زيت الزيتون السوري.. إرث عالمي في مهبّ التغيرات المناخية والحرب

بلغ إنتاجُ زيت الزيتون السوري ذروتَه سنة 2011 بحوالي مئةٍ وخمسين ألف طنٍّ، تراجع تدريجياً ليصل إلى أربعةٍ وتسعين ألفاً فقط سنة 2024.

Share
زيت الزيتون السوري.. إرث عالمي في مهبّ التغيرات المناخية والحرب
يعود تاريخُ زراعة الزيتون واستثمارِه في سوريا إلى أكثر من ستّة آلاف عام | تصوير حنين السيد

مع شروق شمس الخريف، تُثقلُ أشجارُ الزيتونِ أغصانَها بالثمار، مودّعةً عاماً من الكدّ والعطاء ومنتظرةً أيدي المزارعين لتخفّفَ عنها هذا الحِملَ وتعيدَ إليها خفّتَها. يتجمّع المزارعون في حقول الزيتون المترامية على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي السورية تحت ظلال أشجارٍ يناهز أعمارُ بعضها مئاتِ السنين، في تقليدٍ يبدو كأنه وصيّة الأجداد للأحفاد. إذ يجتمع الأهل والأقارب والجيران وتتكاتف الأيدي كخليّة نحلٍ، منهم من يمدّ الشوادر بحرصٍ تحت الأشجار وآخَرون يحملون الأمشاط الخشبية بأيدٍ مفعمةٍ بالحماس لبدء القطاف. تتساقط الحبّات الخضراء والداكنة على الأرض، ويهرع الأطفال إلى جمعها من هنا وهناك، بينما تحضّر الأمهات الطعام ويعملن مع الرجال في جمع المحصول. تشبه رائحةُ عبق الزيتون عناقاً دافئاً بين الأرض والسماء، فالزيتون في سوريا ليس مجرّد محصولٍ زراعيٍّ، بل هو حكايةٌ تربط الإنسان بأرضه تحكيها كلّ شجرةٍ وكلّ موسم قطاف.

تجلس سامية أم محمد في استراحةٍ قصيرةٍ تحت شجرة الزيتون بقرية بديتا في جبل الزاوية جنوبي إدلب. تمسك كوب شايٍ ساخنٍ أُعِدّ على الحطب، وتنظر إلى الحقل من حولها وتبتسم قائلة: "كاسة الشاي عالحطب بأرض الزيتون بتسوى الدنيا كلها، طعمتها غير". يتردّد صدى كلماتها في الأجواء، وكأنها ترسم لوحةً عن ارتباط الإنسان بأرضه، وعن الطقوس التي توارثها السوريون جيلاً بعد جيل.

يُعَدّ زيت الزيتون السوري من أبرز رموز الهوية الزراعية والثقافية للبلاد، لكنّه يشهد أزمةً غيرَ مسبوقة. فالمنتَج الذي اقترن اسمُه بجودةٍ فريدةٍ وصيتٍ عالميٍّ، وشكّل شريانَ حياةٍ اقتصاديّاً وثقافيّاً للسوريين على مدار التاريخ، يواجه اليوم اختباراتٍ صعبةً مع التغيّرات المناخية الحادّة التي أضعفت الإنتاج وأثّرت في جودته. إضافةً إلى تداعيات الحرب التي دمّرت الأراضي الزراعية والبنية التحتية، وسط غيابِ مخطّطاتٍ فعّالةٍ للتصدّي لهذه الأزمات.

يعود تاريخُ زراعة الزيتون واستثمارِه في سوريا إلى أكثر من ستّة آلاف عام. ويُعتقد أنّ سوريا مهدُ شجرة الزيتون الأولى في العالم، إذ تشير المكتشَفات الأثريّةُ في مدينة "إيبلا" قرب حلب إلى أنّ السوريّين القدماء لم يكتفوا بزراعة الزيتون فحسب، بل اتّخذوه مصدراً اقتصادياً وثقافياً رئيساً. فكانت جِرَارُ زيت الزيتون المسمّى "الزيت الذهبيّ المعطّر" تُنقَل عبر طرق التجارة إلى مناطق مختلفة. وتُوثّق الألواحُ إنتاجَ مئات الأطنان سنوياً من الزيت المستخدم في الطعام والطقوس الدينية أو حتى سلعةً ثمينةً تُباع بأسعارٍ تفوق غيرَها من المنتَجات.


يبلغ عدد أشجار الزيتون في سوريا نحو مئةٍ وستّة ملايين شجرةٍ، منها اثنان وثمانون مليون شجرةٍ مثمرة. وتنتشر زراعة الزيتون في المنطقة الشمالية (إدلب وحلب) بنسبة 46 بالمئة، وفي المنطقة الوسطى (حمص وحماة) بنسبة 24 بالمئة، وفي المنطقة الساحلية (طرطوس واللاذقية) بنسبة 18 بالمئة، وفي المنطقة الشرقية (دير الزور والحسكة والرقة) بنسبة 2 بالمئة، ثمّ مناطق الجنوب (درعا والسويداء) حديثاً بنسبة 10 بالمئة، ما جعل متوسّطَ الإنتاج السنويّ نحوَ ثمانمئة ألف طنٍّ من الثمار ونحوَ 125 ألف طنّ زيت زيتونٍ وفق إحصائية وزارة الزراعة سنة 2023.

وتبوّأت سوريا مركزاً متقدّماً عالمياً بإنتاج الزيتون وزَيْتِه، فقد بلغت المرتبةَ الخامسةَ عالمياً في إنتاج الزيتون سنة 2011، بعد إسبانيا وإيطاليا واليونان وتركيا. وهي الأولى عربيّاً، متجاوزةً تونس بإنتاجٍ بلغ مليون طنٍّ، ووصل قبلها إلى مليونٍ ومئتَيْ ألف طنٍّ، قبل أن يتراجع تصنيفها إلى العاشرة عالمياً في سنة 2019. وبينما بلغ إنتاجُ زيت الزيتون السوري ذروتَه سنة 2011 بحوالي مئةٍ وخمسين ألف طنٍّ، تراجع تدريجياً ليصل إلى أربعةٍ وتسعين ألف طنٍّ فقط سنة 2024، ما يعكس الانحدارَ المستمرَّ على مدار العقد الماضي.

زراعة الزيتون في قرى الشمال السوري، تصوير حنين السيد

ترتبط زراعة الزيتون في سوريا بتاريخٍ طويلٍ من الاعتماد على الطبيعة ومياه الأمطار، إذ تروي الأمطارُ الموسميةُ 95 بالمئة من أشجار الزيتون السوري. لذلك أثّرت التغيّراتُ المناخيةُ وارتفاعُ درجات الحرارة في السنوات الأخيرة على هذا القطاع، مهدِّدةً استمراريةَ المحصول. فقد تراجعت معدّلات الأمطار إلى مستوياتٍ أقلّ بكثيرٍ من حاجة الأشجار الطبيعية البالغة أربعمئة مليمترٍ سنوياً.


وفقاً لتحليلات المناخ التاريخية التي قدّمها المركز الأوروبي للتنبّؤات الجوّية متوسّطة المدى، شهدت منطقتا إدلب وحلب تغيّراتٍ مناخيةً ملحوظةً في الفترة من سنة 1979 إلى سنة 2021. فأظهرت البياناتُ ارتفاعاً تدريجياً في متوسّط درجات الحرارة السنويّة في المنطقتَيْن اللتَيْن تُعدّان مركزَ شجرة الزيتون السوري، مع تزايدٍ واضحٍ في الأشهر الأدفأ، ما يعني تأثيراً ملموساً للاحتباس الحراري.

وتوضح إحدى المخططات التي نشرها موقع "بيركلي إيرث"، وهي منصة غير ربحية تركّز على توفيرِ بياناتٍ بيئيةٍ مفتوحة المصدر وتحليلِ درجة حرارة الأرض، ارتفاعَ درجات الحرارة في سوريا منذ سنة 1860 حتى التوقّعات المستقبلية لسنة 2100. وقد زادت درجاتُ الحرارة بحلول سنة 2022 بمقدار 2.2 درجة مئوية مقارنةً بالمستويات التاريخية. ومن المتوقع أن تصل إلى 3.9 درجة مئوية بحلول 2100 إذا استمرّت انبعاثات الكربون بالارتفاع.
أمّا هطول الأمطار، فقد سجّلت إدلب وحلب تقلّباتٍ كبيرةً وفقاً لتحليلات المناخ التاريخية في موقع "ميتيوبلو"، وهي منصة تُصدر بيانات الطقس عالية الجودة لأيّ نقطةٍ على الأرض أو البحر في العالم، دون اتجاهٍ ثابتٍ بالزيادة أو النقصان، ما يشير إلى تغيّراتٍ غير منتظمة في الأنماط المطرية. بينما تسجّل العديدُ من محافظاتِ زراعة الزيتون في السنوات الأخيرة، مثل إدلب وحلب واللاذقية، هطولاتٍ متواضعةً لم تتجاوز مئةً وخمسة عشر مليمتراً في أفضل الحالات، ممّا أدّى إلى تشقّق التربة وضعف نموّ الثمار وجفاف الأشجار، فتأثّرت جودةُ زيت الزيتون السوري وكمّيّتُه.
ومع غياب الدعم المؤسّسي من تقنيات الري الحديثة وبرامج إدارة الموارد المائية، يزداد الوضع تعقيداً. فالحلول البديلة التي تبنّتها دولٌ أُخرى، مثل الري بالتنقيط أو إدارة مياه الأمطار، ما زالت غائبةً عن المشهد السوري، ما يترك المزارعين في مواجهةٍ مباشرةٍ مع آثار التغيّر المناخي.

في مقابلةٍ للفِراتْس مع الدكتور منذر الدرويش، الموظف السابق في هيئة البحوث العلمية الزراعية ورئيس قسم بحوث الزيتون في إدلب، يقول: "التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على جودةِ ثمار الزيتون وزَيْتِها بفعل النضج القسريّ للثمار، فتجاوز درجة الحرارة 30 درجةً مئويةً أثناء فترة الإزهار [الربيع] تؤدّي إلى تسريع عملية الإخصاب، ممّا يقلّل من نسبة عقد الثمار ويؤثّر سلباً على الإنتاج، بينما تُضعِف درجاتُ الحرارة العالية [أكثر من 40 درجة مئوية] من محتوى الأحماض الدهنية الصحية في زيت الزيتون، وتُحفّز عملياتِ الأكسدةِ داخل الزيتون، ممّا يرفع نسبةَ البيروكسيدات ويؤثر في جودةِ الزيت وقيمتِه الغذائية ويقلّل من قابليته للتصدير وفق المعايير الدولية".

ويضيف الدرويش: "يُعدّ شهرا سبتمبر وأكتوبر من كلّ عامٍ فترةً مثاليةً لتغذية أشجار الزيتون بمياه الأمطار، ممّا ينعكس إيجاباً على إنتاجية الزيت وجودته، إلا أنّ سنة 2024 شهدت غياباً تاماً للأمطار خلال هذين الشهرَيْن، خاصّةً في المحافظتين الأكثر إنتاجاً لزيت الزيتون السوري، إدلب وحلب، حيث بلغ معدّل الهطول المَطَريّ فيهما صفر مليمتر، ما أثّر بشكلٍ كبيرٍ على جودة المحصول وإنتاجيته".

عدمُ انتظام الهطولات المَطَريّة يؤثّر في بنية الشجرة ويزيد من احتمالية إصابتها بالأمراض فتتأثّر جودةُ الثمار والزيت، بحسب الدرويش. ومع أن المزارعِين الذين التقتهم الفِراتْس يشيرون إلى أنّ انخفاضَ معدّلات الأمطار مشكلةٌ رئيسةٌ، تُظهِر البياناتُ المناخيةُ أنّ التراجعَ في معدّلات الأمطار في العقد الماضي لَم يكُن حادّاً كما يُعتقَدُ، وإنما كانت المشكلةُ في التوزيع غير المنتظم للهطولات وتَركُّز الأمطار في فتراتٍ قصيرةٍ، ما يؤدّي إلى تشبّع التربة مؤقّتاً دون أن تستفيد منه الأشجارُ كفاية.

هذا التباينُ بين الانطباعات المحلّية والحقائق العلمية يُبرِز أهمّيةَ دمج الأصوات المختلفة بين المزارعين الذين يعايشون المشكلةَ يومياً والخبراء الذين يحلّلون البيانات على نطاقٍ أوسع. وتَناقُضُ هذه الرؤى قد لا يكون تَضارُباً، بل إنّه يقدّم زوايا متعدّدةً تساعد في بناء فهمٍ أعمق للمشكلة وطرق معالجتها.

يشير دكتورُ الهندسة الزراعية خالد الطويل، في مقابلةٍ معه، إلى أنّ ارتفاعَ درجات الحرارة وزيادةَ الرطوبة قد يؤدّيان إلى خلق ظروفٍ مواتيةٍ للآفّاتِ مثل ذبابة ثمار الزيتون والعثّة وحفّار ساق التفاح، والأمراضِ مثل سلّ الزيتون وعين الطاووس، ما يؤثّر كثيراً في جودة الزيت المستخلَص.

ويؤكّد الطويل أنّ المجلس الدوليّ للزيتون يصنّف زيت الزيتون ثلاثَ فئاتٍ رئيسةٍ بناءً على نسبة الحموضة، وهي مؤشّرٌ أوّليٌّ لجودة الزيت. فزيت الزيتون البِكْرُ الممتازُ في المرتبة الأُولى جودةً، لأنّ الحموضة الحرّة لا تزيد نسبتها فيه عن 0.8 بالمئة، ما يجعله خياراً مثالياً للاستهلاك المباشر وللاستخدامات الصحّية والغذائية. أمّا زيت الزيتون البِكْرُ ففي المرتبة الثانية بنسبِ حموضةٍ تصل إلى 2 بالمئة، ويُعَدّ ذا جودةٍ جيّدةٍ لكنّه أقلُّ نقاءً مقارنةً بالبِكْر الممتاز. وفي المرتبة الثالثة زيت الزيتون البِكْرُ العاديُّ بنسبة حموضةٍ تتراوح بين 2 بالمئة و3.3 بالمئة، ويُستخدم غالباً في الطهوِ وليس للاستهلاك المباشر.

ويضيف الطويل أنّ الزيوت التي تتجاوز نسبةُ الحموضة فيها 3.3 بالمئة تُصنَّف زيوتاً غيرَ صالحةٍ للاستهلاك المباشر، فتُوجَّه لاستخداماتٍ صناعيةٍ أو تخضع لعمليات تكريرٍ لتقليل الحموضة وتحسين خصائصها. وما حصل أنّ جودة زيت الزيتون السوري سنة 2024 كانت رديئةً ولا تحقّق المواصفات العالمية للأسباب التي أسلفناها.

يتحدّث للفِراتْس تاجرُ الزيت من إدلب مرعي الأطرش قائلاً إن "موسم زيت الزيتون السوري سنة 2024 لا يشبه باقيَ الأعوام لأن نسبة الحموضة الحرّة [أو الأسيد] في الزيت كانت عاليةً جدّاً، فنسبة 90 بالمئة من الإنتاج حموضتُه بين 17 و70، ما يجعله زيتاً غير صالحٍ للأكل. ويَرجِعُ السببُ إلى ذبابة الزيتون التي ضربت الموسمَ في سنة 2024 في عموم سوريا. وقد انعكس ذلك على أسعار الزيت بشكلٍ كبيرٍ في انخفاض سعره إلى النصف وأقلّ من ذلك مقارنةً بالعام الذي سبقه".

تشير نتائجُ مختبريةٌ حديثةٌ، حسب الأطرش، إلى تدهورٍ كبيرٍ في جودة زيت الزيتون السوري في السنوات الأخيرة. فقد بلغت نسبُ الحموضة الحرّة في معظم العيّنات مستوياتٍ مرتفعةً تجاوزت الحدَّ المسموحَ به في المواصفات الدولية لزيت الزيتون البِكْر الممتاز. إذ يجعل المجلس الدولي لزيت الزيتون (آي أو سي) معيارَ نسبة الحموضة المسموح بها في الزيت البِكْر الممتاز 0.8 بالمئة حدّاً أقصى، بينما وصلت عيّناتُ زيت الزيتون السوري سنة 2024 إلى نسبٍ تتراوح بين 5 و17 بالمئة في بعض المناطق.

بالإضافة إلى ذلك، أظهرت التحاليل ارتفاعَ مستوياتِ البيروكسيد في زيت الزيتون السوري إلى أكثر من ثلاثين مِلّي مكافئ في الكيلوغرام، وهو مؤشّرٌ على تدهور الأحماض الدهنية وتلف الزيت بفعل الأكسدة. ويُعدّ هذا تجاوزاً واضحاً للحدّ الأقصى المقبول في المواصفات الدولية البالغ عشرين مِلّي مكافئ في الكيلوغرام. هذه النتائج تضع زيت الزيتون السوري خارج التصنيفات العالمية للزيوت القابلة للتصدير أو الاستهلاك الفوري.

يُرجِع بعضُ الخبراء هذه القيمَ المرتفعةَ إلى ممارساتٍ خاطئةٍ في مراحل الإنتاج، مثل تخزين الثمار مدّةً طويلةً قبل عصرها. وكذلك تجميعها في ظروفٍ غير مناسبةٍ تزيد معدّلَ التلف والأكسدة. بالإضافة إلى تأثير التغيّر المناخي وانتشار آفّاتٍ مثل ذبابة الزيتون التي تُسَرِّع تلفَ الثمار.

تتغذّى ذبابة الزيتون على لُبّ الثمرة فتجفّفها وتجعلها تسقط، تصوير حنين السيد

في حديثه للفِراتْس يقول سالم الأحمد، مزارعٌ من ريف إدلب الجنوبيّ: "اضطررتُ لجمع الزيتون قبل أوانه حيث سقطت أغلب الثمار على الأرض وجفّت بسبب ذبابة الزيتون التي تتغذّى على لُبّ الثمرة فتجعلها تسقط". ويفاقم الوضعَ غيابُ الجهة القادرة على المساعدة في مكافحة الذبابة التي باتت آفّةً ضربت كلَّ حقول الزيتون وتحتاج إلى جهدٍ مؤسّسيٍّ للسيطرة عليها.

ويعود انتشار ذبابة الزيتون، وفق الدكتور خالد الطويل، إلى ارتفاع الرطوبة والحرارة في بداية الخريف، ممّا وفّر بيئةً مثاليةً لتكاثرها. وتحتاج مكافحتُها إلى تدابير وقائيةٍ تشمل اصطياداً جماعياً ومكافحةً حيويةً وممارساتٍ زراعيةً صحيحةً كإزالة الثمار المصابة بانتظامٍ، بالإضافة إلى استخدام المبيدات الحشرية عند الضرورة. إلّا أن غياب برامج المكافحة الجماعية يزيد من تعقيد المشكلة، إذ تقتصر الجهود على محاولاتٍ فرديةٍ غير كافيةٍ بسبب نقص الإمكانيات ونقص الدعم الحكومي.


مشكلةُ تغيّر المناخ ليست وليدةَ اللحظة، بل هي نتيجةُ تراكماتٍ طويلةٍ ومعقّدةٍ غذّتها أزماتٌ خلّفتها الحربُ التي دامت أكثرَ من عقدٍ في سوريا. أجبرت الحربُ المزارعين على التعامل مع آثارها، ومن ضمنِها الوضعُ الأمنيُّ السيّئُ والقصفُ المستمرُّ والتضخّمُ السكانيُّ نتيجةَ التهجير القسريّ. كلُّ ذلك أثقلَ كاهلَ الأراضي الزراعية شمال غرب سوريا وأدّى إلى العجز عن العناية بأشجار الزيتون كما يجب.

وبحسب تقريرٍ صادرٍ عن وسائل الإعلام الحكومية الروسية سنة 2018 قال فيه سيرغي شويغو، وزير الدفاع الروسي، إنّ قوّات بلاده اختبرت مئتين وعشرة أنواعٍ من الأسلحة في سوريا أثناء مساندتها لنظام بشار الأسد. وقد خلّفت سنواتُ الحرب الطويلة في سوريا كارثةً بيئيةً وآثاراً ضارّةً وخطيرةً بسبب كثرة استخدام الأسلحة المتفجّرة والأسلحة العنقودية والكيماوية وما تحمله من موادٍّ سامّة. كلّ هذه المنتجات الضارّة انتشرت ولوّثت التربةَ والماءَ والهواءَ، وأضرّت بالنُظُم البيئية والتنوّع الأحيائيّ والبيئة الطبيعية عموماً. هذا ما تُبيِّنُه دراسةٌ عن الأضرار البيئية الناتجة عن النزاع المسلّح في سوريا.

وفي 7 أبريل 2021 نشرت مبادرةُ الإصلاح العربي دراسةً استقصائيةً بعنوان "الآثار البيئية للصراع السوري" تثبت ارتفاعَ مستويات تلوّث البيئة بنسبةٍ هائلةٍ في سنة 2015، من انبعاثاتٍ واجتثاثِ الغابات وتآكُلِ التربة وانحسارِ الغطاء النباتي ونضوبِ المياه. وقد حلّت سوريا في المرتبة الثامنة عشرة بين أكثر الدول تلوّثاً من بين اثنتين وتسعين دولةً في العالم سنة 2019، وفقاً لتصنيف منظمة الصحة العالمية. إذ بلغ تركيز "الجسيمات الدقيقة" ثلاثة أضعاف مستوى التعرّض الموصَى به من منظمة الصحة العالمية. وعلاوةً على ذلك، تؤثّر المستويات العالية من "الجسيمات الدقيقة"، حسب الدراسة، على الإنتاجية الزراعية وتقلّل من غلّة المحاصيل لا سيّما البذور الزيتية التي تتأثر أكثر من غيرها.

وتُظهر الدراسةُ الاستقصائيةُ أن "القصف المتواصل في سوريا أدّى إلى خلخلة التربة، ممّا سهّل انتقالَها عبر الرياح والمياه وزاد من فرص حدوث العواصف الترابية. كما تسارعت أيضاً وتيرةُ تآكل التربة نتيجةَ التغيّرات المقلقة في الغطاء النباتيّ، وذلك لزيادة الطلب على الموارد الطبيعية والتوسّع الحضري خلال الصراع بسبب حركة وتنقلات السكان. فأكثر من 85 بالمئة من الأراضي الزراعية في سوريا عرضةٌ لتآكل التربة، وقد انخفض استخدام الأراضي الصالحة للزراعة بنسبة 21 بالمئة بين سنتَيْ 2010 و2014".

يقول المُزارع محمد أبو النور، من بلدة البارة جنوب إدلب: "لم يكن وصولي إلى مزرعتي بالأمر السهل. كانت بلدتي تقع على خطّ التماس بين مناطق المعارضة ومناطق سيطرة النظام السوري، الأمرُ الذي أجبرني على عدم الاهتمام بالأشجار بما يكفي، فتساقط قسمٌ كبيرٌ على الأرض بسبب القذائف قبل أن ينضج. وفتكت الذبابةُ بالقسم الآخَر، ما ترتّب عليه تكاليفُ كبيرةٌ وخسائرُ أكبر".

يُعدّ تمركز السكان وزيادة الكثافة السكانية في مناطق محدودةٍ شمال غربي سوريا من الأسباب الرئيسة لارتفاع معدّلات التلوّث البيئي، وهو ما يشير له مؤيد الشيخ حسن، المهندس المختصّ بتحويل الطاقة وحلول تغيّر المناخ، إذ أدّى ذلك إلى تضاعف الأنشطة البشرية مثل العمليات الصناعية والتجارية التي تنتج كمّياتٍ هائلةً من الملوثات.

وتشمل هذه الملوِّثاتُ بحسب الشيخ حسن، الغازاتَ السامّةَ والمخلّفاتَ الصناعيةَ التي تترك تأثيراً مباشراً على التربة والمياه والهواء، ويؤكّد أن هذه الأنشطة جسيمةُ الأثر في تدهور الأراضي الزراعية، ممّا يؤثّر على إنتاجية الغطاء النباتي، ويهدّد التوازنَ البيئيَّ في المنطقة.

ومِن أبرز الملوّثات التي يشيرُ إليها الشيخ حسن أكاسيدُ النيتروجين وأكاسيد الكبريت وأكاسيد الكربون التي تنبعث من حرّاقات النفط والمعامل وعوادم السيارات. تركيز أكاسيد النيتروجين في المناطق الصناعية يمكن أن يصل إلى أربعين أو ستّين ميكروغرام في المتر المكعّب، ممّا يُسبّب احتراق الأوراق ويقلّل معدّلات نموّ النباتات. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ ارتفاع مستويات الجسيمات الدقيقة إلى ثلاثة أضعاف المستوى الموصى به من منظمة الصحة العالمية يؤدّي إلى تدهور جودة التربة وتحلّل الموادّ العضوية فيها، ممّا يهدّد إنتاجيةَ الأراضي الزراعية. هذه الملوّثات تؤدّي أيضاً إلى تدهور جودة زيت الزيتون بسبب انخفاض نسبة مضادّات الأكسدة والزيوت الأحادية غير المشبَعة.

وقد برز التلوّث في السنوات الأخيرة بين أكثر العوامل تهديداً لزراعة الزيتون السوري، إذ تتداخل تأثيراته مع التغيّر المناخي لتفاقم أزمة القطاع الزراعي. وتُظهر التقاريرُ البيئية أن المخلّفات الصناعية ومياه الصرف الصحّي غير المعالجة أدّت إلى تغييراتٍ كيميائيةٍ في التربة، مثل ارتفاع نسب المعادن الثقيلة وتحلّل المواد العضوية ما جعل الأراضي الزراعية أقلّ قدرةً على دعم الأشجار المثمرة.

مياه الصرف الملوّثة تؤدي إلى تدهور التربة وموت الأشجار، تصوير حنين السيد

يقول المُزارع مضر السيد، من منطقة دير حسان شمال إدلب: "دَمّرتْ مجاري الصرف الصحّي القادمةُ من المخيمات القريبة من مزرعتي جزءاً كبيراً من أشجار الزيتون التي اعتنيتُ بها لسنواتٍ، حيث بدأت تذبل وتموت بسبب المواد السامّة التي تتسرّب إلى التربة. حتى الزيتُ الذي أُنتجه من الأشجار المتبقية أخشى أن يكون ملوّثاً وغير آمنٍ للاستهلاك". ويؤكّد أن هذا التلوث لم يدمّر الأشجار في أرضه فحسب وإنما قتل العديد من الأشجار في مزارع جيرانه.

بينما يقول أبو خليل، مزارعٌ من منطقة عفرين: "لاحظنا انخفاضاً كبيراً في إنتاج الزيتون في السنوات الأخيرة بسبب قلّة الأمطار والجفاف. لكننا نشعر أن الوضع يزداد سوءاً بسبب التلوث القادم من المخيمات القريبة من الأراضي الزراعية بمحيط جنديرس. فمن خلال المشاهدات الميدانية، لاحظنا أن مياه الصرف الصحّي الناتجة عن المخيمات تُصرَف عشوائياً إلى الأراضي الزراعية المحيطة". هذا التلوث يؤدّي إلى تدهور التربة وزيادة مخاطر التلوث البيئي والصحّي على السكان والمزروعات.

وتفتقر المخيمات شمال غرب سوريا في معظمها إلى أنظمةِ صرفٍ صحّيٍّ مناسبةٍ، فتؤدّي مياهُ الصرف الملوّثةُ والموادُّ السامّةُ إلى تدهور التربة الزراعية وموت الأشجار، كما هو الحال في مناطق مثل دير حسان وجنديرس وغيرها.

وتبدو مشكلةُ الغبار شمال إدلب واحدةً من التحدّيات البيئية الكبرى التي تحدّث عنها العديد من المزارعين الذين التقتهم الفِراتْس. استقرّ ملايين المهجَّرين شمال إدلب، وأصبحت الطرقُ الزراعية غيرُ المعبَّدة مصدراً دائماً للغبار الناتج عن عبور السيارات والمشاة. هذا الغبار يكسو أوراقَ أشجار الزيتون بطبقاتٍ سميكةٍ، فيعيق التركيبَ الضوئيَّ ويُضعِف نموَّ الأشجار ويؤثّر في جودة الزيتون، مع ضعف الإمكانيات لتنظيفها. قد تبدو هذه المشكلة بسيطةً ظاهرياً، إلّا أنها تشكّل تحدّياً كبيراً يضاف إلى سلسلةٍ طويلةٍ من الصعوبات التي تواجه المزارعين في شمال سوريا.


المناطق التي كانت خاضعةً لسيطرة النظام السوري قبل سقوطه في الثامن من ديسمبر ليست أفضل حالاً. فقد شهدت تلك الفترة إهمالاً كبيراً لمعالجة الأثر المتزايد لتغيّر المناخ على زراعة الزيتون في سوريا والمشاكل الأُخرى مثل الضعف المادّي الذي يمنع المزارعين من استيعاب الجفاف ورَيِّ مزارعهم. فقد كان الناس يعيشون حالة فقرٍ في مناطق النظام السابق، ولم تُتّخذ خطواتٌ جادّةٌ لمواجهة الجفاف أو دعم المزارعين مادّياً لتوفير وسائل ريٍّ مناسبةٍ، مع التوقّعات المناخية السابقة التي أشارت إلى تأخر هطول الأمطار وضعف توزيعها. بعد سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر استمرّت التحدّيات الزراعية، إلّا أن الإهمال السابق لهذه القضايا في فترة حكمه يعكس انشغال النظام بأولوياتٍ سياسيةٍ وأمنيّةٍ على حساب القضايا الزراعية والبيئية، ما فاقم معاناة المزارعين وغيّب الدعم المستدام لهذا القطاع الحيوي.

يبلغ عدد أشجار الزيتون في سوريا نحو مئةٍ وستة ملايين، تصوير حنين السيد

لم يُشِر النظام السوري سابقاً إلى مسؤوليته المباشرة عن تدهور القطاع الزراعي بقراراته التي رفعت أسعار مستلزمات الإنتاج في مناطقه وتعسّرت تغطية تكاليف الإنتاج، خاصّةً الطاقة والأسمدة. إذ يلاحظ الارتفاع المطّرد لأسعار المشتقّات النفطية، خاصّةً في الأعوام الأخيرة، ما يصعّب على المزارعين تحسين مزارعهم أو التكيّف مع التغيّرات المناخية والجفاف.

كذلك، فإن غياب الإرشاد الزراعي يترك المزارعين بلا توجيهٍ عن أفضل الممارسات التي تضمن لهم إنتاجيةً أفضل. وقد تَلِفَت كثيرٌ من الآلات الزراعية ولم يَعُد بمقدور الفلّاحين تحمّل تكاليف الصيانة، بسبب نقص الموارد وارتفاع أسعار قطع الغيار، كما تحدّثت مجموعةٌ من المزارعين الذين التقتهم الفِراتْس في ريف حماة.

ساهم غياب الرؤية الإدارية الواضحة لدى المؤسسات الحكومية في تدهور القطاع الزراعي والاقتصاد السوريّ عامّةً. فقد أضحت بعض الدوائر تعمل بلا سياسةٍ أو خطّةٍ إداريةٍ محدّدةٍ، ما أدّى إلى الفشل الإداري وشلل حركة مؤسسات الدولة وفقدها القدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب. بالإضافة لسلسلةٍ من السياسات النقدية التي أدّت على مدار سنوات الحرب إلى تدهور سعر الليرة أمام الدولار، إذ تعيش الليرة السورية أسوأ فترةٍ في تاريخها وأدنى مستوىً لها في تاريخ الدولة السورية.

وسط هذه التحدّيات وغياب الدعم المؤسّسي وافتقار السياسات إلى رؤيةٍ فعّالةٍ، يبرز السؤال المهمّ: هل يكفي لوم التغيّر المناخي وحده، أم أنّ غياب التخطيط وسياسات الحرب والانهيار الاجتماعي لها دورٌ أكبر في هذا التدهور؟ هذه التساؤلات تكشف الأسبابَ التي دفعت زيت الزيتون السوري إلى حافّة الانهيار، وفهم أبعاد الحرب التي تهدّد استمرارية هذا المنتَج العريق.

بالمقابل حافظَتْ دولٌ مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان على استقرار إنتاج زيت الزيتون، بل وزيادته في بعض السنوات، بتطبيق سياساتٍ زراعيةٍ مبتكرةٍ ومتكاملة. على سبيل المثال، تبنّت إسبانيا تقنيّات الرّي الحديث مثل الرّي بالتنقيط الذي يساهم في توفير المياه في فترات الجفاف. إضافةً إلى ذلك، ركّزت على تطوير أصناف زيتونٍ مقاومةٍ للظروف المناخية القاسية، واستثمرت في الأبحاث الزراعية لتعزيز كفاءة الإنتاج ومواجهة التغيرات المناخية. أما في إيطاليا، فقد ساهمت التقنية الحديثة في مراقبة صحّة الأشجار وتحسين الإنتاجية. بينما اعتمدت اليونان على تحسين إدارة التربة ونقل زراعة الزيتون إلى مناطق أكثر ملاءمةً مناخياً. يقول الباحث في معهد الزيتون اليوناني يورغوس كوبوريس "نحن أمام وضع دقيق"، يدفع باتجاه "تغيير طريقة تعاملنا مع الأشجار والتربة". هذه المخططات والدعم الحكومي المستمرّ للقطاع الزراعيّ جعلت تلك الدول نموذجاً يُحتذَى في التكيّف مع التغيرات المناخية وتأمين استدامة إنتاج زيت الزيتون.

وقد تَراجَعَ إنتاجُ زيت الزيتون السوري، مقارنةً باستقرار الإنتاج أو ارتفاعه في دولٍ مثل إسبانيا وإيطاليا وتونس. وتبرز الفجوة الإنتاجية الناتجة عن ضعف الدعم المؤسسي وتأثير التغير المناخي والحرب في سوريا، مقابل نجاح الدول الأخرى في تبنّي تقنياتٍ حديثةٍ وسياساتٍ زراعيةٍ فعّالة، ما يُظهر الحاجة الماسّة لتحسين استراتيجيات الزراعة في سوريا لاستعادة مكانتها.

زاد إنتاج الزيتون السوري بنسبة 6 بالمئة سنة 2024، في مناطق سيطرة النظام قبل سقوطه في ديسمبر. وبالمقارنة بالكمّية الإنتاجية سنة 2011 فهو تراجعٌ بيّنٌ من جهةٍ، لَم يقابِلْه تحسّنٌ في الجودة من جهةٍ أُخرى. وقد خُصِّص حوالي 592 ألف طنٍّ من الثمار للعصر، لكن نسبة الزيت المستخلَصة انخفضت إلى 16 بالمئة فقط.

هذه الزيادة في الإنتاج الكمّي تخفي وراءها معاناةً حقيقيةً من موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة والتلوث ونقص الدعم المؤسسي، ما ساهم في تراجع جودة الإنتاج. فتدهورت مواصفات زيت الزيتون السوري وخرج عن التصنيفات العالمية بحسب رئيس قسم تقنية الأغذية في البحوث العلمية الزراعية، محمد الشهابي، الذي كشف في مؤتمر الأمن الغذائي والتنمية المستدامة في جامعة دمشق أن هيئة المواصفات العالمية والمجلس الدولي لزيت الزيتون قد منحا سوريا مهلةً حتى سنة 2026 لتحديث معاييرها وإعادة منتَجها إلى القائمة العالمية.

ويقترح الخبراء والمختصون سلسلةً من الحلول العملية لحماية زراعة الزيتون من تحدّيات التغيّر المناخي والتلوّث. فيرى الدكتور منذر الدرويش أن استخدام تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، يُعدّ ضرورةً لتحسين جودة الزيت وزيادة الإنتاج، خاصّةً في المناطق الجافّة مثل شمال غرب سوريا. توفّر هذه التقنياتُ المياهَ وتوجّهها إلى جذور الأشجار فيقلّ الهدر وتحسن كفاءة استخدامها. ينصح الدرويش كذلك بتغطية التربة بالقش لتقليل التبخر وباستخدام الأسمدة العضوية والخضراء لتحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالرطوبة.

تُعدّ مشكلة التغيّرات المناخية مشكلةً عالميةً إلّا أن بعض الدول تمكّنت من مواجهتها بمخططاتٍ مبتكرة. على سبيل المثال، نجحت إسبانيا في تبنّي تقنيات الري بالتنقيط على نطاقٍ واسعٍ، مما ساعد في تحسين استخدام الموارد المائية وزيادة جودة الإنتاج. وفي تونس التي تعاني ظروفاً مناخيةً مشابهةً لسوريا، أُطلقت برامج وطنيةٌ لتشجيع الزراعة المستدامة واستخدام مصدّات الرياح لحماية الحقول من التصحر. واعتمدت إيطاليا على مبادراتٍ جماعيةٍ لمكافحة الآفّات الزراعية، مثل ذبابة الزيتون، باستخدام تقنياتٍ حديثةٍ تقلّل الاعتماد على المبيدات الضارّة.

في سوريا بيئةٌ تأثّرت كثيراً بتبعات الحرب والنزاع الطويل. فالحاجة إلى مخططاتٍ شاملةٍ للتعامل مع آثارها ضرورةٌ ملحّة. ومعالجة التدهور الزراعي والتلوث البيئي الذي خلّفته الحرب يتطلّب نهجاً متعدّد المستويات، يبدأ من دعم المزارعين إلى العمل على بناء بنيةٍ تحتيةٍ تضمن التخلص الآمن من المخلفات الصناعية ومياه الصرف الصحّي التي دمّرت التربة، وإطلاق برامج وطنيةٍ لإعادة تأهيل الأراضي الزراعية المتضررة، بزراعة غاباتٍ صغيرةٍ تصدّ الرياح وتحسّن جودة الهواء وتمنع التصحر.

وعلى المدى الطويل، فالاستثمار في الأبحاث الزراعية لابتكار أصناف زيتونٍ جديدةٍ مقاومةٍ للظروف المناخية القاسية أمرٌ أساسيٌ لتحقيق الاستدامة. ويتعيّن تبنّي حلولٍ زراعيةٍ ذكيةٍ، مثل أنظمة الري الحديثة وإعادة تدريب المزارعين على ممارساتٍ زراعيةٍ تراعي البيئة، بالتوازي مع تعزيز العمل الجماعي بنقاباتٍ زراعيةٍ قويّةٍ تضمن مشاركة الجميع في جهود إعادة الإعمار الزراعي.

إعادة بناء القطاع الزراعي في سوريا لا تعني فقط إصلاح ما دمّرته الحرب، بل تمثّل فرصةً لإعادة صياغة علاقة الإنسان بالأرض، واستثمار هذا الإرث العريق ركيزةً للهوية الاقتصادية والثقافية لسوريا، مع ضمان مستقبله واستمراريته في مواجهة تحدّيات العالم المتغيّر.

اشترك في نشرتنا البريدية