جبل الشيخ: شبكةُ تهريب بين سوريا ولبنان تحت نظر حزب الله والنظام السوري

تنشط على الحدود السورية اللبنانية حركةُ تهريب بضائع تتراوحُ بين أجهزةٍ كهربائيةٍ ومخدراتٍ وأسلحة. زاد تهريبُ الأسلحة إلى لبنان بعدَ اندلاع الحرب على غزة.

Share
جبل الشيخ: شبكةُ تهريب بين سوريا ولبنان تحت نظر حزب الله والنظام السوري
منظر بانورامي لجبل الشيخ لبنان وسوريا. صور غيتي

يعبرُ إيهابُ بلدةَ "بقعسم" السوريةَ من سلسلةِ جبالِ الشيخِ الصخريةِ سيراً على قدمَيه إلى بلدةِ راشَيّا اللبنانيةِ، متجشّماً صعوبةَ المنحدراتِ الجبليةِ والأحوالِ الجوّيةِ القاسيةِ، سعياً إلى إعالةِ أُسرتِه. يقطعُ مسافةَ سبعةِ كيلومتراتٍ إلى الحدودِ السوريةِ اللبنانيةِ للحصولِ على موادَّ غذائيةٍ مهرَّبةٍ وأجهزةٍ إلكترونيةٍ غيرِ متوفّرةٍ في سوريا. يلتقي هناك مهرِّباً لبنانياً من راشيّا يعملُ لصالح حزب الله ويديرُ شبكةَ تهريبٍ واسعةً من لبنان إلى جبلِ الشيخِ.

إيهاب اسمٌ مستعارٌ لمهِّربٍ يعملُ في منطقة جبل الشيخ على الحدودِ السورية اللبنانية، اعتادَ عبورَ الحدودِ بين البلدين مرتين أو ثلاث مرات شهرياً، وأحياناً مرة واحدة. لا جديدَ في نشاط إيهاب فهو يفعل ما يفعلُه سكانُ المنطقةِ منذُ عقود. لكنَّه لاحظَ مؤخراً تحولاً في عمليات التهريب. فقد أصبحت المنطقةُ محوراً لتهريبِ الأسلحةِ والذخائرِ لصالحِ حزب الله اللبناني، وتورَّطَ عناصرُه في تجارةِ المخدرات. وتشيرُ زيادةُ تهريبِ الأسلحةِ والمخدراتِ إلى حاجةِ حزب الله المتزايدة للمالِ والسلاحِ منذُ اندلاع حربِ السابع من أكتوبر، التي انخرط إثرَها حزبُ الله في مواجهات محدودةٍ ومستمرّةٍ معَ إسرائيل من إطلاقِ صواريخ على بلداتٍ ومواقعَ إسرائيلية قربَ الحدود اللبنانية وعلى هضبة الجولان ومزارع شبعا المحتلَّتَيْن.

تُعَدُّ منطقة جبل الشيخ محورية في خطّةِ حزب الله لتعزيزِ نفوذه، لوقوعها على الحدود مباشرةً مع الجولان الذي شهد مؤخراً توتراً كبيراً بعد سقوط قذيفة في بلدة مجدل شمس، ممَّا أسفرَ عن مقتل اثني عَشرَ طفلاً من الدروز السوريين في أثناء لعبِهِم كرةَ القدم. وقالت إسرائيل إن حزب الله وراء الحادثة، وهو ما نفاه الحزب. تسبب هذا الحادث بزيادة التوترات بين إسرائيل وحزب الله، وبمخاوف اندلاع حرب إقليمية واسعة. واهتمامُ حزب الله بالمنطقةِ يتعدّى تهريبَ الأسلحة إلى محاولة استمالةِ سكان المنطقة، وهم في غالبهم من الدروز، واستعمالهم في إدارة مواجهاته مع إسرائيل.

وفي منطقةِ جبل الشيخ قمةُ جبل حرمون بارتفاعٍ يزيد على ألفين وثمانمئة متر، مشرفةً على الأراضي المحيطة بما في ذلك الجولان المحتل. الموقع مهمٌّ للمراقبة العسكرية ونصب أجهزة الرادار، وتنشط فيه عملياتُ التهريب منذُ ترسيم الحدود بموجب اتفاقية سايكس بيكو. يعتمدُ سكان القرى السورية واللبنانية في هذه المنطقة على التهريب مصدرَ رزق أساسي، إذ يفصلُ بين قرى عرنة، بقعسم، قلعة جندل، وبيت جن في سوريا وقرى منطقة راشيا في لبنان سلسلةُ جبالٍ شاهقة يقطعها المهربون سيراً على الأقدام أو على الدواب.


تُوجدُ في مَنطِقةِ جبلِ الشيخِ معابرُ عدّة غيرُ نظاميةٍ يَنشطُ فيها تهريبُ المخدِّراتِ والسلاحِ والأدواتِ الكهربائيةِ والدخانِ. ويوفِّرُ تهريبُ الأدواتِ الكهربائية والدخان قوتَ المئات من سكانِ المناطق الحدودية منذ عقود. ولوحظ في الأشهر الأخيرة تزايدٌ في تهريبِ السلاحِ والمخدرات، كما قال إيهاب ومصدرٌ محليٌّ آخر. تُشرف على هذه العمليات جماعاتٌ متخصِّصةٌ في سوريا مرتبطةٌ بالفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري والتي يديرُها مقربون من بشار الأسد، وقوات الدفاع الوطني، وهي جماعاتٌ مسلَّحةٌ أسَّسها النظام السوري في أثناءِ الثورة السورية سنةَ 2012 وارتَكَبَتْ مجازرَ عدَّة بحق المدنيين، وفي لبنان ترتبط بميليشيا حزب الله. وهذه المعابرُ مصادرُ مالية مهمَّةٌ للأجهزةِ الأمنيةِ السوريةِ وحزبِ الله اللبناني. تُقدِّمُ الخلية المشتركةُ بين حزب الله والفرقة الرابعة والأمن العسكري السوري التسهيلاتِ اللازمةَ وتغضُّ الطّرفَ عن المهربين المدنيين السّاعين إلى قوتهم اليومي.

منذُ بدء حرب السابع من أكتوبر تغيّرت عمليات التهريب تغيّراً لافتاً، كما يقول إيهاب. إذ زاد تهريبُ أصنافٍ محدَّدةٍ منَ القذائف والذخائر، من الأراضي السورية إلى الجانب اللبناني، في منطقة جبل الشيخ، وهو دليلٌ واضح ٌعلى حاجة ميليشيا حزب الله المتزايدة إلى السلاح. وتشمل هذه الذخائرُ قذائفَ بي 7، المستخدمة في قاذفاتٍ محمولة على الكتف، وقذائفَ الهاون المستخدمة في تقديم الدَّعمِ الناري غير المباشر وتدميرِ الأهدافِ المُحَصَّنَةِ، وصواريخَ كونكورس الموجهة المضادة للدّروع لتدميرِ الدباباتِ والمركباتِ المدرَّعة، وذخائرَ بي كي سي المستخدمة في الرشاشات الخفيفة، وبنادقَ كلاشينكوف. وازدادَ أيضاً توريدُ المخدراتِ، خصوصاً الكبتاغون والحشيش، من الأراضي اللبنانيةِ إلى الأراضي السورية. كانت أصنافُ الذخائر هذه قبلَ حربِ السابع من أكتوبر مع أنواعِ أخرى من الأسلحة الفردية، تَعبرُ من لبنان إلى سوريا، لكنَّ العمليةَ العكسيَّةَ في انتقالها من سوريا إلى لبنان ترتبطُ بوضوحٍ بتصاعدِ العملياتِ العسكريةِ بين حزب الله وإسرائيل جنوب لبنان.

من الشخصيات البارزة في منطقة جبل الشيخ العقيدُ فراس كريدي عرّابُ المعابرِ غيرِ الشرعية بين البلدين. وفي حديث مع إيهاب، وهو اسم مستعار لمهرب يعمل في جبل الشيخ، يقول إيهاب: "يؤدي فراس كريدي عملاً مهماً في تنظيم وتسهيل عمليات التهريب، بما في ذلك نقل الأسلحة والمخدرات، ما يرتبط بشكل مباشر بتوفير السلاح والمخدرات لجماعات متعاونة، بما في ذلك ميليشيا حزب الله على الجانب اللبناني في مناطق قريبة للحدود السورية اللبنانية مثل راشيا". بينما أفادَ مصدرٌ متعاونٌ معَ فرعِ الأمنِ العسكري، رَفَضَ الكشفَ عن اسمه، بأنَّ فرعَ الأمنِ العسكريِّ بقيادة العميد أديب سليمان يضمُّ عدداً من المتعاونين الناشطين في قضايا عدّة، منها تنظيف الصحة، وإخلاء معتقلين، وأخرى تتعلق بالتهريب والتجارة. ويقصد بتنظيف الصفحة إزالة السجلات الجنائية  أو تعديلها لشخصٍ ما لتبدوَ نظيفةً وخالية من الجرائم، وقد تشمل تزويرَ الوثائق أو التأثيرَ على السجلات الرسمية. أما إخلاء معتقلين فيشيرُ إلى إطلاقِ سراح الأشخاصِ المعتقلين من السجون أو مراكز الاحتجاز، وقد يكونُ ذلك بطرقٍ رسميةٍ أو غير رسميةٍ، مثل دفع رشاوى أو استخدام النفوذ.

وقالَ المصدرُ: "بصفتي مندوباً عاملاً في الفرع، أقوم بمهمات متكررة إلى قرية بيت تيما حيث ألتقي بشخص يُدعى أبو علي لأخذ حمولة معينة، لا نعرف ما هي، ونقوم بإيصالها إلى متعاونين مع الفرع في حي المطار بدرعا المحطة. الحمولة تكون مخزنة ولا نعرف محتواها بدقة، لكنها قد تكون مخدرات. تتكرر هذه العملية عدة مرات في الشهر، وأحياناً نذهب إلى قرية بقعسم لأخذ حمولة مشابهة عبر وسيط يدعى وضاح كريدي. نحمل (تصاريح) مهمات عسكرية من فرع عسكري للعبور عبر الحواجز، ونتقاضى على نقل كل حمولة مكافأة قدرها 1.5 مليون ليرة سورية".


يسعى حزبُ الله اللبناني والأمنُ العسكري السوري إلى تأمينِ مصادر تمويل متواصلة ودعم إسنادي باستخدام معابر التهريب في جبل الشيخ. تُعد عملياتُ التهريب، لا سيما تهريب المخدرات والأسلحة، جزءاً من خطّةٍ أوسع لتوسيع نفوذهم وتأمين الموارد المالية. تعتمد هذه الاستراتيجية على شبكة معقدة من المتعاونين المحليين والمتخصِّصين في التهريب. يتولَّى فرعُ الأمنِ العسكريِّ بقيادة العميد أديب سليمان، بالتنسيق مع شخصيات بارزة مثل العقيد فراس كريدي، تنظيم هذه العمليات لضمان مرور الشحنات من الحواجز بلا اعتراض، وتسهيل ذلك.

في الأسابيع الأولى من الحرب انطلقت بعضُ القذائفِ والصواريخِ محلية الصنع من أطراف القرى الدرزية في جبل الشيخ، عبر خلايا نائمة لميليشيا المقاومة الشعبية لتحرير الجولان، مما أثار مخاوفَ الأوساط الدرزية من استهداف إسرائيلَ قراهم. يقولُ مصدرٌ من اللجنةِ المدنيةِ للطائفة الدرزية في جبلِ الشيخ إنَّ وفداً من وجهاء الطائفة ومشايخها تَوجَّهَ إلى فرع المخابرات العسكرية في سعسع، وطالب بوقف أي نشاطٍ من قراهم يستهدفُ الجانبَ الإسرائيليَّ. وطلبوا من وئام وهاب وطلال أرسلان، الزعيمين الدرزيين اللبنانيين الموالين لحزب الله نقلَ الرسالةِ ذاتِها إلى قيادةِ الحزب في لبنان. كان لهذا التحرك المدفوع بالخوف من دخولِ المنطقة في الصراع، بعد سنوات الحرب الدموية التي انتهت سنةَ 2018 تأثيراً في تجنّب حزبِ الله توسيعَ نطاقِ عمليَّاته العسكرية إلى منطقة جبل الشيخ، وفي الوقت نفسه أظهرَ رغبةَ الحزب في الحفاظ على العلاقات الجيدة مع سكان المنطقة.

مع ذلك استمرت عملياتُ إطلاق القذائف والصواريخ من أراضي محافظةِ القنيطرة إلى الجولان المحتل. وفي حديثنا مَعَ متقاعدٍ مدنيٍّ من الفرقة الرابعة فضَّلَ عدمَ ذكرِ هويته، قال: "إن قوات لواء القدس [التابع لإيران] تقف وراء القسم الأكبر من هذه العمليات. إذ منذ بدء حرب أكتوبر، سعت قوات لواء القدس لتجنيد عشرات المقاتلين المحليين في ريفي درعا والقنيطرة، مقابل رواتب شهرية تصل إلى مليون ليرة سورية للمقاتل الواحد [حوالي 70 دولاراً]". هذا التحرك اللافت لقوات لواء القدس في محافظتي القنيطرة ودرعا، بعدما كان نشاطها يتركز في البادية السورية وفي محافظة حلب، يشير إلى حيوية تتعامل فيها الجماعات المسلحة المدعومة من طهران على خطوط الجبهات مع إسرائيل. تراجعُ حضورِ حزب الله العلني في ريف القنيطرة لا يعني انسحاباً من المنطقة، إنما هو من مقتضيات الأحوال والمتغيرات والاستهداف الإسرائيليِّ المكثف لحزب الله وتخوف سكان المنطقة، من الدروز والسنة، من أي نشاط للحزب، فكُلِّفَ لواءُ القدس بهذه المهمة.

ونشر مركز "عين الشام" في وقت سابق تقريراً استناداً إلى مصادره، كشف فيه عن نشوب خلافات حادة بين قائد اللواء 90، العميد علي سليمان، وقائد كتيبة اللواء حسن مرعي من جهة، وبين قائد الفرقة الرابعة في منطقة جبل الشيخ، العقيد فراس كريدي من جهة أخرى. وتعزى الخلافات إلى اتهامات موجهة لكريدي بتسهيل دخول عناصر من ميليشيا حزب الله إلى منطقة بقعسم، لشن هجمات صاروخية على الجولان المحتل، وهو ما عدّته قيادة اللواء 90 تهديداً لأمن المنطقة.

وتفاقمت الخلافات بعد أن نفذت إسرائيل ضربات استهدفت نقاطاً تابعة للواء 90 في مواقع عدة، بما في ذلك قرص النفل، وسرية دربل، وحاجز بلدة حضر، وحواجز أخرى في ريفي القنيطرة الشمالي ودمشق الغربي. وكشفت المصادر عن أن العقيد فراس كريدي، المنحدر من بلدة بقعسم والمنتمي إلى الطائفة الدرزية، كان له أثر محوري في عمليات القصف الأخيرة على الجولان المحتل.

وقال أبو قصير، وهو قيادي في مجموعة الكريدي، إنهم يرغبون بفتح جبهة إسناد في المنطقة لدعم المقاومة ومن أجل فلسطين، لكنهم على خلاف كبير مع قيادة اللواء 90 بشأن ذلك. وأكد أن التواصل بين العقيد فراس الكريدي والعميد علي سليمان منقطع تماماً، بعد الحادثة الأخيرة، بينما أكد مصدرٌ في اللجنة المدنية في جبل الشيخ رَفْضَهم أن تكون مناطقهم قاعدة انطلاق لأي من الفصائل العسكرية، في إشارة إلى المقاومة الشعبية وسرايا القدس.

وكشف متطوع سابق في صفوف حزب الله اللبناني بين سنتي 2013 و 2015، ويعمل حالياً ضمن مجموعة عسكرية دينية في منطقة جبل الشيخ، عن تفاصيل الوجودِ العسكريِّ ونشاطِ الحزب في تلك المنطقة. وأوضحَ أنَّ حزب الله بدأ نشاطَه الفعلي في الجزء السوري من منطقة جبل الشيخ بين سنتي 2012 و2013، مستغلاً التوترات الأمنيةِ والعسكريةِ الناشئةِ بعدَ اندلاعِ الثورةِ السورية سنةَ 2011 والحرب الأهلية التي تلتها. وأشار المتطوع إلى أنَّ الأوضاع التي ساعدت على تركيز نشاط الحزب في القرى ذاتِ الأغلبية الدرزية تمثلت في الصراعِ الدامي بين السكانِ الدروز وجيرانِهم من السنة المتمرِّدينَ على نظام الأسد، إذ انحاز الدروز في تلك المنطقة إلى جانب النظام. وأضاف أنَّ العرّابَ الأوَّلَ لمشروعِ حزب الله في جبل الشيخ كان الدرزيَّ اللبنانيَّ سمير القنطار، الذي أفرجت عنه إسرائيل سنةَ 2006 في صفقةِ تبادلٍ مع حزب الله، وانضمَّ بعدها إلى الحزب. زار القنطار بلدةَ حضر وقرى جبل الشيخ الدرزية مراراً منتصفَ سنة 2012، وشرع في تأسيس ميليشيا "المقاومة السورية لتحرير الجولان"، مُستَغِلاً انتماءه الطائفي وشعبيَّتَه بعد حرب تموز، وضعفِ حضور قوات النظام السوري في تلك المنطقة نتيجة اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل عام 1974.

وأكَّدَ المتطوِّعُ السابق أن سمير القنطار اعتمدَ في التجنيدِ والاستقطابِ على مُوفَّق بدرية، أحدِ أعضاء الميليشيات الموالية للنظام من سُكانِ بلدة حضر، والذي كان يُوصف بالذراع الأيمن للقنطار. رتّب موفّق بدرية عمليات الانتساب إلى ميليشيا المقاومة الشعبية لتحرير الجولان، ونَجَحَ في استقطاب مئات الشباب من قرى حضر، وقلعة جندل، وبقعسم، وعرنة، وحرفا بين سنتي 2012 و 2013. خضع غالبية هؤلاء المنتسبين لدورات تدريبية عندَ حزبِ الله في منطقة بعلبك في لبنان، وَسَافرَ بعضُهم إلى إيران وتدرّبوا على يدِ الحرسِ الثوريِّ الإيراني، منهم موفق بدرية. وبدأت علاقة موفق بدرية وسمير القنطار في لقاءٍ جماهيريٍّ في بلدة حضر الدرزية، إذ ينتميان إلى الطائفةِ نفسِها. تطورَّت العلاقةُ بينهما نتيجةَ رغبةِ القنطار في بناء مقاومة سورية لتحرير الجولان، مما أسهمَ في تعاونٍ تدريجي وكبير بينهما.

أشارَ المصدرُ في حديثِه عن تمدُّدِ حزب الله حينَها في جبل الشيخ إلى إقبال المقاتلين الدروز المتزايد على الانضمام للميليشيا التي أسسها القنطار لقتال المتمردين على نظام الأسد وتشكيل جبهة جديدة مع إسرائيل. وأضاف أن إسرائيل بدأت منذ منتصف سنةَ 2014 بتنفيذ اغتيالاتٍ لقادة وأعضاء ميليشيا المقاومة السورية لتحرير الجولان وحزب الله في جبل الشيخ. بدأت هذه الاغتيالات باغتيال موفق بدرية في 17 يونيو 2014، ثم في يناير 2015 اغتيلَ قياديان بارزان في حزب الله في مدينة القنيطرة، بقصفٍ جوّي، هما محمد عيسى قائد قطاعٍ لدى الحزب، وجهاد مغنية، نجل القيادي البارز عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق سنةَ 2008.


ضربات إسرائيل والانتباه المبكر إلى تمدُّدِ حزب الله في خاصرتها الشمالية مع سوريا، دفعَ الحزبَ إلى محاولةِ الردِّ على الجبهةِ نفسِها أواخرَ أبريل 2015. حاولت مجموعةُ مقاتلين محليين من بلدةِ حضر السوريةِ زرعَ عبوةٍ ناسفةٍ على الشريط الشائك بين سوريا وإسرائيل، لكنَّ الجيشَ الإسرائيلي استهدفَ المجموعة بضربة جوية أودت بحياة أربعة منهم، جميعهم من أبناء القرى الدرزية. تبع الحادثةَ بعدَ أيامٍ قصفٌ بقذائف الهاون من ميليشيا المقاومةِ الشعبيةِ استهدفَ الجولانَ المحتل. وفي يوليو 2015 قصفت إسرائيلُ سيارةً للمقاومة الشعبية قرب بلدةِ حضر، ممَّا أدَّى إلى مقتلِ ثلاثةِ مقاتلين محليين من أبناء البلدة كانوا المسؤولين المباشرين عن القصف بقذائف الهاون على الجولان.

أمّا التحولُ الكبير فكان في ديسمبر 2015، عندما اغتالت إسرائيلُ سمير القنطار بغارة جوية استهدفت شقةً سكنيةً في بلدة جرمانا بريف دمشق. وأوضح المتطوع السابق أن هذا الاغتيال، مع ما سبقه من اغتيالات قُتل فيها عددٌ من أبناء القرى الدرزية، كانَ ضربةً قاصمة لميليشيا المقاومة الشعبية ولمشروع حزب الله في جبل الشيخ، مما أدَّى إلى انسحابِ عشرات المقاتلين المحليين الدروز من ميليشيا المقاومةِ الشعبيةِ وانضمامِهم إلى مجموعاتٍ مسلحة أخرى تابعة للنظام السوري. وأضاف أن النشاط العلني للميليشيا في جبل الشيخ انتهى بعد اغتيال القنطار، ودخل مرحلةً جديدةً تقومُ على النشاط السري وأسلوب الخلايا النائمة.

الضربات الإسرائيلية المحكمة، والاستفاقة المبكرة لتمدد حزب الله في خاصرتها الشمالية مع سوريا، دفع الحزب إلى محاولة الرد على الجبهة نفسها أواخر أبريل 2015. حينها حاولت مجموعة مقاتلين محليين من بلدة حضر السورية زرع عبوة ناسفة على الشريط الشائك بين سوريا وإسرائيل، لكن الجيش الإسرائيلي استهدف المجموعة بضربة جوية أودت بحياة أربعة منهم، وجميعهم من أبناء القرى الدرزية. تبع الحادثة بعد أيام قصف بقذائف الهاون من ميليشيا المقاومة الشعبية استهدف الجولان المحتل. وفي يوليو 2015، قصفت إسرائيل سيارة للمقاومة الشعبية، قرب بلدة حضر مما أدى إلى مقتل ثلاثة مقاتلين محليين من أبناء البلدة، كانوا المسؤولين المباشرين عن القصف بقذائف الهاون على الجولان، وفقاً لما أكده مصدر من المقاومة الشعبية لتحرير الجولان.

كان التحول الكبير في ديسمبر 2015، عندما اغتالت إسرائيل سمير القنطار بغارة جوية استهدفت شقة سكنية في بلدة جرمانا بريف دمشق. وأوضح المتطوع السابق أن هذا الاغتيال، مع ما سبقه من اغتيالات قتل فيها عدد من أبناء القرى الدرزية، كان ضربة قاصمة لميليشيا المقاومة الشعبية ولمشروع حزب الله في جبل الشيخ، مما أدى إلى انسحاب عشرات المقاتلين المحليين الدروز من ميليشيا المقاومة الشعبية وانضمامهم إلى ميليشيات سورية أخرى تابعة للنظام السوري. وأضاف أن النشاط العلني للميليشيا في جبل الشيخ انتهى بعد اغتيال القنطار، ودخل مرحلة جديدة من النشاط السري وأسلوب الخلايا النائمة. وهو ما تقاطع مع مصادر أخرى من المقاومة الشعبية لتحرير الجولان.

بات حزب الله مع هذه الردود الإسرائيلية أكثرَ حذراً في جبل الشيخ، لا سيما بعدما طالبَ مشايخُ الطائفة الدرزية بالمنطقة ووجهاؤها، في رسالةٍ نقلَها وئام وهاب إلى قيادة الحزب في لبنان مطلع 2016، بوقفِ أيِّ نشاط عسكري علنيٍّ للحزب في مناطقهم، لعدم قدرتهم على تَحمُّلِ جبهتين معاً، إسرائيل من جهة وفصائل المعارضة والتنظيمات الإسلامية من جهة أخرى، كما قال أحد وجهاء بلدة عرنة في جبل الشيخ. لكن الحزب احتفظ بخلايا نائمة له في المنطقة، تنوعت مهامُّها بين الرصدِ الاستخباراتي للتحركات الإسرائيلية في الجولان المحتل، وإطلاقِ قذائف وصواريخ عندما يطلب الحزب منها. وهذا ما فعلته في ديسمبر 2017 بإطلاق صاروخ على مستوطنة في الجولان.

ومع هذهِ العمليات الخجولة لقوات المقاومة الشعبية لتحرير الجولان، وتحولها إلى العمل السري، استمرَّت إسرائيلُ  في تنفيذِ الضربات ضدَّ أعضائها في جبل الشيخ. نفذت إسرائيل ثلاثَ ضربات بين 2020 و 2022، قتلت بها مقاتلين عدّة، من بينهم تحرير محمود قيادي سوري في القوات، من أبناء قرية مجدل شمس في الجولان المحتل، وسكان بلدة حضر. وبلغ عدد المقاتلين المحليين الذين اغتالتهم إسرائيل من بلدة حضر وحدها 18 شخصاً حتى سنة 2022. قال المتطوع السابق: "أصبح سكان المنطقة يتخوَّفون من أيِّ علاقة تربطهم مع أحدِ أعضاء قوات المقاومة الشعبية وحزب الله. كثيرون ممن ارتبطوا بالحزب غادروا المنطقة إلى التضامن وجرمانا في دمشق خوفاً من استهدافهم"، كما قال مصدر من المقاومة الشعبية لتحرير الجولان.

في ظلِّ تأكيداتِ إسرائيلية استمرارَ التنسيقِ مع القوات الروسية في سوريا بعد اندلاع الحرب في غزة، نشرت الشرطةُ العسكريةُ الروسية ثلاثَ نقاط مراقبة جديدة هذه السنة 2024 في هضبةِ الجولان بهدف مراقبةِ وقفِ إطلاق النار. جاء هذا التحرُّك بعد "الاستفزازات المتزايدة في المنطقة المنزوعة السلاح الواقعة على طول مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل"، كما ورد في تصريح نائبِ رئيس مركز المصالحةِ الروسيِّ في سوريا، التابع لوزارة الدفاع، فاديم كوليت. تبدو التحركاتُ الروسيةُ جادةً في تخفيفِ حدّةِ التوترِ على جبهة الجولان المحتل. فمنذ أن شيّدت نقاط المراقبة الجديدة وكثّفت من تسيير دورياتها، تراجع إطلاقُ الصواريخ والقذائفُ من الأراضي السورية. أما روسيا، التي كانت قد قلّصت من وجودها العسكري جنوبَ سوريا بعد غزوِهَا أوكرانيا، عادت إلى المشهد من جديدٍ في محافظة القنيطرة ضامناً لخفضِ التصعيدِ على الحدودِ الشمالية لإسرائيل.

تقولُ موظفة عاملة في منظمة جهاد البناء، رفضت الكشف عن اسمها لدواعٍ أمنية، فإن المنظمة التي تتبع لحزبِ الله اللبناني تُقَدِّمُ الدعمَ الماديَّ والتعويضاتِ العينية لشراء موادِّ البناء والأدوات المنزلية للعوائل المتضررة. تتركز هذه المنحُ على منتسبي حزب الله السوريين، ثم المدنيين من الطائفة الشيعية، لا سيما القادمين من كفريا والفوعة. وتُقدَّمُ المساعدة لبعض المتضررين من الطوائف الأخرى.

وأشارت الموظفةُ إلى أنَّ المنظمةَ تنشطُ في مشاريع مشتركة مع البلديات الحكومية في ريف القنيطرة. على سبيل المثال، تُمَوِّلُ فتحَ طرقاتٍ وتزفيتها في خان أرنبة ومدينة البعث بالتعاون معَ ممثلين مثل "الحاج هاشم والسيدة هناء السيد". ومع ذلك، فإنَّ المنظمةَ تعملُ بناءً على أوامر لجنة الجالية الإيرانية والسفارة الإيرانية التي تموّل هذه المشاريع. تتركز نشاطات المنظمة جنوب دمشق، تحديداً في منطقة السيدة زينب، وتعمل في جنوب وشمال سوريا أيضاً. والحاجّ جواد هاشم المسؤولُ عن التجنيد العسكري لحزب الله اللبناني في ريف القنيطرة، بينما السيدة هناء السيد، المنحدرة من بلدة خان أرنبة، عضوةٌ في حزب البعث الاشتراكي وانتُخبت في مجلس الشعب من قبل.

تقدّمُ منظمةُ جهاد البناء تعويضات ماديةً وعينيةً لمنتسبي حزب الله في هذه المنطقة، سواء كانوا من الجرحى أو ذوي القتلى، مما يُسهمُ في تعزيزِ الولاء والدعم المحلي. تُعدُّ هذه التعويضات جزءاً أساسياً من الأدوات التي يستخدمها الحزب لضمان استمرار عملياته واستقرار نفوذه في المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان.


يعتمدُ حزبُ الله اللبناني سياسةً بعيدةَ المدى تركز على تثبيت دوره  لاعباً رئيساً في المنطقة باستقطاب الحاضنة الشعبية في قرى جبل الشيخ، مما يجعله ورقةً رابحةً في أيِّ حربٍ مستقبلية مرتقبة بتحويلها إلى جبهة خلفية وربما جبهة إسناد. ولأنَّ سكان المنطقة ينتمون إلى طوائف مختلفة (الدروز مع وجود قليل من أبناء الطوائف السنية والمسيحية)، حاول الحزب تقديم التسهيلات اللازمة والمنح المالية بمنظمات تابعة له لتعزيز وجوده الشعبي. وسيطر، بالتعاون مع النظام السوري، على الخيوط الرئيسة في ملفِ التهريب، مصدرِ العيش لكثيرٍ من السكان.

مع ذلك لا يبدو التحدي سهلاً لحزب الله في هذه المنطقة التي لم تتعافَ بعدُ من تداعيات الحرب الأهلية السورية. فقد تلقى الحزب ضربات موجعة من إسرائيل هنا، بعدما حاول توسيع نشاطه العسكري المعلن منذ سنة 2012. ويبدو حزب الله مدركاً أن الدروز في هذه القرى الحدودية ليسوا على كلمةٍ واحدة، فمواقفهم السياسية متباينة، ويُظهرُ كثيرٌ منهم معارضةً علنيةً للنظام السوري وحزب الله. حتى الموالون منهم للنظام يرفضون توريط منطقتهم في أي صراع غير محسوب النتائج، وبدا ذلك واضحاً في مطالبِ شيوخهم المتكررة بوقف نشاط الحزب العسكري في قراهم.

اشترك في نشرتنا البريدية