التركي. إذ حرصت عائلته، كغيرها من الأسر السورية، على تعليمه التركية قبل دخوله مرحلة رياض الأطفال حتى لا يواجه أيّ صعوباتٍ في التواصل، بعدما تراجع أملهم بالعودة القريبة إلى الوطن.
وكانت هذه الظاهرة محوراً لكثيرٍ من التقارير الإعلامية في الأعوام الأخيرة. وأكّد عليها الدكتور حسين محمد حسين البطاينة أستاذ اللغة العربية في جامعة البلقاء في الأردن بدراسته "التداعيات اللغوية للهجرة العربية إلى دول الناطقين بغير العربية: الهجرة السورية إلى تركيا نموذجاً" المنشورة سنة 2021. وفقاً للدراسة أسهمت البيئات التعليمية الجديدة في بلدان اللجوء مباشرةً في إحلال اللغات الأجنبية محلّ العربية، حتى أصبحت تلك اللغات هي الأساسية عند الجيل الأصغر.
فعلى عكس عائلة أحمد، حرصت عائلة جميلة على اعتماد العربية بصرامةٍ لغةً وحيدةً للتواصل في المنزل. وحاولت جميلة الحفاظ على مهارات القراءة والكتابة باللغة العربية بعد أن اكتسبتهما من مدرستها السورية في الصف الأول والثاني، قبل أن تنتقل إلى المدرسة التركية. مع ذلك تقول جميلة للفِراتْس إنها بعد أن اعتادت اللغة التركية واعتمدتها "لغةَ تفكيرٍ"، فإنها تواجه اليوم صعوباتٍ في التعبير عن أيّ فكرةٍ أو الإجابة على أيّ سؤالٍ باللغة العربية رغم معرفتها المسبقة للجواب.
يكشف هذا الواقع عن عمق تأثير لغة المهجر على عملية التفكير، وهو ما يفسّره علم النفس التربوي في عدّة دراساتٍ، من أبرزها أعمال جيم كامنز الأستاذ في جامعة تورونتو، وأحد أبرز من أسهموا في بيان اللغة أداةً للتفكير لا التواصل فقط.
نشر كامنز نهاية سبعينيات القرن العشرين دراسةً بعنوان "لينغوِستِك إنتردِبندِنس أند ذا إيدوكيشنَل [. . .]" (الاعتماد اللغوي المتبادل والتطور التعليمي للأطفال ثنائيي اللغة) طرح فيها إطاراً نظرياً في مجال تعليم اللغة الثانية، قسّم من خلاله الكفاءة اللغوية إلى نوعين هما الكفاءة التواصلية والكفاءة الأكاديمية. وحدّدت الدراسة أن الكفاءة التواصلية تقوم على التفاعل اليومي مثل إلقاء التحية والحديث مع الأقران وإجراء الحوار البسيط. بينما تعبّر الكفاءة الأكاديمية عن اللغة المستخدمة في المدرسة والكتب والمفاهيم العلمية، وتعدّ الأداة الذهنية التي يبني بها الطالب فهمه وتحليله وقدرته على استيعاب المحتوى الدراسي.
يشير كامنز إلى أن استخدام الكفاءة اللغوية الأكاديمية بفعاليةٍ أمرٌ ضروريٌ للتقدم بنجاحٍ في الصفوف الدراسية، ومن ثمّ جاءت تسميتها بالأكاديمية. وبذلك تتفاقم مشكلة لغة المهجر الأساسية مع اعتماد لغات البلاد الأصلية في البيئات التعليمية بمختلف بلاد اللجوء. فمعظم الأطفال السوريين في أوروبا يتلقّون تعليمهم بلغاتٍ غير العربية منها الألمانية والهولندية والفرنسية. وحتى في لبنان حيث تستخدم اللغة العربية في التعليم، تَعتمد المدارس اللغتين الإنجليزية والفرنسية في تدريس مواد العلوم والرياضيات، ما يجعل عودة الطلاب السوريين إلى الدراسة بالعربية تحدياً حقيقياً يحتاج التغلب عليه إلى الزمن في المقام الأول.
توصّل كامنز في بحثٍ لاحقٍ نشر سنة 2008 بعنوان "بيكس آند كالب: إمبيرِكَل أند ثيوريتيكَل ستاتَس أف ذا دِستِنكشِن" (الكفاءة اللغوية التواصلية والكفاءة اللغوية الأكاديمية: الوضع التجريبي والنظري للتمييز بينهما)، إلى أن الطلاقة التواصلية في لغةٍ ما يمكن أن تتطور في غضون سنتين من التعرض للّغة الجديدة. بينما تحتاج الكفاءة الأكاديمية إلى مدّةٍ تتراوح بين خمسٍ إلى سبع سنواتٍ في المتوسط حتى يقترب المتعلم الجديد من مستوى الأقران الذين تتفق لغة تواصلهم مع لغتهم الأكاديمية.
في حين فسّر كامنز الظاهرة من منظورٍ لغويٍ تعليميٍ، فإن الأبحاث الحديثة في علوم الأعصاب تجيب على السؤال: لماذا يأخذ الانتقال من التفكير بلغةٍ إلى أخرى هذه المدّة من الزمن، وماذا يحدث لدماغ الطفل حين تتبدل لغة تعلّمه؟
أظهرت دراسةٌ أجراها معهد "ماكس بلانك إنستيتيوت فور هيومن كوغنتِف أند براين ساينسِز" سنة 2023 أنّ اللغة التي يتعلمها الإنسان تعيد تشكيل المسارات العصبية داخل الدماغ نفسه. فقد قارن الباحثون بين أدمغة متحدثين أصليين بالألمانية وآخرين بالعربية، واكتشفوا أن كلّ مجموعةٍ طوّرت شبكاتٍ لغويةً مختلفةً تماماً، تتكيف مع الأنماط المعقدة في لغتها الأمّ. بمعنىً آخَر، تُعيد اللغة برمجة الدماغ ليعالج المعلومات وفق منطق اللغة وبنيتها. وحين يتعلّم الأطفال أعواماً في بيئةٍ لغويةٍ جديدةٍ، كما في حالة الأطفال السوريين الذين نشؤوا في الخارج، فإن أدمغتهم تحتاج لإعادة بناء شبكاتها اللغوية وفق اللغة الجديدة.
يتجاوز الأمر إذن حدود المهارة اللغوية، ويتحول إلى تغيرٍ إدراكيٍ عصبيٍ يجعل التعليم بالعربية لاحقاً مهمةً صعبةً على مستويات التفكير والفهم والتحليل، لا على مستوى المفردات فقط. لذلك فإنّ ما يبدو ضعفاً دراسياً لدى بعض الطلاب عند انتقالهم إلى لغة تعليمٍ جديدةٍ، لا يعكس بالحقيقة ضعفاً معرفياً. بل يمثل فجوةً لغويةً أكاديميةً كما يجادل كامنز. وبناءً على ذلك، فإن ما تعاني منه جميلة ونظراؤها من الطلاب السوريين العائدين من صعوباتٍ في الفهم وتراجعٍ في الأداء ليس مردّه إلى محدوديةٍ في القدرات، بل هو نتيجةٌ طبيعيةٌ لاختلاف لغة التعليم السابقة عن الحالية.
تظهر تجربتا أحمد وجميلة أن تباين الإمكانيات الاقتصادية لعائلات الأطفال العائدين إلى سوريا، إلى جانب تفاوت الكفاءات اللغوية بين الطلبة المقيمين والعائدين يسببان خللاً في تكافؤ الفرص التعليمية.
يؤدي هذا التباين إلى تقسيم الطلاب في المدارس السورية إلى ثلاثة فئات. الأولى تتمثل بالطلاب الذين تعلموا بالعربية منذ البداية، ما يضعهم في موقع امتيازٍ مقارنةً بأقرانهم العائدين. والثانية هي فئة المهجرين العائدين بخلفياتٍ لغويةٍ أجنبيةٍ لكن لديهم القدرة المادية لتأمين الدعم اللازم وتخفيف الفجوة اللغوية مثل أحمد. والفئة الأخيرة هم العائدون بإمكانياتٍ محدودةٍ، ومضطرون للتعامل مع واقعٍ يعمّق التفاوت الثقافي بينهم وبين أقرانهم كما يحدث مع جميلة. وعليه تتحول الأزمة من محض فجوةٍ لغويةٍ إلى فجوةٍ اجتماعيةٍ تجعل المدارس فضاءاتٍ تتعامل بمنهجٍ موحدٍ مع فئاتٍ مختلفةٍ جذرياً، ما يتطلب سياساتٍ عامةً تقوِّم هذا الخلل وتضمن تكافؤ الفرص التعليمية.
وضعت المرجعيات الدولية مفهوم تكافؤ الفرص التعليمية واحداً من أعمدة الإدماج، وفي مقدمتها تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "إكويتي أند إنكلوجن إن إديوكيشن: فايندينغ سترينث ثرو دايفيرسيتي" (المساواة والشمول في التعليم) الصادر في 2023، والذي يضع تعريفاتٍ وأطراً تساعد على فهم جذور الخلل وتشخيصها واقتراح ما يجب أن تقوم به الأنظمة التربوية.
يشير مصطلح "تكافؤ الفرص التعليمية"، وفقاً للتقرير، إلى توفير فرصٍ تعليميةٍ متكافئةٍ ضمن نظامٍ تنتج فيه المخرَجات التعليمية عن أفعالٍ تقع ضمن نطاق سيطرة الطالب الفردية، بحيث لا تُعيق ظروفٌ خارجةٌ عن إرادته قدرتَه على تحقيق إمكاناته الكاملة. كذلك يجب أن تكون النتائج التعليمية نتاجاً لما يمكن للأفراد التحكم فيه، لا لما هو خارجٌ عن سيطرتهم، حتى يتمكنوا من بلوغ كامل إمكاناتهم.
واستناداً إلى هذا المفهوم، يؤكّد التقرير على حقّ الطلاب بالحصول على آليّات دعمٍ مناسبةٍ تُلبّي احتياجاتهم الخاصة بالمفهوم الواسع. وتشمل الاحتياجات التعليمية وكذلك الاحتياجات الناتجة عن أوضاعٍ اجتماعيةٍ أو اقتصاديةٍ صعبةٍ، أو خلفياتٍ ثقافيةٍ أو مهاجرة. مع التأكيد على أن الأنظمة التعليمية العادلة هي تلك التي تضمن تحقيق الإمكانات التعليمية للطلاب، بغضّ النظر عن ظروفهم الشخصية والاجتماعية.
مع ذلك تفتقر التجارب الدولية لوجود سياساتٍ مباشرةٍ للتعامل مع الفجوات اللغوية بعد موجات اللجوء الضخمة. فحسب دراسة "المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة" بعنوان "إنتغريتنغ ريتيرننغ ريفيوجيز [. . .]" (دمج اللاجئين العائدين في النظام التعليمي السوري: إستراتيجية مقترحة مبنية على تجارب ما بعد الصراع) التي تستعرض سياسات عدّة دولٍ وتجاربها في دمج العائدين، بما فيها البوسنة والهرسك ورواندا وأفغانستان. بَنَت تلك الدول استجابتها لعودة اللاجئين وإدماجهم في التعليم على ثلاثة ركائز أساسيةٍ، هي الدعم النفسي وتعزيز الشمول وإصلاح التعليم. وتفاوتت الإجراءات بين وضع قوانين جديدةٍ، وتدريب المعلمين، وإطلاق برامج تعليمٍ معجّل.
كانت رواندا البلد الوحيد الذي اعتمد في سياسته تغييراً جذرياً للتعامل مع التعدد اللغوي بعد عودة اللاجئين، حين تبنّت نظاماً تعليمياً متعدد اللغات. فعقب الحرب الأهلية الرواندية أو ما يعرف بالحرب القبلية بين التوتسي والهوتو، لجأ ما يقارب مليوني روانديٍّ إلى الدول المجاورة هرباً من الإبادة الجماعية. واستمر الصراع بين جماعات الهوتو والتوتسي من سنة 1990 إلى 1994. وبعد انتهاء الصراع عاد ما يزيد عن ثمانمئة ألفٍ من التوتسي الذين فرّوا إلى الدول المجاورة، فواجهت رواندا مشكلة الإدماج اللغوي للعائدين الذين عادوا غالباً من دولٍ ناطقةٍ بالإنجليزية مثل أوغندا وتنزانيا. اختارت رواندا توجيه الاستجابة للأزمة وفق نهج "التعامل مع الفئة الأكبر لتحقيق أعلى أثرٍ ممكن" بدلاً من ترك الجميع يعانون. فأدخلت الإنجليزية لغةً ثالثةً في نظامها التعليمي إلى جانب الكينيارواندية والفرنسية سنة 1996. وبذلك منحت رواندا معظم الأطفال العائدين فرصة التعلم باللغة التي يفهمونها، وأن يتقدموا أكاديمياً وفق مستوياتهم الفعلية دون تأثير عامل اللغة.
مع تركيزها على الفئة العظمى تمثّل تجربة رواندا في إدماج العائدين من المهجر اللغوي محاكاةً عمليةً لمبدأ "ترياج" (الفرز) المستعار من الطبّ العسكري. ويقوم ذلك على تصنيف المرضى نفعياً وتقسيمهم إلى فئاتٍ ذات أولويةٍ، لتخصيص الموارد المحدودة عقلانياً بغية تحقيق "أكبر فائدةٍ لأكبر عددٍ من المصابين" في المعارك. فبعد تقييم إصابات الجنود، يسعف المعالجون أولئك الذين يمكن إنقاذهم بتدخلاتٍ سريعةٍ، في حين يُترك المصابون بجروحٍ خطيرةٍ في ساحة المعركة.
مع انتهاج رواندا مبدأ "الفرز التعليمي" واتخاذ قرار إنقاذ ما يمكن إنقاذه، كان معيار انتقائها الفئة المستهدفة هو الحجم، لضمان بلوغ الحدّ الأعلى من الأثر ومساعدة أكبر قدرٍ من الطلاب العائدين على الاندماج.
وهذا ما يعذّر إمكانية إدخال لغةٍ واحدةٍ جديدةٍ تساعد معظم العائدين السوريين. لكن استناداً إلى التجربة الرواندية في الفرز حسب حجم التأثير والتركيز على الفئات الأكبر، ربما يكون اعتماد منهاجٍ ثلاثي اللغات يتضمن الإنجليزية والتركية إلى جانب العربية حلّاً أقرب إلى التجربة الرواندية.
على اعتبار أن الغالبية العظمى من العائدين جاؤوا من تركيا، التي عاد منها نصف مليونٍ، ولبنان الذي عاد منه 320 ألف لاجئٍ يُتوقع أن يصلوا إلى نصف مليونٍ مع نهاية العام الحالي بحسب تصريحات وزيرة الشؤون الاجتماعية اللبنانية حنين السيد في أكتوبر سنة 2025.
في حديثها للفِراتْس تقول سِمة عبد ربّه، مستشارة الحوكمة والسياسات العامة، إن أهمّ مانعٍ لتطبيق منهاجٍ ثلاثي اللغات يتضمن التركية والإنجليزية إلى جانب العربية، هو "تعارض الفكرة مع مبدأ السيادة السورية بالدرجة الأولى". لذلك تشدّد عبد ربّه أن لغة التعليم يجب أن تكون العربية فقط. وأضافت أن اعتماد نهجٍ مماثلٍ يتطلب وجود كفاءاتٍ وكوادر قادرةٍ على تعليم الطلاب في جميع المراحل التعليمية، وهذا غير متوفر حالياً. بالإضافة إلى أن إعداد مناهج بلغاتٍ مختلفةٍ مسألةٌ في غاية التعقيد، "وحتى إن تم ذلك من الناحية النظرية في هذه المرحلة كيف سيتم الانتقال إلى المرحلة الجامعية التي تعتمد العربية؟".
وعن أكثر الحلول واقعيةً وقابليةً للتطبيق، ترى عبد ربّه أنّ استخدام منصّات التعليم الذكي لتدريس المناهج الرسمية المعتمدة في الدول التي أتى منها معظم الطلاب، ثم إدماجهم شيئاً فشيئاً ضمن المناهج السورية الرسمية المعترف بها هو الحلّ الأمثل. إلّا أن إجراءً مماثلاً يتطلب تظافر جهودٍ وتنسيقاً كاملاً بين الجهات المعنية بالتعليم في حكومات الدول التي أتى منها معظم الطلاب، ونظائرها في سوريا على حدٍّ سواءٍ، بما فيها وزارات الداخلية والخارجية والتعاون الدولي. وتقترح عبد ربّه أن تسهم مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة والمعنية في تقديم الدعم المالي والتمكيني لتنفيذ هذه العملية.
وعن جديّة المشكلة تؤكّد عبد ربّه أنّ الفجوة اللغوية تحدٍّ حقيقيٌّ أمام الطلاب لمتابعة تعليمهم، مع ذلك فإنه – وفقاً لرؤيتها – "من الواضح أن هذا الملف لا يشكل أولويةً حقيقيةً للجهات المعنية في سوريا لعدّة أسبابٍ، قد يكون منها كثرة المواضيع التي تشكّل أولوياتٍ وطنيةً، وغياب الشعور بالمسؤولية حيال الطلاب السوريين نظراً لظنّ الجهات المعنية في سوريا أن هذه مشكلةٌ شخصيةٌ يقع حلّها على عاتق أولياء الأمور [. . .] فضلاً عن نظرة بعض المسؤولين للعائدين على أنّهم فئاتٌ مرفهةٌ غادرت البلاد عندما اشتدت الضغوط".
في بلدٍ متهتكٍ على جميع الأصعدة تبقى هذه الأزمة معضلةً مثقلةً حلولها بقيود الواقع. وما من سياساتٍ جدّيةٍ لإنهائها حتى الآن. فتدفع أجيالٌ كاملةٌ ثمن لغاتٍ تعلموها اضطراراً، مصارعين الزمن المطلوب لإعادة تشكيل شبكات أدمغتهم العصبية.

