كانت تلك الرسائل بداية النهاية الدرامية للتدخل الإيراني العسكري في سوريا، والذي امتدّ على مدار أكثر من عقدٍ من الزمن، شكّل فيه الحرس الثوري الإيراني عشراتِ المجموعات المحلية وأرسل مجموعاتٍ عابرةً للحدود. مثل "لواء فاطميون" ذو الغالبية الأفغانية، و"لواء زينبيون" الباكستاني، إضافةً إلى حزب الله اللبناني وتشكيلاتٍ عراقيةٍ أخرى. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، توزعت الميليشيات الإيرانية في سوريا في كلّ المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات السورية، بعددٍ لا يقلّ عن 29 ألف مقاتلٍ، من بينهم 11 ألفاً من الجنسية السورية، ونحو 18 ألفاً من الجنسيات العربية والآسيوية. جهودٌ وأموالٌ طائلةٌ بذلتها إيران في سوريا خلال سنواتٍ، بدأت بالتلاشي بعد سيطرة غرفة العمليات العسكرية على مدينة حلب نهاية شهر نوفمبر 2024، وانهيار صفوف نظام الأسد على جبهات حماة ثم حمص. فكانت إيران الخاسر الأكبر بعد النظام السوري.
كانت معركة ردع العدوان الضربة الكبرى التي حطّمت جهود إيران لبسط نفوذها في سوريا، وجعل هذا النفوذ في منطقة الشرق الأوسط ورقةً بيدها لتحقيق مكاسب سياسيةٍ وعسكريةٍ على الساحة الإقليمية والدولية. ولعلّ هذه المعركة تحكي نهاية نفوذ إيران، عبر ميليشياتها، في الجغرافيا السورية. يمكن تتبّع مراحل تفكّك الميليشيات الإيرانية في سوريا من شهادات العناصر السابقين في الأيام الأخيرة قبيل سقوط النظام. خاصّةً وأن أحداث العنف الأخيرة في منطقة الساحل السوري في مارس 2025 أعادت التساؤلات حول النفوذ الإيراني عن طريق ميليشياتها في سوريا.
يضيف عامر في حديثه مع الفِراتْس: "الأيام الاخيرة شهدت استنفاراً عالياً في بداية عملية ردع العدوان، وكان هناك تنسيقٌ للبدء بإرسال دفعات مقاتلين لمساندة المليشيات في الداخل مقابل 200 دولار شهرياً". ومع انهيار صفوف نظام الأسد والانشقاقات التي شهدتها فصائل النظام، أوقفت الميليشيات في القامشلي كل الأنشطة. ويقول عامر: "كان تفكير القادة، سواءً التابعين للمليشيات الإيرانية أو الفروع الأمنية، بالتخطيط للهروب أو التخطيط لمرحلة ما بعد سقوط النظام".
لم يختلف المشهد في دير الزور عن القامشلي. يخبرنا إياد (الذي اشترط أيضاً عدم ذكر اسمه كاملاً لظروفٍ أمنية) أنه بعد سقوط مدينة حلب "كان محور الحديث يدور عن إجراء اتصالاتٍ بين قيادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا والقيادة العليا في إيران، وأن الأمور بخير وسيتم السيطرة على الوضع وإرسال تعزيزات من ميليشيات فاطميون ومن الحشد الشعبي العراقي، لذلك لا داعي للخوف". وأكّد قادة الميليشيات الإيرانية في سوريا للعناصر، بحسب إياد، أن "التقدم السريع لغرفة العمليات العسكرية هو بموجب خطّةٍ من غرفة العمليات المشتركة السورية الروسية الإيرانية. وذلك لسحب عناصر غرفة العمليات العسكرية إلى كمائن نَصَبَها جيش النظام السوري بالتعاون مع الميليشيات الإيرانية في محيط مدينة حمص. وهناك سيتمّ إيقاف تقدّم مقاتلي غرفة العمليات العسكرية".
الفوج 47 عبارةٌ عن ميليشيا محلية في محافظة دير الزور كانت لها اليد الطولى في عمليات تنسيق التهريب عبر الحدود العراقية، وتأمين الدعم العسكري واللوجستي للحرس الثوري الإيراني في دير الزور، إضافةً إلى ترفيق قوافل الزوار الإيرانيين. وكان يقود الفوجَ يوسف الحمدان، الملقّب "أبو عيسى المشهداني". صالح (الذي اشترط أيضاً عدم ذكر اسمه كاملاً لظروفٍ أمنية) كان من عناصر الفوج، ويقول للفِراتْس إنّ "تخلّي الميليشيات الإيرانية عنّا جعلنا في موقفٍ صعبٍ جدّاً. تركونا عبر رسالةٍ أرسلها لنا القائد أبو عيسى على تلغرام، وطلبوا منّا تسليم السلاح". لكن صالح ورفاقه لم يسلّموا سلاحهم. احتفظوا به علّهم يستفيدون منه لاحقاً عبر بيعه، كما فعل كثيرٌ من عناصر الميليشيات الإيرانية في سوريا بُعيد سقوط النظام وهروب بشار الأسد. "أكثر من 500 مقاتل تُركوا دون حمايةٍ أو تطمين"، يقول صالح الذي أجرى تسويةً مع وزارة الدفاع في الحكومة الانتقالية منتصف شهر يناير 2025.
قال صالح إن هناك كثيراً من قادة المجموعات والعناصر هربوا بسلاحهم إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في اليوم التالي لسقوط النظام. وأضاف: "هناك من نَقَلَ سياراتٍ مليئةً بالسلاح إلى مناطق قسد، مبادلاً الأمان بالسلاح". في حين هرب العشرات من المقاتلين السوريين في الميليشيات الإيرانية، الذين أثبتوا ولاءً مطلقاً للمشروع الإيراني، نحو الأراضي العراقية مع عناصر الميليشيات الإيرانية الأجانب والعراقيين. وبحسب صالح، فإن السوريين نُقلوا مع عناصر الميليشيات الأجانب مثل فاطميون وزينبيون. في القامشلي، يقول عامر إن "قسد فاوضت قادة المليشيات منذ اللحظات الأولى لسقوط النظام للانضمام إليهم مقابل عدم ملاحقتهم ومنْحِهِم امتيازاتٍ كإبقائهم قادةً وإعطائهم سيارات". وبحسب تقديره، فقد "التحق بقسد عددٌ لا بأس به، وكان التنسيق عن طريق العلاقات العسكرية، وأغلب من انضمّ إلى قسد هم أشخاصٌ لديهم ملفٌّ إجراميٌّ ويخافون من ملاحقة الأهالي لهم بعد زوال حماية نظام الأسد عنهم أو خوفهم من الملاحقة القضائية". وقد تواصلت مجلة الفِراتْس مع المكتب الإعلامي لقسد مستفسرةً عن هروب بعض العناصر إلى مناطقها وطلبهم الحماية، لكن لم يصل ردٌّ حتى وقت نشر هذا التقرير.
ينحدر القيادي أبو عيسى المشهداني، الذي قاد الفوج 47، من ريف دير الزور. وهو متورط بانتهاكاتٍ حصلت بحقّ المدنيين في المحافظة. من عمليات ابتزاز، وفرض أتاواتٍ على التُجار، إلى الانخراط بعمليات ترفيق شحنات السلاح والمخدرات التابعة للميليشيات الإيرانية. بعد سقوط نظام الأسد، أجرى أبو عيسى المشهداني تسويةً مع النظام الجديد في سوريا أملاً بالحصول على الأمان. لكنه وُجد مقتولاً في ريف دير الزور يوم السبت 14 فبراير 2025، بعدما عثر الأهالي على جثّته مقطوعة الرأس.
يقول عماد (اسم مستعار)، وهو من قادة المجموعات العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني في دير الزور منذ سنة 2023، في حديثه مع الفِراتْس إنه قبل سقوط نظام الأسد بيومين نقل السلاح الثقيل الذي يحتاج صيانةً –مثل الدبابات والعربات المجنزرة– باتجاه العاصمة دمشق ومدينة تدمر. وقد استحوذت إدارة العمليات العسكرية على هذا السلاح لاحقاً. إلى ذلك نُقل السلاح الثقيل الجيد الذي لا يحتاج إلى صيانة إلى داخل الأراضي العراقية، وقد شملت الأسلحة المنقولة عربات بي إم بي ودبابات "تي 62" الروسية. ويُضيف القيادي أن فصائل الحشد الشعبي هي من استلمت السلاح في الجانب العراقي. كما أن هناك قسماً آخَر سيطرت عليه قوّات قسد عند دخولها مناطق نفوذ الميليشيات الإيرانية في سوريا، في محافظة دير الزور صباح يوم الأحد 8 ديسمبر 2024. ومن الأسلحة التي حصلت عليها قسد "مخزون الذخيرة من قذائف الدبابات والصواريخ وبعض الآليات العسكرية إلى جانب أنظمة دفاعٍ جويٍ كانت تابعةً للواء الصواريخ الذي كانت مهمته حماية مطار دير الزور العسكري"، على حدّ قوله.
أمّا فيما يخصّ السلاح النوعي مثل الطائرات المسيّرة الإيرانية وقِطع تبديلٍ تدخل في صناعتها، إضافةً إلى معدّاتٍ تقنيةٍ إلكترونية، يقول عماد إن حركة النجباء سحبت معظم هذه المعدات باتجاه العراق بالتعاون مع ميليشيا حزب الله السوري. فيما بقي قسمٌ منها في بعض المقرات والمواقع العسكرية خاصّةً في البوكمال، واستحوذ عليها لاحقاً الفوج 47 الذي عمل على نقلها وتهريبها في الأيام اللاحقة تجاه العراق مقابل مبالغ ماليّة. الأسلحة الفردية منها نُقِلَت إلى العراق أو إلى تدمر، والقسم الأكبر منها سَرَقَها عناصر الميليشيات المُستغنَى عنهم لتُباع لاحقاً إما إلى "خلايا داعش أو تُجار سلاح" بحسب عماد، أو يسلَّم جزءٌ آخَر منها إلى قيادة العمليات العسكرية بالتوازي مع التسويات التي أجراها عناصر الميليشيات الإيرانية.
مصيرٌ مشابهٌ واجه الأسلحة التابعة للميلشيات الإيرانية في دمشق، منطقة القلمون، ودرعا. محمد، وهو من مقاتلي حزب الله السوري في منطقة القلمون منذ سنة 2018، يقول في حديثه مع الفِراتْس إن غالبية الأسلحة في المنطقة الجنوبية والقلمون نُقلت إلى لبنان في شهرين قبل سقوط النظام، لإمداد مقاتلي حزب الله في معاركهم جنوب لبنان. ويضيف محمد أن فترة ما بعد سقوط النظام مباشرةً شهدت عمليات نقلٍ كبيرةً للأسلحة إلى لبنان، خصوصاً وأن الحدود كانت في حالة فوضى كبيرةٍ، والإدارة الحالية في دمشق لم تكن متفرغة لضبط الحدود اللبنانية. أما الأسلحة والمعدات العسكرية الثقيلة التي كانت موجودة في القطاعات العسكرية التي لم تطلها يد الميليشيات الإيرانية بعد سقوط النظام، إما أصبحت بيد الإدارة العسكرية الجديدة أو دمّرها الطيران الإسرائيلي الذي شنّ غاراتٍ مكثفةً جدّاً على قواعد النظام والميليشيات الإيرانية في سوريا بعد سقوط النظام.
إسرائيل شنّت عشرات الغارات. وبحسب إحصائياتٍ غير رسمية، وصلت أكثر من 200 غارة على أصول النظام السوري العسكرية ومواقع تخزين السلاح في دمشق وريف دمشق وجبال القلمون عقب سقوط نظام الأسد. ويقول أحمد، وهو من سكّان مدينة الرحيبة في ريف دمشق، إن الغارات الإسرائيلية تجاوزت العشرين على الجبال المحيطة بمدينته في الأيام الأربعة الأولى من سقوط النظام. ويضيف في حديثه إلى الفِراتْس أن هذه الغارات استهدفت أسلحةً كانت تتبع النظام السوري وحزب الله اللبناني.
ويبقى المصير النهائي للسلاح الذي عملت إيران وحزب الله اللبناني على نقله إلى سوريا طيلة أكثر من عشر سنواتٍ غير محسومٍ في ظلّ الفوضى الحاصلة في مناطق مثل حمص والساحل والحدود السورية اللبنانية. إضافةً إلى عدم وجود قوىً كافيةٍ لدى إدارة العمليات العسكرية الجديدة في سوريا لملاحقة أمن الحدود السورية العراقية وضمانها، والتي تعدّ الخاصرة الضعيفة التي يمكن أن تعمل إيران وميليشياتها على الاستفادة منها في أيّ تحركٍ قريبٍ لزعزعة جهود الاستقرار في سوريا.
أكثر من عشر سنواتٍ تخلّلتها جهودٌ إيرانيةٌ ضخمةٌ في تعميق الوجود والنفوذ الإيراني في سوريا، وصل حدَّ المنافسة مع قوات النظام الرسمية. حتى أن بعض المدن، كحلب ودير الزور والميادين والبوكمال والقصير والزبداني وغيرها، باتت خارجةً عن سيطرة النظام العسكرية لصالح نفوذ الميليشيات الإيرانية. وهو أمرٌ لمسه أهالي تلك المدن بعدما سيطر قادة الميليشيات الإيرانية وعناصرها على كثيرٍ من منازل المدنيين وحوّلوها إلى سكنٍ لهم أو قواعد تخزينٍ للسلاح، دون أن يتمكن النظام من فعل أيّ شيءٍ إزاء شكاوى المدنيين.
لكن مع التحول في سوريا وتغيّر المعادلة العسكرية لصالح غرفة "ردع العدوان"، بدأت انسحاباتٌ بالجملة لعناصر الميليشيات الإيرانية الأجانب من الجنسية الإيرانية واللبنانية والأفغانية والباكستانية والعراقية من الأراضي السورية على مدار اليومين السابقين لهروب بشار الأسد وسقوط النظام، إضافةً إلى نقل عناصر من الميليشيات من الجنسية السورية. الوجهة كانت العراق أو لبنان بحسب علي (اسم مستعار)، وهو من قادة المجموعات التابعة لحزب الله السوري منذ سنة 2020، والذي صرّح للفِراتْس أن عمليات النقل كانت تجرى خلال الليل. وكان الحديث عنها بين العناصر المحليين يشير إلى أنها لا تتجه خارج سوريا، إنما نحو الجبهات التي تشهد معارك ضدّ غرفة العمليات العسكرية من أجل عدم نشر الفوضى أو أي أعمالٍ انتقاميةٍ قد يرتكبها العناصر الذين سيشعرون أنهم سيتركون للموت أو السجن. كذلك لقي عشرات المقاتلين حتفهم في معارك حماة وحمص، بحسب القيادي الذي أكد أن معارك حمص كانت بمثابة "مقبرة" لعناصر الميليشيات الإيرانية في سوريا. خصوصاً وأن قيادة الحرس الثوري الإيراني كانت تُرسِل تعزيزاتٍ عسكريةً إلى هناك لتأجيل حسم المعركة في مقابل كسب بعض الوقت لنقل القادة والمقاتلين والأسلحة إلى مناطق آمنةٍ داخل سوريا وخارجها.
ومع أن المشهد السوري اليوم يخلو من أيّ وجودٍ عسكريٍ فعليٍ للجانب الإيراني، إلّا أن ثمة عناصر وقادةً ما زالوا على تواصلٍ مع القيادات من الحرس الثوري الإيراني. وهو أمرٌ أكّده كلٌّ من إياد وصالح وكثيرون ممّن تحدّثت إليهم الفِراتْس. فقد قال إياد إنه يعلم أن ثمة عناصر ثقاتٍ عند القادة الإيرانيين ما يزالون على "تواصل مع الحرس الثوري الإيراني". ويوضِح أن هذا التواصل يشمل "نقل معلومات عن الأوضاع بشكل عام، وتزويدهم بمعلومات حول التحركات العسكرية لغرفة العمليات العسكرية، إضافة إلى تزويدهم بالأخبار السياسية الاقتصادية في المناطق التي كانت تنشط فيها المليشيات الإيرانية، ورصد ردّ فعل الأهالي بمختلف مكوناتهم".
ويقول محمد إن العناصر التابعين لحزب الله اللبناني من الجنسية السورية، الذين بقوا في سوريا، هم ثلاثة أنواع. الأول قطعت العلاقة به نهائياً بعد إخباره أن "المهمة في سوريا انتهت"، وهم اليوم إما أجروا تسويةً مع النظام الجديد أو مختفون عن الأنظار. أما الثاني فقد نُقل إلى لبنان قبل سقوط نظام الأسد وبعده. في حين ما يزال النوع الثالث إما على تواصلٍ مع الحزب "تحضيراً لأيّ تغييراتٍ في المستقبل القريب"، أو مهرّبون ومسؤولون على مخازن الأسلحة التي ما زالت موجودةً في الأراضي السورية. وهؤلاء يعملون على تحضير نقلها إلى لبنان. يؤكد محمد أن ثمة تحركات ما زالت في منطقة القلمون والجنوب من طرف العناصر التابعين للميليشيات الإيرانية سواء على مستوى نقل المعلومات، أو انتظار الأوامر في حال صدورها، أو حماية المخازن الخفية للسلاح.
فهناك مخازن للأسلحة في ريف دمشق وحمص ما زالت موجودة. وهناك محاولات لتهريبها إلى لبنان أو إلى العراق عبر مهرّبين متعاونين مع الميليشيات الإيرانية وحزب الله منذ سنوات. ولعلّ إنهاء عقد المصدر المفاجئ يدفعه للحديث إلى الفِراتْس بهذا الحنق وبهذه التفاصيل الدقيقة.
يُضاف إلى ذلك أن النشاط والوجود الحيّ لفصائل تابعةٍ للميليشيات الإيرانية كانت تنشط على الحدود السورية العراقية وداخل سوريا، مثل حركة النجباء وسيد الشهداء وعصائب أهل الحق. ويشير إياد إلى أن هذه الميليشيات ما زالت على تواصلٍ مع عناصر موجودين في سوريا أو مهربين تربطهم علاقةٌ وثيقةٌ معهم. وبحسب المعلومات التي نقلها فإن تلك الميليشيات تجري عمليات تنسيقٍ مع بقاياها أو المتعاونين معها في سوريا في مجال تهريب المخدرات والسلاح. كذلك فهناك بعض العناصر السابقين للميليشيات الإيرانية، والذين ما زالوا على تواصلٍ مع قادةٍ في الحرس الثوري الإيراني، أخبروا إياد أن هناك من تصلهم رسائل بأن يبقوا "مُختفين عن الأنظار ومُتحضرين لأي تطور في المستقبل"، دون أن يزوّدوا بمعلوماتٍ عن طبيعة التطور الذي قد يحصل، وفق ما قال إياد.
تحدياتٌ جدّيةٌ وجوهريةٌ تواجه المشروع الذي بذلت إيران سنواتٍ طويلةً وأموالاً طائلةً في تعزيزه وتقويته في سوريا، بتفتيت البنية العسكرية للنظام السوري وخلق ميليشياتٍ ومجموعاتٍ تنسّق معها من جهة، وفي بعض الأحيان تتنافس فيما بينها على النفوذ والسلطة. إضافةً إلى جعل سوريا "أكبر معمل كبتاغون في العالم" تُديره الميليشيات التابعة لإيران والفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق الرئيس السوري السابق بشار.
يعيش العناصر والقادة الذين التقتهم مجلة الفِراتْس حالةً من التوتر والخوف ممّا يسمّونه "انتقام المجتمع"، وإن أجروا تسوياتٍ مع الحكومة الانتقالية الجديدة. فهم يرون أن الأمان الذي حصلوا عليه اليوم هو أمانٌ من طرف الحكومة الجديدة. لكنهم يتساءلون عن مدى إمكانية أن تنسى مجتمعاتهم تاريخ عملهم عناصرَ للميليشيات الإيرانية، ويأملون أن تكون المرحلة المقبلة مرحلةً جديدةً لهم وللسوريين جميعاً. كذلك تشير هذه المقابلات إلى أن إيران ما زالت بطريقةٍ ما تحافظ على الحدّ الأدنى من التواصل مع قادةٍ وعناصر على الأرض السورية، في حين تحاول استغلال حالة الفراغ الأمني في بعض المناطق من أجل نقل أسلحةٍ ومعداتٍ عسكريةٍ نحو لبنان. وهذه الحالة تفسر الاتهامات التي وُجّهت لإيران بعد توترات الساحل في 6 مارس 2025، بدعم مجموعاتٍ من المؤيدين للنظام السابق. خاصةً في أوساط الطائفة العلوية، وإن لم تقدّم السلطات أدلةً على ذلك، فإن فقدان النفوذ في سوريا يعدّ ضربةً قويةً لإيران.
